"يجب أن تفرغ أمعاءك مرة كل يوم"، كثيراً ما تقع هذه العبارة على أسماعنا، ولا نبالغ في القول إن صانعي المسهلات لهم حصة الأسد في ترويج هذه العبارة إلى درجة جعلها فكرة مسلمة لا نقاش فيها، ولا غرابة في ذلك، فهذا يتناسب ومصالحهم ببيع المزيد والمزيد من المسهلات، والمشكلة أن غالبية الناس تقع تحت رحمة هذه الدعاية المضللة نوعاً ما، فيظنون خطأ أنهم فعلاً يعانون من الإمساك على رغم أنهم طبيعيون للغاية. إن الحاجة إلى افراغ الأمعاء تتباين من فرد لآخر، فهناك من يذهب إلى دورة المياه مرة واحدة في اليوم، وهناك من يذهب إليها ثلاث مرات يومياً، وهناك آخرون يكتفون بمرات ثلاث في الأسبوع، والمهم في الموضوع أن ليس هناك قاعدة ثابتة حول ذلك. لا شك أن الكتام الإمساك مشكلة شائعة، ولعبت ظروف الحياة العصرية بما فيها من كر وفر وغم دوراً كبيراً في شيوعه. هناك أسباب متنوعة ومتعددة تقف وراء الكتام، إلا أن غالبية هذه الأسباب يمكن كشف الستار عنها، فقد يكون سببه قلة شرب السوائل أو قلة تناول الألياف الغذائية أو الشدة النفسية أو نتيجة تناول بعض العقاقير... وغيرها. وفي ما يأتي سنلقي نظرة على بعض العوامل المشجعة للإمساك وكيفية علاجها بالتي هي أنسب: قلة شرب السوائل: على كل شخص يشكو من الإمساك أن يلقي نظرة فاحصة على برنامجه الغذائي، فإذا كان هذا البرنامج لا يحتوي على ما يكفي من السوائل، فإن الإمساك سيكون على الموعد. إن الجهاز الهضمي يحتاج إلى السوائل كي يقوم بمهماته المنوطة به، خصوصاً تطرية المواد البرازية في القولون من أجل تسييرها في المجرى المعوي بشكل أسرع وأسهل. رب قائل قد يسأل: ما هي كمية السوائل الواجب تناولها في اليوم؟ وجواباً على هذا نقول إن الإنسان يحتاج، على الأقل، بين ستة وثمانية كؤوس كبيرة من السوائل لتأمين حسن سير عمل الأمعاء، وإذا كانت السوائل كلها مفيدة، فإن الماء هو الأفضل على هذا الصعيد. قلة كمية الألياف الغذائية: معظم الناس لا يأخذ كفايته من الألياف الغذائية، فهذه الألياف، بعكس المعادن والفيتامينات، تستقر فترة طويلة نسبياً في قلب الأمعاء وتمتص كميات كبيرة من السوائل، وهذا يفسر سرها في محاربتها للكتام. فالألياف عندما تمتص السوائل تكبر وتنتفخ حجماً، وهذا بالتالي يزيد من حجم الكتلة البرازية، الأمر الذي يسهل من عمل الأمعاء لطرد فضلاتها خارج الجسم. غالبية الناس اليوم تأخذ يومياً من الألياف بين 10 و15 غراماً، مع أن الحاجة اليومية تقدر ب25 إلى 30 غراماً. إن هذه الحاجة يمكن تأمينها بسهولة إذا عرفنا كيف نختار طعامنا. إن الألياف متوافرة جيداً في الحبوب الكاملة والخضار والفواكه، فعلى سبيل المثال، فإن 150 غراماً من البازلاء تعطي 5 غرامات من الألياف، وتفاحة واحدة تعطي 3 غرامات منها. إن تأمين الحاجة الضرورية من الألياف شيء سهل، شرط أن يتناول الإنسان يومياً 3 إلى 5 حصص من الخضار و2 إلى 4 حصص من الفواكه و6 إلى 10 حصص من الخبز والحبوب الكاملة. هناك نقطة يجب الانتباه إليها، وهي أن زيادة كمية الألياف في الطعام، بخلاف العادة، قد ينتج عنها بعض الازعاجات الهضمية مغص، انتفاخ البطن، لهذا يجب رفع كمية الألياف في الوجبات بشكل تدريجي من أجل تفويت الفرصة على تلك الازعاجات التي قد تصل أحياناً إلى حد لا يطاق. قلة النشاط البدني: إن قلة الحركة تترك آثاراً سلبية على الجسم كله، خصوصاً الأمعاء التي تصبح كسولة عاجزة عن طرد فضلاتها بيسر وسهولة. إن الرياضة لا تفيد القلب والشرايين فقط، بل هي تفيد الأمعاء أيضاً، إذ أنها تحارب الكتام بحض الأمعاء على دفع محتوياتها من الفضلات. أما عن الرياضة المفضلة فيقول العلماء إن كل أنواع الرياضة مفيد، لكنهم يميلون أكثر إلى رياضة المشي، فلكل تمرين يستمر بين 20 إلى 30 دقيقة منها في اليوم فعل السحر، خصوصاً عند النساء الحوامل اللاتي يعانين من الكتام نتيجة كبر الجنين ونموه. عدم تلبية النداء الطبيعي: المعروف أن عملية التغوط هي عبارة عن منعكس فيزيولوجي طبيعي يطلقه الجسم عند الحاجة لطرح فضلاته، هناك الكثيرون من الناس الذين يهملون هذا النداء، فلا يذهبون إلى المرحاض لإفراغ السبيل المعوي، وهذا يقود عاجلاً أم آجلاً إلى الإصابة بالإمساك. لحسن الحظ، فإن النداء الطبيعي للأمعاء لا يذهب إلى غير رجعة، بل يمكن إعادة تأهيله باتباع بعض العادات الصحية الحسنة، ومنها اختيار ساعة محددة كل يوم يتم فيها الذهاب إلى المرحاض والبقاء فيه لمدة عشر دقائق، فمع مرور الأيام يستطيع الإنسان استعادة النداء الفيزيولوجي المفقود. الضغوط النفسية: إن العصبيين هم أكثر الناس معاناة من الكتام، ولا غرو في هذا، فهم يعيشون على أعصابهم التي تكون دوماً متوترة، وهذا ما يترك أثراً سيئاً على الأمعاء، فتتمرد هذه معلنة اضرابها بالتوسع واحتجاز الفضلات فيها. على كل شخص يشك بأن الضغوط النفسية تقف وراء مشكلة الإمساك عنده، أن يعمل جاهداً تفويت الفرصة على تلك الضغوط باللجوء إلى وسائل الاسترخاء، فهي في هذه الحال خير دواء. طبعاً يجب ألا نهمل الضحك فهو وسيلة ممتازة، إذ يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو من جهة، مساج جيد للأمعاء، وهذا يساعد على الهضم، ومن جهة أخرى فهو يخفف من أعباء الضغوط النفسية على الجسم عموماً وعلى الأمعاء خصوصاً. المبالغة في استعمال المسهلات: في البداية تعطي المسهلات نتائج رائعة في محاربة الإمساك، إلا أن المبالغة والاستهتار في استعمال المسهلات الدوائية تعطي في النهاية نتائج معاكسة، إذ تؤدي إلى تهييج الأمعاء، فيعود الإمساك ليستوطن من جديد، لا بل قد يصبح أسوأ مما كان عليه. صحيح ان الإمساك مزعج، إلا أنه وفي كل الأحوال أقل ازعاجاً من عواقب المسهلات. أخيراً وليس آخراً، فعلى كل من يعاني من صعوبة التبرز ألا يحاول اخراج الفضلات بالقوة، فهذا قد يعرض للإصابة الباسور أو الشقوق الشرجية، وهذه ليست مؤلمة وحسب، بل قد تؤدي إلى ضيق مجرى الشرج، الأمر الذي يزيد الطين بلة، فالكبس القوي عند افراغ الأمعاء قد ينتج عنه ارتفاعاً في الضغط الشرياني وبطئاً في ضربات القلب، وإذا كان المصاب طاعناً في السن، فإنه قد يتعرض لفقدان الوعي وما يعقبه من مشاكل لها أول وليس لها آخر