أحصى علماء اللغة أكثر من أربعة آلاف لغة مهددة بالانقراض في بقاع مختلفة من العالم، تتراوح بين منغوليا وسيبيريا وهولندا، بمعنى آخر أنها موجودة في جميع القارات، وقد تمكن المعهد اللغوي النفسي Max Planck بالاشتراك مع مركز توثيق اللغات المهددة DOBES من انقاذ ثماني لغات حتى الآن بفضل انشاء موقع على شبكة الانترنت يحتوي على معلومات تتعلق بهذه اللغات بالصوت والصورة، ما يوفر أمام المبحر الاطلاع على اللفظ الصحيح وتكوين فكرة عن الظروف الطبيعية والثقافية لهذه اللغات. ويأمل مدير "المعهد اللغوي النفسي" المسؤول عن هذا المشروع، أن يتمكن فريقه خلال السنوات المقبلة من تطوير حجم الأرشيف وتخزين جميع المعلومات المتعلقة بحوالي عشرين لغة بالصوت والصورة والنص. ويرى أن الأمر يتعلق بسباق مع الزمن، حيث تشير الدراسات إلى أنه لن يبقى من الستة آلاف لغة الموجودة حالياً سوى ألف خلال الثلاثين أو الخمسين السنة المقبلة، وذلك بسبب نظام العولمة وهيمنة اللغة الانكليزية وانتشارها السريع، لأن الناس يبحثون عن اللغة التي تؤهلهم للارتقاء في مجال العمل. ويعطي اللغوي غانتر سنفيث مثالاً على ذلك لغة ييماس المحكية في غينيا الجديدة التي يقتصر التعامل بها على حوالي 1500 شخص فقط، بعد أن قرر الآباء والأجداد عدم نقلها إلى الأولاد والأحفاد وتشجيعهم على تعلم الانكليزية. والامثلة على ذلك كثيرة. إن الضرورة الملحة لانقاذ هذه اللغات وترك اثر موثق لها قبل زوال المتعاملين بها من كبار السن، أسهمت في اطلاق مشاريع متعددة في هذا المجال في بقاع العالم، فقد قامت جامعة تكساس بالمشاركة مع قاعدة المعلومات الاسترالية ASEDA بتوثيق لغات سكان أميركا اللاتينية واستراليا الاصليين وتحتوي هذه القاعدة على معلومات تتعلق بأكثر من 300 لغة محكية في استراليا. غير أن برنامج "اللغات المهددة" الذي قررت الحكومة الهولندية تشجيعه العام الماضي عبر تخصيص موازنة ضخمة لدعمه، يعتبر الأهم لأنه يشتمل على هدف مزدوج، لغوي وانتروبولوجي، لن تقتصر محتويات قاعدة المعلومات على مفردات اللغة ونحوها وصرفها وكتابتها، بل سيقترن ذلك بالصوت والصورة لتبقى اللغة كتعبير حضاري وثقافي. واجتمع فريق من اللغويين أخيراً في مركز "المعهد اللغوي النفسي" في هولندا للتداول حول أفضل الطرق الواجب اتباعها لجمع المعلومات من هنود الولاياتالمتحدة والبرازيل وبدو سيبيريا والاقليات الاثنية في الصين، نظراً إلى غزارة هذه المعلومات وتشعبها. ويحاول علماء اللغة أن يحولوا التقنية الحديثة التي ساهمت في تفاقم داء هذه اللغات إلى دواء ينقذها من الزوال والانقراض.