الداخلية تحصل على المركز الأول لأفضل فيلمين توعويين في 2024    علاج واعد لنوبات الربو    الهيئة الملكية لمحافظة العُلا.. تحتفي بولادة 3 توائم للنمر العربي    الجولة ال 13 تنطلق ب3 مواجهات.. اليوم    العالم يترقب قرعة مونديال الأندية في ميامي.. اليوم    «التقني»: إلزام المدربين بالدوام من 19 ذي الحجة ل1 محرم    معرض المخطوطات السعودي.. نافذة إرث إنساني يمتد 1,200 عام    رئيس السنغال: السعودية تقود جهوداً استثنائية لمكافحة التصحّر والجفاف    تسلل إلى داخل الفصل.. «عضة خفاش» تقتل معلمة    5 عصائر طبيعية لتنظيم مستويات السكر في الدم    النيابة: إيقاف مواطن بتهمة الاحتيال المالي والاستيلاء على عقارات و69 مليون ريال    صرخة صامتة.. عندما تُغادر الكفاءات بهدوء.. !    لكلٍّ قدره المحتوم.. لن يستوي الجمع    محامد بيضاء لرحلة نجم صحراوي لا يعرفه إلا الرُحَّل    "هاكاثون أنسنة المشاعر".. ابتكار يخدم ضيوف الرحمن.    جامعة أم القرى تُكرَّم بجائزة "أفضل تجربة تعليمية" ونائب أمير مكة يثمن الإنجاز.    جمعية ضيوف مكة تستقبل ضيوف الرحمن بمبادرة بالتعاون مع فريق بصمة التطوعي    السياحة السعودية والترند العالمي..    رونالدو.. البراند العالمي.. !    العالم الموازي    الموروث الطبي الشعبي السعودي بين التميز والريادة    برعاية أمير منطقة الرياض " حركية " تكرّم أمين عام جمعية البر بأبها    وكيل محافظة الزلفي يرعى حفل الاحتفاء باليوم العالمي لذوي الإعاقة    أمانة الطائف تطرح مشروع انشاء مرافق عام بحديقة قيا الكبرى    الملتقى الثامن للمشرفين والمشرفات المقيمين في المدارس الأهلية    فيصل بن مشعل يطلع على جهود الإحصاء بالقصيم    تحت رعاية خادم الحرمين.. التخصصات الصحية تحتفي بخريجيها.. الأحد    التعاون يتفوق على القوة الجوية ويتأهل لدور ال16    سورية: ضربات جوية مكثفة تبعد الفصائل عن حماة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بإقامة دولة فلسطينية    تحت رعاية خادم الحرمين.. «التخصصات الصحية» تحتفي ب 13 ألف خريج وخريجة    أمير الشرقية يكرم داعمي «إيثار»    الاتفاق يمزق شباك العربي القطري بخماسية في أبطال الخليج    التعاون يُقصي القوة الجوية العراقي من دوري أبطال آسيا 2    مسؤولون وإعلاميون يواسون أسرة العطاس    احتفاء بذوي الإعاقة    أمير منطقة جازان يدشن مبادرة "اللحمة الوطنية دين ومسؤولية"    «وردة الطائف «تعبر الحدود إلى قائمة اليونيسكو العالمية    رسالة واتساب تكلف بريطانية 50 ألف إسترليني    كليان مبابي    منتدى الاستثمار السعودي الفرنسي يختتم أعماله بحضور الرئيس الفرنسي    أمير جازان يُدشن المؤتمر السعودي الدولي للتعليم الطبي    تسجيل "صناعة وعزف آلة السمسمية" في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي    ظهور مفاجئ لقرية تركية مفقودة منذ 2012    لأول مرة منذ 1962.. المعارضة الفرنسية تطيح بحكومة بارنييه    زواج جماعي في موسم الرياض    ورش للتوعية بتعديلات نظام العمل    الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تحتفي بولادة ثلاثة توائم من هراميس للنمر العربي    لتعزيز خدمات مرضى سرطان الأطفال.. تدشين الخطة الاستراتيجية ل«ساند الخيرية»    كوريا الجنوبية تشتعل بالمظاهرات : مطالبات شعبية بعزل الرئيس    وسط مخاوف من عودة تسلُّحه.. إسرائيل تعلن قصف منصة ل «حزب الله»    خدمات متكاملة لذوي الإعاقة    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "اللحمة الوطنية أعظم معروف"    في ختام زيارته للمملكة.. الرئيس الفرنسي يغادر العلا    الرئيس الفرنسي يزور حي الطريف التاريخي في الدرعية    مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يستقبل طلاب البحرين    خالد بن سلمان يستقبل وزيرة دفاع جنوب أفريقيا    «الشؤون الإسلامية»: مقطع استغلال منارة جامع خالد بن الوليد بالرياض قديم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغات في عصر المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة
نشر في الحياة يوم 14 - 02 - 2018

يقدر الخبراء عدد اللغات التي ستصمد حتى نهاية القرن ال21 بقرابة ثلاثة الآف لغة، ما يوازي نصف الموجود منها حاضراً. ولعلها مفارقة قويّة أن تتصاعد ظاهرة انقراض اللغات مع انتشار ثورة المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، مع شبكاتها وأدواتها التي تسهل تناقل المعارف والنصوص والمعلومات.
وعندما تموت لغة ما يكون اندثارها نهائياً ومن دون رجعة. ويطرح الاندثار المتزايد للغات تحديّات خطيرة على الإنسانيّة وتاريخها، تشمل إحداث تآكل متزايد في التراث الثقافي، والضياع النهائي لكميّات هائلة من المعلومات التي تحوي قسطاً كبيراً من أرشيف تاريخ الإنسانيّة، بما فيها شطره غير المكتوب، إذ تحتوي اللغة في نحوها وصرفها ورصيد مفرداتها، آثاراً عن أصولها، ونسيج تاريخها الثقافي وعلاقاتها مع اللغات الأخرى. ومن المثير للدهشة أنّ التطور الذي حقّقته البشريّة في المجالات الاجتماعية والثقافية المختلفة، يواكبه تضاؤل عدد اللغات التي يتعامل بها الناس في مختلف بقاع العالم. ويتراوح عدد اللغات حالياً (وفق تقدير الخبراء) بين 5000 و6700 لغة، بل أن قرابة نصف تلك اللغات مهدد بالاندثار مع حلول العام 2100. وسيزول عدد كبير من اللغات التي لا يتحدث بها إلا عددٌ قليل من البشر ممن يعيشون غالباً في بيئات اجتماعية لا تملك آليات الصمود أمام تحديات العصر.
وبصورة عامة، تشرع اللغات في الاضمحلال عندما تنقطع الأجيال الطالعة عن تعلّمها. وحدث ذلك لبعض اللهجات الفرنسية، وكثير من لغات الأقليّات في الاتحاد السوفياتي السابق، إضافة إلى الصين وتايوان واستراليا.
حصانة بكثرة الألسن
كذلك يُلاحَظْ أن خطر الأفول يشتد بروزاً كلما كانت اللغة المسيطرة حاملة لتراث أدبي وحضاري متقدّم أو منتميّة إلى ديانة منتشرة. وفي ذلك الإطار، تبرز حملات التبشير التي نهضت بها منظمات مسيحيّة في أفريقيا وآسيا وأميركا والمحيط الهادئ، وهي ترافقت مع تدمير ثقافات وديانات تقليدية.
وكان لذلك التبشير تأثير هدّام على لغّات محليّة عدّة، على رغم مبادرة المبشرين إلى ترجمة التوراة إلى معظم تلك اللغات.
وعند التفكير في ظاهرة اللغات المهدَّدة بالانقراض، يجدر التمييز بين ملمحين بارزين. هناك لغات تبدو أكثر قدرة من غيرها على مقاومة النزعات الهدّامة، وذلك حال جمع كبير من اللغات التي يتحدث بها أعداد كبيرة من البشر. من الناحية الأخرى، ثمة لغات يتراوح عدد المتحدثين بها بين بضعة الآف وبعض المئات من الأفراد، وهي مهدّدة بالانقراض فعليّاً. ورُصِدَ في ذلك السياق أنّ 52 في المئة من لغات العالم لا تجد رواجاً إلا لدى عددٍ يقل عن عشرة الآف شخص، ما يرمي بالظل الثقيل للانقراض عليها.
وعلى الجانب الآخر، لوحظ أن اللغات المكتوبة التي لديها تقاليد أدبية وثقافية يجري تدريسها في مؤسسات تعليميّة، تستمر على قيد الحياة. وكذلك الحال بالنسبة الى اللغات التي تستخدم في الإدارة والقضاء والجيش، وهي مساحات تجعل اللغة رمزاً قوياً للهوية الوطنية.
وتتفاوت اللغات المهدَّدة بالخطر مِن منطقة إلى أخرى. وتضم أفريقيا ما يتراوح بين 150 و220 لغة مهدَّدة، في قارة تحتوي ما يتراوح بين 700 و2000 لغة. وتعتبر لغات نيجيريا وكينيا وتنزانيا الأكثر عرضة للخطر.
وفي أميركا الجنوبية، هناك ما يتراوح بين 470 و500 لغة، ويهدّد خطر الانقراض ما يتراوح بين 30 في المئة إلى 50 في المئة منها. ويرجح أن تكون البرازيل أكثر الدول تضرراً في تلك القارة.
وفي أميركا الوسطى، تتعرض اللغات المحلية في شمال المكسيك لخطر أكبر من غيرها. وهناك ما يربو على ألف لغة في الصين والهند وجنوب شرقي آسيا، لكن هناك ضآلة في المعلومات عن المهدّد بالانقراض بينها. وفي شمال شرقي آسيا، هناك 47 لغة منها، يرجح ألا يبقى على قيد الحياة منها سوى أربع لغات.
وفي أوروبا، رصد الخبراء 123 لغة من بينها 72 لغة مهدَّدة بالانقراض، كاللغة الغائليّة ولساني البريتون والباسك، إضافة إلى خليط من اللغات في كرواتيا واليونان.
وفي كندا والولايات المتحدة، يتهدّد شبح الانقراض قرابة مئتي لغة. ويعزى ذلك الانقراض إلى أسباب ديموغرافية بصورة أساسيّة. وكذلك يرجح أن تصمد لغة الأسكيمو والنافاغو حتى نهاية القرن الحادي والعشرين، قبل أن تواجه خطر الانقراض فعليّاً. وكذلك تعاني اللغات في منطقة المحيط الهادئ تأزماً ملحوظاً، إذ كانت تضم قبل 150 سنة، قرابة 1830 لغة اندثر منها 150 لغة معظمها في أستراليا. وعلى رغم ذلك، تعتبر تلك المنطقة الأكثر تنوعاً في اللغات عالميّاً، خصوصاً غينيا الجديدة التي يتحدث سكانها 960 لهجة ولغة، ما يساوي سُبْعْ التنوّع اللغوي العالمي، لكنها تعاني ضآلة عدد السكان.
الازدواج اللغوي بين شبكة الإنترنت والمخازن الرقميّة
تحدث غالبية حالات انقراض اللغات في صورة تدريجية وبطيئة، تأتي في سياقها ظاهرة الازدواج اللغوي التي تنتشر في غرب أفريقيا الفرنكفونية، وبعض المجتمعات الناطقة بالإنكليزية. ويتيح الازدواج اللغوي لتلك المجتمعات تحقيق بعض الفوائد في الوظائف والأجور والحصول على الخدمات العامة. وتدفع تلك الفوائد بمن يتملَّكون الازدواج اللغوي إلى الاستهانة بلغاتهم الأصلية وإهمالها، واللجوء إلى استخدام اللغة المتفوقة اقتصادياً، كما يشجعون أبناءهم على تعلّمها. وحاضراً، تبرز تلك المعالم بوضوح في بعض مجتمعات الخليج العربي، والدول العربيّة في شمال أفريقيا.
ولا جدال في أن انقراض أي لغة ربما يجيء قسراً أو يكون متعمَّداً من جانب الأهالي. وفي الماضي، حدث الانقراض بتأثير أسباب استعمارية مباشرة، لكنه سار أيضاً بدفعٍ من أسباب اقتصادية ترتبط بسياسة العولمة وانتشار ثقافة الإنترنت واللغات المسيطرة فيها.
وربما يكون إنقاذ اللغات من الانقراض ممكناً في بعض المناطق، على رغم أنّ احتمال حدوث ذلك منخفض تماماً. وهناك بعض الإنجازات التي تحقّقت في مجال إنقاذ لغات مهدّدة بالانقراض، شهدتها أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية، والمجتمعات المحيطة بالمحيط الهادئ.
إذاً، هناك ضرورة تفرضها أوضاع اللغات المهدَّدة بالانقراض، بل حتى الصامدة منها، بأن ينهض المجتمع الدولي والحكومات الوطنية بالمهمات المطلوبة لحماية اللغات السائرة نحو الاضمحلال. ويشمل ذلك وضع سياسات وخطط لتسجيل اللغات والآداب الشعبية في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، خصوصاً البرازيل وغينيا الجديدة وكاليدونيا وغرب أفريقيا.
وكذلك يلاحظ أنّ نسق زوال اللغات بات يتسم بسرعة غير مسبوقة، بل إنّه لا يتيح للخبراء إجراء وصف تفصيلي للغات الشفوية. لذا، ظهرت اقتراحات متنوّعة عن إعداد برامج محلية لتدريب اللغويين، وتسجيل اللغات باستخدام التقنيات الإلكترونيّة الحديثة، ثم ترجمتها. وهناك أهمية قصوى لحفظ الصيغ الصوتيّة الأصلية للغات المهدّدة بالانقراض، كي يستفيد اللغويون منها مستقبلاً.
* أستاذة في كلية الإعلام - جامعة القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.