لا يستطيع أحد أن ينفي العلاقة المباشرة بين الإعلام بأشكاله المتنوعة، والبورصة وتقلبات أسعارها. فأي خبر يمكن أن يؤثر على قرارات المستثمر فتنعكس على مؤشر البورصة تراجعاً أو تقدماً. وكذلك الأمر بالنسبة الى المناسبات الرياضية الكبرى فهي تترك أثراً طيباً على المؤشرات المالية لتفعيلها الدورة الاقتصادية بشكل عام وادخال ديناميكية في الحياة الاقتصادية تنعكس زيادة في الاستهلاك وفي النمو. ومهما كانت نتائج المبارات موضوع المناسبة الرياضية فإن المؤشرات لا تتأثر بالنتائج هذه إلا بقدر ما يمكن أن تنعكس هذه النتائج على سعر أسهم النوادي الرياضية بعدما باتت هذه الأخيرة شركات مسجلة في البورصات العالمية. لقد شهدت سوق الأسهم في الأسابيع الأخيرة ظاهرة فريدة يمكن أن تشكل نقطة تحول في علاقة الرياضة والإعلام وسوق الأوراق المالية. فأنظار المستثمرين كانت موزعة بين شاشة الكومبيوتر تلاحق ذبذبات المؤشرات المختلفة وبين شاشات التلفزيون تتابع أخبار المباريات. والسبب هو أن بعض كبار شركات التلفزيون والميديا المسجلة في البورصة قد دفعت مبالغ باهظة ثمنا لنقل وقائع المباريات، وأن مردود استثماراتها هذه مرتبط مباشرة بنتائج المباريات ذلك أن سقوط أحد الفرق الكبرى يعني انخفاض عدد المشاهدين المؤيدين للفريق وبالتالي تراجع المردود الإعلاني. ومن الطبيعي أن تكون منتخبات الدول الكبرى في حلقة المراقبة نظراً الى كثافة الإعلانات المرفوعة من أسواقها، خصوصاً منتخب فرنسا، فالقناة الأولى في فرنسا دفعت ما يزيد عن 150 مليون دولار ثمناً لحق الامتياز الحصري. وبالطبع فإن نتائج منتخب فرنسا كانت تحت مراقبة دقيقة من قبل المحللين الماليين، ذلك أن عمليات الاندماج بين الشركات الكبرى وتبادل الأسهم تجعل تراجع سعر أسهم شركة كبيرة يؤثر مباشرة على أسعار أسهم شركات أخرى وينعكس على المؤشرات في العديد من بورصات العالم. ومن الواضح أن خروج المنتخب الفرنسي أثر فعلياً على ثمن سعر سهم القناة الأولى الذي تراجع بمعدل 9،1 في المئة. ولكن المثير في الأمر هو ما حصل من تغير في أسعار الأسهم خلال دقائق اللعب ال90 في المباريات الثلاث التي خاضها المنتخب. فعلى خلاف البطولات السابقة التي كانت تتم في القارات الأميركية والأوروبية فإن توقيت اللعب في مونديال هذا العام في آسيا يسمح بمتابعة متزامنة للعب مع توقيت العمل في البورصات الأوروبية صباحاً. ففي عودة إلى المباراة الثانية ضد الأورغوي التي خاضها المنتخب الفرنسي نرى تأثيراً مباشراً ومتزامناً لتطور اللعب على أرض الملعب مرتبطاً بتقدم أو بتراجع سعر الشركة! ففي بداية المبارة المنقولة مباشرة كان سعر السهم 50،31 أورو، وبعد دقائق على بداية المبارة حيث بدا الفريق الفرنسي مصمماً على تعويض خسارته ضد السنغال، سجل السهم تقدماً بلغ 45،2 في المئة ليبلغ ثمنه 25،32 أورو. ولكن في الدقيقة 25 ومع خروج المهاجم تيري هنري بحيث أصبح الفريق الفرنسي يلعب بعشرة لاعبين فقط، تراجع سعر السهم بقوة ليسجل تراجعاً بمعدل 3 في المئة، وفي نهاية المباراة التي انتهت بتعادل سلبي، بلغ مجمل التراجع حوالي 4 في المئة بالنسبة الى السعر المسجل في بدايتها. ويقول أحد الباحثين في جامعة باريس متخصص بالدراسات المالية أن دراسة تفصيلية لذبذبات الرسم البياني للسهم ومقارنته مع دراسة تفصيلية للعب على الأرض تبين أن تطور سعر الأسهم كان يتم بتناسق تام مع تطور استراتيجية اللعب على أرض الملعب وتقدم لاعبي الفريقين أو تراجعهم. وتذهب الدراسات إلى أبعد من ذلك فقد وضع مختبر الجامعة رسم بيان تفصيلياً لذبذبة صوت المعلقين الفرنسيين وتمت مقارنته بذبذبة تغير سعر السهم مما يدفع إلى الاعتقاد بوجود علاقة مباشرة بين "حرارة" ما تنقله وسائل الإعلام وبين "حماس" المستثمرين وازدياد أو تراجع طلبهم على أسهم الشركات المتأثرة بالنتائج الرياضية. ويساعد تطور وسائل النقل الإعلامي ووسائل متابعة أسعار الأسهم وإرسال أوامر الشراء والبيع المباشر عبر الانترنت بردم المسافة الزمنية التي كانت تفصل بين لحظة وصول الخبر ولحظة القرار بالبيع أو الشراء وتنفيذه. وينظر أحد المتعاملين بأسهم البورصة بحسرة إلى شاشتي التلفزيون والأنترنت ويتنهد قائلاً: "لدي أوامر شراء وبيع حاضرة في حال سجل زيدان هدفاً في نهاية المباراة ضد الدانمارك، كما لدي أوامر شراء لو أن فرنسا تأهلت للدور الثاني. ولكنني كنت مستعداً أيضاً لإمكان خروج المنتخب الفرنسي. وبمجرد دخول الهدف في الشباك الفرنسية أرسلت أوامر البيع بكبسة زر واحدة"