في 8 نيسان ابريل الماضي ألقى الصحافي الفرنسي تيري ميسان محاضرة في مركز زايد في أبوظبي تحت اشراف الجامعة العربية، بعنوان: "من دبّر اعتداءات 11 أيلول سبتمبر؟"، استعرض فيها الخطوط الأساسية لكتابه: "11 أيلول 2001: الخديعة المرعبة - لم تتحطم أي طائرة فوق البنتاغون" الصادر عن دار "كارنو" الباريسية. هذا الكتاب/ التحقيق أحدث ضجة واسعة وبيعت منه 100 ألف نسخة في الاسبوع الأول لصدوره، وكان مثار سجالات ساخنة، مرشحة لتمتد الى بلدان أخرى بعد ترجمة الكتاب الى أكثر من 12 لغة. ويعيد ميسان مساءلة الرواية الرسمية الأميركية لما جرى يوم 11 أيلول، وينسب الاعتداءات الى جهات ضالعة في جهاز الحكومة الأميركية، اعتماداً على وثائق رسمية وتصريحات علنية لمن يسيّرون الولاياتالمتحدة. ويعيد الصحافي ترتيب قطع "البّوزل" ليثبت فرضية الاعتداء الداخلي، ويقول ان الهدف هو شن حرب استراتيجية شاملة في المنطقة للتحكم بالموارد الطاقية الآتية من بحر قزوين. وإعادة رسم الخرائط على مقاس الولاياتالمتحدة، اضافة الى اعادة تنشيط برنامج التسلح ورفع موازنة الدفاع وتفعيل مخطط جديد يتعلق بالتسلح الفضائي بهدف تكريس السيطرة النهائية للولايات المتحدة على العالم. وتيري ميسان من أبرز وجوه صحافة التحقيقات في فرنسا، بعد دراسات في العلوم السياسية، ترأس جمعية دولية للدفاع عن الحريات الفردية، وصار خبيراً في مجال حقوق الانسان لدى "الندوة الأوروبية للأمن والتعاون". ويرأس حالياً شبكة "فولتير للدفاع عن حرية التعبير" ويصدر نشرة سياسية. يعرفه المتتبعون من خلال تحقيقاته الجريئة عن العلمانية والعنصرية، خصوصاً عن اليمين المتطرف. في المقابلة التي أجريناها معه في باريس، يجدد ميسان تأكيد فرضية الاعتداء الداخلي، ويقدم اضاءاته حول الأشرطة التي بثتها قبل فترة قناتا الجزيرة و"ام بي سي"، ويتحدث عن خلفيات الحملة التي قادها ضده الاعلام الفرنسي. هل ما زلت تعتقد بالأطروحة التي تضمنها كتابك "الخديعة المرعبة"؟ - أولاً أنا لا اعتبرها أطروحة، بل هي نتيجة تحقيق وضع مجموعة من الأسئلة وصاغ فرضيات للاجابة عنها مستبعداً الفرضيات التي تشبه الحقيقة، على رأسها الفرضية التي تسوقها الرواية الرسمية وهي فرضية خاطئة بكل تأكيد. حاولت ان أعطي تأويلات مغايرة للأحداث نفسها، وواجه الكتاب لدى صدوره موجة رفض عارمة في فرنسا. وحدها وليس خارجها، ولاحظت أنه بعد أكثر من شهر من السجالات الساخنة لم يظهر أي دليل جدي يجعلني أغير وجهة نظري. لماذا ظهرت وسائل الاعلام شرسة في نقدها، وسائل الاعلام ذاتها التي صفقت بحرارة لتحقيقاتك السابقة في اطار "شبكة فولتير للدفاع عن حرية التعبير". - أولاً لا بد من الاشارة الى أن وسائل الاعلام الفرنسية هي وحدها التي أظهرت شراسة تجاه ما كتبت، فرنسا دولة مريضة وهذا شيء يسهل ملاحظته، يكفي أن ننظر الى ما حدث في الانتخابات الرئاسية. انها بلاد تعيش فيها الطبقة المسيّرة في دائرة مغلقة، سواء تعلق الأمر بالسياسيين أو مدراء وكالات استطلاعات الرأي أو مسؤولي كبريات الصحف. لم يفهموا بعد أن الشعب هنا يرفضهم، وتركوا المجال فارغاً أمام حزب فاشستي ليحتله. في ما يتعلق بأحداث نيويورك فالأمر مماثل. انهم يحملون تأييداً يائساً للرواية الرسمية الأميركية، لأنهم جزء مشارك في سياسة الحكومة الأميركية الراهنة ويرفضون أي مساءلة لهذا الواقع. يرفضون ذلك على رغم ان الصحافة الفرنسية في الماضي كانت على درجة كبيرة من السذاجة أمام الدعاية الأميركية ابان حرب الخليج، وكانت ساذجة في تناولها لحرب كوسوفو. كلما انتهت قضية ما نكتشف أنها كانت ضحية للدعاية الأميركية ويقال انها ستكون المرة الأخيرة ولن يتكرر ذلك. وقد حرصت أن أشرح لزملائنا في كبريات الصحف الفرنسية أنهم سقطوا مرة أخرى في فخ الدعاية الأميركية في ما يتعلق بقضية 11 أيلول، لكن يبدو انهم لا يحبون من يشير الى عيوبهم. تقول في كتابك انه لم تتحطم أي طائرة فوق البنتاغون. بيد أن جريدة "ليبراسيون" جمعت في عددها الصادر في 30 آذار مارس، عن طريق مراسلها في نيويورك، تصريحات لشهود عيان غير رسميين أكدوا انهم شاهدوا تحطم الطائرة. فما تعليقك؟ - قدمت كل من "ليبراسيون" و"لوموند" ما اسمتاه تحقيقاً مضاداً يعتمد على اعطاء شهادات مخدومة تجعلها تقول عكس ما قالته. المنهجية التي اتبعتها في كتابي لا تقضي بتقديم شهادة ذاتية لهذا أو لذاك لأنني اعتقد بأن الأمر سيكون دائماً مثار مزايدات. لذلك بنيت تحقيقي على وثائق رسمية فقط، وعلى تصريحات علنية لمن يسيرون أميركا. من هذا المنطلق يبدو كتابي محصناً ضد أي هجوم، لأن ذلك يفترض مهاجمة هذه الوثائق الرسمية سلفاً. في ما يخص الشهادات التي قدمتاها جريدتا "ليبراسيون" و"لوموند"، لا ينبغي أن نأخذ منها ما يعزز الرواية الأميركية الرسمية فحسب، كما فعلت "ليبراسيون" و"لوموند"، بل يجب أن نأخذها في شموليتها. معظم الشهود هم شهود بالسماع وليس بالعيان. انهم أشخاص كانوا موجودين على الطريق المحاذي للبنتاغون في سياراتهم، وهم أشخاص يؤكدون جميعهم أنهم سمعوا ما يشبه صوت طائرة فوق رؤوسهم وعندما استداروا رأوا دخاناً كثيفاً يتصاعد من واجهة البنتاغون، وعندما نسأل هؤلاء الأشخاص بتفصيل أكبر يقولون ان الصوت الذي سمعوه لم يكن يشبه صوت طائرة ركاب عادية، بل هو صوت حاد جداً مثل صوت طائرة قتال، فإذا أخذنا هذه الشهادات في شموليتها فهي لا تتناسب مع الرواية الرسمية حول ال"بوينغ 757". بالنسبة الى شهود العيان تظل شهاداتهم جديرة بالدراسة لأنها تحمل تناقضات بين طياتها، كل شهادة تتناقض مع نفسها. مجمل ما يقوله شهود العيان انهم رأوا طائرة "بوينغ 757" ويصفونها أحياناً بتفصيل، مشيرين الى كونها من ماركة أميركية، وأنهم تمكنوا من رؤية شارة "أميريكان ايرلاينز" عليها. وفي الوقت ذاته يقولون ان هذه الطائرة لم تتصرف بشكل اعتيادي لأنها لم تكن ثابتة من جهة، بل كانت تتحرك مثل مركب ومن جهة ثانية يقولون انها مالت فجأة فوق مقبرة "ارلينغتون" مشكلة زاوية شبه قائمة، وهو ما لا تستطيع القيام به أي طائرة ركاب، ثم أصبحت لها سرعة مفاجئة في هذه اللحظة، وهو أيضاً أمر لا تستطيع أن تقوم به أي طائرة تجارية. بعض الشهود يبتعد عن هذه الرواية العامة ليقول ان ما رآه لم يكن طائرة تجارية، ولم تكن "بوينغ 757" بل ما يشبه طائرة أعمال صغيرة. تقصد الشهادات المنشورة في الصحف الأميركية؟ - ما يهمني هو الشهادات التي نشرت في اليومين الأولين اللذين أعقبا الأحداث، اما عبر التلفزيون الأميركي واما من خلال الصحف الأميركية. لأنه ثمة بعض الشهود مثل ماي كولترس الذي يستدل به دائماً، قال على قناة "سي ان ان" مساء الحادث، ان ما شاهده كان يشبه صاروخاً بجناحين. والشاهد ذاته قال بعد ستة شهور، رأيت طائرة "بوينغ 757" مكتوب عليها أميريكان. ويبدو أن هناك ظاهرة تجعل ضغط الرأي العام يدفع الأشخاص الى "التذكر" وينتهون الى قول ما ينتظره منهم الآخرون. لذلك لا يعتد خلال التحقيقات الاجرامية الا بالشهادات التي تعقب الحادث مباشرة. وهذه الشهادات كانت دقيقة وقالت ان ثمة جسماً كان يصدر صوتاً حاداً مثل صوت طائرة قتال، وكان له تصرف غريب، حيث شكل زاوية قائمة وضاعف من سرعته بشكل فجائي... الخ. والحال ان الوصف يمكن أن ينسب الى أجسام طائرة عدة. لكننا عندما نفحص ونحلل وقعه على البنتاغون، ونحن اليوم نملك كل المعلومات الدقيقة بخصوص الخسائر التي تعرض لها البنتاغون بسبب برنامج اصلاحه الذي أعطانا ما يلزم من معلومات، نجد أن الأوصاف تنطبق على أحدث جيل من سلسلة صواريخ جو - أرض، ولا تتناسب البتة مع أوصاف طائرة "بوينغ 757". إذا أردنا أن نقوم بتحقيقات مضادة علينا أن نذهب بها الى النهاية، لا أن نتوقف في منتصف الطريق كما فعلت بطريقة غير نزيهة أدبياً، كل من "ليبراسيون" و"لوموند". بثت قناة "ام بي سي" شريطاً يتبنى من خلاله اسامة بن لادن وقيادته العليا هجمات 11 أيلول بشكل ما، وفي الوقت ذاته تقريباً بثت قناة "الجزيرة" شريطاً يظهر فيه أحد الانتحاريين المفترضين أحمد الغامدي، وهو يتبنى بشكل لا لبس فيه الهجمات. ما قولك بخصوص هذه المستجدات؟ - السؤال ذاته طرحه علي الدكتور فيصل القاسم خلال الحوار الذي أجرته معي قناة "الجزيرة"، قبل وقت قصير من بثها هذا الشريط. لم أكن قد شاهدت الشريط بعد، بينما شاهده هو. ولذلك لم أفهم في البداية معنى سؤاله. لكنني اعتقد بأن الجواب سهل للغاية وتنطبق عليه الخلاصة نفسها التي تنطبق على شريط ابن لادن الشهير حيث يتحاور مع أصدقائه حول هجمات 11 أيلول. في هذا الشريط يتهم ابن لادن نفسه ويتبنى بشكل ما ويفتخر بكونه ارسل طائرة بوينغ الى البنتاغون. والحال ان هذا الحدث لم يقع. ليس هذا ما حدث. نحن هنا لسنا فقط إزاء شخص يفتخر بشيء لا يوجد أصلاً، بل بشخص يضفي الصدقية بهذه الطريقة على الرواية الرسمية الأميركية. اما في ما يخص الأشرطة الحديثة، فنحن بإزاء أشخاص يضفون صدقية مماثلة، بعد الحادث، على الرواية الأميركية الرسمية. هناك تفسيرات عدة لهذا. بالنسبة الى ابن لادن، فقد بيّنا بما يكفي في الكتاب ان هذا الرجل ليس فقط عميلاً سابقاً لوكالة الاستخبارات الأميركية بل ظل دائماً عميلاً للولايات المتحدة، وأنه العدو الأسوأ للعالم العربي، لأن دوره اليوم هو إضفاء المشروعية على الرواية الرسمية التي تحمل ادانة جماعية للعالم العربي برمته. أما بالنسبة الى الشباب الذين نراهم في الأشرطة الجديدة، فيمكن أن يتعلق الأمر أيضاً بعملاء أميركيين، كما يمكن أن يتعلق الأمر بأشخاص ذوي نيات حسنة، جنّدوا في تنظيم ابن لادن وخضعوا لتأثيره، لحساب المصالح الأميركية. وعندما نشاهد ملياً هذه الشرائط يمكن أن نسجل مجموعة من الملاحظات. الملاحظة الأولى ان أحد هؤلاء الشباب يدلي بنوع من التصريحات غير المعهودة في الشرائط التي عودتنا عليها حركة ابن لادن. انه خطاب يذكرنا على الأرجح بخطاب حماس. الاخراج متشابه الى حد بعيد. وما يقوله يمكن أن ينطبق على مواقف مختلفة، عندما يقول انه سيقتل الأميركيين في عقر دارهم فإن ذلك قد يفهم في سياقات متعددة. لكن من أجل ربط الحدثين هناك مونتاج أعد لاحقاً، يظهر على خلفية الصورة مركز التجارة العالمية وقد التهمته النيران. ولو وضعت صورة أخرى خلفه، لأعطينا تأويلاً مختلفاً تماماً لكلماته. وعموماً فإن الشاب عندما سجل الشريط لم تكن تمر في رأسه أبداً صورة مركز التجارة العالمية تلتهمه النيران. هناك إذن مفعول دعائي وتحكمي في هذا المونتاج، هدفه مرة أخرى إضفاء الشرعية على الرواية الرسمية الأميركية. من زاوية أخرى نستطيع أن نقول ان تنظيم "القاعدة" يواصل استراتيجيته الحربية عبر بث هذه الأشرطة. لكنك أنت في كتابك ترفض أصلاً فرضية الانتحاريين. - أنا لا أرفضها. بل أقول ببساطة أن لا شيء يسندها. انها مجرد فرضية في الهواء، ونستطيع أن نصوغ فرضيات تظهر بجلاء أكثر صدقية من فرضية الانتحاريين. ليس لدينا أي عنصر يسمح بإضفاء شرعية كاملة على فرضية الانتحاريين. لكن تبدو أنها تخدم مصالح الجميع، لذلك لا أحد يعيد مساءلتها. ما رأيك في الدور الذي لعبته القنوات التلفزيونية، خصوصاً قناة "الجزيرة" القطرية، في الأحداث التي تلت هجمات 11 أيلول وتحديداً في حرب أفغانستان؟ - الصور الوحيدة التي نقلت بدقة، حقيقة ما وقع في افغانستان التقطتها قناة "الجزيرة". وقد كان لهذه القناة مكتب خاص في كابول، ليس لأنها تجامل "طالبان". بل ببساطة لأنها حرصت على أن تكون حاضرة، في الوقت الذي تخلى الآخرون عن هذه الفكرة، لأن كبريات وسائل الاعلام الدولية الأخرى، لم تكن ترى ان القضية الأفغانية تستحق الاهتمام. وحدها "الجزيرة" بدت معنية، وحطت الرحال في عين المكان، والتقطت تلك الصور التي تعتبر الوحيدة اليوم في ما يتعلق بعواقب الحرب على السكان المدنيين الأفغان. في النهاية قام الجيش الأميركي بقصف مكتب "الجزيرة"، مدعياً أن ما تعرض له المكتب كان من جراء قصف شامل يستهدف شيئاً آخر. لكن المثير في هذه الفكرة، هو كون مكتب "الجزيرة" وحده الذي أصيب في ذلك الحي. مما يعني أنه كان هدفاً لأنه كان يزعج ويشوش على الرواية الأميركية - الانكليزية الاحادية للأحداث. ما هي الأصداء التي خلفها كتابك في الدول المعنية مباشرة بهجمات 11 أيلول؟ - في مجموع دول العالم العربي، والعالم العربي الاسلامي عموماً، لقي الكتاب أصداء طيبة. لأن الجميع كان يشعر باستياء من الرواية الرسمية التي تبدو أكثر كمالاً لكي تكون حقيقية، ثمة شيء ليس على ما يرام في هذه الرواية، وكتابي قدم لهم بعض عناصر التحليل التي تسمح بتفنيد هذه الرواية الرسمية. في ما يتعلق بالجمهور الاميركي فهو على الأرجح يجهل بالكتاب، ما عدا بعض الاشارات العابرة في برامج اذاعية أو تلفزيونية. أما كبريات الصحف، فلم تكتب شيئا بعد. لكنني اعتقد بأن الأمور ستتطور بسرعة. لأن بعض المثقفين والمسؤولين السياسيين الكبار في الولاياتالمتحدة حصلوا على الكتاب وقرأوه، ووجدوا فيه مادة خصبة للتفكير. وقام حوالي 150 أستاذاً جامعياً أميركياً بنشر نص شديد اللهجة ينتقد الشطط الداخلي والخارجي للولايات المتحدة، ما يعني أن ثمة معارضة نقدية قد ظهرت. علاوة على مطالبة السيدة سينثيا آن ماتيني البرلمانية الديموقراطية المنتخبة عن جورجيا، بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول أحداث 11 أيلول، معتمدة على هذا الكتاب. إذن، نلاحظ أن هناك تطوراً وان كان فقط على مستوى النخبة الأميركية في التعامل مع الكتاب، واعتقد بأنه ما أن يصبح الكتاب متوافراً باللغة الانكليزية وفي متناول جمهور أوسع سنرى كيف ستشهد هذه التساؤلات انتشاراً واسعاً. هل تعتقد بأن هناك علاقة بين أحداث 11 أيلول في الولاياتالمتحدة، والانتخابات الرئاسية في فرنسا صعود اليمين المتطرف الى الدور الثاني من الانتخابات؟ - لا اعتقد بأنه يمكن أن نتحدث عن الأمر هكذا. تميز تطور العلاقات الدولية منذ أحداث 11 أيلول بتطبيق الديبلوماسية الأميركية إذا جاز استعمال كلمة ديبلوماسية في هذا السياق لنظرية "صدام الحضارات". وهي نظرية طورها صمويل هنتنغتون في كتاب شهير، قبل بضع سنوات ونستطيع أن نلخصها هكذا، وان بدا ذلك كاريكاتورياً فلأن الكتاب ذاته جد كاريكاتوري، تقول النظرية ان العالم اليهودي - المسيحي، والعالم العربي الاسلامي لا يمكن أن يتعايشا، وهما منذوران في لحظة ما من التاريخ لخوض حرب مميتة. وفي خضم تسارع هذه الحرب التي لا يمكن تفاديها يجدر أن يتسلح العالم اليهودي - المسيحي بسرعة ويمر الى الهجوم ويحطم العالم العربي الاسلامي، قبل أن يأتي هذا الأخير اليه ليذبحه. وأحداث 11 أيلول تصلح كذريعة لتطبيق هذه النظرية الوهمية. الآن تتم صياغة هذه النظرية باضافة أو نزع بعض الروتوشات، لكنها تظل السند الرئيسي اليوم للسياسة الخارجية الأميركية. انها النظرية التي شكلت خلفية تصريح الرئيس جورج بوش حول "الحرب الصليبية" مثلا. وعلى رغم انه عاد في ما بعد ليصحح ما قاله، فإن الكلمات كانت قد خرجت. نحن نشهد اليوم تنويعات وعبارات منمقة، لكن تبقى دائماً هذه النظرية هي ما يوجه السياسة الأميركية. في فرنسا هناك من يحاول استدراجنا الى هذا الاطار وأن يقول لنا ان التقليد الجمهوري الفرنسي ينبغي أن ينتهي. هناك بشكل ما محاولات لاحياء الصراعات الاستعمارية، وهناك من يريد أن يقول لنا انه لا يمكن أن نعيش سوياً كأوروبيين وكعرب في فرنسا. في الوقت الذي يعيش في فرنسا عدد كبير من السكان ذوي الأصل العربي المسلم والذين صاروا يلعبون دوراً مهماً في الحياة العامة الفرنسية، اقتصادية كانت أم فنية لكن ليست السياسية