منصب الناطق الرسمي هل هو منصب سياسي أم إداري؟في فرنسا، خلافاً للعديد من الدول الأخرى، فإن هذا المنصب ذو طابع إداري، لأن الناطق الرسمي يكون باسم وزارة الخارجية وليس باسم الوزير. ولكن هذا لا يمنع أن المنصب ذا صبغة سياسية قوية. حسب أي مقومات يتم اختيار موظف ليحتل هذا المنصب؟ وما هي المميزات المهنية المطلوبة لدى الناطق الرسمي؟ يجب أولا أن يكون قادراً على مواجهة الصحافة ومخاطبتها. أي أن يبرهن أنه قادر على إيصال ما يريد أن يقوله إلى منابر الصحافة بشكل جيد، وأن يكون ديبلوماسياً حريصاً ومتبصراً. كما يجب أن يكون ملماً بمجمل حقول الديبلوماسية لكي يستطيع تناول أي موضوع ديبلوماسي يتعلق بفرنسا ومصالحها ... وهي الصفة الثانية. أما الصفة الثالثة والأهم، فهي أن يكون حذراً لأن من مخاطر مهنة الناطق الرسمي التحدث أكثر من اللزوم، وأن يضع نصب عينيه أن المواقف السياسية المهمة يجب أن تصدر من الوزير المكلف. "الوسط" التقت الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرنسوا ريفاسو، وجالت معه في شؤون هذه المهمة الحساسة. هل يمكننا القول انك ديبلوماسي متخصص في شؤون التواصل، مهمتك مقارعة مهنيي التواصل والميديا، أي الصحافيين؟ - من الطبيعي القول أنه من ضرورات هذه المهنة أن يكون الناطق الرسمي من المتخصصين في علم التواصل والميديا، إضافة إلى كونه ديبلوماسياً. لا يمكن لمن يحتل هذا المنصب إلا أن يكون بارعاً في المضمارين. وبالنسبة إلى علم التواصل، فإننا نحصل على فترات تدريب متواصلة في وزارة الخارجية للحاق بآخر ما تتوصل إليه الأبحاث في هذا العلم وكل جديد في علم الميديا التواصلية. وتهتم إدارة الإعلام في وزارة الخارجية الفرنسية بتأمين هذا التدريب المهني لكافة المتدرجين من موظفيها، خصوصاً الملحقين الصحافيين الذين يستعدون للالتحاق بالسفارات في الخارج .... وتشكل التجربة المهنية في تلك المراكز مراحل تدريب مستمرة للموظفين الذين يؤهلون للعمل في قطاع التواصل في الوزارة. ونعتمد كثيراً على التدرج والخبرة المكتسبة خلال العمل لتعزيز خبرة قسم الإعلام في الوزارة. فعلى سبيل المثال عملت ثلاث سنوات كملحق صحافي في سفارتنا في برشلونة، ثم ثلاث سنوات في كولومبيا قبل أن أنتقل إلى جنيف للعمل في منظمة دولية. كما أننا نلجأ كثيراً إلى خبراء علم التواصل لإجراء دورات تدريبية. ما هي دراستك العلمية واختصاصك؟ - إنني حقوقي متخرج من جامعة بوردو وعملت مفتشاً في وزارة الشباب والرياضة، بعد مروري في "المدرسة الوطنية للإدارة" ENA. وبعد ذلك عينت قاضياً إدارياً قبل أن أنتقل إلى السلك الديبلوماسي في قسم الإعلام، وبعد سنتين في مركز الناطق الرسمي المساعد عينت ناطقاً رسمياً سنة 2000. ما هي اللغات التي تتقنها؟ - اتقن جيداً ثلاث لغات استطيع إعطاء مقابلات صحافية فيها، والإجابة على أسئلة الصحافيين، وهي الانكليزية والألمانية والفرنسية. كما انني أجيد اللغة الروسية قراءة وكتابة، لكنني لا أستطيع إجراء مقابلات في هذه اللغة. إضافة إلى أنني حائز على ديبلوم في اللغة الرومانية. كما أنني درست لمدة سنتين اللغة العربية، لكن من الصعب عليَّ استعمالها للمحادثة على رغم فهمي لها. إن العملية الإعلامية الصادرة عن وزارة خارجية دولة كبرى مثل فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن، تغطي تقريباً العالم كله، وهذا لا يمكن أن يتم من دون فريق عمل كبير، يعمل فيه العديد من الاختصاصيين، فهل يمكنك أن تشرح لنا طريقة عمل فريق الإعلام في الوزارة؟ - يعمل في الفريق الإعلامي إلى جانبي، إضافة إلى الناطقين المساعدين، فريق من ستة ديبلوماسيين يتكلفون مع فرق عملهم بتحضير أجوبة على أسئلة الصحافيين خلال اللقاء مع الصحافة العالمية. ويبدأ العمل صباحاً بالاطلاع على كل ما نشرته الصحف العالمية الواردة من الخارج، عبر منظومة داخلية خاصة، ويتم بعدها محاولة استشفاف الأسئلة الممكن أن تطرح على الناطق الرسمي. وبعد ذلك تتوجه الفرق، حسب اختصاصها وحسب المناطق التي تغطيها، نحو الأقسام السياسية المختلفة في جهاز الدولة لوضع أجوبة على الأسئلة المحتملة وتكوين صورة تعكس وجهة نظر الحكومة في تلك المواضيع. وكيف يتم تقسيم المواضيع والمناطق في العالم؟ - الواقع أن التقسيم الجغرافي يتبع التقسيم القائم في وزارة الخارجية وهو ستة أقسام كبيرة: أميركا وآسيا وأوروبا الغربية وأوروبا الشرقية وأفريقيا والقسم الأخير يغطي أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط. ولكن يوجد أيضاً تقسيم حسب القطاعات المختلفة مثل الأممالمتحدة أو المنظمات المالية والاقتصادية أو الفرنسيين المقيمين في الخارج أو القطاع الثقافي وما شابه. ويتم تشابك هذه القطاعات المختلفة مع الأقسام الجغرافية المختلفة مما يؤلف نطاق تغطيتنا العالمية للإعلام. من الطبيعي أن العاملين في مختلف هذه الأقسام يجيدون لغات البلدان التي تغطيها هذه المناطق؟ - لا يمكن الجزم بأننا نغطي كل لغات العالم، لكننا بالطبع نحرص على أن يكون الفريق الذي يدير الأقسام يجيد اللغات الكبرى، وخصوصاً لغات الأممالمتحدة الست الإنكليزية والروسية والصينية والعربية والإسبانية وبالطبع الفرنسية بشكل يسمح له بالإجابة على أسئلة الصحافيين بواسطة اللغات هذه على أقل تقدير، إضافة إلى إمكان إجراء مقابلات باللغتين الألمانية والإيطالية. هل يمكنك تحديد مختلف وظائف الناطق الرسمي لوزارة الخارجية؟ - إن وظيفة الناطق الرسمي لا تقتصر على الإجابة على أسئلة الصحافيين والتصريح ببيانات الحكومة بل تتعداها إلى وظائف هيكلية أخرى. الوظيفة الأولى وهي الظاهرة للعلن والتي نقوم من خلالها بشرح سياسة الدولة الفرنسية وتوضيح مواقفها. أما الوظيفة الثانية، وهي أقل بروزاً لكنها لا تقل أهمية عن الأولى، تتمحور حول دور توحيد وتنسيق سيل المعلومات الصادرة عن الأجهزة الفرنسية كافة في الداخل والمتوزعة في شتى أنحاء العالم. فالبيانات والإجابات الصادرة عن الناطق الرسمي تعود وترسل بشكل فوري ليس فقط إلى الصحافيين ووكالات الأنباء العالمية والمحلية، ولكنها ترسل أيضاً إلى كافة البعثات الفرنسية في الخارج أي أكثر من 300 مركز وبعثة ديبلوماسية والإدارات الرسمية في الداخل عبر نظام التواصل الخاص بالوزارة أو عبر شبكة الانترنت، لكي تسمح للقيمين على البعثات في الخارج وممثلي فرنسا بمعرفة مواقف الحكومة الفرنسية والإجابة على أي سؤال يوجه لهم بشكل لا يتناقض مع موقف حكومتهم في باريس. الوظيفة الثالثة لا تلفت انتباه المراقبين، وهي تكمن في دور الناطق بايصال عناصر المعلومات التي تحملها أسئلة الصحافيين إلى مراكز القرار في وزارة الخارجية للحصول على اجابات واضحة. أي يمكن القول أنه أيضاً ناطق باسم الإعلام وذراع الصحافة داخل الوزارة! فكل يوم وبعد اجتماع الفريق الإعلامي التاسعة صباحاً، يتوزع أعضاء الفريق الإعلامي في أروقة وزارة الخارجية للحصول على معلومات عن أسئلة طرحت أو يمكن أن تطرح على الناطق الرسمي، لمعرفة مواقف المسؤولين حسب المناطق الجغرافية أو الملفات المطروحة. وهل توجد إجابات لكل ما يمكن أن يطرح من أسئلة؟ - توجد في بعض الأحيان أجوبة، كما يمكن أن يجيبنا المسؤول، أنه لا جواب على هذا السؤال أو ذلك. ويطلب منا محاولة تجنب طرح السؤال، أي تجنب الموضوع برمته. ولكننا في بعض الأحيان نشدد على وجوب الخروج بجواب واف لتأكدنا من أن سؤالاً كهذا لا يمكن إلا أن يطرح ولا يمكن تجنبه. وهذا يساهم في دفع المسؤولين إلى الإقرار بأن السياسة الخارجية في هذا العصر تواجه الرأي العام ويجب أن تجد إجابات لأي سؤال يمكن أن يطرحه ممثلو الرأي العام، أي الصحافة ويجب أن تكون مفهومة وواضحة. ومن هنا يمكن القول أن للناطق الرسمي وفريقه دوراً في زيادة شفافية السياسة الخارجية للدولة الفرنسية. أما الوظيفة الرابعة وهي أكثر دقة وغير ظاهرة بتاتاً للمراقبين، فهي وليدة اتساع عمليات التواصل وانتشار الإعلام بمفهومه الواسع. فتشابك الإعلام العالمي يجعل من الضرورة أن يستعمل الناطق الرسمي الإنكليزي أو الاسباني أو في بعض الأحيان الأميركي أو الروسي تعابير متماثلة، ومن هنا ضرورة قيام نوع من التناسق بين الناطقين الرسميين للتأكد من أن هيكلية التواصل متماثلة لتفيد المعنى المطلوب. وهذا ما يحتم على الناطق الرسمي القيام بمجهود ديبلوماسي لتنسيق مجمل التعابير المستعملة في البيانات مع الناطقين الرسميين لحكومات أخرى. حتى تتضح صورة التواصل المعالجة من قبل مختلف الأطراف. ما هي القواعد الثابتة التي يجب ألا يحيد عنها الناطق الرسمي؟ - هناك مجموعة من القواعد المتبعة التي تشكل القواعد الذهبية للناطق الرسمي. لنفترض مثلاً أن الناطق لا يود الإجابة على سؤال ما، يجب أولاً توضيح سبب عدم الرغبة بالإجابة وتبريره بشكل مقبول ومقنع. ومن الأسئلة التي لا نجيب عليها بتاتاً الأسئلة الافتراضية. لأنه في حال الإجابة على سؤال افتراضي فإن الجواب يتضمن مخاطرة حيث أن السؤال بحد ذاته هو افتراضي. كما أنه في هذه الحال يكبل عمل الديبلوماسي في حال حصول الأمر الافتراضي بالإجابة التي سبق وقدمت. كما أننا لا نجيب على سؤال يوجه إلى جهة أخرى داخلية وزارة الدفاع للأمور العسكرية مثلاً أو خارجية لماذا تقوم الدولة الفلانية بهذا أو ذاك؟ مثلاً. كما نمتنع عن الإجابة على أسئلة تستند على الإشاعات والتواتر غير المؤكد. هل تضعون معجم مصطلحات خاص بالبيانات والتصريحات التي تصدر عن الناطق الرسمي؟ - لا توجد لائحة معجمية مغلقة وثابتة للتعابير والمصطلحات المستعملة، ولكن في المقابل هناك مجموعة مصطلحات وتركيبات لغوية تستعمل حسب القوة المراد اعطاؤها للتصريحات في سياق الحدث المعالج، كما توجد كلمات ممنوع استعمالها في بعض السياقات، أي الكلمات التي تعرض موقف فرنسا غير المنحاز مثلاً في بعض القضايا. مثل استعمال كلمة امبريالية في سياق حديث يمس سياسة الولاياتالمتحدة بسبب المدلول السياسي الذي ارتبط بهذا التعبير. وبشكل عام لا نستعمل أي تعبير استفزازي سلبي أم إيجابي إلا في حال الرغبة بخلق صدمة مقصودة لخدمة سياسة مخطط لها مسبقاً. كما نتجنب استعمال الكلمات التقنية التي يصعب الاتفاق على معانيها من قبل شرائح واسعة من المتقبلين للمعلومة. كما نتجنب استعمال تعابير النفي المزدوج لما يمكن أن تسببه من إشكالات في تفسير مدلولها. وبشكل عام نتجنب الجمل الطويلة والمعقدة التي تحمل ما يسمى بالتبعية المتداخلة، أي مجموعة جمل صغيرة تتتابع معانيها وتترابط مع الجمل التي تسبقها، بشكل يجعل المدلول العام للجمل عاصياً ومعقداً. كما توجد تعابير يُمنع استعمالها مع تعابير أخرى أو في سياق معين. فحتى زمن ليس ببعيد كان من غير الممكن استعمال كلمة "دولة" إلى جانب كلمة "فلسطين" وتغيير الأمر عنى تغييراً في السياسة الفرنسية. كما كنا لا نستطيع استعمال كلمة "حق تقرير المصير" للإشارة إلى مناطق لم تقر الأممالمتحدة بحقها في تقرير مصيرها. وبشكل عام، فإن مجموعة المصطلحات هذه يجب أن تتناسب مع الشرعية الدولية. لذا نستعمل كلمة "الأراضي الفلسطينيةالمحتلة" للإشارة إلى "الأراضي الفلسطينية"، لأنه لا يمكن استعمال كلمة أراضٍ إلا للإشارة إلى دولة ما. كما نحاول عند الإشارة إلى القدس مثلاً أن نفعل هذا بشكل لا يدل على أنها عاصمة لأي من الطرفين المتنازعين: دولة إسرائيل أو الدولة الفلسطينية المقبلة، فهذه القضية لم تحسم حتى الآن. أما بالنسبة إلى الكلمات الأكثر استعمالاً، فعندنا لائحة لها مدلولات مختلفة حسب المعنى والبعد اللذين يريد الناطق الرسمي إعطاءهما لتصريحه. وبشكل تصاعدي فهو "يستنكر" dژplorer، و"يدين" condamner كما أنه "يأسف" regretter أو بالعكس فهو "يغتبط ل" se rژjouir وفي المقابل، فإن الناطق الرسمي لا "يهنئ نفسه" أو حكومته بتاتاً se fژliciter فهي كلمة ممنوعة من الاستعمال أي لا يمدح نفسه أو عمله أو حكومته مما يمكن أن يشبه بالتعالي. ولكن بإمكانه أن "يهنئ" جهة أخرى لعمل أو قرار ما. وبالنسبة إلى الكلمات والتعابير التي تعبر عن مدلول خاص للسياسة الخارجية الفرنسية؟ - توجد كلمات لها مدلول حكم تقويمي، فهي تتدرج من السلبي أي المسافة الأبعد إلى الإيجابي المسافة الأقرب بالنسبة إلى مواقفنا السياسية، كما يأتي: فنقول "لقد أخذنا علماً ب" أو "لقد لاحظنا" وبشكل أقرب يمكننا أن نقول "لقد لاحظنا باهتمام" أو "نحيي" أو "نهنئ" و"نفرح ل" أو "نعبر عن غبطتنا الشديدة ل..." أو "نشجع" أو "ندعم" وفي أعلى درجات التقرب من الموقف نقول "نتبنى". أما في الاتجاه المعاكس لإظهار تباعد الموقف الفرنسي مع توجه ما فنستعمل بشكل متدرج التعابير الآتية: "نعبر عن قلقنا" ويتدرج القلق تصاعدياً "قلقون كثيراً" أو "قلق عميق". وننتقل بعد ذلك إلى تعبير "لا نستطيع الموافقة على..." ثم يليها "لا نوافق على...". ونحاول المحافظة على هذا التدرج في ميزان التبني أو التنديد بشكل ملتزم لما فيه من أهمية في توضيح وجهة نظر السياسة الخارجية الفرنسية. وهل تم التوصل إلى هذا الميزان حسب تعبيركم عبر دراسات، أو أن التعامل على مرّ سنين خلق هذا التدرج في ميزان المدلولات؟ - نحاول بشكل دائم تجديد معجم المعاني الدلالية التي نستعملها مستعينين بآخر ما تتوصل إليه علوم التواصل والإعلام فنبحث مثلاً عن مرادفات تزيد من المعنى الدلالي المطلوب أو تنوعه أو تساهم بتحديده بشكل أدق. أعطي مثلاً على ذلك أنه في بداية الانتفاضة كنا نبحث عن تعابير مثل "الأسف" لما يفعله "المسيو شارون"، لكننا لم نكن قد وصلنا حينها إلى مرحلة التنديد القصوى. وقد وجدنا تعبيراً جديداً يعبر عن رأينا من دون تجاوز ما لم نكن نريد تجاوزه في ميزان التعابير المستعملة وهو "مسيو شارون يسلك طريقاً خاطئاً"، وعلى رغم أنها لم تخرج من الاستعمال اليومي فقد كان لهذه العبارة صدى قوي آنذاك لأنها كانت تعبيراً جديداً. لذا فإننا نعتقد بأنه لكي تكون كلمتنا مسموعة يجب تجديد معجم التعابير بشكل متواصل والبحث عن التركيبات ذات التأثير الإعلامي القوي وهو من صميم عمل التواصل الذي هو عمل الناطق الرسمي بخلاف العمل الديبلوماسي. يواجه الناطق الرسمي في لقائه مع وسائل الإعلام صحافيين من مختلف البلدان، فكيف يمكن الجمع بين شمولية السياسة التي عليكم توضيحها وخصوصية الأسئلة التي يحملها الصحافيون؟ - من أولى مهمات الناطق الرسمي معرفة الصحافي الذي يواجهه بشكل جيد. ومع مرور الأيام يستطيع الناطق أن يستشف توجهات الصحافي والنقاط التي يشدد عليها، وما يحب سماعه أو ما ينفر منه، ما يقبل به وما لا يقبل به. وفي حال استطاع الناطق الرسمي أن يأخذ في الاعتبار هذه العوامل يكون في وضعية جيدة للإجابة على الأسئلة وهذا مهم. هل يمكنك أن تروي لنا حالة واجهت خلالها مأزقاً من جراء سؤال ما؟ - أولاً لا استطيع القول إن الأمر حصل مرة واحدة فقط، ولكن سأحاول الإجابة. في معظم الأحيان يكون الأمر إما أن أرتكب خطأ في وصف أمر ما فيأتي جوابي خطأ، أو أن أرتكب خطأ باستعمال كلمة تخرج عن إطار السياسة المتبعة والمتفق عليها. وتتعلق الحالة الثانية في غالب الأحيان بالشرق الأوسط. ويعود السبب إلى أن الصحافيين الذين يتابعون قضايا المنطقة المذكورة يريدون صورة كاملة لموقف فرنسا يأخذ في الاعتبار مجمل المواقف التاريخية المتعلقة بمسألة الشرق الأوسط، وهو ما يكون في غالب الأحيان خارج موضوع السؤال. وغالباً ما يكون في قاعة اللقاء بعض "الأصدقاء" الذين ينبهونني إلى خطأي أو إلى الكلمة التي أغفلتها فأسأل إذا كان من الممكن أن أضيفها إلى بياني. ومثل هذه الحوادث تبرهن على أهمية العلاقات الشخصية التي يقيمها الناطق الرسمي مع مختلف الصحافيين مما يجعل جو العمل أقل توتراً. أما في حال حصول خطأ في وصف أو تحديد عامل ما فهذا أشد ضرراً. وفي هذه الحالة اما أن أعمد إلى تصحيح الخطأ خلال الندوة الصحافية إذا فطنت للأمر قبل الانتهاء من اللقاء. وأما أن أعود وأتصل بأهم الوكالات وأهم الصحف لتوضيح تلك النقطة عبر بيان تصحيح. وقد حصل هذا معي مرتين على الأقل. وفي معظم الأحيان يتم الأخذ بالتصحيح حيث أن الصحافي المهني يهدف إلى الوصول إلى حقيقة الموقف الفرنسي ولا هدف له للتشديد على خطأ ما خصوصاً إذا كان لا يعكس هذه السياسة. هل تحدثنا عن "الأون" on و"الأوف" off المعتمدة بين الصحافيين والناطقين الرسميين، والتي تعتمد على وجود ثقة كبيرة بين الطرفين؟ - ما نضعه تحت راية "الأون" هو ببساطة كل ما يصدر عن الناطق الرسمي، لكنه القسم الأهم، الذي يجب أن يحتفظ به، لأنه لا يجب التذكير أن الناطق الرسمي ليس فقط رجل إعلام، لكنه أيضاً يصوغ خطاب السياسة الفرنسية الخارجية وهذا ما يجعله أداة ديبلوماسية لإرسال إشارات. وكثيراً ما قال لي وزير الخارجية هوبير فيدرين إنه "في حال أردت القيام بعمل ديبلوماسي، فإن أفضل طريقة وأقلها تكلفة هي إصدار بيان عبر الناطق الرسمي للوزارة"، فبيان الناطق الرسمي له وزن ديبلوماسي لا نقاش فيه. إذاً يمكن إطلاق اسم "الديبلوماسية المتحركة" على تصريحات "الأون" أي المسموح نشرها. أما في ما يتعلق بما يوضع تحت راية "الأوف" فهدفه الاقناع، وهو أشبه بعملية تواصل إعلامية إعلانية موجهة من عملية ديبلوماسية. يجب أن يكون الناطق الرسمي قادراً على إقناع محدثيه وأن يكون مدركاً لشخصيته. ولكن ما نسميه "أوف" هي طريقة تواصل خطرة لأنه يمكن الوقوع في مطبات كثيرة إن لم نقل في افخاخ. يمكن أن تحصل خيانة ويتم تسمية الناطق على رغم أن العرف الصحافي ينأى عن الصحافي ذكر اسم مصدر المعلومة الصادرة "أوف". وأذكر أنه خلال مطلع عهدي كناطق رسمي حصل مني صحافي عربي على تصريح "أوف". وفي اليوم التالي خرجت صحيفة عربية كبيرة وفيها تقريباً ما يلي: "قال مسؤول كبير عن الإعلام في وزارة مهمة تقع على ضفة السين...". وهذا الصحافي، حتى ولو لم يذكر اسمي ضحك فقط لم يذكر رقم هاتفي ولا لون شعري، فهو حدد مصدر المعلومة بشكل يتعارض مع المتعارف عليه بشكل كاف ليتحول "الأوف" إلى "أون". إلا أن هذه حادثة فريدة جداً. ولكن هذا لا يمنع أنه من الأفضل عندما يود الناطق أن يدلي بمعلومات من دون الإفصاح عن مصدرها عليه أن يفعل هذا بحضور شهود أو أن يستعمل مسجلة. وهنا أشير إلى أنه يوجد دائما عضو من فريقنا إلى جانب الوزير أثناء الادلاء بتصريحاته لنكون شهوداً على ما يقال. والخطورة في حال عدم وجود شهود هو إمكان تحريف الجواب الصادر عن الناطق من قبل الصحافي. وهذا ما حصل للسفير الفرنسي في لندن دانيال برنار خلال حفل عشاء. من المهم عندما يقرر الناطق التصريح بشكل مغفل "أوف" أن يتفق مع الصحافي على مصدر اسناد الخبر أو المعلومة مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أو مصدر حكومي بارز وغيرهما. كما يوجد ما يسمى بال"أوف أوف"، أي أن يمتنع الصحافي عن اسناد مصدر معلومته بأي شكل من الأشكال. فقط يمكنه استعمال المعلومة على مسؤوليته. كما يوجد ال"أوف أوف أوف" deep off أي أن على الصحافي اعتبار أن المحادثة مع الناطق لم تتم بتاتاً. وعليه معالجة المعلومة وكأنها استنتاج خاص به، ولا يمكن لا اسنادها إلى مصدر ولا الإشارة إليها كمعلومة بل الاكتفاء بأخذها في الاعتبار عند معالجة الموضوع. كيف تصف الصحافي الصعب بالنسبة إلى الناطق الرسمي؟ - الصحافي المثالي والأصعب بالنسبة إلى الناطق الرسمي هو الذي يعرف تفاصيل الموضوع الذي يطرح سؤاله حوله بشكل جيد. والمثالي هو الذي يحاول مساعدة الناطق الرسمي على القيام بمهمته الإعلامية بشكل جيد لما في ذلك من مصلحة مشتركة للفريقين، التي هي إظهار حقيقة موقف الحكومة التي يمثلها الناطق الرسمي. ما رأيك بالصحافيين العرب؟ - على رغم تراجع عدد الصحافيين العرب، فهم مهنيون بشكل جيد، ويعرفون جيداً ما يريدون عبر أسئلتهم بالنسبة إلى القضايا التي تهمهم. ومن جهة أخرى من الصعب دفعهم للاهتمام بقضايا أخرى، لكنني أفهم هذا الشيء. ولكن في المقابل فهم مدركون جيداً مختلف الأمور السياسية والثقافية والاقتصادية المتعلقة بمنطقتهم. أستطيع القول إنهم يشكلون مدرسة في الصحافة بشكل عام، خصوصاً للمتعامل معهم، لأنه يكتسب خبرة تمكنه من مقاومة كل أنواع الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها ناطق رسمي. ونقاط الضعف القليلة التي نلاحظها عند الصحافيين العرب، - ولكن من منا لا يحمل نقاط ضعف؟! - هي كما سبق وقلت تركيز اهتمامهم على قضايا المنطقة العربية، إلا أن مهنيتهم العالية وحبهم لمهنتهم يغطيان على كل ذلك بشكل وافر.... كم ساعة عمل تقضي يومياً وماذا تفعل في أوقات الفراغ؟ ما هي أنواع القراءات المحببة لديك، هل هي لإشباع رغبات ثقافية أم لتكملة عمل الناطق الرسمي عبر زيادة المعرفة وتوسيع الآفاق؟ - بالنسبة إلى جميع الديبلوماسيين في "الكي دورسيه"، فإن ساعات العمل طويلة جداً، لكن إدارة الإعلام تعمل بشكل أكثر كثافة نظراً إلى متطلبات مهنة الإعلام، خصوصاً فارق التوقيت بين مختلف القارات، وحسب الأزمات في العالم وحدتها. ولكن لنقل أننا نعمل حوالي 15 ساعة يومياً. وللأسف ليس لدينا وقت كاف لإرضاء هواياتنا ورغباتنا. ومهمتي أنا شخصياً أن يستطيع الصحافي أي صحافي الوصول إلي في أي لحظة، في الليل أو النهار للحصول على توضيح أو بيان أو تأكيد خبر. إلإضافة إلى ذلك هناك المهمات الإدارية، ففريق الإعلام الذي أشرف عليه في الوزارة مؤلف من أكثر من 120 موظفاً، وهناك حوالى 300 موظف في الخارج، ومنذ أصبحت مديراً للإعلام والناطق الرسمي للوزارة تخليت عن معظم هواياتي بسبب عدم توافر الوقت، وأكتفي بهواية واحدة فقط هي الاهتمام بأطفالي قليلاً عند الصباح قبل توجهي إلى المكتب. فعندي طفلان عمرهما سنتان وأربع سنوات وابنة عمرها17 سنة. وقراءاتك المحببة؟ - أقرأ أولاً الصحافة بشكل مكثف مما يخفف كثيراً من الوقت المتاح لي للمطالعة. لكنني أحب كتب التاريخ القديم ومطالعة الأدب الكلاسيكي مثل موسيه وبومارشيه. من المحتمل تأليف حكومة جديدة في فرنسا. فهل من التقاليد الفرنسية تغيير الناطق الرسمي في هذه الحالة. - لا، ففي فرنسا على عكس الدول الأنكلوسكسونية، لا يوجد هذا التقليد. ولكن لا توجد قاعدة، فالوزير هو الذي يقرر. ولكن إذا استندنا إلى السوابق ففي حال كان الناطق الرسمي عضواً في مكتب الوزير، أي إذا كان سياسياً، يتم تغييره مع وصول الوزير الجديد. ولكن إذا كان الناطق موظفاً في وزارة الخارجية كما هو وضعي فقد يأخذ الأمر حوالى سنة وأكثر... إذا حصل تغيير. وفي حال حصول تغيير، هل لديك فكرة عن الموقع الذي يمكن أن يسند لك؟ - يتعلق الأمر بالكثير من العوامل، في مقدمها العوامل العائلية. الناطقة الرسمية التي سبقتني انتقلت إلى لاهاي سفيرة لفرنسا. من الممكن أن يعرض عليَّ مركز سفير أو قنصل في الخارج، كما يمكن أن يكون مركز في الوزارة أو خارج الوزارة. لكن ما يهمني هو خدمة وطني في أي مركز كان. في عودة إلى خصائص مهنة الناطق الرسمي، هل توجد جمعية أو منتدى للناطقين الرسميين في العالم؟ وهل مهنة الناطق الرسمي متماثلة في الدول الأخرى. - ضحك لا ولكنها فكرة جيدة. توجد نقاط مشتركة تجمع عمل مختلف الناطقين الرسميين. وفكرنا جدياً بانشاء نوع من هذا المنتدى في فترة حرب كوسوفو، ذلك أننا كنا على اتصال دائم مع العديد من العواصم في تلك الفترة لتحديد "أسلوب تواصل" متناسق. ولكن يوجد أيضاً تمايز في أسلوب تحضير وتدريب الناطق الرسمي بين مختلف الدول. ثم أنه بعد انتهاء مهمة الناطق الرسمي، التي لا تدوم كثيراً في معظم الأحيان، فهو ينتقل إلى مركز آخر مما يجعل من الصعوبة إبقاء علاقة دائمة بين أعضاء المنتدى. ولكن في حال تم إنشاء نوع من هذا المنتدى أو التجمع ألا يوجد خوف من أن ينتهي الأمر إلى تناسق تام بين مختلف الناطقين الرسميين بحيث يتم التأثير على نظام المعلومات في العالم؟ - نعم مثلما هو الحال في العديد من الأمور وبعض الاتهامات التي توجه إلى مراكز البحوث مثلاً. قد يكون مقلقاً أن تكون عملية التواصل في العالم متماثلة ومتناسقة، ويمكن أن تؤدي إلى تراجع قوة الإعلام. ولكن هذا لا يمنع ضرورة التقارب لما في هذا المجال من ضرورة لتدريب العاملين فيه وتنسيق أدوات التعامل. وهذا ما نقوم به داخل الإدارة للموظفين، لكننا نستقبل أيضاً ناطقين رسميين من الدول الأجنبية لاتمام دورات تدريبية ضمن فريقنا وللاطلاع على تقنيات التواصل الحكومية الخاصة بنا. ولكن من المؤكد أنه من غير المرغوب فيه جعل سيل المعلومات في العالم متناسقاً ومتناغماً ضمن خط عام يتبعه الجميع، وإلا فإن كل من يبتعد عن هذا الخط يكون رابحاً في حساب علم التواصل، وهذا ما سيفعله الجميع طبعاً قاعة الصحافة في "الكي دورسيه" صباح الخير! آه مضى زمن طويل لم نشاهدك هنا! كيف صحة العائلة؟ كيف الأولاد؟ كيف قضيت اجازتك؟ مرحباً! هكذا يدخل فرنسوا ريفاسو مدير الأتصالات والإعلام في وزارة الخارجية الفرنسية الشهيرة باسم موقعها ال"كي دورسيه" إلى قاعة الصحافة كل يوم ثلثاء وجمعة في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً، ليجيب على أسئلة الصحافة العالمية والمحلية الفرنسية بصفته "الناطق الرسمي" باسم وزارة الخارجية. القاعة الموجودة في الطابق الأول على زاوية البناء القديم على الضفة اليسرى لنهر السين قرب الجمعية الوطنية وفي مواجهة الإليزيه قصر الرئاسة، وهذا طبيعي فالسياسة الخارجية الفرنسية يضعها "رأس الدولة" وينفذها "وزيره" هكذا أراد تاليران وزير خارجية فرنسا في عهد نابليون و"أب وزراء خارجية فرنسا الحديثة"... وخليفة ماكيافيلي. صالة الصحافة فسيحة تنيرها أربع نوافذ كبيرة تطل على مبنى "الأنفاليد" "متحف كبرياء فرنسا"، مقاعدها وفيرة ومريحة زرقاء اللون تواجه منبراً شبيهاً بمنابر قاعات الجامعات، تزينه أربعة مكبرات صوت سوداء. أول من يدخل القاعة هو "مسيو جان" مندوب وكالة "رويترز". لا يذكر أي زميل أنه حضر يوماً إلى هذه القاعة ولم يره جالساً في مقعده شبه المخصص له في أقصى القاعة في الزاوية اليسرى. ومنذ سنوات قليلة بدأ يحضر ومعه، حاسوب يربطه على الطاولة التي تمتد على طول الحائط وراء المقاعد، فالقاعة مجهزة بهواتف مجانية ومفاتيح كهربائية لوصل التجهيزات الحديثة التي بات يحملها الصحافيون. لا يوجد بروتوكول بل "عادات" طبعت عمل قاعة الصحافة. بعد القاء التحية وتوزيع الابتسامات يجلس الناطق الرسمي على المنبر ويجول بنظره في القاعة. المقاعد الأمامية يحتلها "دائماً" المراسلون العرب! إذا سألت لماذا؟ لا أحد يستطيع الإجابة! هكذا كان الأمر منذ زمن لم يعد يذكره أحد. يجلس الصحافيون الفرنسيون في الوسط في الطرف الأيمن من القاعة. وكثيراً ما ينهضون نحو الهواتف المعلقة على الحائط قرب باب الدخول. أو يتوجهون نحو الخزائن الموجودة في طرف القاعة والموضوعة في تصرف بعض الصحافيين. يجلس ممثلو الوكالات والتلفزيونات في أقصى القاعة ويوجهون الميكرفونات والكاميرات نحو الناطق الرسمي الذي كثيراً ما يجلس على يمينه أو يساره مساعد له أو مساعدان ،حسب الموضوع المطروح. وفي طرف القاعة طاولة صغيرة يجلس حولها المساعدون ومعهم ملفات كل حسب اختصاصه. ما أن يتطرق صحافي إلى موضوع ما حتى يتحرك أحد المساعدين لإخراج "الفيشة المناسبة" ويتوجه نحو الناطق الذي ينظر إليها، وفي بعض الأحيان يطلب منه الجلوس والإجابة إذا كان الموضوع تقنياً جداً. يتم تناول المواضيع حسب أهميتها في سلسلة الأحداث اليومية وأخبار اليوم أو الأمس والتطورات في العالم. ترتفع أيد كثيرة تضع المسجلات الصوتية على المنبر. ومن حين لآخر حين ينتهي الشريط، يرفع أحد الجالسين في الصف الأول المسجلة التي توقفت فوق رأسه ليعرف صاحبها الجالس في الخلف أن الشريط انتهى. وفي هذا إشارة "زمالة" تتجاوز السبق الصحفي. وفي بعض الأحيان يتوقف الناطق الرسمي عن الكلام ليقول أن مسجلة ما قد توقفت. بعد التصاريح الرسمية والبيانات تبدأ الأسئلة والأجوبة. دائما تبدأ الأسئلة بمنطقة الشرق الأوسط وفي مقدمها فلسطين. لماذا؟ لا أحد يدري! ربما لأن الصحافة العربية تحتل المقاعد الأولى؟ السائل الأول هو دائماً... "مسيو جان". الناطق الرسمي يحترم الأقدمية فيعطيه الكلام في مستهل اللقاء. بعد ذلك تكر سبحة الأسئلة فتدور الكرة الأرضية بين سؤال وجواب وتحلق القاعة فوق عالم يصبح صغيراً وينتقل الموجودون من قارة إلى أخرى حسب السؤال المطروح. وكل سؤال مناسبة لسؤال آخر قد يعيد القاعة إلى سؤال سبق وطرح من قبل، أو قد يفتح أبواب أسئلة أخرى. وبين الحين والآخر يتوجه مساعد نحو صحافي طلب معلومات معينة ودقيقة فإما يعطيه موعداً خاصاً، وإما يمده بورقة مفصلة عما يريد معرفته. أما توزيع البيانات فقد خف في السنوات القليلة الماضية، فشبكة الانترنت باتت أداة عمل معظم الصحافيين. وعندما تجف الأسئلة ويجف ريق الناطق الرسمي ومساعديه. يشكر الأخير الموجودين، وتدب الحركة بين المقاعد. الأيدي تمتد إلى الجيوب وتخرج لفافات السجائر. التدخين ممنوع، لكن للصحافة بعض الامتيازات، إنما بعد انتهاء اللقاء. وبعد بضع دقائق في محادثات جماعية وتوضيحات، يتوجه الجميع نحو المخرج العام للوزارة لإعادة بطاقات الأمن واسترداد بطاقاتهم الصحافية. ولكن اللقاء لم ينته. فخلال هذه المسيرة تنفتح الأبواب المصطفة على يمين الممر ويساره الذي يقود نحو المخرج ويختفي العديد من الصحافيين بحثاً عن أجوبة جديدة لأسئلة "خاصة" أرادوا عدم طرحها أمام الزملاء، ذلك أن أبواب الوزارة مشرعة للصحافيين يجولون فيها كما يحلو لهم. يكفي طرق الباب والدخول إلى القسم الإعلامي الذي يهم الصحافي. وفي أغلب الأحيان فإن الصحافيين، كل حسب اختصاصه ومنطقته يكون قد وطد علاقات مع المسؤول الإعلامي المهتم بالمنطقة هذه أو بالاختصاص الذي يهتم به. الساعة الواحدة والنصف تجاه الوزارة يتفرق الصحافيون... ليلتقوا مرة أخرى في حركة شبه جماعية أوتوماتيكية في بهو محطة المترو الأنفليد لشراء صحيفة "لوموند" التي تصدر بعد الظهر والتي تحرص على أن تكون نقطة التوزيع الموجودة قرب الوزارة هي أول من تصلها أعداد اليوم