سورية: البحث عن الوقت الضائع بين الكومبيوتر ونشرات الأخبار موظفة في وزارة التربية السورية كانت تتحدث عن توجهات الوزارة الثقافية، تطرقت الى تعزيز المكتبة المدرسية، واعادة النظر في مهمة امينة المكتبة بالضبط. وعندما سئلت تلك الموظفة لماذا تقولين "أمينة المكتبة"؟ هل هذه الوظيفة مناطة حصراً بالنساء؟ ادهشها السؤال، وبعد تأمل سريع استعادي قالت: لم اصادف خلال عملي منذ اكثر من 15 عاماً، متنقلة في مدارس عدة امين مكتبة "رجل". وعقبت، ربما كان السبب في ذلك ان العمل في المكتبة المدرسية لا يحتاج الى جهد يذكر، وهذا معيب بحق المدرّس الذي يحال الى العمل الاداري حيث يفضل عملاً له شأن، يحتاج الى فاعلية، "أمين سر" مثلاً، اما المكتبة فركن منسي ومهمل، توفد اليه المدرّسات اللواتي يعانين ظرفاً صحياً يمنعهن من التدريس، وغالباً ما تحشر اكثر من ثلاث موظفات في المكتبة على رغم قلة الكتب وانعدام الطلب عليها. هل ثمة تراجع في الطلب على كتب تيارات الفكر العالمي؟ جمال سعيد من "دار الطليعة الجديدة" يقول: "يندر السؤال عن المدارس الفكرية، ولا يطلب كتب الفن والمسرح سوى بعض طلاب معهد الفنون المسرحية". في حين يشير عمر النوري مدير "مكتبة النوري" احدى اكبر مكتبات دمشق الى تزايد اقبال الشباب في السنوات الاخيرة على كتب المعاجم وتعلم اللغة الانكليزية والبرمجيات والكومبيوتر. اما الشرائح الاكبر سناً فلا تزال تقبل على الكتب السياسية والفكرية خصوصاً كتب المذكرات التاريخية، وكل ما له علاقة مباشرة بالحدث السياسي الراهن في المنطقة. ويؤكد ذلك الباحث زياد منى مدير "دار قدمس"، الذي يلمس اقبالاً على الكتب المتخصصة التي تعنى الدار بنشرها كدراسات التاريخ القديم التي لها علاقة بتاريخ فلسطين الكتابي والسياسي تحديداً. ويلاحظ صاحب "مكتبة نوبل"، ان اقبال من تتجاوز اعمارهم الثلاثين عاماً من اصحاب المهن الحرة كالاطباء والمهندسين والصيادلة، يكاد ينحصر بالكتاب التاريخي السياسي والفكري، الى جانب زبائنه الدائمين من جيل الخمسينات. اما الاجيال الناشئة فتقبل على كتب التقنيات وعلوم الالكترونيات التي تنامت كثيراً في السنوات الخمس الاخيرة. يفسر هذا الارتباط العضوي بين الحدث الراهن خصوصاً على المستوى السياسي وحركة سوق الكتب والقراءة، لتبدو الوسائل المعرفية رقمية كانت ام مطبوعة مرتبطة بالهم العام. وقد لا يعتبر ما يشاع عن تفوق التلفزيون والانترنت على الكتاب والصحيفة قاعدة ثابتة. وفي بعض الاحيان تلعب الوسائل الاعلامية نفسها دوراً مهماً في الترويج للكتاب المطبوع، فالكثير من دور النشر استخدمت الانترنت سوقاً للاعلان عن مطبوعاتها. وتعتبر "دار الفكر" في سورية من الدور الرائدة في هذا المجال، اذ حققت مبيعات جيدة من خلال موقع "فرات"، وتمكنت من التواصل مع شريحة واسعة من القراء المهتمين بالتراث والفكر الاسلامي. ويفيد ايضاً مدير "دار قدمس" بأن الانترنت سمح لزهاء 40 ألف زائر من الاطلاع على كتب الدار شهرياً، ومع ان ذلك لا يحرك السوق الداخلي لكنه حتماً يُعلِم القارئ العربي باصداراتنا. الاعلام وما يشاع شفوياً عن الكتاب له التأثير الاكبر في الاقبال على كتاب دون آخر، شرح ذلك مدير مكتبة النوري بقوله: "سوق الكتاب يتسم بموجات تعلو وتهبط وفق ما يشاع في وسائل الاعلام وبين الناس. فمثلاً، حققت روايتا احلام مستغانمي مبيعات خيالية لدى صدورهما بالموازاة مع تداول الاعلام قضايا المرأة، بينما الآن لم يعد هناك طلب عليهما لانحسار الحديث عن الأدب النسوي. حالياً، يتهافت الناس خصوصاً ربات البيوت على كتب مريم نور بعد ظهورها المتكرر على شاشات الفضائيات العربية، بالتوازي مع انبعاث الاهتمام بالغذاء والصحة. كذلك نشهد ومنذ سنوات ارتفاع الطلب على كتب الابراج وتحديداً كتب ماغي فرح التي تبيع بأرقام عالية جداً في النصف الاول من السنة عادة". معظم اصحاب دور النشر الجادة والمرموقة لا يقيمون وزناً لرواج الكتب الاستهلاكية الا على انه واحد من الملامح الهامشية للقارئ السوري، الذي يعتبره الناشر رياض نجيب الريس "القارئ العربي الاول في غياب القارئ العراقي". ويقول فخري كريم صاحب دار المدى الذي اطلق مشروع "الكتاب للجميع مجانا" ان "القارئ السوري مسؤول وجاد ويحترم من يحترم عقله، ويقبل على الكتاب الذي يعبر عن تطلعاته الفكرية والسياسية والابداعية". ويصفه زياد منى بأنه: "ذكي جداً والمشكلة لا تكمن فيه بل في المؤسسات الثقافية التي لا تعرف متطلباته وحاجاته الثقافية الحقيقية". اما رأي جمال سعيد فيختلف ويشدد على نسبيته: "على رغم وجود فئات نهمة للقراءة، فهي تعتبر قليلة جداً مقارنة بعدد سكان سورية. فمثلاً رواية "وليمة لأعشاب البحر" نفد منها في سورية ما يقارب 3000 نسخة وقد يكون هذا رقماً مرتفعاً، لكنه ضئيل فعلاً عندما نقول ان عدد السكان يتجاوز 17 مليون نسمة اكثر من نصفهم يقرأ ويكتب، والواقع العربي ليس اقل سوءاً. فالعالم العربي استهلك من الرواية نفسها حوالى 14 ألف نسخة فقط على رغم الضجيج الهائل الذي رافق اعادة طباعتها. القراءة راهناً، تبقى رهن الحاجة التي يلبيها هذا الكتاب او ذاك، وأكثر الكتب مبيعاً تلك التي تشبع حاجات سريعة وآنية بالدرجة الاولى، وحاجات روحية ومعنوية بالدرجة الثانية ككتب الشعر والرواية التي تربي الأمل، وما عدا ذلك يصبح ترفاً هامشياً في الوقت الضائع ما بين الكومبيوتر ونشرات الاخبار. هل ثمة عودة الى الكتاب؟ على رغم استطلاعنا الخائب والمثبط للآمال، نقول نعم، كما قال آلبرتو منغويل "القراءة ضرورية للحياة كالتنفس" كالتنفس تماماً، ولهذا نعاني امراض الاختناق. العراقيون ابتكروا وسائل جديدة لمواكبة عالم الكتب علاقة العراقيين بالكتاب ظلت دليلاً على تحولات اجتماعية، فهي وطيدة وحميمة، حين كانت المؤشرات الاقتصادية والسياسية تذهب الى أشكال شبه مستقرة. وهكذا كانت المكتبة معلماً بارزاً في حياة العراقيين، عامة كانت أم خاصة. جدران المكتبة العامة ظلت ركناً من أركان أي مدينة حتى تلك البعيدة عن العاصمة ومراكز المحافظات. هذه العلاقة الوطيدة بالكتاب تعرضت الى انكسارات، منذ ان بدأت الريبة والهواجس الأمنية تحكم الحياة العراقية لجهة لجوء نظام حزب البعث الحاكم الى اعلاء قيم عسكرة المجتمع وترسيخ الأساليب الأمنية كمقدمة لزج العراقيين في حروب ما زالت كوارثها قائمة. مئات آلاف الكتب أحرقتها عائلات الشيوعيين العراقيين أو طمرتها بعد بدء حملة "البعث" أواخر سبعينات القرن الفائت ضد الشيوعيين وأنصارهم، ومئات آلاف أخرى بعد حملة مشابهة وإن كانت أكثر قمعاً ضد أنصار "حزب الدعوة"، لتأتي الحرب ضد إيران لتشيع تبعاً للأرقام العالية لضحاياها من العراقيين، جواً من عدم الجدوى في المعرفة والثقافة عموماً. ولذا كان الكتاب أكبر الخاسرين مع سيادة أجواء الحرب. ومع الانهيار الحقيقي للكيان الاجتماعي والثقافي للعراق بعد حرب الخليج الثانية بأعبائها الانسانية أصبح منظر المكتبة في بيوت العراقيين "مثيراً للاستغراب" كما يقول الشاعر رعد كريم عزيز وهو أحد أدباء العراق الذين تحولوا الى مهنة بيع الكتب. فالعراقي المعني بالكتاب لاهث خلف لقمة العيش، ومضطر في أحيان كثيرة الى بيع أجزاء من أثاثه. إزاء كل هذه التحولات، هل توقفت القراءة او انقطع البحث عن الجديد في الكتب؟ سؤال لا يتردد العراقي عن تأكيد نفيه وبقوة. فبعد الهزات الاجتماعية والثقافية، التي أعدمت عند العراقي القدرة على اقتطاع جزء من موارده لشراء الكتب والدوريات والمراجع. كانت هناك أساليب جديدة في التعاطي مع الاصدارات أبرزها أسلوب شراء نسخة واحدة من كتاب جديد يفوز بإجماع على أهميته وتصويرها عبر جهاز الاستنساخ الضوئي "الفوتوكوبي" لتتحول الى مئات النسخ بل الى آلاف في بعض الأحيان كما في كتاب "العراق" بأجزائه الثلاثة للمفكر الأميركي الفلسطيني الأصل حنا بطاطو، و"مذكرات الجواهري" وكتب عراقية "ممنوعة" مثل مؤلفات الباحث حسن العلوي وكتب شقيقه الباحث هادي العلوي وكتاب "الذات الجريحة" للروائي سليم مطر، وعشرات العناوين من الاصدارات الجديدة "المهمة"، فيما ظلت كتب الراحل علي الوردي من أبرز ما يقبل عليه العراقيون حتى من الأجيال الجديدة التي لم تعرف الوردي ولم تعش مرحلته. وبحسب ما يروي كتّاب ومثقفون عراقيون، ممن أدمنوا التجوال في "شارع المتنبي" والتعاطي مع أجوائه حيث الكتب من كل نوع ولون، فإن كتب الأدب الى جانب كتب الفكر الماركسي هي الأكثر كساداً، ولا تقاوم أمام سطوة الاقبال على الكتب الاسلامية، بعدما سجلت مؤشرات "صحوة دينية" في قطاعات واسعة من العراقيين الذين عرفوا طويلاً بعلمانيتهم. أعلى الأسعار تسجلها الكتب العلمية الحديثة في حقول الطب، الهندسة، الفيزياء والكيمياء، أما قاموس "المورد" فيتم استنساخ طبعته الحديثة في كل عام، ليصل سعر النسخة المصورة الى 16 ألف دينار عراقي فيما سعر النسخة الأصلية يبلغ 50 ألف دينار. ومن بين وسائل "التحايل" على عزلة العراقيين ثقافياً، برزت ظاهرة "استئجار" الكتب والمجلات. الكتاب الجديد يُستأجر بسعر 500 دينار لأسبوع، فيما تستأجر المجلة الجديدة ب250 ديناراً لثلاثة أيام. وأكثر المجلات رواجاً، هي المجلات الأسبوعية المنوعة والفنية ومجلات الأزياء. كل هذا التعاطي الواسع مع الكتاب، ظل خارج المؤسسة الرسمية، ما وفّر "حرية" لم يكن يعرفها سوق الكتب الذي ينوء بأعباء الرقابة الصارمة وهي صاحبة النفوذ حتى على معارض الكتب التي أقامها ناشرون ومكتبيون عرب خلال العامين الماضيين في بغداد. و"شارع المتنبي" بحركة بيع الكتب الواسعة فيه، جذب شعراء العراق وكتّابه ليتحولوا باعة، ولاحقاً "تجاراً" للكتب، كما هو حال الشاعر منصور عبدالناصر الذي كان بدأ مع مجموعة من الكتب على رصيف في "الباب الشرقي" وسط بغداد قبل نحو عشرة أعوام، ليتحول تاجراً وناشراً يمتلك اليوم مكتبة ضخمة في "الباب المعظم". أما حال المترجم والكاتب غانم محمود فهي غير حال عبدالناصر، فهو مات قبل أشهر بعد ان كان يقضي معظم يومه واقفاً امام مجموعة من الكتب عرضها للبيع على رصيف في "شارع الرشيد". قراء الأردن يتابعون قضية فلسطين على رغم أن قصيدة درويش "حالة حصار" نشرت في غير صحيفة، وفي مواقع إلكترونية عدة، وقرأها جمهور كبير من القراء، واستمع كثيرون إلى مقاطع منها غير قليلة، وتداولها الكثيرون منسوخة من هنا أو هناك، على رغم ذلك كله فإن الكتاب/ القصيدة التي صدرت عن دار رياض الريس في بيروت منذ أيام قليلة، هي الأكثر مبيعاً لدى عدد من الباعة في عمان، كما قال لنا حسن أبو علي البائع الأقرب إلى الكتّاب والمثقفين في الأردن، وأول من يتصل بك ليقول لك إن كتاباً جديداً مهماً قد وصل. وهذا هو شأنه مع الكثير من الكتب، وآخرها كتاب محمود درويش الذي باع منه خلال يومين ما لا يقل عن 50 نسخة، على رغم أن سعره، نسبة إلى حجمه، ليس منخفضاً لمواطن من ذوي الدخل المحدود. الروائي إلياس فركوح، صاحب "دار أزمنة" التي أصدرت حتى الآن كتابين من كتب غالب هلسا، يشعر بما يشبه خيبة الأمل من مبيعات الكتابين، في حين أنهما يطبعان لأول مرة في الأردن. لكنه يعلل ذلك بالظروف أولاً، وبكون الكتابين اللذين تم نشرهما، "زنوج وبدو وفلاحون" و"وديع والقديسة ميلادة.." ليسا من أهم كتب غالب، لذا فهو يتوقع رواجاً كبيراً لرواية سلطانة التي سيباشر بطبعها وإصدارها قريباً. الناشر ماهر الكيالي "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" قال إن أكثر الكتب مبيعاً هذه الأيام، كما لاحظ في المعارض العربية، هي كتب تعالج قضايا سياسية راهنة، ومنها قضايا العولمة، فالكتب الثلاثة التي نشرها عن العولمة عرفت رواجاً لا بأس به، وكذلك كتاب عن "السعودية وأمريكا". ومن الأعمال الأدبية، عرفت روايات مؤنس الرزاز رواجاً، خصوصاً في الفترة الأولى التي تلت رحيله. كما أن من بين الكتب الرائجة موسوعة أدباء العرب في القرن العشرين، ورواية سليم بركات الجديدة. أما الناشر فتحي البس صاحب "دار الشروق" ورئيس اتحاد الناشرين الأردنيين فشكا من تراجع غير مسبوق في حجم قائمة المبيعات. معيداً ما تشهده حركة بيع الكتب من تراجع اسبابها غير ما يجري في فلسطين، اذ جاءت حوادث الأسابيع الأخيرة لتضع الكتاب في آخر ما يبحث عنه المواطن العربي. وحذر البس من أن ما أقدمت عليه الحكومة الأردنية من إضافة "ضريبة مبيعات" بقيمة 2 في المئة على المواد التي كانت معفاة من هذه الضريبة، كالورق ومواد تصنيع الكتاب عموماً، سيزيد العبء على القارئ المثخن بالأعباء أصلاً. فلسطين: الكتاب الديني رائج والانتفاضة حدّت من القراءة كم يكون الفلسطينيون سعداء عندما يشترون كتاباً من العالم العربي فالكتاب يملك فائدة ومتعة ويكون برمزيته أثمن لديهم، ويظل للكتاب عشاق مخلصون على رغم كل التغيرات التي حصلت في حياة الريف الفلسطيني ودخول المدنية الإستهلاكية على النحو المتسارع في العقدين الأخيرين وما رافقها من تطور في وسائل الإتصال من تلفزة وإنترنيت وغيرهما. في السبعينيات كان للكتاب العربي في فلسطين قيمة كبيرة جداً في ظل ارتفاع المد الثقافي في الوطن العربي وقد حمل آمالاً عريضة تكسرت لاحقاً على صخور الواقع المفجع. وكانت الكتب الصادرة عن دور النشر في بيروت والقاهرة تدخل عن طريق المدن والقرى غربي النهر وبالطرق التي لم تكن السلطات العسكرية الإسرائيلية تسمح بها. ولندرة الكتب كان كثر من المثقفين يقومون بنسخها على دفاتر خاصة بهم وكان الكتاب يشكل أداة من أدوات البقاء الحضاري ويحافظ على الهوية الوطنية بموازاة الآخر الإسرائيلي ذي العقلية الأوروبية المتعالية. هذه الإستعلائية غير المبررة جعلت الفلسطيني أكثر استزادة من الثقافة العربية وبسبب التأثير الكبير للمد الماركسي الذي كان يشدد على المعرفة وصل الكتاب العربي في فلسطين إلى فترته الذهبية ليتراجع مع نهاية الحقبة الماركسية وتغزو الحياة موجة جديدة من الإقبال على الكتب الدينية والغيبية. وكانت الحياة الإسرائيلية تنحو منحى رأسمالياً أثر على حياة الفلسطيني ليصبح أكثر انشغالاً في توفير لقمة العيش. وتدريجاً أصبحت الثقافة من اهتمام النخبة. ان قسماً من أبناء الجيل الجديد يحاول اليوم الإبتعاد عما هو مألوف ومكرر في الأدب العربي فهو مقبل أكثر على الرواية الحداثية وعلى الأدباء ذوي النزعات العلمانية كأدونيس الذي يقرأ في الآونة الأخيرة أكثر من ذي قبل وشعر أنسي الحاج ومحمود درويش وسميح القاسم ومحمد علي شمس الدين وجوزيف حرب وشوقي بزيع وطلال حيدر... ومن الروائيين عبدالرحمن منيف وحيدر حيدر وإبراهيم الكوني ومؤنس الرزاز وأحلام مستغانمي وحنان الشيخ وسلوى بكر وليانة بدر وغادة السمان وسحر خليفة. إزاء هذا بدأ الكتاب الديني يحتل مكانة مهمة في حياة المجتمع الفلسطيني مع ارتفاع المد الديني لكن الكتب التاريخية والأبحاث السياسية تظل من اهتمام البالغين أو المتخصصين بها. وتشهد المكتبات الفلسطينية تراجعاً في قراءة الأدب التقليدي الذي كان رائجاً في سنوات مضت ويقبل بعض من المثقفين على الأدب المترجم والكتب باللغة الإنكليزية. لكن الاقبال على الكتاب الديني يلفت كثيراً وعلى رغم مكانة الشعر في الوجدان الفلسطيني فإن الرواية تنال حصة الأسد. وأكدت الإحصاءات التي أجراها باحثون في مجال الكتب في مساحة فلسطين التاريخية أن نسبة المطالعة لدى النساء أعلى مما لدى الرجال وأن غالبية العشاق الحقيقيين للكتاب هم من الذين لم يكملوا الدراسة الأكاديمية. ولعل الكتب المستعارة من المكتبات العامة أكثر من الكتب المقتناه لإرتفاع أسعار الكتب. كان الكتاب العبري ولا يزال منافساً وخصماً خطيراً للكتاب العربي في فلسطين 1948 لكن الكتاب العربي بقي إلى اليوم في تفوق. من هنا كان التوجيه نحو المطالعة العربية تحدياً أمام المربين ومسؤولية وطنية. وأضرت الإنتفاضة بالمطالعة منذ العام 1988 ولكن على رغم الإحداث الدامية في فلسطين بقي للثقافة شأن في حياة الناس ودور في تفعيل الشارع. لكن الهجمة اليمينية على الشعب الفلسطيني في الأسابيع الأخيرة جعلت الثقافة مؤجلة. وهناك ما هو مميز في الآونة الأخيرة وهذا ما أشار إليه فلاح فلاح مدير "دار الحكمة للنشر" وهو الإقبال المتزايد على أدب الأطفال وهي بادرة إيجابية لصناعة المثقف المستقبلي. أما أحد أمناء المكتبات العريقين في المهنة في شرق القدسالمحتلة فأشار الى أن الكتاب في فلسطين سيعود ليحتل المكانة التي تليق به. وأكد أن نسبة القراء أكثر بكثير مما تشير إليه الإحصاءات. يعقوب حجازي مدير "دار الأسوار للنشر" والذي أصدر الكثير من الكتب القيمة في السنوات الأخيرة رأى أن لا بديل عن الكتاب على رغم وكلاء المعرفة الذين طرأوا على حياتنا وتشكل الرواية اليوم الجانب الأدبي الذي يتمسك به القارئ الفلسطيني. المغرب: طغيان الهمّ الفكري على رغم الانتعاش النسبي الذي عرفه قطاع النشر في المغرب بعدما بلغ عدد دور النشر 32 دارا تصدر ألف عنوان سنويا، فإن أكثر من نصف الإصدارات التي تحصل على رقم إيداع قانوني لدى الخزانة العامة في الرباط ينشرها كتّاب على نفقتهم الخاصة. إنها ظاهرة المؤلف / الناشر التي بدأت تقلق المهنيين، خصوصا أن معظم أبطالها ليسوا من الأسماء المكرّسة في الساحة، وبعضهم يعتبرون الكتاب مجرّد بطاقة زيارة. الناشر الشاب خالد سليكي لا يخفي قلقه من استفحال هذه الظاهرة التي ستعجّل - في نظره - بنهاية عهد الناشر وسقوط أسطورة الكتاب. ولكن بعيدا عن المؤلف/الناشر، ماذا يروج مغربياً هذه الأيام؟ عبدالجليل ناظم دار توبقال أكّد أنّ هناك إقبالا ملحوظا على الدراسات التي تجمع بين الرؤية الفلسفية والمنهجية الأنتربولوجية والبعد السوسيولوجي، كما هي الحال بالنسبة الى كتاب "الشيخ والمريد" لعبدالله حمودي. أما الصنف الثاني فهو الكتاب الذي يهتم باللغة العربية من وجهة نظر المنهجيات اللسانية الحديثة. "كل الكتب التي نشرناها في هذا المجال حظيت بإقبال كبير. ولكن حينما أقول إقبالاً، فأنا لا أحكي عن الجمهور الواسع. بل فقط عن نخبة المثقفين والباحثين". و إذا كانت "توبقال" استهدفت النخبة منذ البداية، فإن دارا أخرى هي "المدارس للنشر" أصدرت في السنتين الأخيرتين ثلاثين عنوانا أغلبها أطروحات جامعية. وربما انتبهت الدار إلى أن القارئ العادي مجرّد خرافة لذلك فضّلت التعامل مع الجامعيين. يقول مدير الدار: "لمسنا نقصا في الدراسات التي ترتبط مضامينها بالمقرّرات الجامعية فحاولنا ملء هذا الفراغ الذي يعانيه الطلبة والباحثون. أما القارئ العادي الذي يقتني الكتاب خارج السياق الجامعي فبدأنا نشكّ في وجوده". ويرى بسّام الكردي مدير "المركز الثقافي العربي" أنّ القارئ العادي ما زال له وجود مؤثّر بدليل الرّواج الذي يحظى به الكتاب الإسلامي والتراثي. وهناك نوع من الإقبال على الإنتاجات الأدبية والفكرية الحديثة ذات القيمة. "فبالنسبة لمنشورات المركز - يضيف بسّام - يمكنني أن أؤكّد أنّ الأعمال الإبداعية هي الأكثر رواجا في السنوات الأخيرة. إن "خواطر الصباح" التي أصدرناها لعبدالله العروي حديثا تعرف إقبالا منقطع النظير، من دون أن نغفل الأعمال الفكرية التي نشرناها للجابري والعروي وطه عبدالرحمان والتي تحظى باهتمام خاص من طرف القراء". ولكن إذا كانت الدّور المغربية الكبرى تراهن على النخبة أساساً وهو ما يتّضح من خلال انخفاض متوسّط ما تنشره من ثلاثة آلاف نسخة إلى ألف نسخة للكتاب الواحد، فقد حاولت بعض التجارب الانفتاح على الجمهور الواسع كما هو الحال بالنسبة لمنشورات الزمن التي تصدر الكثير من السلاسل الفكرية والأدبية ولا تطبع أقل من 10 آلاف نسخة للكتاب الواحد، بل وتبلغ 40 ألف نسخة في بعض الأحيان. ومع ذلك هناك إجماع في أوساط الناشرين والكتاب المغاربة على تدنّي معدلاّت القراءة. ويبقى التّشخيص الدقيق مستحيلا في غياب تقارير رسمية تحدّد بالأرقام وضع النشر والكتاب في المغرب، وكذلك البحوث العلمية المتخصّصة في مجال سوسيولوجيا القراءة. ولكن فيما يشتكي الجميع من الركود الذي تعرفه سوق الكتاب المغربي، تأتي التقارير الفرنسية لتؤكّد أن المغرب يحتل الصدارة إفريقياً في استيراد الكتاب الفرنسي! فمتى يقتنع قرّاؤنا الفرنكوفونيون بجدارة الكتاب المغربي المكتوب بالعربية ليصير لنا حديث آخر عن واقع النشر في هذا البلد مطبوعات كويتية تخترق الحصار تعتبر المطبوعات التي يصدرها "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت من أعرق المطبوعات التي استطاعت ان تخترق حدود الاقليمية وأن تخرج الى العواصم والمدن العربية كافة وبأسعار رمزية جداً تمكّن المواطنين من اقتنائها. وغدا القراء العرب ينتظرون تلك المطبوعات دورياً ليقتنوا نسخهم مؤسسين بها ما يشبه المكتبة الخاصة. كتاب "عالم المعرفة" الذي يصدر شهرياً تبلغ نسخه 50 ألفاً وكتاب "ابداعات عالمية" الذي يصدر كل شهرين يبلغ 15 ألفاً. أما مجلة "عالم الفكر" وهي أشبه بالكتاب الفصلي فتطبع فصلياً 20 ألفاً. واللافت في هذه المطبوعات ان لا مرتجعات لها اذ تتحول دورياً الى كتب دائمة الحضور في المكتبات. وبعض كتب "عالم المعرفة" يعاد طبعها أكثر من مرة. ولعل أبرز ما أنجزته هذه المطبوعات اختراقها أزمة التوزيع التي تعانيها معظم دور النشر العربية وتمكنت فعلاً ان تدخل معظم الدول العربية والمكتبات والأكشاك. "كتاب في جريدة": 150 مليوناً الشاعر شوقي عبدالأمير مدير "كتاب في جريدة" يتحدث عن هذه التجربة الفريدة عربياً قائلاً: "بعد خمس سنوات من الاصدارات التي انتشرت في مجمل العالم العربي، عبر كبريات الصحف اليومية حمل "كتاب في جريدة" الى كل أسرة عربية روائع الأدب العربي، قديمه وحديثه، اذ صدر حتى الآن 55 كتاباً بمعدل ثلاثة ملايين نسخة شهرياً اي ما يقرب من 150 مليون نسخة. في المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في صنعاء في الأسبوع الأول من كانون الثاني يناير 2002 والذي كان مخصصاً لتقويم المشروع بعد هذه المسيرة الطويلة، أكد رؤساء تحرير الصحف المشاركة ان قراء صحفهم أبدوا في شكل متنام اهتماماً متزايداً ب"كتاب في جريدة" من خلال انعدام المرتجع لدى معظم الصحف واختفائها من الأسواق في الساعات الأولى لصدورها. وأكدت صحف أخرى زيادة عدد النسخ التي تصدرها في يوم توزيع "كتاب في جريدة". ولوحظ ايضاً في عدد من الدول والمناطق البعيدة عن العاصمة ان "كتاب في جريدة" يباع في السوق السوداء وحده بعد انتزاعه من العدد اليومي. "القراءة للجميع" و"مكتبة الأسرة": 40 مليون نسخة انطلق مهرجان "القراءة للجميع" يشرف عليه الدكتور سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب في مصر في صيف العام 1991 وانضوى تحته في 1993 مشروع "مكتبة الأسرة" الذي بلغ عدد اصدارته حتى نهاية العام 2001 ما يربو على 40 مليون نسخة تحمل اكثر من 1200 عنوان. وتشتمل اصدارات مكتبة الاسرة على 14 سلسلة هي: الاعمال الابداعية، الاعمال الفكرية، الاعمال الدينية، أمهات الكتب، الروائع، الأعمال العلمية، جائزة سوزان مبارك لأدب الطفل، روائع الادب العالمي للناشئين، أدب الطفل حول العالم، روائع الادب العالمي للأطفال، دراسات دولية، الاعمال الخاصة، واقرأ لطفلك، والموسوعات. وصدر ضمن هذه السلاسل في دورة العام الماضي 2001 فقط ثمانية ملايين نسخة كتاب. وجاء في نتائج دراسة تحليلية حديثة للمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية عن مهرجان "القراءة للجميع" وسلاسل "مكتبة الأسرة" أن المحافظات المصرية تحظى بالنصيب الاكبر، وان الذكور اكثر استجابة من الاناث بدرجة كبيرة وأن الشباب هم الاكثر افادة من المشروع، علماً أن عدد من شاركوا في الاجابة على اسئلة الاستبيان بلغ 1690 شخصاً. واتضح ان مادة الكتاب تمثل العامل الاول الذي يدفع الى اختياره، وجاءت سلسلة الاعمال الدينية في المرتبة الاولى من حيث الكتب المفضلة، تلتها الاعمال الابداعية ثم الفكرية، فكتب التراث ثم الاعمال العلمية، وروائع الادب العربي، ثم روائع الادب العالمي للناشئين، فسلسلة امهات الكتب المترجمة، واخيراً كتب الشباب بنسبة 29 في المئة. وهذه النسبة كما تشير الدراسة تقارب نسبة الشباب في المجتمع المصري.