سبع سنوات عاشت رائدة وزوجها، ذلك الحلم المُغمّس بالألم بإنجاب طفل يضفي البهجة على البيت. لم يتركا طبيباً إلا وطرقا بابه. خصصا راتب الزوج للانفاق على العلاج واستشارات الاطباء، حتى جاءت اللحظة التي أبلغهما فيها الطبيب ان عملية الزرع قد نجحت وما عليهما الا انتظار المولود والحذر في الحركة والغذاء السليم. "كانت فرحة لا يمكنني وصفها" قالت رائدة التي اندفعت لشراء ملابس طفلها والالعاب وجهزت الغرفة الصغيرة المتواضعة للطفل. وما هي غرفة الطفل الفلسطيني في هذا الزمن العصيب؟ انها ليست تلك الغرفة التي تحتوي السرير الجميل المكسو بطرحة بيضاء! ولا الخزانة الصغيرة المليئة بالدمى والالعاب على اشكال الحيوانات! ولا الموسيقى الهادئة التي تسحر الطفل وتدخله اجمل الاحلام في نومه! انها بمثابة غرفة، والأصح زاوية صغيرة من غرفة تحتوي على فرشة ارض وشرشف ولحاف وخزانة صغيرة مستعملة ليس اكثر. وحتى هذه الغرفة قلة من الاطفال الفلسطينيين يحظون بها. وكان سيفوز بها من بين هؤلاء الطفل فضل اذا كان ذكرا او الطفلة سارة اذا كانت انثى. فهكذا قررت رائدة وزوجها اطلاق الاسم على الجنين. وكانت بالنسبة اليها اجمل غرفة في العالم كله "يكفي ان يكون نفس طفلي فيها". كانت تحلم واملها كبير بتحقيق هذا الحلم المتواضع الا ان ذلك الجندي الاسرائيلي الذي لا يتورع عن اذلال وتعذيب كل فلسطيني حطم هذا الحلم خلال دقائق معدودة. اطلق فيها باغة من الرصاص على سيارة الاسعاف التي كانت تنقل رائدة بعد فحص طبي خاص، وقُتل الحلم. قُتل فضل. قُتلت سارة، ولينضم طفل فلسطيني اخر الى قافلة من الاطفال والنساء والمرضى الفلسطينيين الذين يحكم عليهم بالاعدام من دون ذنب اقترفوه، يموتون بدم بارد على الحواجز الاسرائيلية. اكثر من 150 فلسطينياً قتلوا على الحواجز الاسرائيلية معظمهم من الاطفال الذين قتلوا وهم في ارحام امهاتهم او اطفال تعذبوا من الألم او نساء حوامل. ورائدة هي واحدة من عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي فقدن اجمل ما يملكن. وعندما تتحدث عن مصيبتها هذه لا تعرف من اين تبدأ وماذا تفضل. هل مأساة الحلم؟ ام الخسائر المالية؟ ام ماذا؟. تقول رائدة: "لقد حصلنا على مبالغ كبيرة من الاصدقاء كسلفة للعلاج على ان نعيدها من عمل زوجي الذي لا يتعدى راتبه الشهري 1100 شاقل 230 دولاراً اخذنا 1500 دينار تكلفة علاج الزرع على رغم المغامرة في ذلك. اردنا ان نرزق بطفل. وفي صباح ذلك اليوم كانت فرحتنا كبيرة لكنها لم تدم حتى المساء. فالاطباء أبلغونا ان الفحوصات جيدة والجنين بحالة ممتازة لكن تحرزاً من اي صعوبات على الطريق قرر الاطباء ان أعود الى البيت. ولكي لا اعرض حياتي وجنيني للخطر طلبوا ان أعود بسيارة اسعاف على اعتبار اننا لن نلاقي الصعوبات من الجنود الاسرائيليين. لكن شيئاً لم يجد نفعاً. ففور وصول سيارة الاسعاف الى الحاجز أوقفنا احد جنود الاحتلال وقام باستفزاز السائق ومحاولة اهانته واذلاله باسئلته الاستفزازية قبل ان يلزمه على العودة من دون ان يبالي بوجود امرأة مريضة على السرير. ثم من دون اي سبب قام بإطلاق الرصاص في وقت حاول السائق الهرب. فوقعت على الارض وشعرت اننا في معركة. خمس رصاصات مرت من حولي فصرخت وحسبت نفسي سأموت. فقط بعدما ابتعدت سيارة الاسعاف التي سلكت طريقاً التفافية ترابية، توقف الجنود عن اطلاق الرصاص لكن وضعي الصحي بدأ يتدهور. فقد أصابني نزيف حاد ولم اتمكن من الوصول الى المستشفى في اليوم نفسه لأننا اضطررنا الى المبيت لدى اقارب زوجي في قرية مجاورة لجنين بسبب منع التجول، ولما توجهت في صباح اليوم التالي لم يكن امام الاطباء الا اجراء عملية اجهاض". لكن مع حدة الالم الذي رافق رائدة وزوجها والعائلة كلها لما حصل لها بعد سنوات طويلة من الانتظار، الا ان حالتها أرحم بألف مرة من مئات الحالات التي يعاني منها المواطن الفلسطيني بسبب الحواجز الاحتلالية. لقد بلغ عدد هذه الحواجز اكثر من ثمانين، أدت الى تقسيم المنطقة الفلسطينية الى مناطق عدة مغلقة. كل واحد يعني اعتقال قرية او مدينة. وعليها تتم ابشع عمليات اذلال وقهر للشعب الفلسطيني والتي يمارسها احياناً جندي اسرائيلي لا يتجاوز عمره العشرين او جندية في سن أقل منه. فلا المسن الفلسطيني ولا المسنّة ولا الطفل ولا الرجل ينجو من هذا التعامل. هذه الحواجز التي تعيق التحركات الفلسطينية تعتبر الأقسى منذ العام 1967. فهي لا تقتصر فقط على التأخير والإذلال انما تشكل ايضاً عاملاً اساسياً في تضييق الخناق الاقتصادي على الفلسطينيين. في البداية كانوا يجدون حلاً في الطرق الالتفافية لكن جنود الاحتلال اغلقوها بالدبابات او بالصخور واكوام التراب. واذا كانت الطريق مفتوحة فالرصاص يسبق الفلسطيني من قبل الجنود الذين يراقبون كل مواطن حتى وان كان مريضاً. وتقول مريم ابو دقة، مديرة الدراسات والنشر في وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة، وأمينة سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ان الحواجز ادت الى وضع لا تستطيع احياناً الأم او الاخت ان تودع ابنها او شقيقها الشهيد او الذي يموت بشكل مفاجئ . وقالت في حديث خاص ل"الوسط": "الخروج من منطقة السكن حتى وان كان في ضاحية قريبة من المكان المقصود محفوف بالخطر، فالعودة تكون غير مضمونة، احياناً يعلن منع التجول واحياناً تغلق المعابر تماماً ولا يقتصر الامر على الانتظار ثلاث او اربع ساعات. وهذا الامر انعكس بشكل قاس على النساء والاطفال والمرضى من جهة وعلى الطلاب الجامعيين الذين لم يستطيعوا العودة الى بيوتهم، الامر الذي اضطر بعض الجامعات الى نصب خيم للطلاب. ولكن مع تحول المشكلة الى دائمة لم يعد ممكناً الاستمرار في العيش داخل الخيم الامر الذي زاد العبء المالي على الطلاب الذين اضطروا كمجموعات لاستئجار بيوت، وطبعاً البعض ممن تعاني عائلته من وضع اقتصادي قاس اضطر الى ترك التعليم" وتضيف ابو دقة: "الإذلال الذي يعاني منه الفلسطيني على الحواجز يشعل الغضب في نفوس الجميع وحتى الاطفال. وما يؤلم هو وضع المرضى الذين ينتظرون ساعات طويلة على الحواجز ومنهم من يلفظ انفاسه الاخيرة قبل ان يحصل على موافقة الدخول من الجندي الاسرائيلي. وهناك الكثير من النساء أنجبن عند الحاجز امام انظار الجنود والمارة". احدى النساء الحوامل التي وصلت الى حاجز خان يونس، مُنعت من دخول الحاجز رغم آلام المخاض التي كانت تعاني منها وبعد انتظار اكثر من ساعتين انجبت طفلاً على مرأى من الجنود والناس، وحتى بعد هذا لم يسمحوا لها بالعبور الا بعد اكثر من ساعة. هذه المرأة من بين القليلات اللواتي أسعدهن الحظ بعدم حصول تعقيدات صحية على وضعهن ووضع الاطفال، وما كان منها الا ان اطلقت اسم "حاجز" على ابنها. وتقول ابو دقة: "باتت الحواجز في اكثر وسائل المعاناة من الاحتلال. فالفلسطيني يواجهها يومياً وتنعكس على مختلف مجالات حياته اليومية، الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية وغيرها. فاذا اضفناها الى البطالة التي كانت نسبتها قبل الانتفاضة 11 في المئة تجاوزت اليوم 38 في المئة، والعائلات الفقيرة التي تضاعف عددها اذ وصلت نسبة التي تعيش منها تحت خط الفقر الى 64 في المئة، وهذا الوضع يؤدي الى انهيار جهاز التعليم والبنية التحتية، يمكننا فهم ما يقوله الفلسطينيون من ان هذه الحواجز هي اكبر مصنع لانتاج اليأس والعمليات الانتحارية". كلمة معاناة لا تعكس بتاتاً حقيقة ما يعيشه الفلسطيني على الحواجز، ففي كل يوم تخرج القصص المأسوية الطبية والاجتماعية والنفسية ايضاً. فكل مجموعة من الجنود تتبع اسلوباً خاصاً بها. منهم من يوقف سيارة تاكسي فيها شباب وصبايا وبعد الانتظار والتحقيق في هوية كل واحد منهم، يأتي الجندي بأمره من دون تنفيذه العبور، واحياناً كثيرة يأتي هذا الامر بعد انتظار ثلاث او اربع ساعات على الحواجز بعد انهاء العمل ويكون العائد الى منزله منهكاً تماماً او ان الظلام بدأ يحل. والوضع بات صعباً على الفتيات بشكل خاص، اذ يقول الجندي عادة لكل شاب: "قبّل هذه الفتاة قبل ان تمر". ويأتي هذا الطلب - الامر كالصاعقة فتثور ثائرة الشاب الفلسطيني. ويقول محمود الذي كان يجلس في تاكسي عانى ركابه من هذه الاوامر، ان "احد الشبان ثار غاضباً، ورفض وأصر على الرفض فصرخ به الجندي فردّ هو بالصراخ، فكرر الجندي طلبه وألح بكل وقاحة، الى ان قام الشاب من مكانه وحاول الهجوم على الجندي. ولم يكن امام اي واحد منا الا منعه لأن ذلك قد يكلفه حياته برصاصة واحدة. فأعدناه وحاولنا تهدئته وطلبنا من الجندي ان يلغي هذا الطلب بأي شكل، لكن طلبنا كان بمثابة سبب اضافي له لإذلالنا. فأُوقفنا فترة طويلة من الزمن الى ان الزم احد الشبان بتقبيل الشابة وعندها كان الليل قد حل والدموع انهمرت من عيون الفتيات اللواتي انهرن بشكل كامل كما انهار كل شاب منا". على حاجز آخر تكون متعة الجندي المحتل في ان يشاهد الفلسطيني عارياً. اذ يأمر الجنود احد الشبان بالتعري والرقص امام جموع الناس والجنود او يأتي العقاب بشكل اقسى بتعرية الشاب الفلسطيني وأمره بالدوران حول الدبابة الاسرائيلية مرات عدة قبل السماح له بالعبور. الا ان المعاناة الأشد تبقى للامهات والاطفال الفلسطينيين. قصي ونسرين، طفلان فلسطينيان حكم عليهما جنود الاحتلال الاسرائيلي بالقتل بدم بارد. ماتا هكذا من دون اي ذنب اقترفاه، سوى انهما فلسطينيان. قصي مات بعد ثلاثة اشهر من ولادته ونسرين ماتت بعد ست ساعات فقط. قصي شقيق لثلاثة توائم هو ولؤي ونرمين. يقع بيت والديه تحت سيطرة الاسرائيليين وعلى بعد مئة متر فقط من المناطق الفلسطينية التي تسيطر عليها السلطة. في ذلك اليوم الذي اضطرت فيه الام الى نقل ابنها الى المستشفى بسبب ارتفاع درجة حرارته بشكل لافت فرض منع تجول على المنطقة الفلسطينية مكان سكن العائلة. لكن الام لم يكن امامها اي حل سوى نقل ابنها الى المستشفى، فخرجت من بيتها وعلى بعد امتار قليلة واجهت الجندي الاسرائيلي الى جانب الحاجز: "رجوته أن يسمح لي بقطع المئة متر للوصول الى المستشفى لكنه صرخ في وجهي وأمرني بالعودة الى البيت" رجوت ورجوت، ثم بكيت، لكن شيئاً لم يغير من موقف الجنود. ثم بعد التشاور فيما بينهم أمروني بالوقوف الى جانب سيارتهم الجيب ففعلت، وبعد اكثر من نصف ساعة شعرت ان حالة قصي بدأت تتدهور اذ ازداد تقيؤه وارتفعت درجة حرارته فعدت ورجوتهم، لكن من دون جدوى. الى ان مرت مجموعة من الشبان الفلسطينيين الذي لفتوا انظار الجنود، فتوجهوا نحوهم وكانت تلك فرصتي إلى أن اهرب. ففعلت ذلك بكل ما ملكت من قوة حتى وصلت الى الحاجز الفلسطيني وكانت قد مرت ساعة ونصف الساعة مع ان الوقت الذي نحتاجه للوصول الى المستشفى لا يستغرق عشر دقائق". قبل وصول نسرين الى المستشفى لاحظت ان وضع ابنها صعب جداً وكان يتنفس بصعوبة والتقيؤ يزداد: "كنت اقنع نفسي انه في وضع جيد ولن يحصل له اي مكروه. صلّيت وتمنيت ان يعيش قصي". قالت الام، "لكن تأخير ساعة ونصف الساعة تحت اشعة الشمس كانت بمثابة رصاصة قاتلة من المحتلين للطفل الذي وصل الى المستشفى وقد فارق الحياة". قصي كعشرات الاطفال الفلسطينيين الذين قتلوا دون ان يعرفوا طعماً للحياة. ومأساة فدوى، ام الطفلة نسرين - هكذا أراد اهلها اطلاق الاسم عليها - ليست اقل من مأساة والدة قصي، فأم نسرين التي وصلت الى الحاجز الاسرائيلي وهي تتألم من المخاض، انتظرت ساعات وكل الامها والكلام الذي أطلقه شقيقها وأمها مع الجنود لم يجد نفعاً: "اين التصريح" تساءل الجنود وكان الجواب واضحاً "من الصعب في مثل هذه الظروف الحصول على تصريح انها تريد ان تنجب". قال الشقيق لكن هذا الحديث لم يؤد الا الى صراخ اكثر من الجنود. فنزلت والدة فدوى وراحت ترجو الجنود، لكن الجواب القاسي جاء بسرعة: "هيا اذهبوا من هنا…" صرخ في وجوههم الجندي الاسرائيلي وكانت قد مرت ساعة بكاملها على الحاجز من دون جدوى، عندها اضطروا لسلوك طريق التفافية ووعرة وكان الظلام دامساً والخطر يحوم حولهم من اطلاق رصاص جندي او اي تدهور صحي يحدث لفدوى او حدوث عطل للسيارة يوقفهم ساعات أطول. بقيت اعصابهم مشدودة وصراخ فدوى يملأ المكان الى ان وصلوا الى الشارع الرئيسي من المنطقة القريبة للمستشفى، لكن لحظة الولادة كانت أسرع منهم، ولم يكن أمام ام فدوى الا ان تبذل كل جهودها لانقاذ ابنتها وحفيدتها. وبقدر ما استطاعت ساعدت في الولادة ووضعت ذلك الشرشف الصغير المتواجد في السيارة على حفيدتها ولكن: "في الطريق شعرت انها تتنفس بصعوبة وقلت في نفسي انها لن تصل الى المستشفى على قيد الحياة، خفت وبكيت ولم يكن امامي الا الاهتمام بالاثنتين حتى وصلنا الى المستشفى". في المستشفى ادخلت الطفلة الى غرفة الانعاش المكثف وبعد ساعات توفيت. اما الوالد فحضر صباح اليوم التالي لم يتمكن من مرافقة زوجته لوجوده في العمل. وبدلاً من ان يحضن طفلته ويقبلها، حمل صندوقاً صغيراً من الكرتون وعاد مع عدد قليل من الاقارب لدفن الطفلة. هكذا بهذه البساطة يقتل الطفل الفلسطيني، وهكذا تتحول الحواجز ليس فقط عبئاً للانتظار وليس فقط وسيلة اذلال بل سلاح قاتل في ظروف قاسية لم يعرفها الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين. غير ان هذه الاوضاع على الحواجز باتت تزعج حتى الاسرائيليين فهناك ضباط وجنود اسرائيليون لم يعودوا يطيقون رؤيتها، اذ اصبحت بالنسبة اليهم سبباً للتمرد على الخدمة في المناطق الفلسطينية. وهم خرجوا، قبل حوالي شهر، بعريضة تمرد علني وقّع عليها خمسون منهم. وزاد عدد الموقّعين يومياً حتى بلغ 300. ولنترك بعضهم يتحدث عن هذه الظاهرة. يقول الضابط يانيف ايتسكوبيتش: "كنا نجلس عند الحاجز قرب مفترق غوش قطيف بين خان يونس ودير بلح، وهناك اجراء يسمى "اجراء سيارة الاسعاف، هذا يعني عدم السماح بمرور سيارات الاسعاف". ببساطة نقوم بإيقاف الدبابات والمصفحات في كل المنطقة ونعيق حركة السير لساعة او اكثر حتى ننتهي من فحص كل السيارات، وليس مهماً اذا كانت سيارة الاسعاف تشغل الصفّارات، وبأنه يوجد في كل القطاع مستشفى كبير واحد فقط، مستشفى الشفاء. انك تطلب من الجندي عمل ذلك، وهو لا يملك اي مفر، انه يحافظ على حياته وعلى حياة رفاقه. يقولون له ان هذه السيارة مفخخة، فما الذي يمكنه عمله؟ انه يصون الاحتلال". ويقول دافيد زونشاين: "عندما تسرحت من الجيش، رأيت انه يمكنني ان اصاب بالجنون. هناك حدود لدينا جميعاً. يمكنك ان تكون افضل ضابط، ان تكون الاول دائماً وان تتطوع لأكثر العمليات تعقيداً في لبنان، وفجأة يطلبون منك القيام بأعمال لا تتوقعها مثل اطلاق النار على الناس، وقف سيارة اسعاف، هدم بيوت لا يعرف أحد من يسكن فيها. فأنت تدخل بيت عائلة في قلب منطقة تم مسحها، وتهدد رب العائلة، ولا يسمّون ذلك تهديداً، انما اقتراح لا يمكن رفضه. تقول له خذ عشرة آلاف شاقل، واترك البيت ونحن نهدمه. هذا لطيف جداً، لأنه كان يمكننا هدم المنزل من دون ان ندفع، وهذا بيت تراه عبرالمنظار، بيت يعيشون فيه. انك تقف طيلة الوقت في المواقع وتشاهد هؤلاء الناس". واضاف زونشاين: "لقد تلقينا ارشادات من قائد لواء جبعاتي، الذي قال انه من العبر التي تم استخلاصها من احداث ايلول سبتمبر ونفق المبكى، من المهم جداً اذا وقعت تظاهرة ضخمة، إحضار القنّاصة واطلاق النار على المنظمين، لأننا اذا لم نفعل ذلك فسنضطر الى ارتكاب مذبحة، وقال لنا احرصوا على اطلاق النار على هؤلاء، لا تجعلوا الامور تتطور، لأنكم ستطلقون عندها النيران على النساء والاولاد، وهذا امر لا يبدو جيداً في الصور الاعلامية. وعندها ساد الهدوء، فقلت له ان هذا العمل ليس اخلاقياً، فضحك الحضور. هذا هو المستوى الذي يتحدثون عنه في الجيش الاسرائيلي اليوم. ترى كيف تظهر الامور في عدسات الكاميرات".