تشعر إيران فعلا انها باتت قاب قوسين أو أدنى من المواجهة التي لا تريدها أصلا مع الولاياتالمتحدة، وتتوقع زيادة الضغوط عليها لحملها على وقف معارضتها للتسوية في الشرق الاوسط والتخلي عن "حزب الله" اللبناني وحركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" الفلسطينيتين، ومحاولة تأليب الشارع الايراني على النظام الاسلامي. ويعتقد الايرانيون ان الحملة الاميركية التي تتهم طهران بالسعي الى زعزعة الاستقرار في افغانستان المجاورة لا تستند الى اي منطق، خصوصا ان علاقتها بحركة "طالبان" كانت متوترة على الدوام، وانها اضطرت الى ارسال قوات كبيرة الى الحدود بين البلدين قبل احداث 11 ايلول سبتمبر لمنع اي عمليات تسلل، ويعتبرون ان الهدف منها هو ابعاد ايران واشغالها عن ملف التسوية في الشرق الاوسط حيث تدعم تيار مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. ضغوط على أوروبا وقد سعت طهران الى الالتفاف على ضغوط تمارسها واشنطن على الاتحاد الاوروبي لتجميد اتصالاته مع ايران، عبر الاجتماع الذي عقد الاسبوع الماضي بين الطرفين في مدريد لتنشيط الحوار البناء، بعد مرحلة الحوار الانتقادي الصعبة. وعموما، يعتقد في ايران ان التهديدات الأميركية وحدت الايرانيين وانها "نعمة" نزلت عليهم من السماء في ضوء الانقسامات الحادة بين المحافظين والاصلاحيين الذين تلاقوا على انتقاد اللهجة الاميركية، وهو ما تجلى في الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس الشورى الاصلاحي مهدي كروبي، الحليف الاستراتيجي للرئيس الايراني محمد خاتمي، وأيضا في موقف وزير الخارجية كمال خرازي الذي أكد مجددا أن الاتهامات الأميركية لبلاده تضعف دور الاممالمتحدة التي قال إن عليها الاضطلاع بدور أساسي في مواجهة الارهاب وأن تضع برنامجا شاملا لذلك، وأكد في تصريح خاص أن "الحرب والتلويح بشنها لن يجففا جذور الارهاب في العالم وأن أميركا بهذه التصريحات المتغطرسة تكشف عن وجهها الحقيقي وتثبت رغبتها في بسط هيمنتها على العالم بأسره". وقال خرازي ايضا ان "العالم لن يقبل سطوة الولاياتالمتحدة. ومن الافضل ان يدعم الرئيس الاميركي مزاعمه بالادلة بدلا من ان يكرر مزاعم قديمة لا اساس لها". ومع ان المحافظين هم الذين يعتمدون عادة لهجة متشددة تجاه الولاياتالمتحدة، الشيطان الاكبر، فان رد فعل الاصلاحيين المماثل ناجم عن اعتقاد هؤلاء بان تهديدات بوش توفر للمتشددين فرصة تعزيز مواقعهم بعد أن أدركوا أن الولاياتالمتحدة تخطط لايصال التيار القومي الليبرالي المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الغرب وأميركا تحديدا، أي ايصال "حركة تحرير ايران" المحظورة، الى سدة الحكم في مرحلة نهائية. استثمار الأخطاء ويقول مصدر ايراني مطلع إن الولاياتالمتحدة استثمرت بعض أخطاء المحافظين، وبدأت التنسيق مع الدكتور ابراهيم يزدي، الأمين العام لحركة تحرير ايران الموجود فوق أراضيها، لتحريك الشارع الايراني ضد النظام برمته، بمن في ذلك رموز الاصلاح الحاليون مثل خاتمي وكروبي. وكان مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي يتولى شن الهجمات على الولاياتالمتحدة ويرفض أي تطبيع للعلاقات معها على غرار سلفه الامام الخميني، لكن خاتمي سبقه هذه المرة معتبرا خطاب بوش "عدوانيا ومهينا ومتعاليا". لكن خامنئي الذي قال إن بلاده تشعر بالفخر لأنها "أصبحت هدفا لغضب أعتى شيطان عالمي" أشار في مؤتمر لدعم الانتفاضة الفلسطينية عقد في طهران الى استعداد بلاده لمواجهة الطويلة مع الولاياتالمتحدة في حربها ضد الارهاب، وقال إن الرئيس الأميركي الذي اعتبر ان ايرانوالعراق وكوريا الشمالية تشكل محورا للشر "يتحدث كشخص متعطش الى الدماء". وقد شهدت علاقات واشنطنوطهران بعض التعاون مع بدء الحرب في افغانستان، لكن التصعيد الأميركي غير المبرر يعزز التيار الايراني المعارض للتطبيع. ويعتبر الايرانيون ان موقف واشنطن سيقوض الجهود التي بذلها خاتمي لتنشيط الحوار مع الولاياتالمتحدة تحت يافطة حوار الحضارات، ويدفع الى صراع بين الاسلام والغرب، خصوصا وأن ايران تعتقد أنها ليست وحدها المستهدفة. ويعتقد على نطاق واسع في طهران أن موقف الولاياتالمتحدة متأثر كثيرا بموقف اسرائيل واللوبي الصهيوني وان واشنطن تخطط في مرحلة تالية لضرب المفاعل النووي في بوشهر رغم التأكيد الروسي بأنه للاستخدام السلمي. ويعارض الايرانيون ايضا شن هجوم اميركي على العراق الذي بدأ تنسيق مواقفه مع ايران بهدف تطبيع العلاقات المتعثرة وايجاد جبهة موحدة للمواجهة مع اميركا. وقال خبراء إن خطاب بوش عن "حال الاتحاد" لم يكن انفعاليا بل كان مدروسا بهدف رفع سقف المواجهة مع ايران بعد أيام فقط على دعوة خاتمي الى التنسيق مع العراق لمواجهة التهديدات والتحديات المشتركة أثناء اجتماعه المطول مع وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي الذي زار طهران أخيراً.