لم يكن في قامته ما يوحي بأن له مستقبلاً كروياً لامعاً، ومع ذلك فذو ال172 سنتيمتراً و68 كلغ ادهش المدربين بقوة قدمه اليسرى وبطريقة تلاعبه بالكرة، بل انه ادهش الجميع بذكائه وبسرعة بديهته في الملعب. 50 عاماً قضاها البرازيلي ماريو خورجي زاغالو في ملاعب كرة القدم، لاعباً ومدرباً، حصل اثناءها مرتين على كأس العالم 1958 و1962 كلاعب، ومرتين كمدرب 1970 و1994، اما الالقاب الاخرى فلا تحصى، من بطولة البرازيل بضع مرات الى "كوبا اميركا" الى كأس القارات. الا ان "شيخ المدربين" البرازيليين واكثرهم شهرة قرر فجأة، وفي السبعين من عمره، الاعتزال، لا لشيء الا لأنه لا يريد في شيخوخته ان يتعرض للاهانة بسبب لاعبي فريق فلامنغو الذي يدربه، بعدما كاد الفريق ان يهبط الى الدرجة الثانية. غير ان كثيرين في البرازيل لا يصدقون بأن "الذئب"، كما يسمونه، سيتقاعد نهائياً، لان دم الكرة يغلي في عروقه، حتى وان كان في السبعين، لذلك قد يرتاح بضعة اشهر قبل ان يقفز الى اول عرض مغرٍ، وما اكثر العروض التي تنتظر زاغالو. وتشاء الصدف ان يضع زاغالو حداً لاحترافه في النادي الذي استقبله قبل حوالي نصف قرن، عندما بدأ اللعب مع اشبال فلامنغو، اشهر اندية ريو دي جانيرو. عندما قدمت عائلة زاغالو من احدى الولايات الشمالية البعيدة الى الريو لم يكن امام الطفل من سبيل لتمضية الوقت الا ان يفعل كما يفعل كل اطفال البرازيل: الركض وراء الكرة سواء في الازقة او في السهول الممتدة حول احزمة البؤس في المدن. فهنا من هذه "الجامعة" تخرج معظم عباقرة الكرة. لم يطل الامر حتى كان زاغالو جنباً الى جنب مع غارنيشا وديدي ونيلتون سانتوس، وفرض نفسه في التشكيلة التي شاركت في كأس العالم 1958 في السويد، بل ان طريقته في اللعب فرضت على البرازيل تغيير طريقتها من 4-2-4 الى 3-3-4 اي اصبحت اكثر توازناً وتضامناً. وللمرة الثانية فرض زاغالو نفسه لاعباً اساسياً في التشكيلة البرازيلية في كأس العام 1962 في التشيلي، الى درجة ان المدرب موريرا قال عنه انه "ممثله" على ارض الملعب، نظراً الى الصرامة التي اشتهر بها زاغالو في تنفيذ الخطط. في العام 1967 وضع زاغالو حداً لاحترافه، وكان في السادسة والثلاثين، وسرعان ما عهد اليه نادي فلامنغو بتدريب اشباله، ثم بتدريب الفريق الاول الذي قاده مرتين على التوالي الى احراز بطولة ولاية الريو. الا ان مهمة اخرى كانت بانتظاره. ففي العام 1970 عهد اليه رئيس اتحاد الكرة البرازيلي جو هافلانج والرئيس المقبل للاتحاد الدولي فيفا بمهمة تدريب المنتخب الوطني الذي كان على موعد مع كأس العالم في المكسيك في العام نفسه. وفرض زاغالو خياراته وخططه على المنتخب الذي احتفظ بكأس جول ريميه مدى الحياة، بعدما فاز بها ثلاث مرات في اربعة كؤسس متتالية. وبعدما تنقل بين اندية بوتافوغو وفلومينسي وفاسكو دي غاما هاجر زاغالو الى الخليج حيث درب فرقاً في السعودية والامارات والكويت طوال ست سنوات. وفور عودته الى بلاده كان الوحيد الجدير بقيادة البرازيل الى الفوز بكأس العالم في الولاياتالمتحدة عام 1994، ثم بعد اربع سنوات الى نهائي مونديال فرنسا عام 1998. ومع ان الهزيمة البرازيلية كانت قاسية في فرنسا 3/صفر الا ان زاغالو رد على منتقديه بقوله: "ان احداً لا يستطيع تحقيق كل هذه الانتصارات التي حققتها انا اذا لم يكن كفوءاً". وبعد زاغالو شهدت الكرة البرازيلية ما شهدته من الفضائح والسقطات، اربعة مدربين في ثلاث سنوات، والتأهل بشق النفس لمونديال اليابان وكوريا الجنوبية… ليتأكد من كل ذلك كم هي صعبة وشاقة مهمة مدرب المنتخب البرازيلي نظراً الى الضغط الشعبي الذي يواجهه في بلاد تنام وتصحو على الفوتبول