يمكن اعتبار كتاب جميل قاسم "المختلف والمؤتلف" منشورات "الآن"، بيروت رافداً من روافد مشروع كبير هو "نقد الفكر العربي"، فهو يطمح لنفسه بمكان ودور الى جانب محمد عابد الجابري ومحمد أركون وجورج طرابيشي وهشام شرابي وغيرهم. ولذا يمعن المؤلف في تقديم قراءة نقدية لأفكار هؤلاء، ويناقش مدارس الفكر الفلسفي والاجتماعي، منذ عصر النهضة وحتى عصر العولمة والانترنت. ويسعى الى تسليط الضوء على مناطق مبهمة في الفكر العربي، طارحاً بعض الأسئلة الإشكالية. ويتخذ هذا الكتاب "المختلف والمؤتلف" منحى شمولياً، اذ يسعى الى الاحاطة بمجريات الفكر العربي كافة. في القسم الأول يعتمد جميل قاسم الطريقة التبادلية التي ترمي الى التقارب الجدلي بين الفكرة او النص او الأثر الفلسفي والفكري. وفي القسم الثاني يلقي الضوء على أزمة الحداثة التي تعيشها الآداب في الغرب، من حيث هي حداثة باهتة تستقي وجودها من ثلاثة أقانيم هي "اللاطبعنة واللا أنسنة واللا قدسنة للكون والطبيعة والاجتماع الإنساني". وهذا برأي المؤلف غير موجود في المنظومة العربية التي تعتبر الحداثة جزءاً من التراث الخاص فيها. ويعتبر ان الحداثة في العالم العربي، وإن وصلت في أحد وجوهها الى ما وصلت اليه الحداثة الغربية، لا تزال ناقصة لأنها لم تتلازم مع تغييرات اجتماعية في المفهوم العام. وينتقل المؤلف الى البحث في الحقوق السياسية للفرد والمجتمع، معتبراً ان الديمقراطية هي مثال حقيقي جاهز للحفاظ على حركية المجتمع في العالم العربي بعيداً عن حكم الفرد، أو ملكية الفرد للدول والمؤسسات التي تبنى على اساس المجتمع. ثم يطرح قاسم، في القسم الرابع، مسألة التربية الحديثة في المجتمع العربي، التي تقوم على رؤية تكاملية وتبادلية تتداخل فيها جميع العناصر الثقافية والاجتماعية والفردية، وحتى السياسية. يدخل كتاب "المختلف والمؤتلف" الى عمق الفكر العربي، فيخضعه لتحليل منطقي وأكاديمي، متوجهاً بالدرجة الأولى الى اصحاب الاختصاص، داعياً إياهم الى نوع من مناقشة جدية، موضوعية، من شأنها ان توصل الى نتيجة كاشفة، تسلط الضوء على الاشكال التي تتحكم ببناء الظواهر الفلسفية والاجتماعية في العالم العربي.