في مجموعتها الشعرية الجديدة "اشتماسات"، تسجل الشاعرة اليمنية هدى أبلان "دار أزمنة" - عمان، محاولة حثيثة للدخول في مغامرة الكتابة، وقطع الصلة أسلوبياً وتعبيرياً مع كتابة المغامرة. كثيرة هي القصائد التي تفصح عن تطور اسلوبي واضح، من حيث بناء القصيدة وحياكتها شعرياً، وصوغها في درجة عالية من الاهتمام والتروي. وهذا ما يترك انطباعاً بنضج الأدوات الفنية عند الشاعرة، وتمكنها من ادواتها. ويمكن ان نسجل لأبلان خروجها اخيراً على السمات الجمالية لقصيدة الرواد، واقترابها من حساسيات شعرية اخرى، تجد مرجعية لها في تجارب شعراء اساسيين يكتبون القصيدة النثرية. تعرف هدى ابلان من اين تبدأ قصيدتها وتعرف ايضاً كيف تنهيها، لذا فإن صياغات وتراكيب مثل "نمضغ خبز ضحكة لن تجيء"، "نجمتين مطفأتين في صحن"، "لها ان تنفض عن ثوبها الليل"، "رجل يسعل بالحرب"، "اجهشت عيناه بالحبر"... لا تأتي مجانية بل نتيجة استيعاب تجارب شعرية رائدة وتمثلها. وتكشف قصائد أبلان الاخيرة ايضاً عن حساسية شعرية جديدة، يتجلى ذلك في نسج طرفي الاستعارات والتشابيه والمباعدة بينهما من دون الوقوع في الافتعال والبهلوانيات اللفظية، ومن دون زج القصيدة في هوة الذهنية والعقلانية الجافة. كما تعتمد الشاعرة الكلام العادي مادة خام لنسج قصيدتها بعد شحنه بطاقة شعرية حادة: "السماء التي أمر تحتها تتوتر / الغيمة التي أمر تحتها تجف / النجمة التي أمر تحتها تنطفئ / النهار الذي أعبره يتليل / هكذا كل الاشياء التي اشعلها بمحبتي / لها قلب من رماد" ص 16. قصائد "اشتماسات" محاولة للافتراق عن البنى التركيبية البلاغية لقصيدة التفعيلة، والبدء من منطقة شعرية متقدمة نسبياً بالنسبة للشعر اليمني. يتجلى ذلك من خلال التقنية، والقوانين الداخلية الناظمة للقول الشعري، وتوخي التجريد والتقنية والحذف والتشذيب، والابتعاد عن الشكوى والأنين والندب. اذ تغيب عن القصائد اية سيولة لفظية، او ميوعة لغوية رومانسية، تسقط القصيدة في نسوية مباشرة حدودها منازعة وهجاء الرجل. هدى أبلان شاعرة تشي بوعد المساهمة في كتابة قصيدة نثرية حديثة، تقطع مع ما عهدناه عن الشعر اليمني الذي ظل لفترة طويلة محصوراً، على الساحة العربية، في اسمين اثنين هما: عبدالعزيز المقالح وعبدالله البردوني.