يضع فراس السوّاح تاريخ أورشليم، في مختبر التحليل الأكاديمي الرصين، استناداً الى الوثائق والأدلة المتوافرة عن تاريخ فلسطين القديمة، في محاولة جدية لنزع غلالات الخرافة عن هذه المدينة، والكشف عن تاريخها الحقيقي المدفون تحت ركام من الحكايا التوراتية، وركام آخر من البحث التاريخي المصاب ب "عمى الألوان التوراتي". ويرصد الباحث السوري في كتابه "تاريخ أورشليم" الصادر اخيراً عن "دار علاء الدين" في دمشق، فترة 2000 سنة من تاريخ أورشليم في السياق العام لتاريخ فلسطين، كما يغطي الكتاب أحداث 3000 سنة من تاريخ فلسطين الكبرى، في الاطار العام لتاريخ سورية والشرق القديم، بهدف الاجابة عن أسئلة محددة، تضيء الغموض الحاصل في تاريخ هذه المملكة الآفلة التي لم تعش أكثر من 80 عاماً، كمقاطعة رومانية مزدهرة، قبل ان يطاح بها، ويبدأ ما يسمى الشتات اليهودي. أما الأسئلة التي يحاول الباحث الاجابة عنها فهي: متى تشكّلت الاثنية اليهودية في فلسطين؟ وهل دانت فلسطين باليهودية في يوم من الأيام؟ وما وجه العلاقة بين التاريخ اليهودي الذي يعود الى القرن الخامس قبل الميلاد، وتاريخ مملكتي اسرائيل ويهوذا خصوصاً، وتاريخ فلسطين الكبرى على وجه العموم؟ ويكشف صاحب "مغامرة العقل الأولى" ان المحاولات المبكرة للتنقيب الأثري في فلسطين، تعود الى العام 1865، مع تشكيل "صندوق التنقيب في فلسطين" الذي رعته ملكة بريطانيا فيكتوريا، وترأسه أسقف كانتبري. وكان الهدف من احداث هذا الصندوق، السعي وراء معلومات أركيولوجية متزامنة مع سجلات الكتاب المقدس، والتحري الدقيق والمنهجي لآثار الأرض المقدسة. لكن التنقيبات لم تسفر عن أدلة مطابقة للفرضيات اليهودية، ما حدا بمؤرخ بريطاني هو ت. ل. تومبسون إلى القول في كتابه "تاريخ بابل": "ان الرواية التوراتية التي تدور حول صعود وسقوط اسرائيل القديمة، ما زالت تتحكم بعملية اعادة بناء التاريخ لدى الحلقات الأكاديمية التوراتية. وهذه العملية، تبخس القصص التوراتية حقها كأدب ديني ذي قيمة فنية عالية، وذلك بالتركيز على وجهها الظاهري كأحداث ووقائع، وتحولها الى تاريخ". وخلال تقصي الكاتب تاريخ أورشليم وتشابكاته مع تاريخ فلسطين وبلاد الشام والشرق القديم، يخلص الى نتيجة مفادها: نفي وجود اليهود كإثنية، واليهودية كدين، قبل القرن الخامس قبل الميلاد. أما ما سبق ذلك من تاريخ فلسطين، ومملكتي يهوذا واسرائيل الكنعانيتين، فهو ملك لتاريخ وثقافة سورية القديمة، على رغم تعديات محرري التوراة عليه، والافادة من أحداثه في ابتكار تاريخ خرافي لإسرائيل.