اذا كان المغرب العربي مغيباً عن الذهن في امتداده الآخر في هذا المشرق، فالفنان التونسي صابر الرباعي عرف كيف يمد أواصر الصلة بين هذا المشرق وذاك المغرب. وهذا الفنان الذي عرف النجاح من خلال أعماله الغنائية، يهاجم الفن الغربي لأنه "بعيد عن المشاعر الصادقة" في رأيه، ويعتبر أن الفن العربي أصدق وأنبل. صابر الرباعي له ثقة كبرى بنفسه، هو البعيد عن الحروب الاعلامية القائمة بين الفنانين، ويعتبر نجاحه "تحصيل حاصل" لأن "فنه صادق" حتى ولو غنى للأطفال، فهو يعرف كيف يختار أغانيه وإن لم يوظف كل طاقاته الصوتية. حول آخر نشاطاته الفنية كان هذا الحوار: ماذا تحمل أغنياتك الجديدة في شريط "خلص تارك" الذي طرحته اخيراً، من ميزات جديدة؟ - الألبوم يغلب عليه الطابع الرومانسي، حيث كان تركيزي في الأساس على النص، الذي يحمل موضوعاً مميزاً وروحاً جديدة مختلفة عما يقدم على الساحة الفنية، مع التركيز على التوزيع الجديد والألحان غير المألوفة. في رأيك هل وظفت كل امكاناتك الصوتية في هذا الألبوم؟ - وظفت كل مشاعري وأحاسيسي وليس بالضرورة ان يوظف الفنان كل طاقاته الصوتية، فالكلمة والمعنى والجملة الموسيقية كلها مدروسة ونزلت في مكانها، لأن العملية في النهاية ليست مسألة استعراض او فتل عضلات. أكثر أغنياتك الناجحة يندرج في خانة الغناء الكلاسيكي الحزين، هل تفضل هذا النوع من الغناء على سواه؟ - صوتي يليق بهذا اللون، ومن الطبيعي ان أختاره. كما اني لاحظت أن الجمهور يحب هذه الأغنيات العاطفية الرقيقة بدءاً من أغنية "ولا كلمة" مروراً ب"أعز الحبايب"، وصولاً إلى الأغنية الجديدة "خلص تارك" لأنها تلامس أحاسيس المستمع وبالتالي تشبه وجعه فيتفاعل معها. الملاحظ ان اغنياتك الإيقاعية ناجحة أكثر من الأغانيات الأخرى! - أنا أغني للآخرين ولا أغني لنفسي، فطالما الناس يستسيغون هذا النوع من الأغنيات فأنا سأغنيها، اضافة الى ان الناس وثقوا بصوتي ومستعدون لتقبل ما أقدمه لهم حتى ولو غنيت للأطفال. اذا كانت أحاسيسك هي التي تحدد خياراتك الفنية، فهل تعتبر ان الاحساس وحده كافٍ؟ - الاحساس يسهل مرور الأغنية ويطبعها بقالب خاص. فأنا لا أقدم أغنية غير مقتنع بها، وهذه سمة من سماتي، ان أندمج في أغنياتي وأذوب معها وأعيش كل كلمة من كلماتها. هل غيّر الفن من قناعاتك واعتقاداتك؟ - لدي شخصية ولا يمكن ان أتهور، لكن هناك ضرورات تملي عليك التعايش مع الحياة الجديدة التي دخلت فيها. وطالما ان النواة التي في الداخل سليمة فلا يمكن ان أتأثر سلباً. وفي النهاية أنا لست مجرد كاسيت فارغ يطبعون عليه ما يريدون، بل ما أريده أنا. مع من تعاونت من ملحنين وشعراء في العالم العربي؟ - تعاملت مع مروان الخوري في أغنية "نادم" التي تندرج في اطار اللون الغنائي اللبناني بعد نجاحي في أداء هذا اللون، كما تعاملت مع وليد سعد ومصطفى مرسي وحمدي الصديق وسمير صفير واخترت ايقاعاً تونسياً لأغنية "مزيانة"، فأنا حريص على اطلاق أغنية تونسية في كل ألبوم. هل تعتقد بأن موعد طرح ألبومك جاء مناسباً مع ما يمر به العالم من أحداث سياسية؟ - الحياة يجب ان تستمر، وهل سقوط البرجين التجاريين في أميركا سيمنعنا من الحياة؟ علينا ان نستمر ونرى ماذا يخبئ القدر لنا من مفاجآت. كونك مطرباً تونسياً، ألا تجد ان أغنية واحدة محلية قليلة حتى تكون مخلصاً لوطنك؟ - أنا تونسي أولاً وأخيراً، لكني أقوم بتقديم الأغاني من كافة الأوطان العربية، فاليوم صار العالم مفتوحاً على بعضه البعض، وان غنيت بلهجة أخرى غير اللهجة التونسية فهذا لا يعني حكماً اني غير مخلص لوطني. هويتي لن تتبدل وحبي لوطني لن يتبدل سواء غنيت باللبنانية او بالمصرية. هل ما زلت تعيش حالة قلق اثر نزول عملك الى الأسواق؟ - يمكن القول بأن أصداء العمل جيدة، وشركة الانتاج راضية عن العمل، خصوصاً لو عرفنا بأنه قلّما رضي منتج فني عن شريط غنائي، أما أنا فتخطيت هذه المرحلة بسبب ردود الفعل الايجابية، وأعيش اليوم سعادة حقيقية لأنني بذلت جهداً كبيراً في اختيار أغنياتي وها أنا أحصد ثمار هذا الجهد. سمعنا أن هناك "دويتو" سيجمعك بذكرى، أين أصبح الآن؟ - ذكرى فنانة رائعة وصوتها جميل جداً، لقد صرحت في التلفزيون بأن هناك دويتو سيجمعنا لكنني انشغلت بالاعداد لألبومي الحالي ولا أعرف اين صار هذا المشروع. هل صحيح أنك ستغني بالأجنبية؟ - بالفعل قمت بالغناء بلهجات غربية وأنا أنتظر الفرصة المناسبة لإطلاقها. هل تطمح الى العالمية من وراء ذلك؟ - لا أعرف ما هو مفهوم العالمية، لكن عندما يعرض علي اعادة توزيع أغنية "سيدي منصور" في الخارج لا أستطيع ان أرفض، لقد سمعت كذلك ان الأغنية غناها مطرب تركي بلهجته الأم مع احتفاظه باللحن. لذا أعتبر انني وصلت من دون تعب. لكن الأهم ان أبقى على معرفة بذاتي، وأدرك طموحاتي وأعرف ماذا أريد. هل ستعطي الغناء بالأجنبية أولوية في المستقبل؟ - في الغرب لا مكان للمشاعر، ونحن العرب نعرف كيف نحس بالأغنية، فنغنيها من أعماق أعماقنا، بينما هم يغنون بطريقة آلية. ان آخر همي السوق الغربية او الغناء بلغات أجنبية على حساب أغنياتي العربية. يبدو ان اطاراً جديداً بدأ يأخذه الفيديو كليب عندك، هل تفكر في اختبار الخط التمثيلي مثلاً؟ - ليس في الوقت الحالي، لأنني أعلّق أهمية قصوى على الغناء وأركز جهودي في هذا الإطار لذا رفضت الكثير من العروض التمثيلية. فأنا أحاول دوماً ابتكار صورة جديدة لي في الفيديو كليب لكن هذا لا يعني انني سأحترف التمثيل. لاحظنا في الآونة الأخيرة ان الفن المغربي بدأ ينتشر في العالم العربي، ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة لك؟ - بالنسبة اليّ طموحي غير محدود في وطن او بقعة جغرافية معينة. وهو يتخطى المشرق العربي. في بلادنا وسائل الاعلام غير منتشرة وبالتالي على الفنان ان يتخطى وسائل اعلامه ليصل، والجمهور التونسي يعرف الفنانين العرب لكن الجمهور العربي لا يعرف الفنانين التونسيين، وقد حان الوقت لنتعرف على بعضنا البعض. هناك حروب فنية تنشب بين الفنانين فهل أنت بمنأى عن هذه الحروب؟ - ثمة احترام متبادل بيني وبين الفنانين، وحدود فاصلة، بمعنى انني لا أختلط بهم كثيراً ولا أنعزل عنهم، بل أحاول ان أدرس ظهوري بشكل يحميني ويحفظ علاقتي بالآخرين. كما انني أعتقد بأن المنافسة اذا ما زادت عن حدها الطبيعي تصبح حرباً مؤذية. أنا شخصياً لم تصبني نيران هذه الحرب لأن ثمة من يحميني ويؤمن لي الاستمرارية