يجمع الشاعر البحريني أمين صالح في كتابه "هندسة أقل خرائط أقل" بين نوازع مختلفة للكتابة. انه كتاب نثري والنصوص التي فيه تكاد تكون مقالات، أو مقاطع نصية مفتوحة، وشهادة شخصية في الكتابة والتجربة الشخصية. أما الصفة الأهم فيها، فتكمن في توجهها الصريح الى القارئ. صحيح اننا نجد فيها أفكاراً ذاتية،وخلاصات نقدية، وميولاً محددة في قراءة نتاج الآخرين، الا ان كل ذلك يبقى تحت نظر القارئ. بل ان القارئ يجد فيها شيئاً من الوعي المتبادل بينه وبين الكاتب: "عندما أكتب نصاً أدبياً فإني أتوجه الى شخص راغب في الاصغاء، وقادر على ان يفهمني، في الكتابة ينشأ هذا الاتصال الخاص، الهادئ، المرن، من دون ان يصادر أحدنا حق الآخر في التخيل، في التأويل، في الاكتشاف". الكتاب الصادر عن "مؤسسة الأيام" في البحرين، موزع على أربعة عناوين. لكنها عناوين اجرائية، فهي لا تفصل بشكل حاسم بين موضوعات الكتاب وانشغالاته. في القسم الأول، نجد مقالات تهتم بشيء واحد، قد يكون مصطلحاً او مفهوماً او اسماً. فنقرأ مادة عن "التجريب"، وأخرى عن "السيرة الذاتية"، وعن "المونودراما"، وعن المركيز "دو ساد"، وغيرها وفيها محاولات متعددة لقول رأي شخصي، او لإعادة طرح الأسئلة وأخذ الموضوع الى فضاء تأويلي آخر تتسع فيه الرؤيا. أما الأقسام الثلاثة المتبقية، فتذهب الى الكتابة نفسها. الكتابة بوصفها "حيواناً خرافياً لا يرتوي، لا يشبع، ولا يكف عن التهام المخيلة والروح والعقل والأحاسيس". الكتابة التي تقلب حياة الكاتب، وتحوله كائناً غريباً. والمؤلف داخل هذا التصور يجيب عن أسئلة الابداع وتقنيات الكتابة واللغة والبنية والنص المفتوح، ويتحدث عن تجربته المشتركة مع الشاعر قاسم حداد، واضعاً كل ذلك في شهادة حارة تشبه البيان في نبرتها. والأرجح ان الكتاب، بكامله، ما هو الا شهادة واحدة، منظوراً إليها من زوايا مختلفة، ذلك أن القارئ لا يفلت من احساس عام، خصوصاً ان مادة الكتاب مصاغة بلغة متجانسة، تجمع الى تجانسها الوضوح والوعي.