لم يكن قرار عودة "القوات اللبنانية" الى الحياة السياسية اللبنانية مفاجئاً، على رغم انها لم تستعد بعد الترخيص بممارسة النشاط السياسي. فمنذ أشهر يجري كلام عن احتمال اطلاقها، لكن من ضمن معادلة الواقع السياسي الجديد في البلاد. ولذا بعثت على الاهتمام المحادثات التي كان يجريها مسؤولون قواتيون مع مسؤولين لبنانيين، بعد أربعة لقاءات كانت عقدت مع رئيس الجمهورية. وحتى بعد الاعلان عن عودتها في المؤتمر الصحافي الذي عقده أخيراً رئيس الهيئة التنفيذية للحزب فؤاد مالك، ظل السؤال الغامض هو: أين ستتخذ "القوات اللبنانية" موقعها الجديد، بعد طول ملاحقة لعناصرها وسجن آخرين واتهام أفراد منهم أخيراً بالاتصال بإسرائيل، وفي ذروة كل هذه المطاردة وجود قائد "القوات" سمير جعجع في السجن منذ العام 1994؟ الواضح ان أياً من المسؤولين القواتيين لا يكشف عن دور رسمي لبناني أو سوري لقرار اعادة اطلاق "القوات اللبنانية"، بل يكتفي هؤلاء بالإشارة الى مبادرة فردية هي الرغبة في اعادة لملمة الصفوف في وضع سياسي بات ملائماً لاستعادة الدور السياسي. الا ان هذا التبرير لا ينقض سلسلة اللقاءات الجارية بعيداً عن الأضواء، الرامية من جهة الى استعادة القواتيين مواقعهم، ومن جهة أخرى الى سعي السلطة اللبنانية الى قوات لبنانية جديدة غير انقلابية تأخذ بالمشروع السياسي لرئيس الجمهورية، وتخرج من دائرة المعارضة. مع ذلك فإن أحداً من المسؤولين اللبنانيين، والقياديين القواتيين، لا يستطيع الجزم بأن السلطة ستعيد الى هذا الحزب الترخيص قريباً، ولا أن يجزم بإمكان اطلاق جعجع من السجن. يرافق ذلك اعتقاد بأن القياديين القواتيين العاملين مع مالك، هم على خلاف مع استريدا زوجة جعجع التي تقود بدورها تياراً قواتياً مستقلاً، بتأييد من زوجها، وان سمير جعجع لا يزال يدعم تحرك زوجته. بيد ان هذه المعطيات ستظل تتخبط في غموض، خصوصاً لجهة ما يطلبه المسؤولون اللبنانيون والسوريون، مباشرة أو مداورة من هذا الحزب، الذي لا يزال يواجه منذ العام 1994 لعنة اتفاق الطائف عليه ويبدو انه التنظيم السياسي اللبناني الوحيد الذي يسهل استهدافه. ماذا تقول "القوات" في المرحلة الجديدة؟ عضو مجلس قيادة "القوات" سابقاً والمشارك في التحرك الأخير النائب السابق جورج كساب، اعتبر في حديث الى "الوسط" ان "التغيير الذي حصل في القوات كبير، تغيّر أولاً العهد وهناك رئيس جديد للجمهورية، وتغير المناخ السياسي العام. وفي سورية رئيس جديد للجمهورية منفتح على طريقة جديدة في العمل السياسي، وواعٍ لمشكلات كثيرة في طبيعة العلاقات بين لبنان وسورية. وهناك وعي أكبر لدى الدولة حيال سياسات مورست في السنوات السابقة، ولم تؤدِ الى النتائج المرجوة. أما محاولة استغلال هذا المناخ لتحريك الشارع واستثارة العواطف لدى المسيحيين، فمسألة أخرى. نحن نقف عند حد بين هاتين الحقيقتين، الأولى ان المناخ أصبح ملائماً للتعبير السياسي، والثانية رفض استغلال هذا المناخ بتصرفات ونشاطات أدت بنا الى كوارث. التقيتم رئيس الجمهورية أربع مرات. فماذا قدمتم حتى يساعدكم على اعادة اطلاق العمل السياسي؟ - لا نحن قدمنا ولا هو طالب بشيء. كان التركيز الأساسي عند فخامة الرئيس ان كل الملفات المطروحة يمكن بحثها وايجاد حل لها والى نتائج ملموسة بما فيها أكثر المشكلات تعقيداً. لكن ما قمنا به هو محاولة بناء علاقة ثقة بيننا وبين رئيس الجمهورية. لكن القواتيين لوحقوا في عهد الرئيس لحود، كما في عهد الرئيس الهراوي وسجن بعضهم. فماذا طرأ فجأة حتى أمكن اعادة احياء حزب "القوات اللبنانية"؟ - هناك رفاق قواتيون لوحقوا وطوردوا، لكن السبب لم يكن تصرفاتهم. هل أجريتم اتصالات بالسوريين؟ - لا. الاتصالات كلها متمحورة حول رئيس الجمهورية والمسؤولين الذين كان يصلنا بهم لاتمام العمل. أنا اجتمعت أخيراً بوزير الداخلية. هل شجعكم السوريون على العودة الى العمل السياسي؟ - لا أعرف. لكن هناك أصدقاء مشتركين نقلوا أجواء ايجابية عنهم، خصوصاً في اطار أي عمل سياسي يدخل في اطار اصلاح ما مغلوط في العلاقات اللبنانية - السورية وفي استنهاض الوضع المسيحي وفي ارساء علاقات واضحة بين سورية والمسيحيين. هل طلبتم من المسؤولين اللبنانيين استعادة رخصة الحزب. - نعم. بماذا أجابوا؟ - كان الجواب ان استعادة الرخصة يجب ان يسبقه بناء علاقة ثقة لأي خطوة لاحقة، وان "القوات" هي نفسها التي اقتنعت بالطائف. هل طالبتم بإطلاق سراح جعجع؟ - في كل الاجتماعات مع الرئيس لحود، كان الجواب واضحاً كما في موضوع استعادة الرخصة، وهو ان بناء الثقة هو الأساس، وان رئيس الجمهورية منفتح على كل الطروحات على الساحة اللبنانية والمسيحية خصوصاً. لكن معالجة هذه الأمور، يجب ان تتم بعد بناء عامل الثقة بيننا وبين الدولة في كل الملفات المطروحة، وكل الحلول يمكن التوصل اليها. الشرط الأساسي هو ممارسة العمل السياسي من خلال الدولة. هل ان رئيس الجمهورية منفتح على قرار العفو عن جعجع؟ - لا أستطيع قول ذلك، بل اننا لمسنا بالتأكيد انفتاح رئيس الجمهورية على أي قرار ايجابي مكن من خلاله استنهاض الوضع اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً من أجل المضي قدماً في بناء مشروع الدولة تحت سقف العدالة والقانون. ما صحة الكلام الشائع بأن وجود الرائد المتقاعد فؤاد مالك على رأس "القوات اللبنانية" حالياً هو مرحلة انتقالية تمهيداً لتسلم الياس حبيقة زعامة القوات؟ - صحيح ان وجود فؤاد مالك على رأس القوات الآن هو لمرحلة انتقالية في انتظار استعادة رخصة الحزب على ان يحصل بعد ذلك تطبيق النظام الداخلي واجراء التعيينات وقبول الانتسابات واجراء انتخابات عامة. أما بالنسبة الى حبيقة فهو استناداً الى كلام لحبيقة نفسه عن القوات نعتبره نحن نيات ايجابية أطلقها حيال حزب الكتائب وحزب القوات، وأيد عودة حزب القوات الى العمل السياسي وقال انه مستعد للمساعدة إذا طلب منه ذلك. وليس صحيحاً أنه سيترأس "القوات اللبنانية" لأنه حالياً رئيس حزب "الوعد"، و"القوات اللبنانية" التي حلّت العام 1994 لم يكن في عدادها الياس حبيقة. هل هناك اتصال بينكم وبين الدكتور سمير جعجع؟ - هناك مراسلات كشف عنها هي التي قام بها الرفيق ريشار جريصاتي، ثم المحامي فؤاد مالك. أما فحوى هذه المراسلات فآثرنا أن يبقى سرياً. هل هو موافق على خطوتكم؟ - هو في استشارة مستمرة مع الجميع. وطلبه الأساسي العمل على توحيد "القوات" بحسب ما يرى الرفاق مناسباً. هل تبلغتم ذلك منه؟ - نعم. العمل على لملمة المؤسسة وتوحيد الرفاق قدر الامكان