تذكّر المغاربة أسراهم الذين أمضوا أكثر من ربع قرن في معتقلات جبهة بوليساريو. ضباط وطيارون وجنود أسروا خلال المعارك التي جرت بين القوات المغربية ومقاتلي بوليساريو في الصحراء الغربية في الفترة من 1975 الى 1991 تاريخ وقف اطلاق النار بين الجانبين. وكانت بوليساريو اطلقت سراح 201 من من الجنود الأسرى بعد وساطة مضنية قام بها الصليب الاحمر، الذي نجح في شباط فبراير الماضي في اطلاق سراح 186 أسيراً مغربياً. وطبقاً لتقارير الصليب الاحمر فإن مندوبي المنظمة الدولية اجروا مقابلات على انفراد مع كل من الأسرى الذين افرج عنهم في مخيم النخيلة قرب تندوف شرق الجزائر للتأكد من انهم سيعودون الى المغرب بمحض ارادتهم ، طبقاً لما تنص عليه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بأسرى الحرب. وقبل الافراج عن هذه المجموعة من الأسرى دأب مندوبو الصليب الاحمر على زيارتهم مرتين في السنة، وآخر زيارة قام بها الصليب الاحمر لمعسكرات بوليساريو لزيارة الأسرى المغاربة تمت في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. واستطاع الصليب الاحمر تقديم مساعدات طبية للأسرى واتاح لهم تبادل الرسائل مع ذويهم عبر قنواته. ومن خلال هذه المقابلات اتضح ان معظم الأسرى المغاربة مصابون بأمراض مزمنة بسبب ظروف الاعتقال السيئة وسوء التغذية. نقل الصليب الاحمر الدفعة الاخيرة التي افرجت عنها جبهة بوليساريو بطائرة خاصة من معسكرات تندوف الى قاعدة انزكان العسكرية المغربية قرب مدينة اكاديرجنوب المغرب حيث تم الكشف عليهم طبياً ونقلوا الى ذويهم. ولم تسمح السلطات المغربية بتغطية اعلامية لعملية وصول هؤلاء الاسرى، لكن المعلومات افادت ان بعضهم انهاروا تماماً عندما علموا بأنهم وصلوا الى مطار مغربي. وثمة غموض اكتنف هذه العودة، اذ ان السلطات العسكرية المغربية لم تسمح بتصوير العائدين من الأسر، لكن صوراً نشرتها الصحف المغربية حول الأسرى خلقت بلبلة وسط بعض العائلات. تلك الصور التقطت في تندوف، واشارت احدى الفتيات الى ان صورة والدها نشرت باعتبار انه من بين الذين أُفرج عنهم، لكنها عندما راجعت السلطات المختصة ابلغت بأن والدها لم يفرج عنه. هذه الواقعة اثارت شكوكاً حول احتمال ان تكون بوليساريو "استبدلت" أسرى بأسرى آخرين. ورغم ان السلطات المغربية طلبت من الأسرى عدم الحديث عن ظروف الاعتقال، فإن معلومات تسربت حول ذلك تفيد بأن بعضهم اعتقلوا في بداية النزاع، أي خلال عامي 1975 و1976، وعاشوا ظروفاً قاسية، وقال أحد هؤلاء لذويه: "اعتُقلنا في ظروف سيئة للغاية وتعرضنا للإذلال وقمنا بأشغال شاقة تحت القهر وتنقلنا بين سجون جزائرية". واستغلت الصحف المغربية هذة المعلومات لتشير الى ان الأسرى كانوا معتقلين في سجون جزائرية وليس في معسكرات بوليساريو. وقالت احدى الصحف: "الصليب الاحمر اعلن رسمياً ان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ساعد على اطلاق سراح الأسرى وبعض هؤلاء قالوا انهم احتجزوا في سجون جزائرية. اذن الجزائر وليس بوليساريو هي التي كانت تحتفظ بأسرانا طوال هذه المدة"! وكان الصليب الاحمر اعلن في بيان اصدره في جنيف، ان اطلاق هؤلاء الاسرى وعودتهم الى بلادهم جاء "بعد ثلاثة اسابيع من المحادثات بين رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر كيلين برغر مندوب الصليب الاحمر ومحمد عبد العزيز الامين العام لجبهة بوليساريو والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة". واضاف البيان "ان اللجنة الدولية للصليب الاحمر تشيد باطلاق سراح هؤلاء الاسرى ال201". واوضحت المنظمة الدولية انها ما تزال مهتمة بمصير 1481 اسيراً مغربياً ما زالوا معتقلين في تندوف، احتجزت غالبيتهم في الشهور الاولى من حرب الصحراء. وكان رئيس اللجنة الدولية تسلم الأسرى من رئيس "الهلال الاحمر الصحراوي" عبدالحي سيد خلال احتفال جرى في مدرسة عسكرية تابعة لبوليساريو. واشار بيان الصليب الاحمر الى انه يعتبر عودة المفرج عنهم الى بلادهم "خطوة نحو اطلاق سراح جميع الاسرى" الذين تعتقلهم بوليساريو. وقال برغر في كلمته للاسرى إن الافراج عنهم يعتبر "بادرة حسنة "وانهم كانوا الشهود على نزاع منسي". وحرصت بوليساريو على ان يكون هذا الحفل على رغم تواضعه مناسبة لدعوة صحافيين ومصورين لتغطيته. ونقل اولئك الصحافيون اقوال أسرى غزا الشيب رؤوس معظمهم، ويعانون امراضاً، وبعضهم من المعاقين. وقال محمد كامو 52 عاماً وهو من ورزازاتجنوب المغرب عن سعادته لتمكنه من العودة الى عائلته وابنيه. وقال انه أُسر العام 1975 وان بعض الاسرى كانوا يحتجزون احياناً في سجون جزائرية. وقال محمد سميري 41 عاماً إن السنوات الاولى من الحجز "كانت رهيبة مع العمل القسري.. كنا نشق الطرق ونبني المنازل. أفضّل ان أنسى كل هذا". وتراوح اعمار معظم الذين اطلقوا بين 44 و46 سنة. ومعظم هؤلاء الاسرى من مدن تقع في جنوب المغرب. أكبر الاسرى سناً يدعى المختار حرمة عمره 75 عاماً. وقع في الأسر في 1980 وعمره آنذاك 55 سنة. أما أصغر المفرج عنهم سناً فيدعى مصطفى معتزل اعتقل عام 1988 وكان عمره آنذاك 19سنة وعاد وعمره 31 سنة. ومعظم الذين أفرج عنهم أسروا عام 1976. بعض هؤلاء اعتقلوا في معركة امغالا، وهي معركة طاحنة شاركت فيها وحدات من الجيش الجزائري. وتمتنع المنظمة الصحراوية حتى الان عن اطلاق الأسرى من الضباط. ويعتقد ان ذلك يعزى الى رغبة بوليساريو الاحتفاظ بهذه الورقة حتى آخر جولات الحل المرتقب لنزاع الصحراء. غير ان محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي كشف خلال نقاش داخل البرلمان المغربي ان فرنسا بصفتها رئيسة للاتحاد الاوربي تبذل مساعيها لاطلاق سراح الاسرى المغاربة. وعلى رغم ان بوليساريو طالبت كذلك باطلاق بعض الصحراويين المعتقلين في المغرب، فإن ذلك لا يعدو ان يكون ادعاءات. اذ ان المغرب دأب على ادماج الأسرى الصحراويين في الحياة العادية باعتبارهم مواطنين مغاربة، وهو أمر اكدته مصادر الصليب الاحمر. وكانت هناك مجموعة صغيرة من هؤلاء معتقلة في "قلعة مكونة"، وهي بلدة منعزلة فوق قمم جبال الاطلس شرق البلاد لكنهم أطلقوا باعتبارهم "معتقلين سياسيين" ودفع لهم المجلس الاستشاري لحقوق الانسان وهو هيئة شبه حكومية تعويضات في حدود 70 الف درهم سبعة آلاف دولار. ودأب المجلس على دفع تعويضات لجميع المعتقلين السياسيين في بادرة لم يسبق لها مثيل، بتشجيع من العاهل المغربي الملك محمد السادس. وازاء هذه التطورات فإن بعض أسر الأسرى بدأت تتحرك للتذكير بهذا الملف المنسي في نزاع الصحراء، خصوصاً بعد ان شاهد المغاربة عودة بعض الأسرى من معتقلات بوليساريو