بلغ العجز في الميزان التجاري الغذائي العربي نحو 14 مليار دولار سنوياً، واذا كانت الصادرات الغذائية العربية تزيد عن 5 مليارات دولار فان مستوردات البلدان العربية من السلع والمواد الغذائية تصل الى 19 مليار دولار، لذلك دعا الاتحاد العربي للصناعات الغذائية المستثمرين الى تكثيف استثماراتهم في انتاج السلع الغذائية نظراً الى الحاجة الماسة والضرورية اليها، خصوصاً ان من شأن هذه الاستثمارات ان تساهم في خفض العجز الغذائي ودعم اقتصادات الدول العربية. وتختلف النظرة في البلدان العربية حول مفهوم الصناعات الغذائية، حتى ان الدراسات التي تناولت هذه الصناعات تغفل قطاعات عدة منها ذات اهمية لحياة الانسان او انها تنتج سلعاً ذات انماط انتاجية سائدة، ولعل اولها صناعة رغيف الخبز وصناعة الدواجن والبيض والاعلاف والمياه المعدنية والمشروبات الغازية وصناعة الحلويات السكرية واغذية الاطفال والمقبلات وغيرها. وترتبط بالصناعات الغذائية عدة قطاعات انتاجية وخدمية متممة لها منها صناعة التعبئة والتغليف كمعدات وكمواد، والصناعات الهندسية والكيماوية وخدمات النقل والتبريد والخزن. وتتفاوت الارقام حول عدد المصانع الغذائية واستثماراتها في الوطن العربي، فقد اشارت الاحصاءات الواردة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1998 الى وجود 34873 منشأة غذائية عربية موزعة بين تصنيع المنتجات الغذائية والمشروبات ومنتجات التبغ، وتتمركز عددياً في سورية بنسبة 26.5 في المئة، السودان 16.65 في المئة، لبنان 15.2 في المئة، مصر 13.56 في المئة، الاردن 5.57 في المئة، العراق 5.56 في المئة، المغرب 5.07 في المئة، السعودية 2.28 في المئة، وعمان 2.12 في المئة، ومجموع كل ذلك يمثل 92.51 في المئة من اجمالي عدد المنشآت الغذائية العربية. وفي الوقت نفسه يلاحظ ان دراسات اخرى اشارت الى ان الوطن العربي يملك 63513 منشأة غذائية. ويوضح الدكتور فلاح سعيد جبر الامين العام للاتحاد العربي للصناعات الغذائية ان عدد المنشآت لا يعكس بالضرورة القدرات الانتاجية المتاحة والفعلية، كما ان معظم تلك الاحصاءات لم يأخذ في الاعتبار صناعات غذائية مهمة كصناعة رغيف الخبز ومنتجات الافران ومعاصر زيت الزيتون ومواقع انتاج الدواجن والبيض وقطاعات صناعة الاعلاف وكذلك صناعة التمور وغيرها، اضافة لوجود عشرات الآلاف من المصانع الحرفية الغذائية في معظم الاقطار العربية المتعاملة في تصنيع الالبان ومنتجات الحبوب. واضاف الدكتور جبر ان المعلومات المتاحة تشير الى وجود 150 الف منشأة غذائية انتاجية تصنيعية في الوطن العربي، وفي حين تشير البيانات العامة الى 832 الف عامل، فان العدد الفعلي للعاملين في المنشآت الغذائية الصناعية يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف مليون عامل كحد ادنى. الاستثمار الغذائي يتبين من كل ذلك، وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة لأساليب التقديرات الاستهلاكية للسلع الغذائية ونتيجة للزيادة المتوقعة في عدد السكان العرب وما سيرافق ذلك من تدفق سياحي وتغييرات اقتصادية واجتماعية، ان هناك حاجة ماسة عربية لزيادة الانتاج الزراعي من خلال مشاريع استثمارية تتركز على الصناعات الغذائية. ولتحقيق هذا الهدف، اشار الدكتور فلاح سعيد جبر الى آفاق الاستثمار في وسائط التسويق البيني العربي للمنتجات الغذائية، مؤكداً الامور الآتية: 1- عند البدء بتنفيذ انشاء منطقة التجارة العربية الكبرى تسابقت الدول العربية بطلب استثناءات تتعلق بتبادل بعض السلع الغذائية الزراعية تجارياً وبينياً معظمها خضروات وفواكه ثم اجتهد المعنيون عن تلك الامور بوضع روزنامة زراعية تحدد انواع المنتجات التي تطلب الدول استثنائها من دخول أراضيها ولأشهر محددة من السنة، كون مواسم انتاجها داخل الدولة المعنية تتواءم وتتشابه مع انتاج مثيلاتها في الدول المصدرة الاخرى. وبالتالي طلبت تلك الدول حماية انتاجها الزراعي ومصالح مزارعيها وهذا حق مشروع لها. ولكن اذا تفحصنا طبيعة تلك المنتجات وطاقاتها الانتاجية المتاحة وطبيعة استهلاكها في البلدان العربية لوجدنا انها بالعموم تفيض في موسم وتشح في موسم آخر خلال العام نفسه، وبالتالي فإن اقامة مشاريع عربية استثمارية مشتركة للحفظ والخزن المبرد او للتصنيع الغذائي وعلى اسس علمية يساهم في حل هذه المشكلة، كما ان قيمة تلك المنتجات مقارنة باجمالي قيم الصادرات والاستيرادات الغذائية العربية لا تشكل رقماً ملحوظاً. 2- ان تغليب القرار السياسي العربي على المصلحة الاقتصادية واغلاق الحدود بين الدول العربية وبمختلف الحجج والتبريرات يعتبر احد الاسباب المهمة في تعطيل واعاقة حركة التجارة العربية البينية للسلع الغذائية، ولهذا فإن تحييد العمل الاقتصادي عن العمل السياسي العربي يحتاج الى قرار شجاع ولكنه واجب، وهذا الامر يحتاج الى سرعة في التنفيذ في عصر العولمة. 3- للتجارة كما للزراعة والصناعة ادوار محددة في مجمل حركة التنمية العربية المنشودة القطرية والقومية على حد سواء اذ لا بد ان تكون التجارة والصناعة الغذائية العربية وجهين لعملة واحدة كل منهما تكمل وتدعم وتطور الاخرى، وهذا الامر غير حاصل على صعيد الممارسة عربياً مما يستلزم ومن خلال غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية وبالتعاون الوثيق مع الحكومات واجهزة العمل الاقتصادي العربي الرسمي والخاص لايجاد معادلات اقتصادية تعمل على تطوير وتنمية الانتاج والتجارة العربية للسلع الغذائية بحيث تتكامل الجهود ولا تتقاطع ويكون هدفها احداث التنمية المستديمة العربية. 4- ان المشاريع الاستثمارية المتدفقة على البلدان العربية المتعلقة بالصناعات الغذائية لا بد ان تكون ضمن اطار عام من خطة تراعي القائم من فروع تلك الصناعات بقدراتها الانتاجية المتاحة وبنوعية وتعدد منتجاتها وبالقدرات الاستيعابية لأسواقها الداخلية والخارجية على حد سواء، اذ ان الباحث في الواقع القائم والمخطط لاقامته من مشاريع صناعية غذائية في ارجاء الوطن العربي يدرك ان هناك طاقات انتاجية فائضة وبدرجات كبيرة جداً عن القدرات الاستيعابية للاسواق الفعلية والمحتملة، وما قطاعات تصنيع الزيوت النباتية والسكر والالبان والمعلبات الغذائية الا امثلة حية على ذلك. 5- نتيجة لقلة التنسيق الصناعي العربي وشحة تطبيق القرارات والتوصيات التي اتخذتها مئات المؤتمرات والندوات المتخصصة بالصناعات الغذائية وعلى امتداد الوطن العربي، اقيمت المئات من المشاريع المتماثلة لعديد الصناعات الغذائية وبطاقات انتاجية كبيرة وما بين الحماية القطرية المطلوبة والمباشرة باقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تقاطع ظاهري ليس فعلي في المصالح الاقتصادية، مما جعل عدداً من المصانع الغذائية العربية لا يعمل الا بنصف طاقاتها الانتاجية المتاحة والبعض منها توقف عن العمل، مما ادى الى ارتفاع تكاليف الانتاج وعدم القدرة على المنافسة التجارية لتلك المصانع حتى في اسواقها الداخلية. 6- ان العديد من الاحتياجات العربية للسلع الغذائية ولمعظم الدول العربية والتي تشمل الحبوب خصوصاً القمح والسكر الخام والزيوت النباتية والمنتجات البينية المطبوخة واغذية الاطفال والمركزات العلفية ومدخلات صناعة المشروبات والعصائر والحلويات، لا تتوافر في البلدان العربية اضافة الى سلع مثل الشاي والقهوة والكاكاو والعديد من مواد التعبئة والتغليف، وبالتالي يتم اللجوء الى الاسواق الخارجية لاستيرادها. في ظل هذه التطورات، لوحظ تطور مهم في الاستثمار الخليجي، وبالاستناد الى ملف احصائي اعدته منظمة الخليج للاستثمارات الصناعية، فقد ارتفع حجم الاستثمار في الصناعات الغذائية في دول مجلس التعاون الخليجي من 2.849 مليار دولار العام 1990 الى 6.405 مليار دولار بنهاية العام 1999، أي ان حجم الاستثمارات التي دخلت تلك الصناعات في التسعينات فقط بلغ 3.556 مليار دولار، وزاد عدد المصانع من 664 الى 1073 مصنعاً، وارتفع متوسط الاستثمار للمصنع الواحد خلال الفترة نفسها من 4.3 الى 6 ملايين دولار، وزاد حجم العمالة من حوالي 39 الف عامل ليصل الى حوالي 79 الفا بنسبة زيادة بلغت 103 في المئة، وارتفع متوسط عدد العاملين في المصنع الواحد من 62 عاملاً الى 80 عاملاً. وتطور حجم الاستثمار في الصناعات الغذائية في المملكة العربية السعودية خلال التسعينات من 1.767 مليار دولار الى 4.048 مليار دولار بنسبة زيادة 149.4 في المئة، في حين ارتفع متوسط الاستثمار في المصنع الواحد من 5.1 مليون دولار الى 8.7 مليون دولار تليها دولة الامارات العربية المتحدة حيث تطور حجم استثمارها من 199.4 الى 641.4 مليون دولار. وعلى رغم ان المملكة العربية السعودية استحوذت على اكبر حجم من الاستثمارات الا ان الامارات العربية احتلت المرتبة الاولى لجهة نمو الاستثمارات في الصناعات الغذائية، تليها على التوالي من ناحية النمو سلطنة عمان، فالسعودية، ودولة قطر ثم البحرين والكويت. وتركزت العمالة في قطاع الصناعات الغذائية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 1990 الى 1999 في السعودية، حيث ارتفع عدد العاملين خلال تلك الفترة من 22344 عاملاً الى 47737 عاملاً، بنسبة زيادة تبلغ 113.6 في المئة. وارتفع متوسط عدد العاملين في المصنع الواحد من 46 عاملاً الى 95 عاملاً