منذ القدم والبشر يبحثون عن الدواء السحري الذي يقهر الشيخوخة، الى درجة ان المخيلات اطلقت عليه أوصافاً شتى منها "اكسير الصين".و قبل فترة حدثت ضجة اعلامية واسعة كان نجمها العقار DHEA الذي قيل عنه والكلام على ذمة الباحثين بأنه "يبعث الشباب". فهو لا يطيل العمر، بل يجعل الانسان يشيخ جيداً وبروح مرحة كالشباب. الكل يعرف بأن البشر غير متساوين أمام الشيخوخة فبعضهم يواجهها بصعوبة لأنها مليئة بالهموم والآلام، وبعضهم الآخر يعيشها بوقار، وتكون مفعمة بالنشاط والحيوية، وهذه الأخيرة هي التي ينشد اليها الباحثون لايجاد العلاج السحري الذي يجعل كل الناس سواسية أمام الشيخوخة. الباحث الفرنسي اتيان - اميل بوليو وجد ضالته في مادة DHEA، وهي عبارة عن هرمون طبيعي تقوم بافرازه الغدتان فوق الكليتين، والبروفسور بوليو يعد من أهم الاختصاصيين الشهيرين في علم الهرمونات الستيروئيدية وهو أيضاً الذي ابتكر الحبة المجهضة RU486. في الستينات، وعندما كان بوليو يجري تجارب على الغدة فوق الكلية، أثارت فضوله مادة غريبة استطاع عزلها هي "سلفات DHEA" وقد اتضح له انها مادة متوافرة في الدم بكميات مهمة، وفترة حياتها طويلة نوعاً ما قياساً الى الهرمونات الأخرى. وقد اكتشف ايضاً ان هرمون DHEA يوجد بكمية شحيحة جداً عند الجرذان والفئران الى درجة انه لا يمكن قياسها مخبرياً. والشيء الذي يثير الدهشة هو أن هرمون DHEA غير متوافر اطلاقاً عند المولودين الجدد والأطفال الصغار، وهو لا يبدأ بالظهور إلا اعتباراً من سن السابعة، أي عند نضوج الغدة فوق الكلية، واعتباراً من هذه السن وحتى سن الخامسة والعشرين يرتفع مستوى هرمون DHEA باضطراد وبشكل مواز لمستوى هرمون النمو الذي يلعب دوراً في النمو والتطور، فهل ان لهرمون DHEA دوراً مماثلاً لهرمون النمو؟ العلم عند الله. يبلغ مستوى هرمون DHEA أعلى نسبة له في الخامسة والعشرين، ومن بعدها يبدأ بالهبوط تدريجاً وببطء حتى سن السبعين من العمر إذ وقتها لا نجد عند الانسان سوى 10 في المئة من مستواه الذي كان عليه في سن الشباب. ان الهبوط المضطرد والمستمر هو الذي أثار اهتمام البروفسور بوليو في الستينات، عندما كان باحثاً شاباً، وآنذاك حاول لفت انتباه رؤسائه، لكنه لم يلق أذاناً صاغية، ولهذا وضعه جانباً وبدأ يهتم بهرمونات أخرى. إلا أن الهرمون DHEA لم يبارح مخيلته اذ ظل عالقاً في ذهنه، وفي العام 1981 وجد مع الباحثة كوليت كوربيشو ان دماغ الجرذان يحتوي على DHEA وهذا ما دفعه الى التفكير بوجود محطات دماغية يعمل عليها الهرمون، الى أن التقى الباحث الأميركي صموئيل ين الذي كان يجري تجارب على الهرمون واتفقا على طرح السؤال الآتي قبل أن يواصلا تجاربهما: لماذا لا نحاول تعويض النقص في هرمون DHEA بحيث نرفع مستواه في الدم على أمل تحسين المرحلة الثالثة من العمر أي الشيخوخة؟ باحثون آخرون طرحوا السؤال ذاته أيضاً، ورداً على ذلك قاموا باختبارات سريعة على الحيوانات اذ حقنوها بجرعة تعادل ألف ضعف ما هي عليه عند الانسان، فكانت النتائج باهرة، اذ لوحظ أن بعض الحيوانات التي كان لديها استعداد خاص للاصابة بأحد أنواع السرطانات لم يتطور عندها هذا الأخير. ولكن التجارب انجزت على حيوانات عمرها قصير 2 إلى 3 سنوات فماذا عن الانسان الذي سيتناول العلاج لمدة طويلة قد تتجاوز الثلاثين أو الأربعين عاماً؟ ان اعطاء جرعات عالية من هرمون DHEA للانسان قد لا يخلو من المخاطر، لذا يجب أن تؤخذ هذه الناحية بالحسبان، اذ لا يغيب عن البال ان هذا الهرمون يمثل المصدر الطبيعي الذي يصنع منه الهرمون الذكري تستيستيرون والهرمون الانثوي استروجين، ومن يدري فقد يؤدي اعطاؤه بجرعات عالية الى إشعال فتيل الاصابة بسرطان البروستات عند الرجل وسرطان الثدي لدى المرأة. ان مستوى هرمون DHEA في الجسم لا يختلف بحسب العمر فقط، لكنه يختلف من انسان لآخر، من هنا تكمن الصعوبة في تحديد سقف الجرعة الضرورية الواجب تطبيقها على عامة الناس، فكل فرد قد يحتاج الى جرعة خاصة به. أيضاً هناك ناحية أخرى لا تقل أهمية عن ما ذكرناه وهي ان مستوى DHEA لا يتباين من شخص لآخر وحسب، بل انه قد يكون هابطاً لدى بعضهم حتى في مرحلة الشباب، وفي هذه الحال سيهبط مستواه بشدة في مرحلة الشيخوخة. أما عند بعضهم الآخر فقد نجد لديهم مستوى مرتفع من الهرمون في مرحلة الشباب، وفي ظل الشيخوخة يظل مستواه مقبولاً الى حد ما. ويباع عقار DHEA في الولاياتالمتحدة تحت خانة المتممات الغذائية ولذا فهو لا يتطلب رقابة منظمة الأغذية والأدوية. ومستحضرات DHEA تباع في كل مكان على شكل حبوب وكبسولات وكريمات وغيرها. وبامكان كل شخص الحصول عليها بسهولة ومن دون استشارة طبية. لكن البروفسور بوليو غير راض بتاتاً عن الطريقة التي يستغل بها هرمون DHEA في أميركا، وهو، بحسب رأيه، يستحق "معاملة" خاصة تليق به وبالصفات التي يتمتع بها، اذ أنه يملك مزايا نافعة يمكن الاستفادة منها على أحسن ما يرام شرط أن يجرب أولاً لمعرفة حسناته من سيئاته، وثانياً معرفة الجرعة الضرورية اللازمة ومن بعدها يكون لكل حادث حديث. ويرفض بوليو الركض وراء المجهول، ولا يوافق على ما قام به باحثون آخرون، وعلى الأخص لم يخف غضبه على الطريقة التي لجأ اليها الأميركيون في تسويق عقار DHEA اذ تمكنت حفنة من التجار من استغلاله وبيعه بطريقة تخلو من أبسط القواعد الطبية المفترض اتباعها قبل طرح عقار ما في الأسواق، والأدهى من ذلك كله أنهم يروجون للعقار بأكاذيب تلقى آذاناً صاغية لدى عامة الناس. ورداً على الباحثين المتسرعين في الحصول على نتائج سريعة، وعلى التجار الذين يبيعون هذا الدواء بطريقة خالية من الرقابة الطبية وبجرعات لا يعرف فيما إذا كانت صحيحة أم لا، فضل بوليو العمل وفقاً لاستراتيجية بسيطة للغاية تقوم على الشروع بتجارب سريرية تعطى فيها للمعمرين جرعات ضئيلة مناسبة تسمح بالحفاظ على مستوى ثابت لهرمون DHEA في الدم وبالتالي الحد من تدهور مستواه مع الدخول في خريف العمر. ومن أجل وضع النقاط على الحروف وللحصول على أدلة مقنعة حول فائدة عقار DHEA، قام بوليو وبالاشتراك مع 22 باحثاً بدراسة شملت 280 متطوعاً، نصفهم من الرجال، تتراوح أعمارهم بين 60 و79 سنة. وقد قسم هؤلاء الى مجموعتين: الأولى اعطيت عقار DHEA، والثانية اعطيت عقار البلاسيبو العديم الأثر. النتائج الأولية للدراسة أعلنت أمام جمعية العلوم الأميركية وقد جاءت لتحمل الخبر اليقين الذي يؤكد ان للعقار DHEA تأثيرات ايجابية على ثلاثة هي: العظام والجلد والرغبة الجنسية، والأخيرة كانت لافتة للنظر لدى النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 70 و80 عاماً. على صعيد العظام، النتائج جاءت مدهشة وعلى الأخص لدى النساء المعمرات منهن. ففي عصرنا هذا ارتفع معدل الحياة وزاد معه عدد المعمرين الذين يعانون من مرض شائع هو تخلخل العظام الذي يسبب سنوياً مئات الآلاف من الكسور التي تجعل أصحابها مقعدين. وتخلخل العظام الشيخي سببه نقص في كمية النسيج العظمي الى حدود منخفضة لا تسمح بالمحافظة على سلامة بنية الهيكل العظمي وهذا ما يعرضه للضعف وحدوث الكسور، خصوصاً في الفقرات وعنق الفخذ. وبالنسبة الى الرجال لم يسجل اعطاء DHEA أي نتائج ملموسة، وربما يعود ذلك الى امتلاك الرجال مستويات مرتفعة من العقار. أما لدى النساء فالوضع مختلف تماماً، فاعطاء DHEA ساهم وبجدارة في التقليل من ضياع الرصيد العظمي، وعلى الأخص لدى النساء اللواتي قطعن شوطاً من فترة الشيخوخة، ومن بين هؤلاء الأخيرات فإن الاستفادة كانت اكبر وأقوى لدى اللواتي يملكن مستويات متدنية من DHEA بالمقارنة مع نساء أخريات. ويحاول الباحثون القيام بدراسات أوسع على شريحة أكبر من الجنس اللطيف ولمدة أطول بهدف معرفة السر أو الأسرار التي يعمل بها العقار على العظام. وعلى صعيد الجلد، جاءت الأخبار طيبة. فالمعروف أن الشيخوخة تجعل الجلد رقيقاً وجافاً ومجعداً ومائلاً الى الاصفرار، وعليه بقع بنية بقع الشيخوخة تتناثر هنا وهناك، خصوصاً على المناطق المعرضة للضوء. هذه العوارض التي يكرهها الجميع، رجالاً ونساء، تبين أنها تتغير بتناول عقار DHEA، خصوصاً عند النساء المعمرات منهن اللاتي يملكن مستوى منخفضاً جداً من الهرمون. ولقد لوحظ عند الجميع زيادة في عدد الغدد الدهنية للجلد، وفي لون البشرة التي أصبحت سميكة قوية قليلة التجاعيد. أيضاً فإن اصفرار الجلد يختفي، وبقع الشيخوخة تنطفئ وتصبح أقل وضوحاً للعيان. وباختصار يمكن القول إن DHEA يجدد شباب الجلد. وعلى صعيد الجنس هناك شيء واحد لا يستطيع أحد انكاره وهو ان الرغبةالجنسية تخمد كلما توغل الانسان في خريف العمر، وهذا الوهن يحصل عادة تدريجياً كلما تقدم الانسان في السن من دون أن ينتج عن ذلك ردات فعل سلبية. وهذا الوهن الجنسي يحدث عند المسنين بدرجات متباينة وهو ناتج عن الضعف العام الذي يطال كل أعضاء الجسم. ويعتقد الكثيرون، إن لم يكن كلهم، بأن الجنس يجب أن يوضع في "الثلاجة" متى قطع الانسان سناً معينة في رحلة الشيخوخة، والواقع ان هذا الاعتقاد خاطىء مئة في المئة. فالاستشارة الجنسية مهمة لا بل ضرورية للمسن كما هي بالنسبة الى المراهقين والشباب. وعلى الأطباء ان ينصحوا الشيوخ بممارسة الجنس ويشجعوهم من دون أي خوف إذا لم يكن هناك مانع صحي يقف أمام ذلك. صحيح أن النساء والرجال غير متساوين من الناحية الجنسية، فعند الذكور تضمحل الرغبة الجنسية مع التقدم في العمر، لكنها لا تختفي كلياً، أما عند النساء فالرغبة الجنسية تمر في نزلات وطلعات وهي بشكل عام تتلاشىء بدءاً من السبعين. لقد حقق اعطاء عقار DHEA تقاطعاً ايجابية في الناحية الجنسية عند مستعمليه. فالباحثون تمكنوا من خلال أسئلة خاصة وموجهة أن يسجلوا زيادة في النشاط الجنسي جسدياً وعقلياً لدى الأشخاص الذين تجاوزوا الستين من العمر، وهذه الزيادة كانت ملموسة وواضحة عند النسوة الأكثر تقدماً في السن. والأهم من ذلك كله سمح العقار بعودة الشهية الجنسية عند النساء اللواتي اختفت عندهن الرغبة، كما أنه ساعد على بلوغ قناعة ورضا جنسيين من خلال الحصول على مؤشرات جسدية وعاطفية وعقلية. وعلى صعيد الشرايين لم يسجل عقار DHEA أية علامات ايجابية، لكن المعطيات التي جاءت في هذا المجال وعلى رغم سلبيتها، ستسمح بتعزيز المعلومات المتعلقة بالشرايين وبالآفات التي تهددها. وهناك ناحية مهمة ايجابية تفتقت عنها الدراسة حول العقار DHEA، فالعلماء يعرفون اليوم ان الجرعات المنخفضة 50 ملغ لم تخلق بلبلة على مستوى هرمون الاستراديول عند المرأة وهرمون التيستيستيرون عند الرجل، والأهم من هذا لم تسجل الدراسة أي تراكم للعقار في الدم اذ هو يزول من الجسم بسرعة بمجرد ايقاف العلاج. وخلاصة القول ان النتائج الأولية لعقار DHEA جاءت مطابقة لبعض التوقعات المنتظرة منه، وهي جيدة على المدى القصير الذي استغرقته التجربة سنة واحدة، ولكن ما هي النتائج على المدى الطويل؟ النتائج ايجابية على مستوى الجلد والعظم والجنس، ولكن يا ترى ما هو تأثيره على الأجهزة الأخرى؟ وماذا عن سلامة العقار بعد استعماله لفترات طويلة؟ اسئلة كثيرة بحاجة الى أجوبة وهذه تحتاج الى الشروع في تجارب أكثر عرضاً وطولاً لتأتي بالقول الفصل، ومن يدري فقد يكون العقار DHEA هو الحل المثالي لسد العجز في موازنات صناديق الضمان الاجتماعي التي تنهشها أمراض الشيخوخة ماذا عن الميلاتونين والشيخوخة؟ في العام 1957 اكتشف ان الغدة الصنوبرية وهي غدة في قاع الدماغ تفرز هرموناً عرف باسم الميلاتونين. الميلاتونين هرمون طبيعي يوجد في كل الكائنات الحية بلا استثناء. وهو يفرز بشكل خاص في الليل ويبلغ أقصى افراز له في الثانية أو الثالثة صباحاً بعد منتصف الليل. ان انتاج الجسم من الميلاتونين يتضاءل مع التقدم في العمر، الى درجة أن كميته لا تكاد تذكر. بقي الميلاتونين ردحاً طويلاً من الزمن طي النسيان الى حين الاعلان عن دراسة في العام 1993 ذكرت ان اعطاء الميلاتونين بجرعات صغيرة يخفض من مشاكل السفر وأهمها الأرق قلة النوم. نشرت الكثير من الدراسات حول الميلاتونين ومنها ما يقول ان له دوراً في المناعة وأخرى تدعي انه مضاد للاكسدة، وثالثة أشارت الى انه يخفض الكوليسترول الدموي، ورابعة نوهت الى انه يزيد القدرة الجنسية ومفيد في علاج أمراض أخرى... الخ. ان اهتمام الناس بالميلاتونين يرجع الى العام 1994، عندما اعلنت نتائج تجارب على الحيوانات أوضحت ان اعطاء الميلاتونين للفئران المسنة ساهم في إعادة النشاط والحيوية اليها كما ان جلدها اصبح لامعاً قوياً. وهذا ما دفع بعضهم الى القول إن الميلاتونين يعيد الشباب ويطيل العمر. حتى الآن لا توجد دراسات رصينة تؤكد بشكل قاطع صحة القول بأن الميلاتونين مفيد للشيخوخة. نقطة مهمة يجب أن يعرفها كل من تسول له نفسه تناول الميلاتونين: هناك تباينات كبيرة بين الناس في الاستجابة للميلاتونين، وكل شخص يحتاج الى جرعة معينة خاصة به، ولهذا عليه أن يكون حقل تجارب للوصول الى الجرعة المناسبة له هذا اذا استطاع الى ذلك سبيلاً أيضاً فإن للميلاتونين عوارض ثانوية، وهناك أمراض شتى تحول دون استعماله.