كلّف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وزارة الداخلية بإجراء "تحقيق أولي" حول الاملاك التي ربما تحصلت عليها السلطات المحلية والنواب عن طريق استغلال المناصب والنفوذ. وكان الرئيس الجزائري قد فتح النار من جديد اثناء زيارته لولاية سطيف 300 كلم جنوب شرقي العاصمة على هذه الفئة من كبار موظفي الدولة "الذين انتدبوا لخدمة الناس فبدأوا بخدمة انفسهم" من دون تمييز من جانبه بين المدنيين والعسكريين. وتشكّل محاربة هذه الظاهرة، التي استفحلت بشكل خطير تحت غطاء محاربة الارهاب مأزقاً حقيقياً للرئيس بوتفليقة لخطورتها من جهة وضرورتها للتغيير من جهة ثانية، علماً ان اغلب المراقبين يقدّرون ان محاولة التغيير ومحاربة الفساد، كانت من اهم دوافع اغتيال الرئيس بوضياف قبل ثماني سنوات. وتبرز خطورة الموقف من كون هذه الظاهرة تتمحور اساساً حول مجموعة من قدامى الجنرالات الذين لم يقطعوا صلاتهم بالمؤسسة العسكرية ولا يزالون متحالفين مع بعض العائلات الغنية وبعض كبار المقاولين. واستطاع هذا "المركب" ان يجمع من خلال استغلال النفوذ والمناصب والاحتكار والمضاربة خلال السنوات العشرين الماضية ثروات طائلة، قدّرها الكاتب والنائب السويسري جان زيغلر بأكثر من حجم الديون الخارجية للجزائر التي تزيد على 30 مليار دولار. وكان الوزير الاول السابق عبدالحميد الابراهيمي 1984 - 1988 قد قدّر الاموال المُحوّلة في شكل عمولات من الشركاء الاجانب بنحو 26 مليار دولار. ولو اكتفينا بالقيمة الاستدلالية لمثل هذه الارقام لأدركنا حجم الفساد المستشري وخطورة المأزق الذي يواجه الرئيس بوتفليقة. ولعل هذه الخطورة هي التي دفعت وزير الداخلية يزيد الزرهوني الى تناول موضوع التحقيق بعبارات لطيفة جداً، اذ قال ان الوزارة "تريد فقط معرفة مدى صحة ما يُقال حول الاملاك التي حصل عليها المعنيون"، واضاف، في اجتماع عقد في العاصمة الجزائرية "حتى الآن ليس لدينا شيء ملموس".