ما أن استقرت الغواصة النووية الروسية "كورسك" في قاع بحر بارينتس، حتى شاع أن سمعة الرئيس فلاديمير بوتين هبطت مع الغواصة المنكوبة الى الحضيض. الا ان شيئاً من هذا القبيل لا يطفو عادة على سطح الحياة السياسية في موسكو، فالروس كما يبدو تعوّدوا على الكوارث والفواجع. ولكارثة الغواصة "كورسك" ما لا يقل عن اربع سوابق، اشهرها غرق الغواصة الذرية "كومسوموليتس -429" العام 1983. وكان الاتحاد السوفياتي يومها في اوج ازدهاره. واعتبرت الحادثة مصادفة غير عادية - غير ان الحال تبدلت اليوم. وباتت لكل كارثة اسبابها ومقدماتها الموضوعية. وقد اصابها عطل اثناء تدريبات للاسطول الشمالي. وافاد بعض المصادر ان انفجاراً شديداً حطم مقدمة الغواصة وقمرة انقاذ البحارة، ويعتقد ان حريقاً التهمها في اثره. وغمرت المياه اربعة من اجنحتها العشرة، بما فيها المفاعلان النوويان. واجهزة التنفس الشخصية على متنها تستمر في العمل 12 ساعة من دون استبدال بطارية التوليد. الا ان الانفجار حطم مولدات الكهرباء مما يعني توقف تنقية الهواء، ويبدو ان البحارة لم يتمكنوا حتى من الوصول الى اجهزة الانقاذ من خلال منافذ الطوربيد، تماماً مثلما حدث للغواصة "ك - 429" على عمق 60 متراً. وثمة خمس روايات في شأن اسباب هلاك الغواصة لا يجزم احد بصحة احداها. وهي تسرّب المياه من خلال منافذ الصواريخ والاصطدام بصخرة تحت الماء او بغواصة اجنبية او الاصابة بصواريخ السفن الروسية المضادة للغواصات ووقوع الانفجار داخل الغواصة نفسها. وقد نفت مصادر رسمية في الاسطول البحري الروسي الاحتمال الاخير. ولا شك في ان غرق الغواصة اشارة مقلقة بالنسبة الى حال السلاح الروسي عموماً والسلاح النووي الاستراتيجي خصوصاً. وعلى رغم تقلص هذا السلاح فان كمياته لا تزال ضخمة ولا تقوى الدولة على صيانتها والصرف عليها. وتفيد مصادر عسكرية روسية بأن نصف الآليات البحرية والجوية فقط كان صالحاً للعمل في العام الماضي، اما القوات البرية فحالها اسوأ اذ ان ثلثي مدرعاتها معطوب. وبعد العام 1991 بات السلاح النووي الاستراتيجي عماد امن الدولة الروسية، لكون معظم القوات المسلحة العادية غير مؤهل للقتال بسبب شح التزود بالآليات والمؤن واعداد الكوادر والتدريب والوقود. كما ان القوة النووية الاستراتيجية التي تمتلك 756 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات و26 غواصة نووية و71 قاذفة قنابل استراتيجية و5979 رأساً نووياً تعاني هي ايضاً من ضائقة مالية خانقة. يضاف الى ذلك ان 70 في المئة من الراجمات واجهزة الاطلاق استنفدت عمرها وغدت عتيقة، اذ انها تمارس مهمات الدورية منذ 30 عاماً. كما ان 70 في المئة من الغواصات النووية الاستراتيجية بحاجة الى صيانة ونصف عددها بات عتيقاً من الناحيتين التقنية والزمنية ولا بد من سحبه من الخدمة قبل حلول العام 2005، وحتى اذا اطيل امد استهلاك الرؤوس النووية فان ما سيبقى منها صالحاً للخدمة والدورية بحلول العام 2007 لن يتعدى 844 رأساً من أصل 5979 رأساً.