منذ تأسيس مجلس وطني ضد التطبيع مع اسرائيل قبل أكثر من شهر، تحاول جهات عدة من المثقفين والجامعيين والنقابيين التونسيين الانضمام الى هذا التحرك المحكوم عليه بالبقاء من دون حركة في انتظار اعتراف رسمي مفترض. وينبغي على مصالح الدولة أن تقدم جوابها بالقبول أو بالرفض خلال فترة ثلاثة أشهر على أقصى تقدير. وسينشط هذا المجلس إذا قبل الطلب ونال التأشيرة الرسمية وإلا فإن أعضاءه اذا نشطوا يعتبرون مشكلين لجمعية غير معترف بها ما يمكن أن يعرضهم لعقوبات جزائية. وتعتقد أوساط عدة بأن الموقفين الرسمي والشعبي يستمران على الموجة نفسها في هذا الشأن وأن تونس التي كان يعتقد بأنها ربما كانت من الدول الأولى التي ستقوم بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل منذ 1993 بقيت في موقف متراجع عن ذلك التطبيع ولم يصل الحماس في شأنه الى مستوى عال. ففي أيلول سبتمبر 1993 وعلى إثر توقيع اتفاق واشنطن بين الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل رابين طلب الأخير الى الحكومة التونسية بوساطة أميركية أن ينزل في تونس لإجراء محادثات مع قادتها على غرار ما كان مبرمجاً في عدد من العواصم العربية غير أن تونس رفضت آنذاك زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي على أساس انه لم يحصل من الناحية الفعلية شيء يمكن أن يبرر ذلك وباعتبار أن الاتفاق الحاصل هو اعلان مبادئ فقط وأن تونس ستنتظر تطبيقه الفعلي قبل أن تقدم على أي خطوة على طريق التطبيع وذلك من منطلق ان حل القضية الأساسية أي قضية فلسطين نهائياً هو وحده الذي يمكن أن يزيل كل العوائق من أمام احتمالات ربط علاقات طبيعية بين تونس واسرائيل. ولكن وفي وقت لاحق تم الاتفاق على تبادل فتح مكاتب مصالح في العاصمتين. وفعلا فتح شالوم كوهين وهو من أصل تونسي مكتباً اسرائيلياً في ربيع 1996 وفي وقت متزامن فتحت تونس مكتبين لها في تل أبيب وفي غزة، لكن سريعاً ما سحبت تونس ممثلها خميس الجناوي إثر تعثر عملية السلام خصوصاً بعد وصول "نتانياهو" الى الحكم فيما بقي المكتب الاسرائيلي ومقر الممثل في فندق هيلتون في العاصمة التونسية نتيجة رفض أي تونسي تأجير بيته لممثلي الدولة العبرية. وقد غادر الممثل الاسرائيلي تونس عائداً الى بلاده ليتم استبداله بديبلوماسي اخر من أصل مغربي فيما أعاد ديبلوماسي تونسي آخر مكتب تل أبيب بعد وصول باراك للسلطة قبل أكثر من عام. غير أن علاقات البلدين بقيت تراوح في مكانها وبقيت تونس الرسمية متشبثة بموقفها الأول على رغم ما تم التلويح به من تدفق استثمارات اسرائيلية كبيرة إذا حصل واعترفت تونس اعترافاً كاملاً باسرائيل وتبادلت معها البعثات الديبلوماسية. أما الموقف الشعبي فكان أكثر قوة حيث ان المواطنين ليسوا في موقع يفرض عليهم التعامل بشكل ديبلوماسي. ولذلك بقي الديبلوماسيون الاسرائيليون القلائل الذين جاؤوا الى تونس في عزلة كاملة وهو ما يفسر بقاء الممثلية الاسرائيلية لمدة ثلاث سنوات من دون أن تجد لنفسها مقراً دائماً. وقد تم بالفعل تسجيل وصول عدد من الوفود لمناسبات مؤتمرات دولية سواء سياسية أو علمية ولكن كانت العزلة دوماً تحيط بهم أيضاً كما وصل عدد من السياح الذين يحجون "للغريبة" احد أقدم الأماكن الدينية اليهودية في العالم، ولكن وفي المقابل لم يسجل انتقال عدد كبير من التونسيين لاسرائيل التي تبقى النظرة اليها سيئة. ومن هنا فإن المجلس الجديد الذي ينتظر التأشيرة الرسمية لبدء نشاطه على ما ضمه من معارضين ومن مستقلين يبدو وكأنه يسير على الخط نفسه مع الموقف الرسمي الذي يرفض اليوم الاعتراف باسرائيل، ولعل الفارق يكمن بالخصوص في أن اعضاء المجلس لا يرون حتى مجرد ضرورة لوجود مكتب للمصالح أو أي شكل من أشكال التمثيل مهما كان صغيراً ويتولون القيام بعمل مضاد لأي شكل من أشكال العلاقة كما يعارضون تبادل الوفود وفتح ولو نافذة صغيرة على اسرائيل.