ما زالت حصة الدول العربية من التدفقات الاستثمارية الاجنبية متدنية، وتقل كثيراً عما هي عليه في الدول النامية، على رغم الاجراءات الكثيرة التي طبقتها دول المنطقة، بدءاً من تحرير قوانينها الاقتصادية الى منح المستثمرين تسهيلات وحوافز لم يسبق للعديد من الدول الاخرى ان قدمتها. وبالفعل أقرت غالبية الدول العربية القوانين التي تشجع على الاستثمار فيها، مثل ضمان الملكيات الخاصة، ومنح المشاريع الانتاجية الاعفاءات والتسهيلات الضريبية التي تصل فترات بعضها الى أكثر من 15 سنة، ثم إعطاء المستثمر الاجنبي الحوافز نفسها الممنوحة للمستثمر المحلي، وتشجيع مشاريع الشراكة الاقتصادية، على غرار ما طبقه معظم دول الخليج العربي، من خلال برامج الاوفست التي تقضي بالزام الشركات الفائزة بعقود حكومية، بإعادة استثمار جزء من قيمة هذه العقود، في مشروعات ذات طابع انتاجي. الى ذلك استكملت غالبية الدول العربية تحرير اسواق القطع لديها، كما أقرت حرية التحويلات من وإلى الخارج، الى جانب اقرار التسهيلات الادارية التي يحتاجها رجال الاعمال، بدءاً من تسهيل عمليات الحصول على التراخيص، ثم تسهيل تأشيرات الدخول، الى إقرار حقوق التملك، وفتح الباب امام الاجانب للاستثمار في القطاعات المصنفة استراتيجية. ومع ذلك، فإن حصة دول المنطقة من التدفقات الاستثمارية الدولية ما زالت محدودة جداً، وهي تقل الى حد بعيد عن قيمة الاستثمارات التي اجتذبتها مناطق أخرى في العالم. وفي الواقع فقد هبطت التدفقات الاستثمارية الاجنبية الى دول الشرق الاوسط، وتحديداً الى دول المشرق العربي، من دون احتساب قيمة الاستثمارات الى دول المغرب العربي، الى 900 مليون دولار العام الماضي، وفق تقديرات منظمة التجارة والتنمية التابعة للامم المتحدة اونكتاد أي ما يمثل واحداً في المئة من اجمالي التدفقات الاستثمارية العالمية، في العام 1999، والتي وصلت الى 800 مليار دولار. وتؤكد خريطة التدفقات الاستثمارية التي اعدتها "اونكتاد" تدني حصة الاسواق العربية مقارنة بحصص المناطق ألاخرى، اذ احتلت دول اميركا اللاتينية المرتبة الاولى ب97 مليار دولار، في مقابل 91 ملياراً لقارة آسيا، و11 ملياراً لافريقيا، من بينها مليارا دولار للمغرب وحده، من دون احتساب قيمة التدفقات الاستثمارية الى الدول الصناعية. وأكثر من ذلك، فإن الاستثمارات التي كان يفترض تدفقها، في إطار اتفاقات الشراكة الاقتصادية مع بعض الدول الصناعية، لم تتحقق حتى الان بالصورة التي يتوقعها الخبراء واصحاب القرار الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، فإن الاستثمارات الاوروبية في الدول العربية التي تم ابرام اتفاقات شراكة اقتصادية معها، خصوصاً دول المغرب العربي، لم تتجاوز 2 في المئة من اجمالي الاستثمارات الاوروبية في العالم، على رغم الاعتبارات الموضوعية التي كان يفترض أن تؤتي ثمارها، مثل التسهيلات التجارية، ورخص اليد العاملة، والعامل الجغرافي، والتشريعات القانونية. الى هذا الواقع ثمة واقع أكثر مرارة، وهو ان دولة واحدة في الشرق الاوسط، وهي اسرائيل استطاعت في خلال العقدين الماضيين اجتذاب استثمارات عالمية تزيد بأكثر من الضعف عمّا نجحت الدول العربية مجتمعة في تحقيقه. وطبقاً لتقديرات البنك المركزي الاسرائيلي، فقد وصلت قيمة التوظيفات الاستثمارية العام الماضي الى أكثر من 9.8 مليار دولار. واللافت أن دولاً نامية معينة استطاعت جذب استثمارات تفوق عشرات الاضعاف قيمة التدفقات الاستثمارية الى الدول العربية على رغم التفاوت على صعيد البنية التحتية المتطورة، والاستقرار النقدي والاقتصادي، وحتى الاستقرار السياسي والامني. وعلى سبيل المثال، حصلت المكسيك على 30 مليار دولار من التوظيفات الاجنبية، بعد انضمامها الى اتفاقية التبادل الحر، الى جانب الولاياتالمتحدة وكندا، على رغم المشاكل النقدية والمالية. ومن الاشارات المعبرة، فإن قيمة الاستثمارات الاجنبية في الدول العربية ما زالت متدنية جداً مقارنة بحجم الناتج المحلي في هذه الدول، إذ لا تزيد عن 5.1 و7.1 في المئة، في مقابل 12 في المئة في دولة نامية مثل البرازيل، أو ما يزيد عن هذه النسبة في كوريا الجنوبية. ازاء هذا الواقع يأمل المحللون الاقتصاديون بأن تساعد القوانين والتوجهات الجديدة التي بدأ بعض دول المنطقة تطبيقها، في زيادة حصتها من الاستثمارات الدولية، وتحديداً على صعيد الاستثمارات ذات الطابع الانتاجي والاستثمارات الطويلة الاجل