يترقب العالم مع نهاية سنة 2004 البدء في تطبيق قوانين وانظمة وتعليمات منظمة التجارة الدولية حين يتم إلغاء الكثير من الحواجز والقيود وخفض الكثير من الاجراءات الروتينية لتسهيل الانفتاح الاقتصادي الدولي. وانتبهت الدول الكبرى الغربية والصناعية لهذه الظاهرة ودخل الكثير من الشركات الصغيرة والكبيرة والعملاقة في عمليات اندماج وتكوين كيانات اقتصادية ضخمة. كما دخل كثير من الدول في اتحادات اقتصادية وشكل تكتلات إقليمية دولية لمجابهة انظمة العولمة المقبلة، لكن الدول العربية لا تزال بعيدة عن هذه التكتلات او لا تشكل التكتلات التي تأسست اهتماماً تكاملياً ما بينها في حين ان الراصد للاقتصاد الدولي يجد تغيرات سريعة ومتواترة في الاعوام العشرة الماضية، حين اجتاح العالم إعصار ساحق مبرمج يدعى العولمة او الكونية التي لا تعدو سوى نمط من انماط هيمنة الدول الصناعية المتقدمة. وستحمل هذه العولمة لا محالة تحديات كبيرة للوحدات الانتاجية للدول العربية، ومهما بذلت هذه الوحدات من جهود لرفع كفاءتها الانتاجية وقدرتها التنافسية فإنه من غير المحتمل ان تصبح قادرة على المنافسة على قدم المساواة مع الشركات الدولية العملاقة، التي تمتاز باقتصادات الحجم الكبير ولا تألو جهداً في رفع كفاءتها من خلال الاندماجات المتتالية بين عدد من كبريات الشركات الدولية. وإدراكاً من رجال الاعمال العرب لأهمية التعاون التجاري تكون بعض مجالس الاعمال المشتركة بين كثير من الدول العربية مثل مجلس الاعمال السعودي - المصري ومجلس الاعمال السعودي - اليمني والسعودي - اللبناني والسوري والمغربي وغيرها، وكما نعلم فإن هذه المجالس ليست مجالس حكومية وإنما هي مجالس كان وراء تأسيسها القطاع الخاص لتكوين اساس صلب ومهم لقيام تكتل اقتصادي عربي، سواء كان منطقة تجارة عربية حرة او سوقاً عربية مشتركة، ويدور حالياً حديث بأهمية تفعيل وإبراز مجالس الاعمال العربية كوسيلة للتعاون الاقتصادي. إن العلاقات السعودية - العربية تُعتبر نموذجاً متميزاً للمنطقة العربية لاتصافها بالقوة والثبات والامكانات الكبيرة الايجابية والمتنوعة للنمو والتوسع في المستقبل، كما تتميز المملكة العربية السعودية بعدد من الخصائص التي تمثل عمقاً استراتيجيا مهماً للمنطقة العربية وتتمتع بثقل استراتيجي إقليمي ودولي على جميع الاصعدة وفي مختلف الاتجاهات الى جانب تميزها بثقل اقتصادي على الصعيدين العربي والاسلامي. ولهذا توجه مجلس رجال الاعمال السعودي الى الدخول في اتفاقات مع بعض الدول العربية لتكون نواة حقيقية لمنطقة تجارة عربية حرة او سوق عربية مشتركة من خلال تطوير الصيغ الحالية للتجارة القائمة بينهما، من خلال الاستغلال الامثل للفرص التجارية المتاحة وتحرير التجارة البينية والتحول الى التجارة القائمة على اساس الاعتماد المتبادل بدلاً من البعد الواحد، والتصدير على اساس الدراسة المتعمقة لاحتياجات البلدين ومتطلبات اسواقهما وانواعها والسلع المنافسة لها ومعدل اسعارها. وعلى رغم التطور الذي شهده التعاون التجاري بين الدول العربية إلا ان حجم التبادل التجاري لم يرق بعد الى مستوى طموحات الدول في إقامة علاقات تجارية تعكس الثقل الاقتصادي الذي تتميز به المنطقة العربية، والفرص التجارية الضخمة التي يزخر بها اقتصاد المنطقة بسبب وجود عقبات عدة تحد من الاستغلال الامثل للفرص التجارية. لذلك يتطلب الامر تفعيل وزيادة وتطوير ودمج كيانات عربية اقتصادية كبيرة لمواجهة تحديات العولمة. أضف الى ذلك ان انضمام الدول العربية الى منظمة التجارة الدولية يتوقع ان يؤدي الى منافسة غير متكافئة بين المنتج المحلي والاجنبي لما قد يترتب على هذا الانضمام من خفض في الرسوم الجمركية ويحد من قدرة الدول العربية على توفير الحماية لمنتجاتها الوطنية. ومن ثم من المؤكد ان تواجه المنتجات المحلية العربية منافسة اكثر حدة ليس فقط على المستوى الدولي إنما أيضا على المستوى الاقليمي والمحلي ما يعني ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة غير الاقتصادية وبذل جهد مضاعف لرفع كفاءة الوحدات الانتاجية في الدول العربية وخفض كلفتها. إن الاحصاءات والبيانات والارقام الرسمية تشير الى ان هناك تراجعاً في حجم الاستثمارات بين الدول العربية من جهة وبينها وبين الدول الاجنبية من جهة اخرى، واظهر تقرير الاستثمار الدولي لعام 2000 الذي تصدره سنوياً امانة الاممالمتحدة للتجارة والتنمية اونكتاد ان نصيب الدول العربية مجتمعة من إجمالي حجم تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر الوارد لم يتجاوز 1 في المئة وبقيمة 8.7 بليون دولار من إجمالي التدفقات الدولية الواردة التي وصلت الى 865.5 بليون دولار. كما ان هذا النصيب لم يتعد نسبة 4.2 في المئة من إجمالي التدفقات الواردة الى الدول النامية التي بلغت 207.6 بليون دولار. وتصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول العربية إذ حصلت على 54.7 في المئة من إجمالي التدفقات الواردة وبقيمة 4.8 بليون دولار، تلتها جمهورية مصر العربية بنسبة 17.1 في المئة وبقيمة 105 بلايين دولار، ثم المغرب بنسبة 9 في المئة وبقيمة 847 مليون دولار. واهتم التقرير بإبراز تطورات الاستثمار الاجنبي المباشر في مختلف الدول والتجمعات الاقتصادية وعرض سلسلة زمنية من البيانات غطت الفترة من 1980 الى 1999 لتعزيز القدرة على متابعة اتجاهات التحسن من عدمه وتسهيل متابعتها. وبالنسبة للدول العربية يبدو ان اتجاه التحسن مستمر بثبات على رغم وجود فترات كان يشوبه فيها البطء لاسباب عدة. ووفقاً للبيانات فإن القيمة التراكمية للاستثمارات الاجنبية الواردة للدول العربية منذ عام 1980 حتى 1999 بلغت نحو 89 بليون دولار بنسبة 6.2 في المئة من إجمالي التدفقات الدولية التراكمية الواردة للفترة ذاتها التي بلغت اكثر من 4.8 تريليون دولار. وخلال هذه الفترة تلقت المملكة العربية السعودية 37.6 في المئة من الاجمالي التراكمي الوارد الى الدول العربية بقيمة 33.4 بليون دولار، تلتها مصر بنسبة 20 في المئة بقيمة 18 بليون دولار ثم تونس بنسبة 13 في المئة بقيمة 12 بليون دولار. وبذلك استقبلت هذه الدول الثلاث مجتمعة نسبة 71 في المئة من نصيب الدول العربية من التدفقات الاستثمارية الاجنبية المباشرة التراكمية الواردة في نحو عقدين من الزمن. وعلى صعيد مساهمة الدول العربية في تدفقات الاستثمارات الاجنبية الصادرة لم يتجاوز نصيبها، حسب بيانات التقرير، 0.1 في المئة بقيمة 566 مليون دولار من الاجمالي الدولي البالغ 799.9 بليون دولار وبنسبة 0.8 في المئة من التدفقات الصادرة عن الدول النامية التي بلغت 65.6 بليون دولار. وجاءت الكويت في الصدارة إذ بلغ حجم التدفقات الاستثمارية الصادرة عنها 223 مليون دولار عام 1999 بنسبة 40 في المئة من إجمالي نصيب الدول العربية تلتها البحرين بنسبة 36 في المئة بقيمة 200 مليون دولار ثم ليبيا بنسبة 27 في المئة بقيمة 150 مليون دولار. أما نصيب الدول العربية من التدفقات الدولية التراكمية الصادرة عام 1980 حتى عام 1999، فقد بلغ 7.6 بليون دولار بنسبة 0.2 في المئة من الاجمالي التراكمي الدولي الذي بلغ 4.8 تريليون دولار وبنسبة 1.6 في المئة من التدفقات التراكمية الصادرة من الدول النامية للفترة ذاتها التي بلغت 468.7 بليون دولار. وخلال الفترة الممتدة من عام 1980 حتى عام 1999 حافظت الكويت على الصدارة في التدفقات التراكمية الصادرة من الدول العربية إذ بلغ حجم التدفقات الصادرة منها نحو 1.9 بليون دولار بنسبة 25.5 في المئة من الاجمالي التراكمي العربي، تليها البحرين بنسبة 23 في المئة وبقيمة 1.7 بليون دولار ثم المملكة العربية السعودية بنسبة 19.3 في المئة بقيمة 1.5 بليون دولار. وبذلك حققت الدول الثلاث مجتمعة نسبة 68.3 في المئة من نصيب الدول العربية من تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر الصادرة في العشرين عاماً الماضية. وهناك قناعة بتفعيل دور مجالس رجال الاعمال بالاضافة الى تفعيل الشراكة العربية بالاتحادات الاقتصادية الاخرى كالاتحاد الاوروبي لزيادة التعاون العربي والاقليمي حيث ان الاتحادات الاقتصادية تُعتبر افضل آليات تفعيل الحركة التجارية وتشجيع وتطوير وتسهيل الاستثمارات بانواعها المختلفة، كالاستثمار الصناعي والاستثمار العقاري والسياحي والاستثمار التجاري عبر بعض المبادرات العربية الاقليمية كمفاوضات الشراكة الاوروبية المتوسطيه والشراكة الاوروبية الخليجية. والمطلوب هو الخروج من هذه المفاوضات المطولة مع الاوروبيين بإطار يحفظ المصالح العربية ويعزز الموقف التفاوضي العربي مع الجانب الاوروبي وصولاً الى تفعيل اتفاقات التعاون العربية - الاوروبية ما يتطلب آليات مثل: التركيز على تحقيق اتفاقات طويلة الاجل في مجال المشاريع المشتركة وتعزيز العلاقات بين الشركات العربية والاوروبية والاستفادة من ذلك كعامل ضغط على الاتحاد الاوروبي. استحداث هيئة عربية تجارية مشتركة تمثل الشركات العربية في تعاملها مع نظيراتها الاوروبية. - تفعيل قيام سوق عربية مشتركة من اجل التعامل مع الكتلة الاوروبية والكتل الاقتصادية الاخرى. تواجد مصرفي عربي فعال في منطقة دول الاتحاد الاوروبي. - التأكيد على تطبيق اتفاقات منظمة التجارة الدولية كوسيلة ضغط على الجانب الاوروبي. كما يجب الاخذ في الاعتبار ان الاتحاد الاوروبي وضع عدداً من العقبات امام تقدم المحادثات الخاصة بتطبيق اتفاقات التعاون العربية - الاوروبية منها: 1 إصرار الاتحاد الاوروبي على فرض ضريبة الطاقة 14 في المئة وضريبة الالومينيوم 6 في المئة الامر الذي اثر كثيراً في اسعار الوقود والطاقة في دول الاتحاد الاوروبي. 2 الاهتمام بالشراكة المتوسطية على حساب الشراكة الخليجية بغرض تحقيق بعض الاهداف السياسية والوقوف في وجه المحاولات الرامية لخلق كتلة عربية موحدة. 3 قيام الاتحاد الاوروبي بتطبيق الحماية في وجه المنتجات البتروكيماوية التي تتمتع فيها الدول العربية وبالذات الخليجية بميزة نسبية. لذلك لا بد من ان تعي المجالس والاتحادات الاقتصادية العربية ضرورة توحيد جهودها التفاوضية والتنسيق في ما بينها في مفاوضاتها مع التكتلات والمجموعات الاقتصادية الاخرى حتى تستطيع الحصول على مكاسب وتنازلات اكبر. * مستشار اقتصادي.