معرض "الأرث" الذي استضافته "غاليري ليتون هاوس" اللندنيّة أخيراً، لا يدعي لنفسه مهمة تقديم صورة متكاملة عن فنون ايران الفوتوغرافية أو التشكيلية، بل يمكن ادراجه ضمن محاولة متواضعة لرصد بعض التجليات الأبداعية والفنية في ذلك البلد. وحتى عنوانه بدا كبيراً مقارنة بمحتواياته الفنية، التي اعتمدت أساساً على سلسلة أعمال فوتوغرافية للمصورة ياسمين أميري وفيها أعادت تشكيل بعض الصور الشخصية التي تعود الى بداية القرن الماضي، وغايتها تحقيق نوع من التاريخ الافتراضي لنفسها. فعلى الرغم من شخصانية الصور جميعها لسيدات بدت عليهن الوجاهة، فان تقنيات التصوير الفوتوغرافي وموضوعها آنذاك لم تكن متاحة للجميع، بل انها بقيت نخبوية شأنها في ذلك شأن المشروع الحداثي والمدني الذي رفعت لواءه. ومثل ياسمين أميري وظفت مليكه نايني مهاراتها التكنولوجية في استعادة صور عائلتها عبر سلسلة "تجديد الألبوم العائلي"، وكأنها بذلك أرادت تحميلها بهاء زمن لم تحجب أنواره سواد الصور وبياضها. في حين جاءت أعمال هينغام غولستان، الملونة باليد، لترصد لحظات ووقفات من كردستان ايران، حيث العائلة تأخذ موقعها الأساسي في تشكيل هذه السلسلة الفنية. وتعكس رسومات الفنان مسعود عربشاهي الى تأثيرات كبار أساتذة الباوهاوس، ورسامين مثل بول كلي وكاندينسكي، إذ يزاوج في بناء لوحته بين تلك التأثيرات وتعاليم الزرادشتية، ويتوصّل إلى خلق معادل بصري وفني. أما الفنان محمد إحسائي، وهو أيضاً من المشاركين في معرض "لايتون هاوس"، فيمسك بالحرف والخط ويوظفهما في بناء لوحتة، وغرضه فتح أبواب جديدة لم تكن مطروقة من قبل أقرانه في تذوق جماليات الحروفيّة. ومن هنا أن أعماله واجتهاداته التشكيلية، فرضت نفسها، وصارت مرجعاً للكثير من مريديه من الخطاطين ودارسي آفاق الحروفية وامكاناتها. وإذا كانت ايران لم تصل إلى العالم خلال العقود الماضية، إلا عبر توتّرات السياسة، ثم عبر النهضة السينمائيّة المدهشة في هذا البلد، فان هذا المعرض اللندني، على تواضعه، سيفتح نافذة جديدة، ويمدّ جسوراً أمام التعرف إلى تراث فني لبلد عريق تضرب جذوره في عمق التاريخ.