سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
معتبراً طه حسين "مخبر شرطة" وفؤاد البستاني "أفعوان خبيث"، ومدافعاً عن النازية . مذكرات عاصفة ل "فيلسوف العرب الوحيد خلال هذا القرن": . عبد الرحمن بدوي يصفي حساباته مع القرن العشرين !
ليس المفكر العربي الكبير عبد الرحمن بدوي في حاجة إلى تعريف. فهو كما وصفه طه حسين، قبل خمسين سنة، يعد "فيلسوف العرب الوحيد في القرن الحالي" . ويستحق الدكتور بدوي هذا اللقب وأكثر، نظرا لما أنتجه من مؤلفات فلسفية مهمة، أثرى بها المكتبة العربية والعالمية. كما ان ترجماته لأبرز المؤلفات الفلسفية، سواء الكلاسيكية منها أو الحديثة، كانت بمثابة البوابة الوحيدة بالنسبة إلى قراء اللغة العربية للاطلاع على التراث الفلسفي العالمي. وإلى جانب جهوده كمترجم وباحث وأستاذ جامعي، عُرف الدكتور بدوي منذ نهاية الثلاثينات، كأحد أقطاب الفلسفية الوجودية، إذ يعد مقرباً من المدرسة "الهيدغرية" التي اسهم في إثرائها بالعديد من المؤلفات المهمّة، مثل "الزمن الوجودي"، "هل يمكن قيام أخلاق وجودية؟"، إلخ. أحكام قاسية والفيلسوف المصري الذي يحتلّ مكانة فكرية مرموقة، عربياً وغربياً، يعد حالياً آخر الأحياء من جيل النهضة في مصر : فقد عايش طه حسين والعقاد وأحمد أمين وغيرهم. لذا، حين أُعلن عن صدور مذكراته عن "المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر" في بيروت، بعنوان "سيرة حياتي"، كان لا مفرّ من اعتبار ذلك حدثا ثقافيا بارزا على الساحة العربية. فمذكرات الدكتور بدوي من المفترض أن تختزل ذاكرة القرن العشرين، وما شهده هذا القرن من أحداث بارزة ومنعطفات حاسمة في مسار الفكر العربي المعاصر... لكنّ المفاجأة أن سيرة عبد الرحمن بدوي ، وهو مؤلف ضخم يقع في مجلدين من نحو 800 صفحة، جاءت خالية تماماً من كل ما يمت إلى الفكر أو الفلسفة بصلة. لكن الكتاب، في المقابل، ينطوي على قدر مذهل من التصريحات المتفجرة والآراء المثيرة للجدل. في كتاب سيرته، يصف الدكتور عبد الرحمن بدوي الرئيس جمال عبد الناصر بأن كل تصرفاته كانت "حمقاء وطائشة" ، وأنه لم يؤمِّم القناة إلا بهدف "القيام بعمل سياسي مثير يكفل له الشهرة والدويّ ، حتى لو جرَّ ذلك على مصر الخراب" ! أما وزير خارجية عبد الناصر، ورئيس الحكومة المصرية فيما بعد، الدكتور محمد فوزي، فوصفه الدكتور بدوي بأنه "ما هو إلا رجل معتوه جهول، لا يدري في السياسة شيئاً" ! ويرى الدكتور بدوي أن شيوخ الأزهر "بطبعهم طماعون حاقدون يأكل الحسد قلوبهم، وفي سبيل نيل أي منصب ذي شأن، لا يتورعون عن استخدام أخس الوسائل" ! ويقول الدكتور بدوي أيضاً عن الإمام محمد عبده إنه "إصلاحي ديني مزعوم"، كل اجتهاده في الإصلاح يتلخص في أنه أحلّ لبس القبعة ! ولم يسلم من هذه الأحكام القاسية أحد ممن عاصرهم الدكتور بدوي : فعن أحمد أمين يقول: "رجل حقود، ضيق الأفق، تأكل قلبه الغيرة من كل متفوِّق". أما الدكتور فؤاد البستاني فيصفه بأنه كان "دجالاً جهولاً وأفعواناً هرماً خبيثاً" ! وأما الدكتور طه حسين، فيتهمه بأنه كان "مخبر شرطة" ، يبلِّغ عن طلبة الجامعة التي كان عميدها ! ولم يقتصر الأمر على كل ما سبق ، بل امتد هذا النقد اللاذع أيضاً إلى كامل شعب مصر الذي يصفه الدكتور بدوي بأنه "بطبعه لا يتمعن في أي شيء يقرأه أو يسمعه، بل يصدِّق أي شيء ما دام لا يتعلق بمصلحته الشخصية". وأنه شعب "هوايته المفضلة المشي في الجنازات" ! ومادحُ نفسه... وبعد أن يصفى الدكتور بدوي حساباته مع كل من عاصرهم من أعلام الفكر والثقافة العرب، يلتفت إلى رواد الفلسفة العالمية المعاصرة، وتحديداً أقطاب المدرسة الوجودية التي انتمى إليها. حيث يصف جان بول سارتر بأنه كان مجرد "أديب مشهور" ، ليست له أية إسهامات فلسفية تذكر، ولا علاقة له بالوجودية ! أما بالنسبة إلى نفسه، فيعتبر الدكتور بدوي أنه جاء بإضافات في الفلسفة الوجودية لم يأت بها هيدغر ذاته. حيث يرى أنه كان الوحيد الذي قام ب "وضع لوحة مقولات فلسفية، وفقا لها ينبغي تفسير أحوال الوجود. فكما فسَّر إمانويل كَنت الأحكام العقلية وفقاً للوحة مقولاته الإثنتي عشرة، كذلك وضعنا نحن - وهو ما لم يفعله هيدغر ولا غيره من الفلاسفة الوجوديين - لوحة مقولات تفهم وفقا لها أحوال الوجود" ! ومن الأفكار المثيرة للنقاش التي حفل بها الكتاب أيضاً، دفاع الدكتور بدوي عن الفكر النازي الذي ترجم بعضاً منه في شبابه. كما يقوم بتبرير المحرقة التي تعرض لها اليهود، معتبراً أنّها كانت مجرد "أحداث حرب". ولم يكن استهداف اليهود - برأيه - أمر مبيتاً أو لدوافع عنصرية ! والدليل على ذلك، يقول الدكتور بدوي، إنه أقام في ألمانيا في نهاية الثلاثينات، وقابل عدداً من المفكرين اليهود، وأن هؤلاء لم يكونوا مضطهدين... كما أن النازيين - يضيف - كانوا أعطوا مهلة مسبقة لليهود لمغادرة ألمانيا، ولكن هؤلاء لم يفعلوا! وإذا كانت مثل هذه "النزعة" غير معروفة حتّى الآن لدى مفكر في منزلة الدكتور بدوي، فإن له سوابق في اللجوء إلى العنف ردّاً على المنتقدين... فها هو يعترف، في معرض كلامه على عباس محمود العقاد الجزء الأول، ص. 133 : "كتب العقاد مقالات ضد "الإخوان المسلمين"، لكن هؤلاء سكتوا ولم يحركوا ساكناً. ثم انكفأ بعد ذلك يهاجم "مصر الفتاة"، فلما كتب أول مقال، تشاورنا في "مصر الفتاة" بماذا نرد. فرأى صبيح أن يكون ذلك بالرد القاسي في مجلة مصر الفتاة، وكتب فعلا مقالاً بعنوان: "العقاد جهول يريد أن يعلِّم الناس ما لا يعلم" . فكتب العقاد مقالاً آخر أشد وأعنف. وكان من رأيي أن العقاد يرحب بالمقالات، فلا علاج له عن هذا الطريق، بل لابد من استخدام العنف معه، لأنه لا رادع له غير العنف. وأخذ برأيي اثنان من أعضاء الحزب، أحدهما كان هو الذي أرهب قاضي الإحالة، فتربصا للعقاد وهو عائد إلى بيته رقم 13 شارع سليم في مصر الجديدة، وانهالا عليه بالضرب والصفع والركل، وأفهماه أن هذا تأديب مبدئي بسبب مقالين ضد "مصر الفتاة"، فإن عاد، عادا إليه بما هو أشد نكالاً. وأحدثت هذه "العلقة" أثرها الحاسم، فخرس العقاد خرساً تاماً، ولم يعد إلى الكتابة ضد "مصر الفتاة ""!