الأهلي يهزم الرائد بثنائية    خيسوس: الهلال يثبت دائمًا أنه قوي جدًا.. ولاعب الاتفاق كان يستحق الطرد    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جازان: إحباط تهريب 200 كغم من القات    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    لحظات ماتعة    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"دبرت انقلاب 1989 وإعتقالي صدر بأمرٍ مني . الترابي ل "الوسط": كل مصائب السودان تأتينا من الشمال
نشر في الحياة يوم 21 - 02 - 2000

كنت قد اعددت اسئلتي التي انوي توجيهها الى الدكتور حسن الترابي قبل مغادرتي العاصمة الاثيوبية اديس ابابا - مقر عملي، لكني اضطررت بعد وصولي الى الخرطوم الى التعديل والاضافة وذلك اثر لقاءاتي مع سودانيين عاديين، بينهم معارضون، وبعد اطلاعي اليومي على الصحف السودانية الكثيرة العدد التي يصعب على المواطن السوداني العادي شراءها، لكنها مليئة بالاخبار والتحليلات والموضوعات التي تتناول الحكومة والمعارضة معاً، بل خلال الازمة بين جناحي النظام وبعدها، صنفت بعض الصحف اليومية بحيث ان من اراد ان يتعرف على ما يدور في القصر فدونه هذه وتلك، ومن اراد اخبار "الشيخ" و"المنشية" مقر سكنه فدونه تلك، مع وجود صحف محايدة او على الاقل مجتهدة تعطي من كل شيء طرفاً.
اثناء جلوسي الى الشيخ حسن الترابي الامين العام لحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في مكتبه، تراءت امامي خيوط الازمة السياسية الاخيرة في السودان بين "الشيخ" والقصر الرئاسي. وتساءلت هل انا في حضرة شخصية - لغز؟ ام اني امام شخصية مختلفٍ عليها؟ أم انها شخصية تهيل نفسها بالقداسة؟ أم هو رجل انتهى دوره كما يقول خصومه؟
ولأن هذه هي المرة الثالثة التي اقابل فيها الترابي، فقد احسست في المرات السابقة حين كان الرجل ممسكاً باحكام بزمام السلطة، انه يضخم "المشروع الحضاري" ويرسم له اطراً كبيرة. اما هذه المرة فقد شعرت كأن شيئاً انكسر في داخله! واثناء الحوار معه كانت شحنات من المرارة تخرج من جوانحه، بسبب مواقف الذين هيأهم من القيادات الشابة، فلم يتورعوا عن الانقلاب عليه. ولعلها اشارة واضحة لخليفته في قيادة الحركة الاسلامية علي عثمان محمد طه، على رغم انه لم يسمه. كما ان الشيخ يتهم خصومه بالاستعانة بالبعد الاقليمي لاقصائه، ولم يشأ الترابي ان يعترف بأنه خسر معركته اقليمياً. وعلى رغم ان "الشيخ" حرص على الثناء على البشير، الا انه ثناء لم يخل من غمز ولمز.
والغريب ان الرئيس البشير هو الآخر اثنى على الدور الذي لعبه الترابي، وقال انه سياسي وداهية ولا يمكن انكار ما قام به، وعلى رغم تأكيده ان قرارات "الرابع من رمضان" التي حل بموجبها البرلمان لم تكن تستهدف الترابي، الا ان البشير اضحى بعد قراراته تلك رجل السودان القوي بلا منازع، فاسفاره الى البلاد العربية والافريقية تلاحقت كأنما قرر ان يسبح في الجو، وقائمة الصحافيين الذين يريدون مقابلته تتضخم كل يوم الى درجة ان الشارع السوداني يتساءل ان كان البشير يجد وقتاً للنوم هذه الايام!
من الواضح ان اهل السودان، الذين ساندوا البشير كانوا ينتظرون مفاجآت، على الاقل، مرحلياً، لأنهم كانوا يطمعون في تغيير كبير في الوجوه الوزارية، وتقليص قبضة الحركة الاسلامية، واعطاء القوات المسلحة وجهاً قومياً. ومن المؤكد ان البشير يعلم كل ذلك، ويتحرك في الاتجاه الذي يريده الشارع، ولكن بموضوعية وبأناة، وهو ما تفسره تحركاته على الصعيدين الخارجي والداخلي. ويصب في هذا ما تردده المجالس الخاصة في العاصمة السودانية من ان البشير حسم ازدواجية ثنائية، ليفتح ابواب ازدواجية ثلاثية، ويقصدون بذلك ان الازمة خلقت ثلاثة محاور، تتمثل في البشير والترابي ونائبهما علي عثمان محمد طه.
ويتحدثون عن رابع لم يتبلور دوره الاصلي بعد وهو رئيس مجلس الشورى البروفسور عبدالرحيم علي، الذي توصل الى حل موقت للازمة بين "الشيخ" والقصر الرئاسي بطريقة لا تخلو من ايحاء، لكنها صبت في مصلحة البشير، وتحمل في ثناياها تطلعات الجيل الشبابي في الحركة الاسلامية. ويبدو ان ذلك ما توصل اليه "الشيخ"، لأنه اثناء حواره مع "الوسط" ركز على ان الذين التفوا حول البشير خلال الازمة، بل الذين صنعوها، اكثر تشدداً منه في توجهاتهم وقناعاتهم الاسلامية، وكأنما اراد ان يوصل بذلك رسالة الى جهات بعينها على المستوى الاقليمي، مؤداها انه كان افضل بحسبان انه متسامح وان طبيعته تخلو من العنف، فيما الذين راهنت عليهم تلك الجهات يشكلون خطراً.
ويبقى السؤال المهم والمحير: هل يتستر المعنيون بالأزمة في السودان وراء الكلمات المنمقة، والعبارات المطاطية، في الوقت الذي يحضّر فيه كل منهم سيفه للانقضاض على الآخر في الوقت المناسب؟
بعض السياسيين والمراقبين في الشارع السوداني يعتقد بأن الترابي لن يغفر، وانه يعد العدة لضربة قاضية من خلال منفذين: الانتخابات التي قد تجئ بغالبية من الاقاليم تسانده، كما كانت الحال في المجلس الوطني المحلول، ومن خلال الاسراع بالتصالح مع حزب الامة، لأنه اثنى خلال الحوار، على رئيس الحزب صهره الصادق المهدي، مشيراً الى ان معظم قيادات حزب الامة في الخارج تقررت عودتهم للسودان.
اما البشير فرهانه الاكبر على القوات المسلحة، التي وضع في قيادتها صديقه الفريق عبدالرحمن سر الختم، بدعوى انه يريدها في نهاية المطاف ان تعود مؤسسة قومية، وذلك على رغم اعترافه بعضويته في الحركة الاسلامية. ورهانه الاكبر على الوفاق الوطني الذي يعتبر صمام أمان لقراراته. ولا يعرف هل يلعب البشير بورقة الانتخابات وتأجيلها حتى تتبلور خطى مسيرة الوفاق الوطني، خصوصاً بعد الضربة التي سجلها لمصلحته ممثلة في "اتفاق جيبوتي" مع الصادق المهدي، المسمى "نداء الوطن". ومن الواضح ان البشير يسعى - بعيداً عن الاضواء - الى ابرام اتفاق مماثل مع زعيم المعارضة السيد محمد عثمان الميرغني، مستفيداً في كل ذلك من تطبيع علاقات السودان مع يوغندا واريتريا ومصر، خصوصاً ان بوسع القاهرة واسمرا التأثير على المعارضة السودانية الشمالية.
من المؤكد ان البشير بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية المنتخب يدرك ان هناك صراعاً جديداً محتدماً بين "الشيخ" وتلامذته، وهو ربما كان يريد ان يتركهم ليتصارعوا في اطار "الحركة الاسلامية"، ليبرز هو شخصية قومية تحظى بتأييد الشعب السوداني، كما انه بعد عودة الاحزاب التقليدية للساحة لن يخسر شيئاً، ان لم تضف عودتها الى رصيده السياسي والشخصي.
والشارع السوداني يتململ، ويريد ان يعرف ماذا تخبئ له الاقدار والايام المقبلة، ويتطلع الى مصالحة وطنية ترضي طموحات الجميع، وتتيح للشعب السوداني التفرغ للاستفادة من خيراته الكامنة في بطن ارضه، ومن بتروله الذي بديء في تصديره.
الحوار التالي مع الدكتور الترابي قد يجيب عن بعض الاسئلة، لكن اكثرها يبقى بلا اجابة وان كانت اجاباته عنها تعطي بعض المؤشرات المفيدة في قراءة التطورات.
هل هناك حقاً خلاف بينك وبين السلطة التنفيذية؟
نعم، لكنه ليس ذا طابع شخصي ويتركز حول السلطة وتوزيع المناصب. والشيء المحزن ان بعضهم حاول ان يوهم نفسه مدعياً بأني احرّك كل شيء. والاصل في الخلاف حول الاصلاحات الديموقراطية وتوسيع مساحات الحرية والوفاق، وهنالك قوة معارضة للسياسة التي اتبعها تشعر بأنها ستتضرر من الوفاق والمصالحة.
لكن هل البشير على رأس تلك المجموعة!
- ابتسم: بالطبع البشير هو رئيس الدولة وليست له اطماع شخصية كبعض المجموعات التي تعمل في الخفاء وهمها وضع مصالحها فوق كل الاعتبارات.
هل تعترف بأنك وقعت وتسارعت عليك السكاكين الطويلة والقصيرة؟
- ابتسم والتزم الصمت برهة… لكنك لم تشر الى بعض الاقلام القريبة والبعيدة التي غذت معلوماتها من تراسبات مليئة بالحقد والكراهية، الا انني متعود على تلك السكاكين القصيرة منها والطويلة وبعض الاقلام. وكيّفت نفسي عليها. كان ذلك قدري، وهذه سنة الحياة، مرة تقع عليك السكاكين ومرة اخرى تُرفع عنك. وجعلتني من نزلاء السجون في فترة ثورة تشرين الاول/ اكتوبر 1964 ثم ثورة ايار مايو 1969. يدخلك احد ثم يخرجك الآخر من السجن الى الوزارة مباشرة وهكذا الحياة، ومن ثم تعود الى السجن مثل ما حدث معي في اواخر مايو.
كنت مستعداً ان احتمل كل السكاكين الطويلة والقصيرة لأن الاوامر اتت تلك المرة برياح عالمية وبمباركة اشقائنا في الشمال. وعكس كل امنياتهم، رفعت عني كل السكاكين بأسرع مما كنت اتوقع، لأن الشعب السوداني قام بالانتفاضة ولم يعد الرئيس جعفر نميري من حيث ذهب. وكان احساسي ان تتوغل السكاكين الاخيرة التي تم تصويبها بدقة تستهدف المشروع الاسلامي لأن الفرج أتى من عند الله وخرجنا. ثم عدت الى الزنزانة في بداية عهد نظام الانقاذ، وان كانت هذه هي المرة الأولى التي ادخل فيها السجن بغرض التمويه لضمان نجاح ثورة الانقاذ، الا انني عوملت كما عومل الآخرون ولم يكن يعرف أحد بسرية اعتقالي، لأنني أمرت المرجعية بأن يعتقلوني، وقد ساهم اعتقالي في إنجاح الثورة لأنه جنبها كيد أعدائها.
لكنك لم توضح أي السكاكين أوجعتك؟ وأيها لم تكن تتوقعه؟
- استغرق "الشيخ" في التفكير العميق الذي بدا واضحاً في تقاطيع وجهه، فهو عادة بابتساماته قد يخلط القراءات ويبدو ان اسئلة السكاكين قد شعر بأوجاعها فعلياً فعلاً احسست هذه المرة بألم سكاكين ذوي القربى، ولكن أشد إيلاماً. وكانت من الذين نرجو فيهم الخلافة. وطبعاً ظلم ذوي القربى أشد مضاضة ووجعاً وأشد خرقاً، لأنه كان غير متوقع. ويمكن القول إن الناس يمكن ان يسكروا بالسلطة، وهذا ما حدث عندنا في السودان. حتى المتدينين أسكرتهم السلطة. والمفكر قد يسكر من السلطة. وهكذا سكر الذين أصابتهم شهوة السلطة ثم انقلبوا حاملين السكاكين.
اما السكاكين الطويلة فانها غير مؤثرة، لأنها متوقعة وليس العيب فيها، بل للذرائع والأبواب التي فتحت لها، فهي دائماً تتربص بنا، ولا أحمل عليها الكثير، لأنني اعتقد ان ذلك هو عهدهم وغباؤهم في تحليل الواقع السوداني. يشتد فرحهم بظاهرة ، لا يدركون على من يوجهون السكاكين على هذا أم على الآخر، ولكني اعترف بأن ألمي الأكبر كان ممن أملنا فيهم الخلافة ووليناهم السلطة وقد فاجأونا بتبنيهم نهجاً استبدادياً ومسكراً. كانت هذه أكثر الخيبات في تقديري، ولا أسمَّي أحداً.
هل ارهاصات المواجهة والتصعيد بينك وبين البشير لا تزال محتملة؟
- هي أمنية من أماني أعداء السودان وثورة الانقاذ السودانية، عبّر عنها رؤساء بعض الدول وقوى اقليمية ودولية وبعض الفئات المحلية التي اختلطت بصفوف "الانقاذ". هذه الأمنية الخبيثة لن تتحقق مطلقاً.
لكن هل احتمالات المواجهة بين قوات الدفاع الشعبي الموالية لكم والجيش النظامي واردة؟
- هذا حلم بعيد المنال، فالدفاع الشعبي والقوات النظامية مكملان بعضهما لبعض. والقوى الحاقدة تريد تأجيج نار الفتنة وتريد من القوات السودانية ان يضرب بعضها بعضاً. والشعب السوداني يعلم أن أميركا وعملاءها، بعد أن فشلوا في اجهاض ثورة الانقاذ من الخارج، يحاولون استغلال التباينات التي حدثت بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الداخل، إلا أننا تداركنا الموقف عبر الشورى وانهينا الخلاف.
من الواضح ان سياسة بسط الهيمنة التي اتبعتها هي سبب اتخاذ الفريق البشير قرارات الرابع من رمضان...
- هذا ليس صحيحاً أنا لا اتفق مع الذين يرمون كل مشاكل السودان على أشخاص بعينهم، فالقضية أكبر من كونها قضية شخصية. والنواة التي وضعتها، والمؤسسات التي بنيتها، تؤكد أنني أميل الى اتخاذ القرار عبر القنوات المؤسسية، وأنت كمتابع تدرك ان رؤساء الدول ظلوا يتهمونني بأني سبب الخلاف بين السودان وتلك الدول، وللأسف الشديد فإن أكثر من جهة تحاول أن تربط السودان بأشخاص بعينهم ويمكن أن يكون أي شخص صاحب فكرة ومشروع والمهم ان الشعب السوداني تبنى هذا المشروع الحضاري ويقوم بتنفيذه الحزب الحاكم.
ما هو حجم الانشقاقات داخل المؤتمر الوطني؟
- كلمة الانشقاق هذه أسمعها منك لأول مرة. لا توجد أي انشقاقات داخل الحزب الحاكم وما حدث لا يتعدى تباينات طبيعية داخل الأجهزة التنفيذية، والخطأ الذي يجب أن يشار اليه هو حل السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية وتعطيل فقرات من الدستور. وهذا الخطأ من الأشياء التي لا يجب السكوت عنها، فانتقدناها علناً لأننا اعتبرناها تراجعاً عن العهد الذي قطعناه للدستور وليس للدولة.
المؤتمر الوطني تنظيم جامع لكل السلطات الحاكمة في السودان ويعتبر مرجعية ومركزاً للقرارات التي تعتمد عليها الدولة. وما اتفقنا عليه إثر هذا الخلاف ضبط العلاقة بين المؤتمر - وهو الأصل - والحكومة التي تعتبر واجهة الحزب ومنفذة سياساته.
على الصعيد الداخلي، وحتى لا تحدث مداخلات بين السلطات الولائية والمركزية تم تحديد السلطات والصلاحيات وهذا الاتفاق بمثابة صمام الأمان لمنع الاقتتال والاحتراب في السودان وتتم حمايته دستورياً.
هل تعتبر نفسك فشلت سياسياً وانتهى دورك؟
- اعتقد بأنني اقتربت أكثر من الناس، لأن الخلاف الذي حدث أخيراً حول الاصلاحات الهادفة الى توسيع رقعة المشاركة الشعبية وترسيخ مفاهيم الحكم اللامركزي تشارك فيه القاعدة بصورة فعالة. وفتحنا باب المحاسبة في البرلمان، وطالبنا بأن يتم اختيار ولاة الولايات مباشرة من قبل الشعب. لقد أحدثنا تغييراً شاملاً كمقدمة لتحريك الديموقراطية من الأرياف الى العاصمة، عكس التجارب السابقة التي كانت تحرك الديموقراطية من العاصمة الى الأرياف.
ومن خلال الأزمة الأخيرة أكدت للعالم والشعب السوداني أنني مع الوفاق والمصالحة والتطبيع ودعم الحريات والانفتاح الذي شهده السودان اليوم. موقفي هذا كشف عُري قوى تتخوف من العملية الديموقراطية في السودان، وهذه القوى التي تمارس نشاطها في الخفاء أحياها جنون السلطة، فسعت الى وضع العراقيل لتعطيل عملية الوفاق الوطني، وأنا في سبيل مصلحة السودان قمت بالتصدي لهذا الخط وحدث ما حدث، إلا أنني اعتقد ان الأخ البشير ليس من هذه الفئة، غير انه أعلن القرارات التي ألحقت ضرراً بالغاً بالتجربة الديموقراطية في السودان. فالجميع استفاد من الأزمة، وهنالك الآن احساس بوجود جهة تسببت في تلك الخلافات والسودانيون الآن يسعون الى اقتلاع جذور تلك الخلافات.
هل ستكون في تعاملك أسيراً لحسابات أملتها نتائج الأزمة بعدما ادركت جيداً من معك ومن ضدك في الداخل والخارج؟
- انني أنتمي الى بلد اسمه السودان، ومن أكبر سماته التسامح. لذلك لن أكون أسيراً لهذه الحسابات. وسنّة الحياة تفرض علينا التعامل مع المتغيرات بكل سلبياتها وايجابياتها. وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود تعاملت مع جميع الأنظمة وهذه ليست المرة الأولى التي أواجه فيها أزمة، إلا أنها أشدّ وأمرّ لأن التنكر جاءني من أناس كانوا يقفون خلفي في العقود الثلاثة الماضية، وتحملت الكثير نيابة عنهم، والآن بدلاً من الوقوف الى جانبي وقفوا ضدي وسددوا لي أوجع الضربات.
وللأسف الدول التي تدور في فلك أميركا ابتهجت بهذا الخلاف وأنا مؤمن بأن كل المصائب التي تنهال على السودان تأتينا من الشمال، وليس غريباً ان يقيم الجيران في الشمال الدنيا ويقعدوها ضدي.
ما هي أكثر المواقف التي أثَّرت فيك وآلمتك خلال الأزمة؟
- تصرفات ومواقف بعض من كنا نأمل أن يكونوا خلفاءنا في قيادة الأجيال القادمة هي أكثر المواقف التي أثرت فيّ.
أنت متهم بالوقوف حجر عثرة أمام الوفاق السوداني - السوداني...
- هذا الكلام بعيد عن الحقيقة، إذ لعبت دوراً كبيراً في مناخ الحوار والوفاق والانفتاح الذي حدث أخيراً، وأنا شخصياً كنت السبب فيه، وبلقائي مع الصادق المهدي كسرت الحاجز النفسي. ولي الآن صلات مع عدد من القيادات المعارضة في الخارج. وأحداث الأزمة زادت اهتمامي بضرورة الديموقراطية وأكدت لي أن عدم وجود أحزاب أخرى في الساحة هو الذي دفع المؤتمر الوطني ليقف ضد نفسه فلذا اعتقد ان الوفاق الوطني مطلب وطني عاجل.
دول الجوار على رغم خلافاتها أجمعت على كراهيتك والوقوف مع البشير ضدك. فما رأيك في ذلك؟
- لي علاقات خاصة على المستوى الشخصي في دول القرن الافريقي، ولا ابالغ عندما اقول لدي فهم اعمق عن دول المنطقة سواء على المستوى الشعبي او على مستوى الرؤساء ودول الجوار. حاربني بعض منهم بسبب الخلافات مع الاميركان، وهذا ما ظللت اقوله. والصفوة الحاكمة في السودان كانت تعتقد ذلك ايضاً. وثورة الانقاذ عندما تعرضت لهجوم وانتقاد من دول الجوار الافريقي والعربي تصديت لها لأنني ادافع عن عقيدتي ووطني، والجميع كان يقف معي في خندق واحد.
وردي على دول الجوار التي ذكرتها كان ثوابت سياسية متفق عليها، ولا اعتقد بأن هناك من يجهل هذه الحقيقة الا من اراد ان يتجاهلها.
اميركا لها موقف عدائي ضدي، لأنني رفضت التبعية ولن اقبلها ما حييت، وهي قناعة اهل السودان كله. اما مع دول الجوار الافريقي فليس لدي اي خلاف شخصي. ونحن على معرفة جيدة ببعضنا البعض، وتربطني بهم صلات شخصية حميمة حاولت السياسة ان تفسدها عبر المداخلات الاميركية التي تسببت في كثير من ازماتنا ومشاكلنا، لكنني على قناعة بأننا كأبناء للمنطقة يمكن ان نتجاوز كل ترسبات الفترة السابقة. والتقيت اخيراً مع عدد من ممثلي دول الجوار، ويمكن ان اقول ان التباينات مع الجوار الافريقي وجدنا لها الحلول وحدث تبادل لوجهات النظر مع عدد من دول القرن الافريقي، ونحن راضون عن نتائجه لأن المشكلة للأسف ان الاخوة في الحكومة المصرية تبنوا سياسات العداء وألبسوها الطابع الشخصي، واعتقد بأن هذه خيارات غير موفقة، واتمنى ان يفهم المسؤولون في الحكومة المصرية انني لم اضع سياسة تضر بمصالح الآخرين. ومن سمات السودان الاسلامية التسامح وأنا اطالب باعادة تقويم للعلاقة السودانية المصرية واخراجها من اسلوب التعامل الانفعالي الذي كان مرتكز السياسة المصرية نحو السودان، اذ انهم اعترفوا بمعظم الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان من زاوية مصلحة مصر، من معها او من ضدها، وهذا باعتقادي احد اخطاء السياسة المصرية نحو السودان وجعلها جزءاً من الملفات الخلافية، والتقويم سيكون لمصلحة الشعبين، وانا شخصياً من انصار اقامة علاقات متميزة مع الشعب المصري الشقيق، واعارض سياسات الحكومة المصرية التي تلحق ضرراً بمصالح السودان نتيجة تدخلاتها في شؤونه الداخلية، وارفض سياسة الوصاية والتبعية لأن السودان القوي هو من قوة مصر والعرب والمسلمين. هذا ما نريد ان يفهمه الاخوة في الشمال.
هل تؤيد التطبيع الذي تم بين السودان وجواره العربي والافريقي؟
- انا مع مصلحة الشعب السوداني ومع التطبيع الذي يقف معه الشعب السوداني وانا، شخصياً، من المؤمنين بالتعامل الاقتصادي والاجتماعي. وليس للسودان اي خلاف مع دول الجوار والازمات تسببت فيها اميركا. وقد التقيت بالوفد الاريتري اثناء زيارته للخرطوم وتناقشنا حول مستقبل العلاقات وتبادلنا وجهات النظر وسبل تطويرها وتعميقها. واعتبر اعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين خطوة في الاتجاه الصحيح وفتح المعابر والحدود يعكس انفراج العلاقات بين البلدين، ومن الواضح ان الاخوة في اريتريا اكثر تفهماً لأوضاع السودان، لأن الاخوة في الشمال اتخذوا موقفاً مع وضد، في حين ان الاريتريين أُسْمعوا واستمعوا، وهذه كانت خطوة ايجابية، لأن الحوار المباشر دائماً يزيل كثيراً من الالتباس في مسائل تتباين فيها الناس.
علاقتنا مع اثيوبيا تعتبر هادئة ومستقرة. والتعاون بين البلدين وصل الى مستوى متطور. وأنا شخصياً أنظر الى اثيوبيا باعتبارها ركيزة للسلام والاستقرار الاقليمي. وأنا من الذين يعتقدون بأن اثيوبيا لا تمثل خطراً على السودان والعالم العربي. وهذه المخاوف غير الدقيقة ذات صلة بملفات المياه، فمصلحة العرب تكمن في بناء جسور العلاقات الطيبة مع اثيوبيا.
أحد أسباب الخلافات التي كانت بيننا وبين اثيوبيا اضطهاد المسلمين، والآن تغير الوضع فهنالك اليوم مساحات واسعة للمسلمين في اثيوبيا الذين يعتبرون شركاء في السلطة، والمطلوب منا الآن تشجيع الانفتاح الذي تشهده اثيوبيا، ويعتبر الحزب الحاكم هناك مستقلاً عن التأثيرات الاجنبية، وهو سند لنا وليس خطراً علينا.
وبالقدر نفسه أيضاً تعتبر اريتريا عنصراً حيوياً لتكملة عملية الاستقرار في الاقليم ومن مصلحة العرب والمسلمين اقامة حزام من العلاقات المتميزة التي تراعي المصالح العربية والاسلامية في المنطقة.
هنالك من يقول ان اقصاءك من البرلمان تم بتدبير من اميركا... فما تعليقك؟
- التدخل الاميركي واضح ووكلاؤهم قاموا بجولات في المنطقة لمباركة اقصائي وحل البرلمان المنتخب ديموقراطياً وحشدوا رؤساء دول المنطقة لتأييد ما حدث. هذا التدخل الاميركي سافر، لكن النتائج كانت عكس ما تتوقعه واشنطن، بل صب في مصلحة أهل السودان، لأن السودانيين يرفضون بالفطرة التبعية. وبعد 44 سنة من الاستقلال يحاول بعض الدول المجاورة التحدث باسم السودان وفرض وصاية على بعض الدول العربية بتبني طرف ضد الطرف الآخر. تلك التحركات قوبلت باستياء وباستنكار من الشارع السوداني لأن محاولة التدخل كادت تلغي الدور السيادي للسودان.
بعد عشر سنوات اعترفت بأنك أمرت بالانقلاب على الحكومة المنتخبة ديموقراطياً. هل ما نسب اليك بهذا الخصوص صحيح أم انه محرف؟
- نعم، تم الانقلاب بأوامر من الجبهة الاسلامية ونحن سبقنا انقلاباً آخر كان سيتم لو لم نتدارك الموقف بأن نسبقه. والانقلاب أملته الضرورات لأن الوضع كان خطيراً، ولأن اميركا أبلغت حلفاءها في الاقليم بقرار التغيير. حتى رئيس الوزراء في حينها الصادق المهدي أبلغني بأن الاميركان منزعجون من الأوضاع في السودان وتناقشنا في حينها حول البدائل. وكان الانقلاب أقرب الخيارات.
وعندما قمنا بالانقلاب لم نستهدف الديموقراطية، لأن اميركا اعطت بطاقة حمراء لإجهاض الديموقراطية، بل قمنا بالانقلاب لإنقاذ الشعب السوداني، والدليل أمامكم: اننا قمنا تدريجاً بتحويل الانقلاب العسكري الى دولة مؤسسية، ووضعنا مرتكزات لمستقبل الحكم في البلاد وهذا أحد أسباب الخلاف بين السلطتين الآن.
ولكن هناك من يقول انك زججت بنفسك في سجن كوبر حتى لو فشلت المحاولة الانقلابية لتضمن لنفسك النجاة؟
- هذا ليس صحيحاً. مصير الانقلاب كان مرهوناً بدخولي سجن كوبر ولا يعرف بأمر هذه اللعبة السياسية الكبيرة غير شخصين. واعتقالي صدر بأمر مني. ودخولي سجن كوبر ضَمِن للانقاذ النجاح، إلا انني ما زلت أدفع حتى اليوم فاتورة هذه الخدعة. والمواقف الأخيرة ضدي ذات صلة بالتمويه الذي قمت به.
ما رأيك ب"مذكرة العشرة" التي رفعها حواريوك وتلاميذك ضدك؟
- كانت محاولة للفت أنظار الآخرين نحوهم، ولكن المذكرة في حد ذاتها لا تتضمن أشياء ذات قيمة تدفعني للتطرق اليها وليس فيها سوى اشارات واضحة تعكس ارهاصات الأزمة التي حلت بيني وبينهم. فالمسميات التي أشرت اليها فيها الكثير من المبالغة وبعض العناصر حاولت ان تعطي لنفسها أهمية، وكثرت المشبهات والمسميات. هم لم يلجأوا الى إباحة حرية أو الانفتاح وهناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تم ترويجها من قبل أعدائنا، ولا بد ان أذكر ان الخليفة لا بد ان يكون خيراً من السلف حتى نتقدم مع التاريخ. الخلاف لم يكن فكرياً، بل كان حول الشورى ومواقع الحياة، فهناك اعتقادات خاطئة لدى بعض الناس يظنون ان الترابي هو الذي يوزع للناس مواقعهم، وان فقدوها يحملون تبعاتها للترابي ومن ثم يصبون غضبهم عليه ويتهمونه بأنه قد تسبب في ضياع مناصبهم.
الشخصيات التي تصدرت الساحة أخيراً وآخرون أتوا وشاركوا في لجان رأب الصدع، قد يقول الناس أنهم كوفئوا بمناصب وزارية وولائية، وبعضهم كوفئ بمناصب قيادية في المؤتمر الوطني. هذا هو السودان الذي يقدم كل ما هو جديد. أحسب ان كثيراً منهم كانوا يفعلون ذلك. وهذه سنة التاريخ دائماً يأتي عشرة آخرون بعد العشرة القدامى يظنون انهم قد عوقبوا وأنهم رحلوا من الساحة السياسية. وبدأت المخاوف تزيد في أوساطهم من انقلاب الدهر عليهم. وأنا شخصياً لا أحسبها مكافأة ولا عقوبة ونريد للمراقبين ان ينظروا الى هذه المعاني وأريد ممن يتحملون المشروع نفسه ان ينظروا اليها فيعدلوا أي شيء يقوم على الاعوجاج.
الترابي والصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني... هناك من يطالب بتنحيتكم عن الساحة السياسية باعتبار أنكم أصبحتم جزءاً من تعقيدات المشكلة...
- نترك تقويم الوضع للتاريخ وجميع من ذكرتهم يمثلون رموزاً لقوى سياسية تقليدية قد يتفق معهم بعض الناس وقد يختلف معهم الآخرون. ولا يمكن ان ينكر احد دورهم سلباً أو ايجاباً في الشأن السوداني. وأنا أقول ان علينا ان نحتكم الى الشعب ليقول كلمته في الجميع وليس في من ذكرتهم.
أنت متهم من قبل خصومك بأنك تسعى الى كرسي السلطة بتدمير الحركة الاسلامية السودانية...
- هذه الاتهامات عارية عن الصحة وعلى رغم كثير من المحاولات التي حدثت أخيراً، فأنا لعبت دوراً في ضبط الشارع وفوتّ فرصة على كل المتآمرين على السودان الذين تمنوا ان يضرب افراد الجيش السوداني بعضهم بعضاً، ولا يُعقل أن أدمر ما أسسته بيدي.
نعم الخلاف حاصل، ولكن عبر الشورى تمت معالجته أو ستتم معالجته إن تبقت شوائب، وأنا لا اريد للدين ان يغيب عن الساحة لأنه قوة ليس للسودان فقط، بل لكل دول المنطقة، وغياب الدين عن الحياة السودانية لا يعني إلا فتح الباب للصراعات القبلية والعصبية والعرقية وليس من وراء ذلك إلا الخراب والدمار.
هناك مؤشرات إلى أن غيابك قد يعجل بانهيار مشروع الانقاذ...
- طبيعي، أنا كنت المدد لهذا المشروع، وأحمد الله قد فجرت طاقات أهل السودان وملكتهم المشروع وفي السنوات العشر أعددنا كادراً يستطيع ان يحمي الانقاذ، وهو ما حدث في الأزمة الأخيرة عندما حاول بعض المجاميع عرقلة مشروع الانقاذ من الداخل الذي يهدف إلى اصلاحات نقل السلطة إلى الأقاليم وتحريك الشورى من أسفل إلى أعلى، وأحدث مشروع الانقاذ تغييراً شاملاً واستحدث أشياء جديدة في مفاهيم الناس وتفكيرهم، ولكنني مقتنع بنجاح المشروع، لأن المهندس المبدع هو الله الذي نستمد منه القوة لاعلاء كلمته. هذه الأزمة أتاحت لي متسعاً من الوقت للكتابة والمراجعة التي ستكون مدداً إن شاء الله للمشروع الحضاري الجاري في السودان. بطبيعة الحال اختفائي يعني حدوث حالة عجز في المشروع ويتسبب في جموده، لأن أي مشروع يحتاج إلى قوة الدفع وإلى الطاقة الخلاقة ليستمر.
هل كان البشير حقيقة من كوادر الحركة الإسلامية قبل توليه السلطة؟
- هذه هي الحقيقة. وقد أكد البشير نفسه أنه عضو في الحركة الإسلامية وأن الانقلاب الذي قام به في عام 1989 لم يكن بتدبير من المؤسسة العسكرية، وإنما من الحركة الإسلامية السودانية، وأكد أنه ورث الفكر الإسلامي عن أبيه في تصريحاته التي كشفت وجود عناصر سودانية أكثر تمسكاً من الترابي بالتوجه الإسلامي. وتلك التصريحات سببت صدمة كبيرة للموهومين الذين توقعوا تغيراً كبيراً في النهج السياسي نتيجة تداعيات الأزمة الأخيرة.
هناك من يعتقد ان أميركا هي المستفيد الأول من الأزمة بينك وبين البشير؟
- أميركا تسعى إلى تأجيج الخلافات وإلى أن يزج بيّ البشير في السجن كما زج بيّ من قبل النميري في سجن كوبر. وسعت إلى تأجيج الخلافات عبر حلفائها في المنطقة، إلا أن الفرحة لم تتم، فقد تمت معالجة الخلاف عبر الشورى والحوار الهادئ وفوجئت تلك الجهات ببقاء المؤتمر الوطني وبقائي أميناً له، وتفعيل الاختصاصات واختيار رؤساء الولايات، مما أوقع المتربصين بالسودان في حيرة، فهم لا يدركون الآن ماذا يدور في أروقة الحكم في السودان.
كيف ستتصرف لو ألغى البشير ما تم الاتفاق عليه بينكم؟
- اعتقد بأن ما تم يعتبر اتفاقاً بالتراضي تم تحت اشراف مجلس الشورى الذي أجاز المعالجات الشاملة وكل الأطراف المعنية قبلت به، والمهم في هذا الأمر ان أسباب التباين تم تجاوزها ووضعت آليات لمعالجتها، وكل القوى المنضوية في المؤتمر الوطني تعلم المخاطر التي تحدق بالسودان وان المسؤولية التي تقع على عاتقنا تجبرنا بأن نلتزم كل ما فيه مصلحة السودان، وأنا شخصياً استبعد أن تلجأ أي جهة إلى القوة لتمرير مشاريعها، لأن الشعب السوداني من طبيعته عبر تاريخه الطويل يرفض كل وسائل العنف والقوة سواء من الداخل أو من الخارج، فالخيارات محدودة تتمثل في الشورى، ومن الصعب أن تنجح أي قوة في مواجهة الشعب السوداني الذي لا يقبل على الاطلاق بأي حاكم عسكري. وتجربة النميري والفريق إبراهيم عبود أثبتت ذلك. والبشير ليس بالشخص الذي يضحي بالحرية والنهج الإسلامي من أجل أهداف ضيقة.
ما سر اتهام كل من يوغندا واريتريا ومصر لك برعاية الارهاب ومساندته؟
- كل تلك الاتهامات كانت مبنية على أسس خاطئة وغير سليمة، فأنا أحب الحوار، ولا أميل إلى العنف، ودفعت عمري كله ثمناً لتطلعاتي الرافضة للعنف بكل أشكاله وألوانه، لأني كنت أحد ضحاياه.
هناك تكهنات بأن اتفاق "نداء الوطن" هو السبب الذي شجع البشير على اتخاذ قرارات "الرابع من رمضان"...
- هذه تكهنات خاطئة، فاتفاقية جيبوتي مكملة لاتفاقية جنيف التي قطعنا أنا والسيد الصادق المهدي شوطاً كبيراً للوصول إليها، وكان حينها بيني وبين البشير تنسيق كامل لإنجاح عملية الوفاق والمصالحة الوطنية. والمؤتمر الوطني أشد حرصاً من غيره على عودة الأحزاب للسودان للمشاركة في الحياة السياسية وقيادة البلاد إلى بر الامان والاستقرار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.