بعد اسبوعين من الندوات والمساجلات وممارسة شتى أنواع الضغوط من المستجوبين ومحازبيهم وعليهم، يصوت البرلمان الكويتي اليوم موعد صدور "الوسط" على طلب طرح الثقة بوزير الكهرباء والماء وزير الدولة لشؤون الاسكان الدكتور عادل الصبيح. وفيما يبدو ان الحكومة نجحت بانقاذ الوزير من سقوط كان سيترك اثاره السياسية الا ان طي صفحة الاستجواب الأخير لا يعني أبداً أنها ستكون آخر الزمات. يتخذ الاستجواب البرلماني في الكويت دائماً صيغة مثيرة، إذ يصاب الكويتيون بالدهشة عندما يجدون من يقول لهم ان مجلس الشعب المصري شهد في شهر واحد أكثر من خمسة استجوابات. واجواء الاستجواب في الكويت دائماً هي اجواء أزمة، فإما ان يسفر الاستجواب عن حل للبرلمان حيث عمل بهذه الذريعة صيف عام 1999، أو ان يؤدي الى تدوير شامل للحكومة، كما تم قبل ذلك بسنة. وهكذا المزيد من الأمثلة في شأن الحياة النيابية في الكويت. والاستجواب في الممارسة الكويتية هو سؤال برلماني غير أنه من الناحية العملية يرتقي الى حد الفضيحة والتشهير وينطبق عليه وصف المسرحية وأحياناً المصارعة الحرة، وذلك بفعل الجمهور الحاشد الذي يملأ المدرجات على آخرها حتى لتبدو المبارزة بين الوزير المستجوب وبين مستجوبه أو مستجوبيه من النواب وكأنها حلبة سباق لكسب الرأي العام مهما بذلت مطرقة الرئاسة من جهود لمنع الاستحسان أو الاستهجان طبقاً لنص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة. في هذه الأجواء كان الاستجواب الأخير الذي شهده البرلمان ضد وزير الكهرباء والماء وزير الدولة لشؤون الاسكان الدكتور عادل الصبيح الذي وضعته رؤيته الاسكانية المستقبلية في موقف لا يحسد عليه بمواجهة شارع أو رأي عام لا يريد أن يستفيق من أحلام دولة الرفاه الأبوية الراعية لمواطنها من المهد الى اللحد. اما المستجوبون الثلاثة وهم مسلم البراك الذي يكاد أن يتحول الى رمز معارضة ملتهب ينطق بلسان الطبقتين المتوسطة والمحدودة الدخل في الكويت، ووليد الجري ومرزوق الحبيني فقد عكسوا هم المشكلة الاسكانية في اطار حلولها الحكومية المطلوب الاستمرار بها على ذات النسق وبذات الأكلاف وطرق التمويل المعتادة... وليس هذا فقط بل العمل على انجاز ذلك بأسرع ما يمكن لاختصار فترة الانتظار الطويلة قبل الحصول على البيت الحكومي والتي أخذت تصل خلال السنوات الأخيرة الى نحو 15 سنة. وهذا الهم الاسكاني يتصاعد لدى ابناء المناطق الخارجية البدوية أو التي تضم في الغالب ابناء القبائل التي يعبر عن نوابها بكتلة المناطق الخارجية. وهكذا بدت ملامح العصبية واضحة عندما ظهر ان نواب المناطق الحضرية الداخلية أقل حماساً للاستجواب، فهذه المناطق معروف عنها انها أقل اعتماداً على الدولة في مجال الرعاية السكنية. لكن الشق الأعظم من الأهمية السياسية للاستجواب يتصل بكونه أحد أدوات فراق محتمل لحلف وطيد بين المعارضة الاسلامية والنواب المحافظين أو القبليين، وبدا هذا الموقف محتملاً منذ التحفظ المعلن الذي أبداه النواب الاسلاميون تجاه الاستجواب، ذلك ان الوزير الصبيح هو أحد المحسوبين بطريقة أو أخرى على الحركة الدستورية الاسلامية. وفي الاتجاه الآخر فإن المعارضة المستقلة التي تقف وراء الاستجواب يمكن أن تختزن عدم الحماس الليبرالي معها الى المستقبل، حتى إذا ما جاء وقت مد فيه الليبراليون يدهم يطلبون المساعدة في موقف مماثل فلن يجدوا من يجيب. فضلاً عن الحساب الآخر لما وراء الاستجواب، كون رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون عرابه الحقيقي، اذ يتبنى منطلقات المستجوبين الثلاثة والأقرب لهم سياسياً، فضلاً عن كونه رئيس اللجنة الاسكانية في المجلس. ولأن له مصلحة، وهذا هو بيت القصيد، في هز التشكيل الحكومي الذي ساهم باطاحته من رئاسة البرلمان مع عناصر أخرى كانت تتطلع لحقبة تعاون برلماني حكومي عن طريق ابعاد السعدون، الذي اتهمه بعضهم بالخشونة والتشنج السياسي وهو سلوك أفرز العديد من الأزمات... فإذا بالجميع يلمس الآن ان حقبة التعاون المنشودة شيء من الأماني المغلفة بالسراب. وحتى في هذا الشق من التحليل، فإن اختلاط الأوراق يتيح المجال للمزيد من الاجتهادات التي تستبعد اطار التعصب والعصبية عن الموضوع، فأبرز المدافعين عن الوزير كان النائب مبارك الدويلة الرمز البارز في الحركة الدستورية الاسلامية مع انه يقع في دائرة قبلية ويخضع لشتى أنواع الضغوط كي يؤيد الاستجواب. كذلك النائب الاسلامي من منطقة داخلية عدنان عبدالصمد الذي أيّد الاستجواب بحماس. لكن الأخطر هي الحسابات الأخرى التي ترى في تجريح الوزير السياسي عبر وجود ما بين 20 الى 22 نائباً يؤيدون طرح الثقة بالوزير، وهو رقم غير كاف لإقالة الوزير، الا انه يضعف من مفاعيل وجوده في التشكيل الوزاري مع ما يفتحه ذلك من همّ اعادة موضوع التشكيل الوزاري لينفتح على تغيير لا أحد يستطيع الآن رسم ملامحه وان كانت رموز ستبقى أو ترحل أو تستريح. وهكذا فإن الوزير قد يذهب ليبقى في ذاكرة الكويتيين بأنه أول من علق جرس القضية الاسكانية، ذلك ان تلبية نحو ستين ألف طلب اسكاني ضمن معايير البيت الحكومي المعتاد بتكلفة ثمانية وثلاثين ألف دينار ونحوها أو أقل قليلاً للوازم البنية التحتية العامة، أو الاستمرار بمنح القروض للقسائم السكنية بقيمة سبعين ألف دينار للمتقدم، حيث ان ذلك صعب جداً ويستحيل الالتزام به الى ما لا نهاية في ظل تزايد أعداد السكان وفي ضوء التوجهات المطروحة للاصلاح الاقتصادي المنشود وتلبية نصائح البنك الدولي وسواه. لكن لذهاب الوزير في الكويت وعبر استجواب برلماني ثمنه الكبير الذي يندرج هذه المرة في اطار مواجهة مشكلة تضغط بعواملها الذاتية لتذكر الجميع بأنها موجودة وملحة، من دون ان تنفع شتى المحاولات بالتعامل معها بمنطق التجاهل أو النسيان... وتلك هي أم مشاكل الكويت.