} أعاد الاستجواب البرلماني الموجّه الى وزير الدولة الكويتي لشؤون الاسكان الدكتور عادل الصبيح، تشريح جسد الديموقراطية الكويتية، وخلط الحابل بالنابل. فالليبراليون اصطفوا مع الاسلاميين في الدفاع عن الصبيح، مساندين الموقف الحكومي، في حين اصطف الحركيون الشيعة مع نواب القبائل مطالبين برأس الوزير! القضية المعلنة للاستجواب هي الخدمات الاسكانية الحكومية، اما القضية الحقيقية فمختلفة تماماً بل هناك "قضية" منفصلة لكل فئة، تحددت على اساسها المواقف. كشفت جلسة الاستجواب الاثنين الماضي مواقف اعضاء مجلس الامة البرلمان وعددهم 48 بالاضافة الى 15 وزيراً. وعلى رغم ان الصبيح، وهو اسلامي سني اجاد في ردوده على انتقادات نواب الثلاثي القبلي، مسلم البراك قبيلة مطير ووليد الجري العجمان ومرزوق الحبيني العوازم، فإن مواقف النواب منه ظلت على ما كانت عليه، حتى بعد مواجهة ماراثونية استمرت 11 ساعة. وشهد الجلسة جمهور غاضب غلب عليه ابناء القبائل، ولم يتردد في الهتاف مع كل عبارة خشنة صدرت عن النواب المستجوبين للوزير، في حين بذل رئيس المجلس جاسم الخرافي جهداً كبيراً لإبقاء الجلسة والجمهور تحت السيطرة. وجاء فرز المواقف متوقعاً فالاسلاميون خصوصاً تيار "الاخوان المسلمين" ساندوا الوزير الصبيح لانه قريب اليهم، والنواب المستقلون في المناطق الداخلية تعاطفوا معه معتبرين انه مستهدف من "البدو". اما الليبراليون فوجدوا انفسهم مجبرين ومكرهين على الاصطفاف مع خصومهم الاسلاميين، لأن الصبيح يمثل اتجاهاً اصلاحياً في شأن ترشيد الخدمات الحكومية، كان الليبراليون ينادون باعتماده. ... المستحيل في المقابل حدث الوجه الآخر للمستحيل، اذ اتحد النواب الشيعة في تحالف مع القبائل - ربما للمرة الاولى في تاريخ البرلمان - للمطالبة برأس الصبيح، الذي لم يكتف الشيعة بانتقاده خلال الجلسة الماراثونية بل كان اثنان منهم ضمن النواب العشرة الذين قدموا طلب سحب الثقة منه. وسيناقش الطلب في جلسة حاسمة الاثنين المقبل، وفريق الاستجواب بحاجة الى 25 صوتاً لإسقاط الوزير، ويقال انه يملك الآن 19 صوتاً على الاقل. وتردد امس ان قطباً حكومياً بارزاً بدأ باستدعاء بعض النواب المحسوبين على الحكومة ساعياً الى نهيهم عن التصويت ضد الوزير. وكانت الصحافة الكويتية التي يغلب عليها الاتجاه الليبرالي شنت حملة ضد الحكومة واتهمتها بالتراخي في دعم توجهاتها الاصلاحية التي سيمثل سحب الثقة من الصبيح ضربة قاضية لها، بل ان كتّاباً ليبراليين وبّخوا اطرافاً ليبرالية بسبب ترددها في دعم الصبيح الاسلامي، واعتبروا ان "القضية اكبر من الخصومة مع الاسلاميين". وانتقد النائب الدكتور احمد الربعي ليبرالي بشدة النائب الشيعي عبدالمحسن جمال، حين كتب الاخير مستغرباً اصطفاف الليبراليين مع الاسلاميين من اجل الصبيح و"تحول اعداء الامس الى اصدقاء اليوم"، معتبراً ان هذا الموقف "سيحرج الليبراليين في المستقبل". وكتب الربعي: "لم أصدق عيني ان يكتب الاخ عبدالمحسن هذا الكلام لأن فيه تعارضاً مع الدستور ومع مسألة الضمير والنزاهة". وتساءل: "هل المطلوب ان نقف مع الباطل لأن الحركة الدستورية الاسلامية تقف مع الحق"؟ وكان نائب شيعي اتهم الصبيح بأنه "طائفي" من دون ان يحدد التصرفات التي تبيح اطلاق هذا الوصف على الوزير. اما وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية سعود العصيمي فكتب امس في صحيفة "القبس" ان "الهجوم الذي يشنه بعض النواب على الوزير عادل الصبيح هو هجوم على الخط الاسلامي في الحكومة". وحمل بعنف على النواب الثلاثة الذين يستجوبون الصبيح فهم "كانوا يبحثون عن سبب امام الناس لاقتلاع الوزير من طريقهم، ولو ادى الامر الى الطعن بذمته المالية وتشويه سمعة عائلته. اما حل مشكلة الاسكان فآخر ما كانوا يفكرون به". وتابع ان "نجاح عملية طرح الثقة بوزير الاسكان هو بمثابة نجاح باهر لهم للحد مستقبلاً من وصول الوزراء المصلحين في الحكومة". واعتبر ان "فشل هذا الاستجواب سيشجع السطة الى الابد على المضي في توزير المزيد من الوزراء المصلحين". وحتى الاثنين المقبل تستمر في الكويت الندوات الجماهيرية التي يعقدها نواب معارضون ومؤيدون للوزير الصبيح، كل يطالب برأيه، وستزيد ليالي رمضان الطبيعة الاحتفالية لهذه الندوات، وليس مستبعداً ان تتصاعد الإثارة ضمن اجواء طرح الثقة بالوزير لتنتهي بالتغيير الحكومي الكبير.