يعتبر العداء التشيكوسلوفاكي الكبير اميل زاتوبيك الذي توفي أخيراً عن عمر يناهز 78 عاما في المستشفى العسكري في براغ من اشهر الابطال الاولمبيين لانه طوق عنقه بالذهب اربع مرات وسيطر على مدى عشر سنوات على سباقات المسافات الطويلة والماراثون. كان عداء خارقا للعادة، مثابرا يحب التمرينات الشاقة، يرفض التدريب مرتين فقط في الاسبوع، ويفضل الركض نحو 30 كيلومترا يوميا يعقبها بخوض سباقات في السرعة 50 مرة سباق 400م ثم تمرينات بدنية داخل قاعة بحمل سوارين يزنان كيلوغرامين بقدمه. لقد كان يملك طاقة كبيرة وارادة قوية خولته التتويج بطلا اولمبيا اربع مرات 10 آلاف متر عام 48 في لندن، و5 آلاف و10 آلاف والماراثون عام 52 في هلسنكي فضلاً عن الأرقام القياسية العالمية لسباقات 5 آلاف و10 آلاف و20 كلم و25 كلم و30 كلم. كانت البداية الرياضية لزاتوبيك المولود في 19 ايلول سبتمبر 1922 في كوبريفينتشي، بعد الحرب العالمية الثانية واطلق عليه لقب "القاطرة التشيكية". كان موظفا بالمدرسة الفنية لصناعة احذية "باتا" لتكوين العمال المتخصصين في زلين، يشتغل في خياطة نعل احذية كرة المضرب نهارا، ويدرس الكيمياء مساء. لم تكن البسمة تبدو على محياه خلال السباق، وكان يقول في معرض رده على الصحافيين عن السبب في ذلك: "ليست لدي مؤهلات للركض والضحك في الوقت ذاته". في العام 1947 فاز بسباق 5 آلاف متر خلال الالعاب العالمية الجامعية بقطعه المسافة في 14.20.8 دقيقة، فتأهل لتمثيل بلاده في الألعاب الاولمبية التي اقيمت في لندن عام 1948 واحرز ميداليته الذهبية الاولى في سباق 10 آلاف متر في 29.59.6 دقيقة متقدما على الفرنسي ألان ميمون. وبعد اربعة ايام من انجازه وبالتحديد في 3 آب اغسطس حل ثانيا في سباق 5 آلاف متر بفارق جزءين في المئة من الثانية خلف البلجيكي غاستون رايف الذي سجل 14.17.8 دقيقة. واستعرض زاتوبيك عضلاته في اولمبياد هلسنكي عام 1952، بفضل نفسه الطويل وانطلاقاته السريعة وفرض نفسه نجما للالعاب باحرازه ثلاثة ألقاب اولمبية. وحضر زاتوبيك الى هلسنكي بمعنويات عالية خصوصا وانه بات اول عداء يقطع مسافة الساعة 20.052 كلم في أقل من 60 دقيقة عندما سجل 59.51.8 دقيقة في 29 ايلول سبتمبر 1951 في ستارا بوريسلاف. وكانت اول ذهبية لزاتوبيك في اولمبياد هلسنكي في 20 تموز يوليو في سباق 10 آلاف متر التي حسمها في مصلحته بسهولة مسجلا 29.17 دقيقة ثائرا لنفسه من ألان ميمون الذي حل ثانيا وبفارق كبير نحو 100 متر. واحتاج زاتوبيك الى سرعته النهائية للفوز بذهبية سباق 5 آلاف متر. وابدعت "القاطرة" في الامتار الاخيرة عندما تجاوز في الوهلة الأولى ميمون وبعده الانكليزي كريس شاتاواي والالماني هيربرت شادي. وتوج زاتوبيك تألقه في هلسنكي باحرازه ذهبية سباق الماراثون عندما قطع المسافة في ساعتين و23 دقيقة و3 ثوان وجزءين في المئة من الثانية متقدماً بفارق كبير على الارجنتيني رينالدو غوردنو الذي سجل 2.31.8 ساعة. وكانت المرة الأولى التي ينهي فيها زاتوبيك السباق مبتسما ومن دون تمايل وترنح، اذ كان يحيي الجمهور قبل كيلومترات من نهاية السباق، بل تبادل الكلمات مع المشجعين. وكانت مكافأة زاتوبيك بهذا الانجاز الاولمبي الفريد من نوعه ترقيته قائدا في "الجيش الشعبي"، اذ عين مدرباً مساعداً مكلفاً الاعداد البدني للعدائين العسكريين. وكان زاتوبيك وزوجته دانا مرآة لتشيكوسلوفاكيا، ووجهت اليهما الحكومة الاميركية الدعوة للقيام بجولة رياضية في الولاياتالمتحدة، بيد ان الاتحاد السوفياتي عكر جو هذه الاشادة باعتبارها تتعلق بعدائين ليسوا مواطنين اميركيين، فاضطر الاتحاد التشيكوسلوفاكي الى رفض منحهما تأشيرة مغادرة البلاد. واحرز زاتوبيك السباق الشهير "كوريدا دي ساو باولو" في 31 كانون الأول ديسمبر 1953 في 20.30.4 دقيقة محطما الرقم القياسي للسباق، قبل أن يحطم الرقم القياسي العالمي لسباق 5 آلاف متر في 30 ايار مايو مسجلا 13.57.2 دقيقة واضعاً حداً للرقم السابق وهو 13.58.2 دقيقة الذي كان بحوزة السويدي غوندار هايغ منذ عام 1942. وفي أول حزيران يونيو 1954، في بروكسيل، ذوب زاتوبيك حاجز 29 دقيقة في سباق 10 آلاف متر محققا رقما قياسيا عالميا للسباق هو 28.54.02 دقيقة، ثم توج بطلا لأوروبا في المسافة ذاتها في برن مسجلا 28.58 وحل ثالثا في سباق 5 آلاف متر الذي احرزه السلوفاكي فلاديمير كوتس والذي حطم بالمناسبة الرقم العالمي مسجلا 13.56.06 دقيقة. وفي سن ال34 وعندما كان زاتوبيك يفكر في الاعتزال، قرر خوض آخر تحد له في رياضة أم الألعاب عندما قرر احراز ذهبية الماراثون الاولمبي في ملبورن لكنه فشل في تحقيق حلمه وحل سادسا بفارق 4.34 دقيقة خلف ميمون صاحب المركز الاول، لتنتهي مسيرة "القاطرة". وفي عام 1964 بعد الالعاب الاولمبية التي اقيمت في طوكيو، تلقى زاتوبيك وزوجته عروضا لقيادة معسكرات تدريبية في كوبا ومصر واندونيسيا، لكن ذلك لم يكن هدفهما فعادا الى بلادهما على رغم العروض المغرية الاخرى التي تلقيانها. ودفع زاتوبيك ثمن معاداته للاتحاد السوفياتي ومناصرته لحركة الكسندر دوبتشيك ابان غزو دول ميثاق وارسو عام 1968 في ما سمي بعملية ربيع براغ. وتسلق زاتوبيك شجرة في ساحة فينسيلاس وصرح للصحافيين الغربيين على بعد مئات الامتار من الدبابات الروسية "غزو تشيكوسلوفاكيا من قبل بلدان ميثاق وارسو حول الحب الذي يكنه بلدي للاتحاد السوفياتي الى حقد عنيف، حقد سيستمر على الارجح آلاف السنين". وزاد زاتوبيك الطين بلة عندما صرح خلال افتتاح الالعاب الاولمبية في مكسيكو العام 1968: "يجب منع رياضيي الاتحاد السوفياتي من المشاركة في الالعاب بعدما فعلوه"، مؤكدا ان الطرق السوفياتية مشابهة للنازيين، وقال "سيطر هتلر على اوروبا بالقوة، واستعمل القوة لاخضاع اولئك الذين كانوا يرفضون تأييده، والاتحاد السوفياتي فعل مثله". وكانت أولى العقوبات التي فرضت على زاتوبيك في كانون الثاني يناير 1969 طرده من وظيفته في وزارة الدفاع، وفي نيسان ابريل اقيل من منصبه مدربا مساعدا لفريق في الجيش، قبل ان يطرد في تشرين الاول اكتوبر 1969 من الحزب الشيوعي، ويوقف مدى الحياة من ممارسة عمله في الجيش. واستقال زاتوبيك من منصبه في اللجنة الاولمبية التشيكوسلوفاكية، ثم راح يشتغل في مقاولة للتنقيب الجيولوجي من أجل البحث عن المياه المعدنية. وكان مقر عمله يبعد 160 كلم عن منزله الذي كان يعود اليه في نهاية الاسبوع فقط. وكان زاتوبيك يتقاضى 1200 فرنك شهريا. وباتت حياة البطل الاولمبي لا تطاق، فاضطر الى القيام بنقد ذاتي في صحيفة "رود برافو"، واعترف بأخطائه وعبر عن ارتياحه بالوضع في تشيكوسلوفاكيا، وقال "لماذا التمرد على وضع هادئ واكثر أمنا من السابق؟، لم يضطهدني أحد بسبب آرائي السابقة، لماذا يجب اذن ان أكون معادياً للنظام الحالي؟". وفي العام 1975 عين زاتوبيك في مركز الاعلام الرياضي في براغ