ودّعت بطولة كأس آسيا ال12 لكرة القدم لبنان بأبهى حلّة تنظيمية، وسجلت سابقة على صعيد غرب القارة تمثلت بحصد منتخب من شرقها للقب هو المنتخب الياباني الذي تغلّب في المباراة النهائية على نظيره السعودي حامل اللقب بنتيجة 1-صفر، واستعاد الكأس التي حَمِلها للمرة الأولى في هيروشيما سنة 1992، وعامذاك جاء الفوز الياباني على حساب السعوديين وبالنتيجة ذاتها ايضاً. والانتصار الياباني الذي تحقق يبدو منطقياً من النواحي كلها اذا ما نظرنا بعين الواقع الى غنى التشكيلة وتنوع الاداء واستقرار العروض في وقت كانت كوريا الجنوبية مفاجأة الدور الثاني وسجلت تقدماً مضطرداً بعد بداية خجولة في الدور الاول، الى ان حققت في النهاية المركز الثالث. في مقابل زحف صيني توقف اخيراً عند المحطتين اليابانية والكورية ليبقى "المارد الأصفر" في ظلّ جاريه، لكن ذلك لن يدوم طويلاً على ما يبدو. أما التوقعات بمباراة نهائية مثالية تجمع اليابان وإيران فعصفت بها الروح الكورية الجنوبية في الدور ربع النهائي، واستقال المدرب جلال طالبي مفضلاً الابتعاد علماً بأنه أكد قبل بدء البطولة ان الفوز باللقب والعودة به الى طهران بعد غياب 24 عاماً يجعله فقط يترك منصبه! وعموماً لم ينتظر أحد الكثير من المنتخب الأندونيسي الذي قال جهازه الفني انه جاء ليتعلم أكثر، او من تايلندا، لكن الجميع فوجىء بأن يتحول المنتخب الأوزبكستاني من حصان أسود الى نعجة وادعة. في المقابل، وقع لبنان في فخ عدم استقرار التشكيلة وتخلّف بفارق ضئيل عن الدور الثاني، وحلّ اتحاد اللعبة لجنة المنتخبات ولم يجدد لمديره الفني الكرواتي جوزيب سكوبلار وحمّله قسطاً كبيراً من المشكلة. وجاء خروج العراق من الدور الثاني منطقياً على أيدي اليابانيين، وكان اليوغوسلافي ميلان زيفادينوفيتش مدرب المنتخب نبّه منذ البداية ان "الحملة العراقية" تهدف أساساً الى العودة بقوة من خلال التأهل الى نهائيات كأس العالم... ومحطة "لبنان 2000" هي على هذه الطريق خصوصاً وأنه تسلّم مهامه منذ شهرين فقط. لكن الخروج العراقي دفع ثمنه اتحاد اللعبة الذي أُعلن قرار بحلّه. واعتبر القطريون بلوغهم الدور ربع النهائي للمرة الأولى انجازاً بحد ذاته، وان أعلن المدرب البوسني جمال الدين حاجي انه سيتحمل مسؤولية المباراة أمام الصين.. علماً بأن التأهل القطري من الدور الأول جاء إثر ثلاثة تعادلات. وفي ربع النهائي أيضاً انتهت القمة الخليجية بين السعودية والكويت "خضراء" على غرار غالبية المنافسات القارية، وهكذا بقي الحصان السعودي وحيداً في الميدان، خصوصاً بعد تغلبه الكوريين في نصف النهائي مسجلاً عودة يستحق التوقف عندها. فلقد نهض الأخضر الذي بلغ النهائي للمرة الخامسة على التوالي - وهو رقم قياسي - من كبوة كبيرة تمثلت بخسارته مباراته الافتتاحية في صيدا أمام اليابان 1-4، وسجّل تقدماً مضطرداً في النتائج والعروض، أوصلته الى المباراة النهائية ليلتقي اليابان مجدداً. وواكب "الأخضر" جمهور لبناني ملأ مدرجات المدينةالرياضية في بيروت وتعدى الخمسين ألف متفرج. وقدم "الأخضر" أفضل عرض له في البطولة ولا سيما في الشوط الثاني حين حاصر منافسه الذي حافظ جيداً على رباطة جأشه، وهكذا أخفق حملة اللقب في تجاوز "الياباني" حاجزه الأخير ليحتفظ بالكأس التي انتقلت من الرياض الى طوكيو. وعكست هذه المسيرة الى حدّ كبير تقدم الكرة في شرق آسيا في العامين الأخيرين خصوصاً، وضرورة ان تلحق دول غربها بها سريعاً، ونحن على أبواب تصفيات كأس العالم. وكانت الخسارة الأولى للسعوديين ايذاناً بإعلان تغيير لعودة الروح والمعنويات الى اللاعبين، فأقصي التشيخي ميلان ماتشالا وتسلّم "ابن البلد" ناصر الجوهر المهمة وأدار الأمور جيداً. ومن العناوين الكبيرة التي يمكن الخروج منها في "لبنان 2000" ان اليابانيين وجهوا انذاراً شديداً الى باقي منتخبات آسيا من ان الزعامة القارية لن تنتزع منهم بسهولة، وانهم سيبسطون سيطرتهم عليها لسنوات عدة وسيفرضون أنفسهم ايضاً على الساحة العالمية. وكان مدربهم الفرنسي فيليب تروسييه أكد ان البطولة ليست سوى مجرد لقب في الطريق الطويلة "ولا تساوي شيئاً اذا لم يبلغ المنتخب موقعاً متقدماً في التصنيف العالمي وأترقب ان يصل قريباً الى المركز ال20، خصوصاً ونحن من منظمي كأس العالم 2002 ولا يجوز ان يدخلها أصحاب الأرض بمستوى ضعيف". تروسييه أكد قبل بدء البطولة ان لا منافس لليابان فيها، وتوقع ان يتجاوز السعوديين في المباراة النهائية بهدف واحد. وهكذا جاء الانتصار الياباني في التوقيت المناسب قبل المونديال ولا سيما وان متوسط اعمار أفراد التشكيلة اليابانية يبلغ 23 عاماً، وقد أنهوا البطولة بخمسة انتصارات وتعادل واحد ومن دون اية خسارة وسجلوا 21 هدفاً رقم قياسي في مقابل 6 دخلت مرماهم. ولم يُخرج المدرب تروسييه الا في المباراة الاخيرة.. خصوصاً وان السعوديين كانوا الأقرب الى افتتاح التسجيل لكن حمزة ادريس أهدر ركلة جزاء غيّرت مجرى المباراة. فيليب تروسييه 45 عاماً المغامر ضم أول لقب دولي كبير الى سجله، وسبق ان تنقل بين ساحل العاج ونيجيريا وبوركينا فاسو والمغرب وجنوب افريقيا. وقاد اسيك ابيدجان الى احراز بطولة الدوري في "كوت ديفوار" ثلاث مرات متتالية ولم يخسر فريقه في 101 مباراة، فأطلق عليه أنصار النادي لقب "المشعوذ الأبيض"... ونصح مدرب أرسنال مواطنه أرسين فينغر الاتحاد الياباني بالتعاقد معه فحقق مع المنتخب الجديد نتائج رائعة، وقبل "لبنان 2000" قاده الى نهائي بطولة العالم للشباب وربع نهائي مسابقة كرة القدم في دورة سيدني الأولمبية. في المقابل كسبت السعودية مجموعة متميزة من اللاعبين يبلغ متوسط الأعمار 24 عاماً وفي مقدمهم محمد الشلهوب.. كما تألق طلال المشعل الذي لعب في أكثر من مركز. وسيكون هؤلاء في أتم الجهوزية لتصفيات كأس العالم المتوقع ان تعبر السعودية مجموعتها العاشرة التي تضم فيتنام وبنغلادش ومنغوليا بسهولة تامة. وقد أبدى الجوهر وجهازه ارتياحهما لحالة اللاعبين، ولا سيما ان الروح القتالية العالية طبعت أداء المنتخب منذ مباراته الثانية التي جمعته مع قطر. ولعلّ أفضل تعبير على الحالة الكروية السعودية الجديدة ما قاله رئيس البعثة الأمير نواف بن فيصل "لن نأسف على شيء في هذه البطولة ويكفي اننا نملك فريقاً يبشر بالخير وجهازاً فنياً لم يقصّر في شيء وهذا يُعد من طموحاتنا التي تحققت. ونجومنا الواعدون سيكونون المحرك الأساسي في تصفيات المونديال"، علماً بأن التفتيش قائم حالياً على التعاقد مع مدرب أجنبي كبير وأسهم الروماني أنجل يوردانيسكو مرتفعة لتولي المهمة". الى ذلك، دفع المنتخب الكويتي ضريبة استعداد لاعبيه ضمن مجموعتين واحدة في ألمانيا وواحدة مشاركة في سيدني، كما عاند الحظ المهاجمين والاصابات التي لحقت ببعض أفراده. وعلى هامش البطولة، عقدت اللجنة التنفيذية للاتحاد الآسيوي برئاسة سلطان أحمد شاه جلستها وأكدت على الدور المميز الذي لعبه لبنان في انجاح البطولة، وجدد أمينها العام بيتر فيلابان تهاني الاتحاد الآسيوي للجنة المحلية المنظمة لكأس اسيا على تفانيها في العمل لإنجاح هذا الحديث الذي كان مهرجان الشعب اللبناني كله، وفي مقدم أفراده رئيس الجمهورية إميل لحود الذي وعد بإنجاز المرافق الرياضية ووفى، علماً بأن كثيرين شككوا بإتمام المطلوب حتى قبل أسابيع قليلة من موعد بدء البطولة "لكنها المعجزة اللبنانية التي سبق وأشرت اليها"، وقد سجلت اللجنة التنفيذية تقديرها وثناءها الكاملين. وأعلن فيلابان ان اللجنة التنفيذية رشحت لبنان لجائزة اللعب النظيف لسنة 2000 التي يقدمها الاتحاد الدولي. وستحط البطولة ال13 المقبلة في الصين سنة 2004 لتحتضنها مدن بكين وشونغ كينغ وجينان وشنغدو، وقد فازت الصين على تايلندا ب10 أصوات في مقابل 6 في اقتراع اعضاء اللجنة التنفيذية وبعد عرض كل بلد لملفه، في حين أعلنت ايران انسحابها قبل بدء التصويت وبعدما كان وفدها عرض ملف الترشيح، لتتحضر اكثر لاستضافة بطولة 2008. أما النقطة الأضعف في الملف الصيني والمتمثلة ببعد المسافات بين مدنها التي ستستضيف المباريات، فقد تجاوزتها بفضل شبكة المواصلات العصرية وكثرة المرافئ الجوية فيها. بطولة 2004 التي ستكون حدثاً لشعب الصين، هي ايضاً مناسبة لتفعيل كرة القدم هناك الهادفة الى الخروج من جلباب العملاقين القاريين الآخرين كوريا واليابان، كما انها تفعّل السوق الاقتصادية والترويجية الضخمة، و"محطة 2004" ستشهد مشاركة 16 منتخباً في النهائيات بدلاً من 12، سعياً الى تسريع التطور الملحوظ على الساحة الكروية القارية وافساحاً في المجال امام منتخبات قد تخذلها التصفيات، ما يجعل الفرص متاحة أمامها أكثر. أما التأهل الى الدور ربع النهائي فسيحصر بالمنتخبين الاولين في كل من المجموعات الأربع المقررة. وحتى يحين موعد الدورة ال13 من كأس آسيا.. سيتضاعف حجم اللعبة فنياً وتجارياً في القارة وعدد لاعبيها المحترفين في أوروبا، وسيدخل الاحتراف الى دول جديدة فيها، منها الصين التي بدأت أولى الخطوات في هذا المجال وطبعاً ستطمح لئلا تكتفي بالمركز الرابع في النهائيات على غرار ما حصل في لبنان. وستستفيد من تجارب الأمثولة اليابانية التي وضعت خطة تطوير اللعبة وسلوك درب الاحتراف منذ 1979، وها هي تحصد ثمار العمل المنظم والمتأني