من غريب المصادفات، أو سوء التوقيت، ان أهم حدث ميز احتفالات الذكرى ال46 للثورة الجزائرية انعقاد "مؤتمر الفقر والاقصاء"، والأدهى ان خطاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أمام المؤتمر، بدلاً من ان يطمئن المواطن الجزائري على مستقبل بلاده، أثار مخاوف جديدة. فقد خلّفت كلمة بوتفليقة انطباعاً بأن الرئيس الجزائري يبدو غير مرتاح لأوضاع البلاد، وغير مطمئن الى مستقبلها. وأثار المخاوف ايضاً بنفيه مسؤولية الحكام عن تفاقم الفقر خلال العقدين الماضيين، وتأكيده لقلة امكانات الدولة التي يمكن ان تسخر لمجابهة هذه الظاهرة. فقد أكد بوتفليقة مرة اخرى "ان خزينة الدولة خاوية"، وذلك على رغم مضاعفة مداخيلها خلال السنة الحالية، وقدرت ب20 مليار دولار. ولعل ما زاد الشعور بعدم الارتياح ان المؤتمر لم ينعقد لتقديم علاج لظاهرة الفقر التي تتفاقم بسرعة مخيفة، ولكن للشروع في تشخيصها للمرة الأولى! فوزير التضامن الاجتماعي جمال ولد عباس نفسه أقر بعدم دقة المعلومات المتوافرة عن الفقر في الجزائر. وكان تقرير للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي هيئة حكومية قد اكد ان ظاهرة الفقر تمس زهاء 40 في المئة من السكان نحو 12 مليون نسمة، ويعني ذلك ان هذه النسبة من الجزائريين لا يتجاوز دخلها اليومي دولاراً واحداً 70 ديناراً. وعلى رغم ان الحد الأدنى للأجور يقدر بثلاثة اضعاف هذا الدخل، فإنه مع ذلك لا يكفي لضمان معيشة كريمة، حسب مستوى الاسعار السائد. والواقع ان السياسات الحكومية المطبقة منذ منتصف الثمانينات، أدت الى افقار منتظم لقطاعات واسعة من المواطنين، ومن أهم تلك السياسات: تحرير الاسعار بطريقة تغفل النظر الى مستوى الاجور، وتسريح زهاء نصف مليون عامل في اطار مخطط التحول الى اقتصاد السوق، وتخفيض سعر الدينار بما جعله يفقد أكثر من تسعة اعشار قيمته. وجاءت ظاهرة العنف والارهاب لتضاعف حدة هذه العوامل بشكل خطير بتعطيل جزء من القوى العاملة التي تم تسخيرها لمحاربة الارهاب، وتدمير جزء من النسيج الصناعي للبلاد. وأضحى الفقر يحاصر الجزائريين ويزحف نحو مواقع الطبقة المتوسطة التي فقدت الكثير من امتيازاتها، ولعل أخطر من الفقر هذا البؤس المعنوي المرافق له الناجم عن صعوبات المعيشة من جهة، وانسداد الآفاق من الجهة الثانية.