معركة شديدة متشعبة يخوضها اعضاء الكنيست العرب في اسرائيل، منذ بضعة أشهر، مع السلطة الاسرائيلية من جهة ومع اليمين المتطرف من جهة اخرى، تفاقمت بشكل خاص في الشهر الأخير مع انفجار الانتفاضة الفلسطينية، وباتت تدور رحاها داخل الكنيست نفسه. من الصعب أن تنتهي هذه المعركة بانتصار أحد. وبالتأكيد لن تنتهي بهزيمة النواب العرب. لكن أمراً أساسياً بات واضحاً فيها، من البداية، هو ان الديموقراطية الاسرائيلية سقطت في الامتحان مرة أخرى واثبتت انها معدة بالأساس للمواطن اليهودي حتى قبل أن يهاجر لاسرائيل ويصبح مواطناً اسرائيلياً. وأما المواطن العربي الفلسطيني المنزرع في وطنه، ولم يحضر من بلد آخر، وليس هناك شك في انتمائه اليه، فإن الديموقراطية الاسرائيلية محدودة ومقيدة في شأنه. وليس فقط المواطن، بل ايضاً عضو الكنيست، الذي يتمتع بحصانة برلمانية. وفي هذه الأيام، يبرز نموذج صارخ للتمييز، من خلال ملفات التحقيق التي فتحتها الشرطة الاسرائيلية ضد النائب محمد بركة ملفان اثنان خلال أقل من اسبوعين والنائب عبدالمالك دهامشة. ويضم الكنيست 13 نائباً عربياً من أصل 120 نائباً ينتمون الى 8 أحزاب على النحو الآتي: - خمسة نواب في القائمة العربية الموحدة، المؤلفة من ثلاثة احزاب عربية، هي: الحركة الاسلامية ويمثلها النائبان عبدالمالك دهامشة وتوفيق الخطيب، الحزب الديموقراطي العربي ويمثله النائبان طلب الصانع ومحمد حسن كنعان، والجبهة الوطنية ويمثلها النائب هاشم محاميد. - ثلاثة نواب في الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة وهي حزب عربي يضم بعض الشيوعيين اليهود ويتمثل في الكنيست بثلاثة نواب هم: العربيان محمد بركة وعصام مخول واليهودية تمار غوجانسكي. - نائب واحد هو رئيس حزب التجمع الوطني الديموقراطي الدكتور عزمي بشارة. - نائب آخر هو رئيس الحركة العربية للتغيير، الدكتور احمد الطيبي. - نائبان عربيان في حزب العمل هما: نواف مصالحة نائب وزير الخارجية، وصالح طريف، رئيس لجنة التنظيم الداخلي في الكنيست. - نائبة عربية في حزب ميرتس اليساري، هي حسنية جبارة. - نائب عربي في حزب الليكود اليميني المعارض هو أيوب قرة. وهناك اختلافات كبيرة بين الأحزاب، وفي بعض الأحيان بين النواب داخل الحزب نفسه، تصل الى حد الصدامات وتبادل التهجمات والاتهامات وبالامكان تقسيم هؤلاء النواب الى تيارين أساسيين: التيار الوطني ويضم 12 نائباً يتبنون القضايا الوطنية العربية الفلسطينية الأساسية، على رغم الاختلافات بينهم. ويمكن تقسيمهم الى أربعة اطر: الاسلامي، ويضم نائبي الحركة الاسلامية والقومي، ويضم الأحزاب العربية القومية التجمع والديموقراطي العربي والحركة العربية للتغيير والجبهة الوطنية، والاشتراكي - الأممي ويضم نائبي الجبهة الديموقراطية اللذين يؤمنان بالشراكة اليهودية - العربية في النضال لتغيير المجتمع الاسرائيلي، والليبرالي ويضم النواب العرب في الأحزاب الصهيونية الذين لا يرون غضاضة في الانتماء لاحزابهم ويؤمنون ب"النشاط من داخل الأحزاب الحاكمة" للتأثير عليها لمصلحة المطالب اليومية للعرب في اسرائيل والتضامن مع شعبهم الفلسطيني. والتيار اللاوطني، ويضم عضو الليكود، الذي يتماثل مع السلطة وفي كثير من الأحيان يقف ضد المصالح الوطنية للعرب. ويتعاون النواب العرب في التيار الوطني في ما بينهم حيال مختلف القضايا العربية وقضيتي السلام والمساواة. لكنهم يختلفون في بعض الأحيان. فتجد حزبا أو قائمة تخرج عن الاجماع الوطني العربي وتعقد صفقات مع احزاب السلطة بشكل منفرد. وأدار النواب العرب، خصوصاً الأعضاء التسعة في الأحزاب العربية، معارك سياسية كبرى في السنوات الأخيرة، أبرزها: قضية السلام، فيقفون جميعا الى جانب القيادة الفلسطينية في النضال من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسلام العادل والثابت والشامل مع الدول العربية. ويقيمون علاقات جيدة مع القيادة الفلسطينية. وبعضهم يقيم علاقات مع دول عربية اخرى مثل سورية ومصر والأردن. قضية المساواة، التي تعتبر قضية القضايا بالنسبة الى المواطنين العرب في اسرائيل، الذين ما زالوا يعانون من التمييز العنصري ويحاربون من أجل سد الهوة بين اليهود والعرب والتوصل الى المساواة. ويشكل النواب العرب مجموعة ضغط في الكنيست ويديرون معارك يومية، حول كل قضية، صغيرة كانت ام كبيرة لتحقيق المساواة. قضية الأرض، حيث ان 80 في المئة من الأراضي العربية في اسرائيل مصادرة. ولا يناضلون فقط لتحريرها بل أيضاً لمنع مصادرة المزيد منها، ولمنع الحكومة من هدم البيوت القائمة عليها حوالي 10 آلاف بيت عربي في اسرائيل مهددة بالهدم، بحجة انها بنيت من دون ترخيص. قضايا أخرى مثل التعليم العربي حيث يتهمون الحكومة بإدارة سياسة تجهيل مخططة ضد ابنائهم والمقدسات حيث تجري اعتداءات متواصلة من متطرفين يهود وكذلك من السلطة الاسرائيلية على عدد من المقدسات الاسلامية والمسيحية فضلاً عن مصادرة الأوقاف الاسلامية والتصنيع حيث البلدات العربية تعاني من انعدام المناطق الصناعية تقريباً والزراعة التي تم تدمير معظمها من جراء المصادرة أو التمييز في مياه الري أو العراقيل في التسويق والفنون والثقافة والرياضة وغيرها. لقد أدت المعاناة وضخامة المشاكل وكثرتها وتنوعها، الى جعل النواب العرب في الكنيسة في معركة متواصلة لكن المعركة الأخيرة اتخذت طابعاً عنيفاً، اذ ان العرب في اسرائيل يديرون نضالهم بالتظاهرات الشعبية والاضرابات. والحكومة لا تقبل التعامل مع هذه النشاطات كما تتعامل مع مثيلاتها عند اليهود. لذلك تحاول تفريقها بالقوة. ولا تتورع عن الاعتداء عليها جسدياً. وقد ضبط العديد من رجال الشرطة وضباطها وهم يعتدون أيضاً على اعضاء الكنيست العرب ويدوسون بذلك على حصانتهم البرلمانية. وقد طالت هذه الاعتداءات جميع النواب التسعة في الأحزاب الوطنية. في الشهر الماضي، دارت معركة بين المواطنين العرب في اسرائيل والشرطة، لم يعرف مثيل لها منذ اضراب يوم الأرض الأول آذار/ مارس 1976 حيث قتل 6 منهم برصاص الشرطة. فالمذبحة التي وقعت في المسجد الأقصى إثر الزيارة الاستفزازية التي قام بها الجنرال ارييل شارون، اذ قتلت الشرطة الاسرائيلية سبعة فلسطينيين، أثارت الغضب في صفوف فلسطينيي 1948. فقررت قيادتهم اعلان الاضراب العام ليوم واحد الأول من اكتوبر الماضي وخرج المواطنون في تظاهرات احتجاج سلمية. وقذفوا الشرطة بالحجارة. فردت هذه بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز، وقتلت ثلاثة شبان، ما أدى الى تصاعد التظاهرات. وتحولت الجنازات الى معارك. وبلغ عدد القتلى 13 شاباً والجرحى 600 والمعتقلين حوالي 500. وانضم عدد من اليهود المتطرفين الى القمع البوليسي، فراحوا يعتدون على العرب. وفي خضم هذه المعركة، عمدت قوى اليمين من جهة والسلطة من جهة ثانية، الى التحريض على النواب العرب واتهامهم بالطابور الخامس. وقرر المستشار القضائي تقديم محمد بركة الى محاكمة أخرى، بتهمة اعلانه عن المشاركة في الانتفاضة حتى تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وتقديم النائب عبدالمالك دهامشة بسبب قوله"ان من يأتي لهدم بيت عربي، يستحق الرد منا بتكسير يديه ورجليه، سواء كان رجل شرطة ام أي شيء آخر". وخرج نواب اليمين يطالبون بطرد النواب العرب من الكنيست وحرمانهم من حق الانتخاب والترشيح. وقاد حملتهم النائب افيغدور ليبرمان الذي استغل كل جلسة برلمانية لمهاجمة النواب العرب قائلا: "لو كنتم في روسيا لكانوا علقوكم على المشانق". وتثير هذه الحملة ضد النواب العرب معارضة وانتقاداً واسعين في صفوف قوى اليسار والليبرالية في الوسط اليهودي، في الكنيست وحتى في الحكومة. فقد اعلن رئيس الكنيست، ابراهام بورغ، ان المستشار القضائي للحكومة الذي يمثل العدالة، يبالغ في سرعة تقديم نواب عرب الى المحاكمة، وبهذا يلمح الى التمييز ضد العرب. ويقف عدد من الوزراء، مثل وزير العلوم والثقافة متان فلنائي حامل ملف العرب في اسرائيل في حكومة باراك ووزير القضاء يوسي بيلين، ووزير التعاون الاقليمي شمعون بيريز، وغيرهم، ضد تلك الحملة العنصرية. ويحثون باراك على أخذ زمام المبادرة والدفاع عن العرب وتغيير سياسة الحكومة تجاههم. فقرر باراك، بعد ضغوطات كبيرة ومعركة طويلة من قيادة الجماهير العربية وتشكيل لجنة تحقيق في قتل 13 عربياً في الانتفاضة ووضع موازنة خاصة لسد الهوة بين اليهود والعرب وتحقيق المساواة خلال خمس سنوات. لكن هذا لا يكفي العرب. فهم يطالبون بتغيير جذري في السياسة، خصوصاً في الحقوق الديموقراطية