ظل اللواء الدكتور محسن رضائي لفترة طويلة الرجل القوي في ايران، نظراً الى موقعه كقائد للحرس الثوري الذي تشكل مع قيام الثورة الايرانية ولعب دوراً اساسياً في الحياة السياسية في البلاد، بل انه جمع في فترة من الفترات القوتين العسكرية والسياسية. اليوم يتولى رضائي منصب الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يترأسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، وهو لا يزال مقرباً من المرشد علي خامنئي. "الوسط" قصدت رضائي وحاورته في القضايا الداخلية والخارجية. لماذا انتقلتم من الحرس الثوري والعسكر الى حقل الثقافة؟ ما هو عملكم في مجمع تشخيص مصلحة النظام؟ - منذ مدة وأنا أشعر بأن تكليفي العسكري ودوري في مرحلة الدفاع قد انتهى مع توقف الحرب. فقد كان الهدف من الانخراط في السلك العسكري الدفاع عن الثورة والبلاد. والظروف الموضوعية في ذلك الوقت ومنها حرب الخليج والغزو العراقي للكويت، مما اجبرني على البقاء في موقعي السابق، علماً بأني كنت قائداً لحرس الثورة الاسلامية مدة ستة عشر عاماً. ولكن تنفيذ بعض الامور الاساسية وبناء بلد اسلامي كبير مثل ايران اوجد لدي الشعور بالعمل الجدي سياسياً خارج الحرس على رغم انه كان بامكاني البقاء في الحرس والاستفادة من كل الامكانات المتوافرة لدى الحرس لأداء مهمة البناء. ولكن بما انني اعمل ضمن الضوابط الاصولية وملتزم بها لذا لم اشأ دمج العمل السياسي بالعسكري ففضلت الخروج من الحرس وان اعمل مديراً لمجمع تشخيص النظام. ومهمتي الاساسية في هذا المجمع أو المجلس هي القيام بجمع كل الاعمال التخصصية التي تقدمها اللجان الثقافية والاقتصادية والسياسية والقضائية والامنية وتنظيمها وترتيبها وعرضها على لجان المجمع كذلك ادارة الاعمال التي ترد الى المجمع وتنظيم الامور الادارية والتنفيذية، وكلها تقع على عاتق ادارة مجمع تشخيص المصلحة والذي اقوم بادارته. تردد أنكم تخططون لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ - أرى ان السيد خاتمي شخصية كبيرة ومحترمة وهو كفؤ ولائق لتولي ولاية ثانية، وهو الشخص المناسب جداً للرئاسة المقبلة اذا ما أقدم على اجراء بعض التغييرات في ادارته الاقتصادية والثقافية وانتخاب مجموعة جيدة من الاقتصاديين والمثقفين لإدارة البلاد. وأرى ان هناك ضعفاً في ادارة السيد خاتمي رئيس الجمهورية الاقتصادية والثقافية واذا ما تم رفع ذلك فإنه سيكون الأنسب لان يكون رئيساً للجمهورية لسنوات أربع أخرى. ما هو موقفكم بالتحديد من الاصلاحات الراهنة، وهل وظيفتكم في المجمع تتيح لكم وقف الاصلاحات لو شعرتم أنها تضر باصول النظام؟ - أبدا لا أرى ان الاصلاحات توهن النظام الاسلامي بل على العكس تقويه اذا لم نقم نحن بالاصلاحات فان الشعب سيقوم بتغييرنا. ولذا قبل ان تقع المشكلة في البلد فنحن الذين نريد ان نحلها بالطريقة الديموقراطية. وعندما توجد الاصلاحات فإن النظام سيدوم وسيبقى ويستمر. ولا بد ان تؤخذ قضية الاصلاحات بجدية وهذا ما أراه، وهناك اجتماعات متعددة مشتركة بين رؤساء السلطات الثلاث لبحث موضوع الاصلاحات. مثلاً السيد خاتمي والسيد رفسنجاني والسيد هاشمي شاهرودي رئيس القضاء ورئيس مجلس الشورى والسيد القائد يعقدون اجتماعات خاصة بالاصلاحات وقد تم عقد اجتماعين حتى الآن وهي مستمرة، ولا أرى اي تعارض بين الاصلاحات والنظام. هل صحيح ما يقال أنكم أيدتم المرشح المحافظ علي اكبر ناطق نوري في الانتخابات الرئاسية الماضية بينما معظم الحرس الثوري انتخب خاتمي أثناء قيادتكم له، فهل هذا هو السبب في استقالتكم؟ - ان الذي يعطي مثل هذا التحليل ليس لديه علم بالاوضاع الايرانية. واذا نحن وقفنا الى جانب ناطق نوري في تلك الانتخابات فإنه حتماً كان سيفوز فيها لأن عدد أفراد الحرس والبسيج المتطوعين يتجاوز العشرة ملايين بإمكانهم ترجيح كفته، لكننا رأينا أن وظيفتنا هي عدم التدخل في الانتخابات، وانا بالخصوص كانت لدي علاقة خاصة مع اصدقاء السيد خاتمي وبالدرجة نفسها مع الشيخ ناطق نوري في كل فترة الانتخابات، لكننا فضلنا عدم تدخل الحرس والبسيج في هذه الانتخابات، وهذا ما حدث. يعني أن المحافظين ورطوكم في موضوع الانتخابات وحصلت مفارقة أدت الى استقالتكم من الحرس الثوري. - لا، كنا نرى أنه من المصلحة ان لا نتدخل في السجالات السياسية لأن الجميع مؤمنون بالنظام، والدليل على ذلك هو ان الذي يرشح نفسه للانتخابات يجب أن يكون من الافراد الذين يقبلون الجمهورية الاسلامية. لذا فإن وعينا السياسي يفرض على الحرس والبسيج عدم التدخل في مثل هذه الامور، وهو ما فعلناه. كيف تفسرون اغلاق الصحف الاصلاحية واعتقال الصحافيين وصدور أحكام قاسية ضدهم، ألا تعتقد بأن ذلك من شأنه أن يضر بسمعة ايران في الخارج؟ - في موضوع الصحف أرى أنه لم يحصل أي تغيير اساسي. نعم، لك أن تقلق إذا قامت السلطة القضائية بإغلاق كل الصحف من دون استثناء ولم تسمح بإصدار أي صحيفة اصلاحية، فعندها نستطيع ان نقول انه حدث تغيير تجاه صحف الاصلاح، لكننا نعلم بأن جميع الاجنحة السياسية لديها صحف، فمثلاً اليمين له تسع صحف، كذلك الاصلاحيون لهم صحفهم والمستقلون كذلك لهم صحفهم. ولكن عندما اغلقت صحيفة من جناح وسمح للجناح الآخر بإصدار صحيفة فهذه كلها خلافات جزئية وحقوقية وليست خلافات اساسية واصلية لذا لا بد من الاستمرار في حرية الكتابة والنشر في ايران وهو ما نسعى له. وسمعة ايران في الخارج؟ - أنا أرى عكس ذلك. سيكون الاستقرار هو الحاكم في حال ضبط الامور، لان كثيراً من الاخوة، خصوصاً في الدول العربية يسألون عن ايران وماذا يجري فيها، وهم قلقون بأن يحدث شيء ما، ولكن نحن نقول لا لم يحدث أي شيء لأننا نعتقد أنه لا بد ان نعكس للخارج اندماج الحرية مع الاستقرار السياسي، أي لا نفرط بالحرية على حساب الاستقرار وبالعكس. ولكن اذا تركنا الصحف تكتب وتقول مايحلو لها فمعنى ذلك انه لا يوجد قانون في البلد وهذا يعرض الاستقرار للخطر. إن عدم تطبيق القانون يخلق عدم الثبات وهذا ما يقلق أكثر من اغلاق الصحف، ولا بد من الاستمرار في تأكيد الحرية والاستقرار السياسي معاً في بلادنا. قام الدكتور كمال خرازي وزير الخارجية بزيارة العراق، لماذا برأيكم توقيت الزيارة؟ وهل لها صلة بالتطورات في فلسطين والجدل الداخلي؟ - زيارة السيد خرازي الى بغداد لها مؤيدون ومعارضون. ولكن استدلال الاخوة في وزارة الخارجية حول سفر السيد خرازي هو انهم يريدون منها توجيه رسالة لمن يعنيه الامر ومفادها اننا نتضامن مع البلدان الاسلامية وان اختلفنا معها اذا واجهت اي منها اخطاراً. كذلك فإن الزيارة رد عملي وتهديد جدي لمن يقفون الى جانب الصهاينة، ونؤكد لهم اذا استمرت حمايتكم لاسرائيل فنحن نتناسى الكثير من الخلافات مع البلدان الاسلامية ونقف معها يداً واحدة. وفي الحقيقة ان زيارة السيد خرازي لم تكن سوى رسالة سياسية وطبعاً هناك تفاصيل عملية لا يسعني الحديث عنها. أعلنتم عن تأسيس حركة دولية لمواجهة أو مقاومة الصهيونية؟ هل هي حركة لمقاومة احتمالات أي تطبيع ولو غير مباشر يمكن أن يقوم به الاصلاحيون، خصوصاً مع اسرائيل في وقت لاحق؟ - هذا التحرك مع التحرك العالمي ضد الصهاينة يأتي نتيجة الظروف الدولية الحساسة، والحوادث الاخيرة في فلسطين. واذا نظرنا الى هذه الاحداث من أبسط القواعد الانسانية نجد ان اسرائيل هاجمت الاطفال والنساء وكبار السن وسببت في قتل الكثير منهم، مما منحنا وعياً خاصاً بأنه اذا لم تكن لدينا القدرة للاستفادة من الامكانات التي لدى الدول فلا بد ان نستفيد من امكانات الشعوب، وذلك يعني اننا اضفنا قدرة جديدة للمقاتلين الفلسطينيين من خلال الدعوة لتأسيس هذه الحركة التي تضم شخصيات سنعلن عنها لاحقاً. وهذه المسألة لا علاقة لها بالاوضاع الداخلية الايرانية، علماً بأننا في هذه المسألة متفقون مع كل الاجنحة السياسية في ايران على محاربة اسرائيل، حتى ان المعارضين لايران في الخارج اكثرهم بالنسبة الى مسألة فلسطين متفقون، صحيح أننا في موضوع إعادة العلاقات مع اميركا نشهد اختلافاً في وجهات النظر، لكننا في مواجهة العدو الصهيوني متفقون ولا توجد بيننا أية خلافات. سؤال محدد هل أنت راض عن أداء حكومة الرئيس خاتمي في الموضوع الفلسطيني؟ - كلا لست راضياً لكن يجب ان ألا نفكر بهذه الطريقة. فالحكومة تعتقد بأنها لا تريد أن تتحرك لوحدها وأرادت أن تشرك الأخوة العرب في أية جهود تبذل. حكومتنا الاسلامية تقول بما ان الجامعة العربية بادرت الى هذا العمل فلندعهم يقومون بعملهم ولا مانع ان نتنازل عن موقعنا ولا نأخذ المبادرة. وبعدما اتضحت الامور فور انتهاء القمة العربية والتي لم تصل الى النتيجة المطلوبة فإن السيد خاتمي احتج معلناً عدم ارتياحه، وعاتب زعماء الدول العربية لانهم أرسلوا موفدين الى ايران ليطلبوا منه إرجاء القمة الاسلامية الطارئة التي دعا الى عقدها، وقالوا اذا ما تم عقد القمة الاسلامية فإننا لن نعقد القمة العربية. واحتراما لهذه الدول فإن ايران تركت الميدان للعرب ليتحركوا بقوة في هذا المجال ولما لم تأتِ النتائج كما ينبغي قامت الدولة بسد النقص في الموقف الرسمي، كذلك وافق مجلس الشورى الاسلامي على قانون خاص لدعم الانتفاضة، وقدم مرشد الثورة الاسلامية مشروعاً جيداً لتحرير فلسطين. ما هو المشروع الذي يمكن أن يقدم في هذا الاطار لدعم القضية الفلسطينية؟ - بالنسبة الى مشروع الجمهورية الاسلامية فهو يتحدد بأن يصار الى ايجاد فعل اساسي يتطابق مع المنطق الدولي. ويتحدد هذا المشروع، كما تعتقد ايران، بأن هناك أكثر من خمسة ملايين فلسطيني مشردين بين لبنان وسورية والاردن ومصر وهم في حال معيشية سيئة للغاية، لذا فإن المشروع الاسلامي لايران يقول بأن يعود هؤلاء المشردون بعزة واحترام الى داخل فلسطين. والمرحلة الاخرى تتحدد بأن يستقر هؤلاء في وطنهم ثم تجرى انتخابات واستفتاء عام لاعلان الدولة في فلسطين واختيار شكلها، وان أمكن في جزء من فلسطين، ويشترك في الانتخابات اليهود والمسيحيون والمسلمون. وبعد انتخاب شكل الدولة يتم تدوين القانون الاساسي أي الدستور، وبناء على ذلك تتم ادارة الدولة الفلسطينية. إننا ننتظر الآن نتائج تطبيق قرارات القمة العربية وبعدها يمكن عرض المشروع على منظمة المؤتمر الاسلامي. ويعتبر هذا المشروع عملياً في الوقت الحاضر لأنه لم يخرج عن المنطق الدولي. وماذا تنتظرون من الموقف الدولي الذي تتحدثون عنه؟ - قبل الموقف الدولي علينا ان نحدد موقف دولنا الاسلامية. واعتقد بأن افضل عمل يمكن ان تقوم به البلدان الاسلامية هو قطع اي علاقة لها مع الكيان الصهيوني ولو لمدة قصيرة، والمرحلة الاخرى عليها أن تهدد اميركا والدول الاخرى بأنه اذا ما استمرت في حمايتها لاسرائيل فإن 20 الى 30 في المئة من صادرات النفط ستخفض، والمسألة الثالثة على الدول الاسلامية تشكيل قوة جوية مشتركة من جميع البلدان الاسلامية للدفاع عن الفلسطينيين، واذا تعرضوا لحملة وحشية بالطائرات من قبل العدو الصهيوني فإن القوة الجوية الاسلامية ستقوم بالرد على الصهاينة. قضية فلسطين مرت بمراحل عدة من 1948 الى 1967 كانت قضية فلسطينية بحتة، وبعد 1967 اصبحت قضية فلسطين عربية وأشغلت العرب الى عام 1980، وفي 1980 وبعدما تدخلت ايران في القضية الفلسطينية اصبحت قضية فلسطين قضية اسلامية، واصبحت تهم العالم الاسلامي كله، وفي الاسابيع الثلاثة الاخيرة اصبحت قضية فلسطين دولية لأننا نرى في اوروبا وفرنسا وحتى في اميركا نفسها تظاهرات تؤيد الشعب الفلسطيني وهذه ظاهرة جديدة. اسرائيل هددت بشن اعتداء على سورية ولبنان في قضية الأسرى. ما هو موقفكم بالضبط لو شنت اسرائيل أي اعتداء على سورية أو لبنان؟ - اذا هاجمت اسرائيل سورية او لبنان فإننا سندافع عن هاتين الدولتين بكل ما نملك من قوة، ولن نسمح لاخوتنا في سورية او لبنان ان يقعا تحت الضغط الاسرائيلي وسنعينهما بكل ما نملك من امكانات سواء كانت اقتصادية او عسكرية أو سياسية. هل ستقدمون الدعم العسكري لسورية ولبنان؟ - نعم ولن نتوانى لحظة واحدة. يقال أن لديكم علاقة شخصية مع "حزب الله" في لبنان وأنكم تدعمونه بصفتكم الشخصية؟ - لا، انا كنت ولا أزال من مؤيدي "حزب الله" ودائماً وبحدود امكانياتي أدافع عنهم واساندهم، والآن "حزب الله" بحمد الله بلغ درجة عالية من النضج ووقف على قدميه وله قيادته وتشكيلاته الخاصة به وهو مستقل تماماً في اتخاذ القرار، وخلافاً لما سبق حيث كانت علاقة الدول مع الحركات علاقة استعمارية، لكننا والحمد لله نملك مع الشعب اللبناني علاقة أخوية ولن نرضى ان نتدخل في شؤونهم الداخلية. هل يؤيد مجمع تشخيص مصلحة النظام تطوير العلاقات مع الدول التي تتعارض في سياساتها مع ايران كمصر مثلاً؟ - نعم بالنسبة الى سياستنا العامة التي اقترحناها وقد ايدها السيد القائد خامنئي، فإننا ندعم تطوير العلاقات مع الدول العربية علماً بأن الاخوة في الحكومة والمجمع فضلوا ان تكون الأولوية للعلاقة مع العالم الاسلامي، خصوصاً للسياسة الخارجية مع العالم العربي. كيف تقيم التعاون بين ايران ومصر وآفاق المستقبل؟ - ان لدينا تعاوناً جيداً جداً مع كل من سورية ولبنان في الموضوع الفلسطيني ولدينا علاقات خاصة وتعاوناً استثنائياً مع سورية، ونحن لم نتوان في الدفاع عن سورية ولبنان إزاء الأخطار وتمكنا في مرحلة مهمة من التعاون لتحرير الجنوب اللبناني في ظل انهيار الاتحاد السوفياتي وانحسار نظام القطبية الثنائية. هذا الأمر يمكنه أن يحصل مع مصر الكبيرة التي تملك حدوداً واسعة مع فلسطين، وأنا واثق وهذه وجهة نظري، أن تعاون ايران ومصر سيغير الكثير من المعادلات الدولية الراهنة لمصلحة الشعبين والمنطقة، ويوجد تحولاً مدهشاً في المنطقة خصوصاً، أن لمصر موقعاً استراتيجياً في البحر المتوسط وحتى في الجو والبر، وايران أيضا لديها أوراق عدة بإمكان مصر الاستفادة منها. انني أدعو البلدين الى التعاون الجاد لتفعيل مشروع ايران حول القضية الفلسطينية لاعادة اللاجئين الفلسطينيين واجراء استفتاء عام، أو أي مشروع آخر تقترحه مصر لكي نصل الى نتيجة مطلوبة