في الشهر المقبل ستتوقف واحدة من أقدم الصحف المغربية اليومية، والمفارقة أنها الصحيفة التي يفترض ان تكون ناطقة باسم الحكومة، لكن قلة من الناس - ربما لن تتجاوز محرريها - ستفتقد صحيفة "الأنباء" التي تصدرها وزارة الاعلام بانتظام منذ كانون الثاني يناير 1963. في مطلع الشهر الحالي قرر محمد العربي المساري وزير الاتصال الإعلام إيقاف صدور الصحيفة وتعويضها بأخرى تصدر عبر شبكة الانترنت ومجلة أسبوعية. وعندما تكتمل ترتيبات إصدار المجلة الأسبوعية ستودع صحيفة "الأنباء" التي كانت تطبع في حدود خمسة آلاف نسخة يومياً وتوزع بضع مئات، تلك القلة القليلة من قرائها. ولعل من غرائب هذه الصحيفة التي يعمل بها حالياً 24 صحافياً، جميعهم موظفون في وزارة الاعلام، ان محاولات جرت من قبل لإيقافها لكنها تعثرت لأسباب متباينة، على رغم إقرار جميع الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الأعلام بأنها صحيفة فاشلة تماماً يتندر الوسط الصحافي في المغرب، ان عدد مرتجعاتها يفوق أعداد توزيعها! وتعتمد الصحيفة أسلوباً بدائياً في الإخراج والتحرير وتنعدم فيها الاجتهادات الصحافية، مما جعلها نسخة باردة لنشرة الوكالة الرسمية وأحياناً من دون تغيير حتى في عناوين القصاصات. كان أول من فكر في إيقاف "الأنباء" في أواخر السبعينات محمد العربي الخطابي وزير الإعلام آنذاك، لكن يبدو ان القرار لم يجد ترحيباً من الأوساط العليا فعدل الخطابي عن فكرته. وعندما تولى إدريس البصري وزارة الاعلام إلى جانب الداخلية العام 1986 فكر في تطوير "الأنباء"، وطلب من صحافي مغربي يعمل في الأسبوعية الفرنسية "جون أفريك" تقديم مشروع لتطوير الصحيفة، لكن المشروع لم ير النور. وثمة من يقول في المغرب ان سبب تراجع وزراء الاعلام عن إيقاف الصحيفة مرده إلى أنها تشكل "صندوقاً أسود" للوزارة، إذ تتوافر الصحيفة على موارد مالية مهمة من إعلانات الإدارات الحكومية أو شبه الحكومية، ويتم الصرف من تلك الأموال من دون رقابة، وهو ما أتاح للوزارة مصدراً للإنفاق لا يخضع للمراقبة وبالتالي أمكن الصرف بواسطتها على امور يصعب تبرير الصرف عليها عبر القنوات الرسمية. وإزاء فشل "الانباء" تم التركيز على مجموعة صحافية أخرى هي مجموعة "ماروك سوار" التي يملكها احمد العلوي. وظل العلوي مقرباً من القصر الملكي ويشرف على الخط التحريري للمجموعة إلى أن أقعده المرض. وتصدر هذه المجموعة التي توجد في الدار البيضاء حالياً صحيفة "لوماتان"، وهي يومية بالفرنسية، و"الصحراء" وهي يومية بالعربية، و"لامانيانا" أسبوعية بالإسبانية، ومجلة "لاتربيون". وتردد أخيراً ان رجل الأعمال المغربي عثمان بن جلون سيشتري مع بعض الشركاء المجموعة التي تعاني بعض المشاكل الإدارية والمالية. وكانت المجموعة تخضع لتوجيه إدريس البصري سياسياً، وبعد إقالته أضحت من دون سند قوي داخل الأوساط الفاعلة. وعلى رغم ان محرري صحيفة "الأنباء" سيستوعبون داخل الصحيفة التي ستصدر عبر شبكة الانترنت أو في المجلة الأسبوعية، فإنهم لم يكونوا سعداء كثيراً بهذا التغيير. فقد تقرر إسناد رئاسة تحرير المجلة الأسبوعية وإدارتها لإثنين من أساتذة المعهد العالي للصحافة في المغرب. ويبدو ان رؤاهما الصحافية لم ترق كثيراً لطاقم التحرير، ويخشون ان تتعثر الأسبوعية فتظل وضعيتهم معلقة. والثابت ان "الأنباء" ستختفي الشهر المقبل من أكشاك الصحف لكن أحداً لن يتذكرها.