توقعت النشرة الاحصائية العالمية الصادرة عن مكتب الاحصاء الدولي في واشنطن ان يبلغ عدد سكان الاردن نحو خمسة ملايين نسمة قبل نهاية العام 1999، ثم يرتفع الى سبعة ملايين العام 2010 والى نحو عشرة ملايين نسمة العام 2025، ووصفت نسبة الخصوبة البالغة 4.4 في المئة سنوياً بأنها من النسب المرتفعة في مقابل 1.2 في المئة في الدول المتقدمة. وفي الوقت نفسه توقع المصرف المركزي الاردني ان يبلغ معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي نحو 2 في المئة العام 1999، بحيث يبقى عند مستواه المحقق العام 1998 والذي وصف بأنه اسوأ نمو اقتصادي للاردن منذ العام 1989، وهو ادنى بكثير من نمو السكان. ولذلك دعا الملك عبدالله الثاني بن الحسين حكومته الى وضع برنامج تنفيذي لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنوات 1999 - 2003، تهدف الى تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الاجمالي تفوق معدلات النمو في السكان، لتصبح 6 في المئة في العام 2033. كما تهدف الى زيادة الانتاجية الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص والعدالة في توزيع مكاسب التنمية الاجتماعية على كافة شرائح المجتمع ومناطقه وتخفيض معدلات البطالة الى اقل من عشرة في المئة والحد من مشكلة الفقر. كذلك تهدف الخطة الى توفير ما يقارب من 250 ألف فرصة عمل وتخفيض المديونية الخارجية الى 82 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وتخفيض عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات. هل يمكن تحقيق ذلك؟ لقد واجه الاردن تحديات كبيرة خلال السنوات الاخيرة، شهدت مرحلة مهمة من التصحيح الاقتصادي الذي نفذه بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ابتداء من عام 1989، وقد استفاد خلال تلك السنوات من تدفق القروض والمنح والمساعدات الخارجية واعفاءات من الديون بالاضافة الى تدفق الاستثمار الاجنبي. وتؤكد دراسات البنك المركزي ان الاردن قطف "ثمار" التصحيح الاقتصادي مسجلاً مؤشرات ايجابية، اهمها: 1 - على صعيد القطاع الحقيقي، سجل الناتج المحلي الاجمالي معدل نمو حقيقي بلغ متوسطه 2.6 في المئة خلال الفترة 90 - 97 مقارنة مع تراجعه بنسبة 4.13 في المئة في العام 1989، كما انخفض معدل التضخم ليصل الى 8.3 في المئة بالمتوسط خلال الفترة 1992 - 1997 في مقابل 6.25 في المئة في العام 1989. وشهد الادخار المحلي نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي ارتفاعاً ملحوظاً ليصل الى 3.11 في المئة في عام 1997 بالمقارنة مع 5 في المئة في عام 1989. وعلى صعيد تكوين رأس المال الثابت، فقد ارتفع كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي من 4.23 في المئة خلال عام 1989 الى 0.32 في المئة في عام 1997. 2 - نجحت السياسة النقدية في استعادة التوازن النقدي والمساهمة في احتواء الضغوط التضخمية، الى جانب تحقيق استقرار سعر صرف الدينار الاردني، وبناء مستوى ملائم من الاحتياطيات وصل الى ما يكفي لتغطية ما يزيد عن خمسة اشهر من المستوردات في العام 1997 في مقابل ما دون مستوى نصف شهر من المستوردات في العام 1998. كما ساهمت سياسة تعويم اسعار الفائدة في الوصول الى اسعار فائدة موجبة. 3 - على صعيد الموازنة العامة للحكومة، انخفض عجز الموازنة العامة قبل المساعدات نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي من 6.20 في المئة في العام 1989 الى حوالي 6.3 في المئة من الناتج في العام 1997. ولدى اضافة المساعدات، فإن العجز يتراجع من 8.7 في المئة في عام 1989 ليسجل وفراً نسبته 3.0 في المئة من الناتج في العام 1997. وقد نجم ذلك بشكل رئيسي عن ترشيد النفقات العامة بالدرجة الاولى وزيادة الايرادات العامة بالدرجة الثانية. المغتربون والسياحة 4 - على الصعيد الخارجي، تراجع عجز الحساب الجاري باستثناء المساعدات بشكل تدريجي ليشكل ما نسبته 9.4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 1997 مقارنة مع 5.28 في المئة من الناتج في العام 1990. واذا ما اضيفت المساعدات الحكومية، فإن عجز الحساب الجاري سيحول الى وفر نسبته 2.0 في المئة من الناتج في عام 1997 بالمقارنة مع عجز نسبته 2.10 في المئة تحقق في العام 1990. وضمن الحساب الجاري يلاحظ ان الصادرات الوطنية سجلت نمواً ملحوظاً بلغ متوسطه 4.10 في المئة خلال الفترة 1992 - 1997، كما شهدت المقبوضات من حوالات الاردنيين العاملين في الخارج والسياحة زيادات ملحوظة. وخلافاً للسنوات السابقة، شهد العام 1998 أسوأ حالة اقتصادية يشهدها الاردن، وبما ان قرارات الاستثمار تتأثر بشكل رئيسي بحالة الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة الى جانب حجم السوق المحلي وجدوى المشاريع الاستثمارية، فإن محافظ البنك المركزي الاردني الدكتور زياد فريز، يرى ان حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة خصوصاً من حيث تعثر العملية السلمية، والحصار المفروض على العراق اثرت سلباً على التدفقات الرأسمالية للمنطقة بأسرها، ومن ضمنها الاردن، وخاصة في ضوء صغر حجم السوق الاردني. مؤشرات القلق وقد اختلفت الارقام حول معدل النمو الاقتصادي الذي حققه الاردن في العام الماضي، ويشير آخر تقرير وضعته غرفة صناعة عمان الى ان معدل النمو تراوح بين واحد واثنين في المئة، وهو نمو منخفض جداً، من اهم ظواهره تراجع استثمار الشركات الجديدة ولا سيما الصناعية، وتدني نسبة التشغيل في الصناعة الى اقل من نصف طاقتها وتراجع النمو في الصادرات وتفاقم ازمة الشيكات المرتجعة وعدم حصول الزيادة المتوقعة في نسبة القادمين الى المملكة للسياحة والتراجع في قطاع المقاولات واستمرار المديونية وتفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة. وذكر التقرير ان عدداً من المؤشرات السلبية التي قال انها تثير القلق، مثل استمرار العجز في الميزان التجاري، اذ سجلت الصادرات الوطنية تراجعاً نسبته 2.2 في المئة عما كانت عليه العام 1997، مشيراً الى ان نسبة العجز الى اجمالي الناتج المحلي تصل الى نحو 27 في المئة، وهي نسبة قال التقرير انها بعيدة عن اهداف برنامج التصحيح الاقتصادي الذي وضع هدفاً لا يتجاوز 12 في المئة. وعزا التقرير استمرار العجز الى مجموعة من الاسباب الداخلية والخارجية. وأوضح ان من بين الاسباب الداخلية ضعف الاستثمار الخارجي والسياسات النقدية والمالية المتشددة التي ادت الى اضعاف الاستثمار الداخلي وضعف القدرة الشرائية الذي ادى الى ضعف الانتاج وبالتالي الى زيادة الكلفة، وكذلك الى السياسات غير المتدرجة في الانفتاح الاقتصادي. اما الاسباب الخارجية فذكر التقرير من بينها الاوضاع في دول الخليج العربية ودخول منافسين جدد وعدم التمكن من فتح اسواق جديدة وتراجع حجم البروتوكول مع العراق وحصة الاردن في برنامج النفط مقابل الغذاء، فضلاً عن ان النمو في انتاج بعض دول الخليج ادى الى منافسة السلع في اسواقها التقليدية. وأضاف التقرير الى الاسباب الخارجية، الاوضاع الاقتصادية الدولية غير المواتية، خصوصاً في جنوب شرقي آسيا وانهيار العملات في بعضها ما ادى الى رخص الاسعار فيها وبالتالي زيادة الاستيراد منها وضعف القدرة على منافسة سلعها في الاسواق الخارجية. وإذا كانت وفاة الملك حسين سجلت انعكاساً سلبياً على الاقتصاد الاردني، فإن التظاهرة العالمية التي اشترك فيها رؤساء دول العالم في وداعه الاخير شكلت عاملاً ايجابياً رافقه وعود بمساعدات مالية عربية وأجنبية ودولية، الامر الذي ادى الى دعم الدينار الاردني ووقف تدهور سعر صرفه في سوق القطع، اضافة الى بروز مؤشرات ايجابية حول مستقبل الاردن ودوره المرتقب في المنطقة. وقد اكدت هذا الدور قمة الدول الصناعية خلال انعقادها في 20 حزيران يونيو الماضي في كولونيا، مشيرة في بيانها الختامي الى ان الدول الثماني "عازمة على تعزيز استقرار الاردن في دعم اصلاحاته الاقتصادية في هذه الفترة بالغة الاهمية" كما انها "تعترف بأهمية انشغال الاردن بمسألة تخفيف اعباء ديونه، وتدعو جميع الدائنين الدوليين للاردن لتقديم مساعدة اقتصادية له تتضمن تخفيفاً للديون". وأوضح الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في مؤتمر صحافي اثر انتهاء القمة ان "المشكلة تتمثل في ان الاردن لا ينتمي الى الدول الفقيرة، ولكن دولاً عديدة في القمة منها فرنسا، اعتبرت ان الوضع الخاص للاردن في الوضع الراهن في الشرق الاوسط وموقعه الجغرافي الخاص ونتائجه على اقتصاده توجب اتخاذ قرار استثنائي بإلغاء جزء مهم من ديون هذا البلد". وتنفيذاً لذلك، توصل الاردن الى اتفاق مع نادي باريس لجدولة نحو 800 مليون دولار من الاقساط والفوائد المستحقة للدول الاعضاء في النادي، باستثناء اليابان التي رفضت اعفاء الاردن من اي جزء من الديون المستحقة لها في ذمته البالغة نحو 75.1 مليار دولار، وتمثل نحو 20 في المئة من مجموع ديون الاردن الخارجية البالغة نحو سبعة مليارات دولار. وعلى صعيد الاستثمار، شهد الاردن خلال النصف الاول من العام الحالي تدفقاً استثمارياً، وسجل مستثمرون اردنيون وعرب وأجانب 2165 شركة لدى وزارة الصناعة والتجارة الاردنية برؤوس اموال مقدارها 3.67 مليون دينار خلال فترة الستة اشهر الاولى من العام الحالي. وقالت وزارة الصناعة والتجارة ان المستثمرين ركزوا استثماراتهم في قطاع التجارة. ولكن يبدو ان الاردن لا يزال يعاني من مشكلة تراجع الصادرات التي بلغت 044.1 مليار دينار العام 1998 مقارنة ب067.1 مليار دينار العام 1997، واستمر التراجع خلال العام الحالي، اذ بلغت الصادرات 4.218 مليون دينار خلال الربع الاول منه بنقص نسبته 6 في المئة. ولوحظ ان الاردن الذي عانى من عجز تجاري بلغ 439.1 مليار دينار في العام الماضي، استمر خلال العام الحالي مسجلاً 8.213 مليون دينار خلال الربع الاول، ولكن بتراجع كبير نسبته 1.44 في المئة عن العجز المسجل خلال الربع الاول من عام 1998، وذلك نتيجة تراجع المستوردات من الخارج بنسبة 3.27 في المئة الى 7.483 مليون دينار. ويعلل خبراء الاقتصاد الاردنيون التراجع في المستوردات بتراجع الطاقة الانتاجية للعديد من المصانع الى حوالي النصف، الامر الذي افقدها القدرة على الاستيراد، بسبب ضيق الفرص التسويقية لمنتجاتها والاعتماد على الاسواق التقليدية العربية، التي ازداد فيها وجود المشاريع المنافسة، وعدم قدرة الاقتصاد الوطني على تنويع صادراته. وأكد رئيس جمعية المصدرين الاردنيين سميح دروزة ان المصدرين سيواجهون تحدياً كبيراً في ظل الانفتاح الاقتصادي والعولمة، الامر الذي يستدعي القيام بجهود حثيثة لتمكين صناعاتهم من المنافسة في السوقين المحلية والاجنبية، فيما دعا امين عام وزارة الصناعة والتجارة الدكتور محمد الحلايقة الى ضرورة تنويع الصادرات وعدم الاعتماد بشكل رئيسي على الصناعات التعدينية التي تشكل 40 في المئة من اجمالي الصادرات. وتشير توقعات الميزان التجاري لسنة 1999 حسب تقرير مصرف الاردن المركزي الى ارتفاع حجم الصادرات نحو 3.26 مليون دينار، اي 1.2 في المئة عن سنة 1998 لتصل الى نحو 302.1 مليار دينار، وأن تسجل الواردات ارتفاعاً ملحوظاً يبلغ 6.108 ملايين دينار، ونسبته نحو 4 في المئة عن سنة 1998. أما بالنسبة للوضع المالي، فقد توقع تقرير المصرف المركزي تحسناً في وضع الخزينة خلال العام 1999 بعد التراجع الذي شهدته خلال العام 1998. وقدر المصرف ان ينخفض عجز الموازنة العامة قبل المساعدات بمقدار 178 مليون دينار او ما يقارب 7.3 في المئة من الناتج المحلي، ليبلغ نحو 438 مليون دينار عام 1999، او ما نسبته 7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. على رغم هذه المؤشرات الايجابية، فإن الخبراء يشككون في امكانية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 6 في المئة في العام 2003، ولكن يبقى الحكم على ذلك سابقاً لأوانه، خصوصاً ان تحقيق ذلك يعتمد على تدفق الاستثمارات الاجنبية والخاصة، وهو امر مرهون بتطور الاوضاع السياسية في المنطقة في ضوء مسيرة العملية السلمية، وما يمكن ان تحققه من انجازات اقتصادية، مع الاخذ في الاعتبار ان الاردن قطع شوطاً طويلاً في مجال تهيئة بيئته الاستثمارية، وقد يسانده في ذلك تعاون دول المنطقة في توجيه رؤوس اموالها نحو دول المنطقة ذاتها لتعم الفائدة المرجوة بالارتقاء باقتصادات المنطقة بما يتناسب وامكاناتها ومعطياتها الاقتصادية