في واحد من أجمل سباقات بطولة العالم السابعة لألعاب القوى التي تقام في اشبيلية، دافع المغربي هشام الكروج عن لقبه العالمي في سباق ال1500 متر بنجاح، وحارب على جبهتين: جبهة الاسبان أصحاب الأرض والجمهور، وجبهة الكينيين، بقيادة نوا نغيني، ودخل الاندلس من بوابة اشبيلية فاتحاً على صهوة جواد أبيض. وأمام 50 ألف متفرج احتشدوا فوق مدرجات ملعب اشبيلية لمؤازرة ثلاثة عدائيين اسبان هم فيرمين كاتشو حامل الذهبية في أولمبياد برشلونة وصاحب الفضية في بطولة العالم الماضية في اثينا ورييس ايستيفيز حامل البرونزية في اثينا واندرييس دياز، فرض الكروج ايقاعه على المشاركين، وساعده في مهمته مواطنه العداء عادل الكوش الذي قام بدور أرنب السباق، ولم يترك لمنافسيه فرصة التقاط أنفاسهم. إذ تعذر عليهم ان يجاروا الوتيرة السريعة التي خاض بها السباق، واثبت الكروج مرة أخرى، هو الذي لم يذق طعم الهزيمة في سباق ال1500 متر منذ تعثره في دورة اتلانتا الأولمبية 1996، انه بطل من كوكب آخر، كما بدّد الشكوك التي حامت حول جهوزيته وحول لياقته البدنية بعد الوعكة الصحية التي ألمت به أبعدته أكثر من شهر عن الملاعب. وكان الكروج عانى آلاماً حادة جراء التهاب البواسير، وأوفد الحسن الثاني ملك المغرب قبل وفاته طبيباً خاصاً لمعاينة الكروج وعلاجه في لفتة انسانية رائعة تدل على مدى تعلق الملك الراحل بالبطل الذي رفع اسم المغرب عالياً. وبعد انتصاره التاريخي راح الكروج متشحاً بالعلم المغربي يطوف الملعب ويوزع القبلات على الجمهور... وقد صرح عقب فوزه "عشية السباق جفاني الرقاد... ولم أنم سوى ساعة ونصف الساعة. حاولت الاتصال بأهلي. وقمت بتلاوة القرآن وصليت وكنت أفكر طوال الليل بالنصر الذي يعيد البسمة الى شعبي والى ملك المغرب الشاب". أما الكيني نغيني الذي حل ثانياً في سباق ال1500 متر الأسرع في التاريخ فقال: "لست مستاء من النتيجة التي حققت، فالكروج عداء رائع، ولم تكن لدي أي مشكلة تكتيكية في السباق. العام 1999 هو عام الكروج والعام 2000 سيكون عام نغيني". ولا بد من الإشارة الى ان البطل الجزائري نورالدين مرسلي انسحب من السباق، وكان من المستحسن عدم مشاركته لأنه لم يعد قادراً على المنافسة الجدية، وقد آن للفارس العظيم ان يترجل وليس من حقه ان يسيء الى الهالة الأسطورية التي أحاطت به على امتداد سنوات. وفي المسابقة السباعية حلّت السورية غادة شعاع بطلة العالم السابقة وحاملة ذهبية اولمبياد اتلانتا في المرتبة الثالثة، وراء الفرنسية اونيس باربر والبريطانية دنيز لويس، وقد جمعت باربر 6861 نقطة بفارق 137 نقطة عن لويس و371 نقطة عن شعاع. وتعتبر نتيجة البطلة السورية مرضية بعد اصابة أبعدتها عن الملاعب اكثر من سنتين، ولكنها قياساً بنتائجها السابقة تعتبر كسوفاً جزئياً وأمام شعاع فرصة أخيرة هي دورة سيدني الأولمبية لتجاوز آثار الإصابة من جهة ولاستعادة وهجها من جهة ثانية، ونأمل ان تكون قد تعافت تماماً وان يكون الذهب الاولمبي من نصيبها. على صعيد آخر حقق العداء المغربي الشاب علي الزين نتيجة طيبة في سباق ال3 آلاف متر موانع فأحدث اختراقاً على الجبهة الكينية وأحرز الميدالية البرونزية. أما الذهبية فكانت من نصيب الكيني كريستوفر كوسكاي، في حين ذهبت الفضية الى مواطنه ويلسون بويت كيبيكتير، وعاد المرشح الأوفر حظاً لإحراز اللقب الكيني برنارد بارماسي صاحب الرقم القياسي للسباق، بخفي حنين فقد حل خامساً علماً أنه من الأبطال المرشحين لاقتسام جائزة المليون دولار في الدوري الذهبي لألعاب القوى في هذا الموسم. وفي سباق ال10 آلاف متر رسخ العداء الاثيوبي هايلي جبريسيلاسي زعامته فأحرز اللقب العالمي للمرة الرابعة على التوالي وهو انجاز تاريخي بكل المقاييس. ولم تفلح محاولات الكينيين في تجريده من لقبه وفي طليعتهم بول تيرغات بطل العالم 5 مرات في اختراق الضاحية وصاحب الرقم القياسي السابق للسباق. ولكن جبريسيلاسي على رغم فوزه الذي لا غبار عليه، خاض سباقاً مخيباً للآمال وخالياً من الإثارة خلافاً لسباق ال1500م الذي أقام المدرجات ولم يقعدها، وقد أنهى السباق بزمن مقداره 27.57.27د علماً ان رقمه القياسي 26.22.75د. ولم يكن أداء العدائين المغاربة جيداً فحل خالد سكاح في المركز العاشر وجاء اسماعيل الصير في المرتبة الخامسة عشرة وسعيد بيربوي في المرتبة السادسة عشرة. وفي سباق ال100 متر للسيدات، حلت الأميركية ماريون جونز، كما كان متوقعاً في المرتبة الأولى مسجلة ثاني أسرع رقم في التاريخ 10.70ث، فاحتفظت بلقبها وحصدت الذهبية الأولى من أصل أربع ذهبيات كانت تعلل النفس بها على غرار مواطنها كارل لويس في اولمبياد لوس انجليس، الاان أحلامها تبددت في مسابقة الوثب الطويل، اذ اكتفت بالمركز الثالث وراء حاملة اللقب الايطالية فيونا ماي التي حلت ثانية والاسبانية نيوركا مونتالغو التي انتزعت المركز الأول في المحاولة الأخيرة مسجلة 7.06م. وقد أثارت وثبتها الأخيرة اشكالاً واحتجاجات. وفي حين اعتبر مراقب المسابقة الوثبة صحيحة، اظهر الشريط التلفزيوني ان قدمها لامست الخط الأبيض، وقد قدم الوفد الايطالي اعتراضاً على النتيجة، لكن لجنة الاستئناف رفضت الاحتجاج وثبتت النتيجة. وقد أثارت الحادثة استياء فيونا ماي فأعلنت انها ستعتزل الرياضة احتجاجاً. اما ماريون جونز التي كان يفصلها عن دخول عالم الاسطورة 23 سم هي الفارق بين وثبتها 6.83متر ووثبة مونتالغو 7.06م فقد تقبلت النتيجة بكل طيبة خاطر ووعدت بأن تجسد أحلامها في اولمبياد سيدني 2000 رافعة سقف الذهب الى خمس ميداليات، وربما استعاضت جونز عن الذهبية الضائعة في مسابقة الوثب الطويل بذهبية زوجها جي. سي هنتر في دفع الكرة الحديد. أوليس الزوجان شريكين في السراء والضراء؟ وفيما كانت "الوسط" في طريقها الى المطبعة، تعرضت جونز لحادث مؤسف في الدور نصف النهائي لسباق ال 200 م فسقطت ارضاً قبل نهاية السباق وحملها رجال الاسعاف على نقالة والارجح ان اصابتها وضعت حداً لمشاركتها في اي سباق خلال البطولة الحالية وحولت حلم اشبيلية الذي راودها طويلاً كابوساً رهيباً. وفي سباق ال100م رجال لم يخيب الأميركي موريس غرين آمال محبيه ومشجعيه، فانتزع صاحب الرقم القياسي المركز الأول بشق النفس بعد منافسة ضارية من الكندي بروني سورين، مسجلاً 9.80 ث، أي بفارق واحد في المئة من الثانية عن رقمه العالمي 9.79 وهكذا دافع غربن عن لقبه بنجاح، ونفذ الشق الأول من الوعد الذي قطعه على نفسه بالعودة من اشبيلية بثلاث ذهبيات، وأثبت مع مواطنته ماريون جونز أنهما الأسرع في العالم حتى إشعار آخر. وقبل ان نختتم جولة الأفق السريعة هذه في نتائج بطولة العالم السابعة لألعاب القوى، لا بد من الإشارة الى ان هذه البطولة افتقدت مشاركة الاوكراني سيرجي بوبكا الذي احتكر لقب القفز بالزانة بعد فوزه ببطولة العالم ست مرات على التوالي، وذلك بداعي الإصابة. كما افتقدت مشاركة الكوبي سوتومايور بطل العالم في القفز العالي وصاحب الرقم القياسي لاتهامه بتناول المنشطات، والعداءة الجامايكية مارلين اوتي لأتهامها بتناول المنشطات ايضاً واحد في المئة من الثانية الفارق بين الذهبية والفضية أفلتت ذهبية سباق ال 400 متر حواجز من العداءة المغربية نزهة بدوان حاملة اللقب وذهبت الى الكوبية دايما بيرنيا بفارق واحد في المئة من الثانية علماً ان المغربية ظلت متصدرة حتى خط الوصول. وهكذا ضاعت على المغرب فرصة ذهبية لرفع رصيده من الذهب في بورصة اشبيلية.