تتميز بلدان الخليج بوضع سكاني لا يمكن مقارنته بأي وضع في العالم. فهذه البلدان التي شهدت انفجار الثروات فيها في النصف الثاني من القرن العشرين سرعان ما استقطبت ملايين الأيدي العاملة الأجنبية، ووجدت نفسها مضطرة لوضع قوانين على خصائصها وتنظم هذا المجتمع الجديد الذي تتعايش فيه عشرات الجنسيات. في هذا التحقيق عرض للأنظمة الخليجية الخاصة بالتجنس. في الفترة من 1997/5/9 الى 1998/4/24، أي خلال السنة 1418 ه، حصل على الجنسية السعودية 877 شخصاً منهم 110 نساء معظمهن بنات أو زوجات لسعوديين أو ممن حصلوا على الجنسية. وخلال عام 1414 ه 1994م، حسب آخر احصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية، حصل على الجنسية السعودية 4296 رجلاً وسيدة يمثلون خمسين جنسية مختلفة، للنساء الحصة الكبرى اذ بلغت نسبتهن حوالي 90 في المئة من المجموع، منهن 3670 سيدة حصلن على الجنسية نتيجة زواجهن من سعوديين سواء كانوا سعوديين بالأصل أو عن طريق التجنس. وهذه النسبة العالية من النساء معظمها من الدول العربية. وجاءت اليمن في المركز الأول اذ بلغ عدد النساء اليمنيات المتجنسات 1587، والمصريات 643، والسوريات 349، والفلسطينيات 165، أما من الجنسيات غير العربية فانفردت باكستان بالصدارة 125. ومع ان نسبة النساء تفوق نسبة الرجال كثيراً، إلا أن دولاً معينة اظهرت تفوقاً خاصاً بحيث اقتصر التجنس منها على النساء مثل تايلندا 38، والفيليبين 9، وتركيا 11، والكويت 6، وقطر 2، وعمان 2، والولايات المتحدة 7، وايرلندا 1. ومع أن الأجنبية قد تحصل على الجنسية عند اعلان رغبتها في ذلك بعد تجنس زوجها، إلا أنه من الواضح ان هاته النسوة جميعاً أو اغلبهن حصلن على الجنسية السعودية بسب زواجهن من سعوديين او لكونهن زوجات وبنات للمتجنسين، وتكشف مثل هذه الارقام البلدان والجنسيات التي يفضل السعوديون الزواج منها. ويبدو ان هذه الميول في معظمها شامية عموماً 783 سيدة ما يوحي بنزعة السعوديين القوية الى البيئات المحافظة، كما انها تظهر الميل الكامن نحو الشام وأهله بحكم العلاقة التاريخية. وبالنسبة الى المتزوجات من سعوديين فإن اهل مكة لهم الباع الاطول اذ ان 1003 يمنيات تجنسن العام 1994 نتيجة زواجهن من سعوديين، وتجيء جازان في المرتبة الثانية 55. ويمكن الملاحظة سعودياً أن اليمنيات والبرماويات والأندونيسيات والتايلنديات والبخاريات يتركزن في المنطقة الغربية بينما يتزوج اهل المنطقة الشمالية من الفلسطينيات والسوريات والاردنيات، ويتزوج اهل المنطقة الشرقية من المناطق القريبة، خصوصاً البحرينيات. اما المنطقة الوسطى فهم اميل الى الجنسيات العربية من دون اهتمام كبير بغير العرب. ويبدو ان المتجنسات من الدول الاوروبية هن من النسوة اللاتي ارتبط سعوديون بهن اثناء فترة الدراسة او العمل في الخارج ومن ثم عادوا بالشهادة ومعها الزوجة الملائمة، وعلى رغم ان الاسلام يبيح للمسلم الزواج من الكتابيات، إلا انه يبدو عملياً ان كون المرأة مسلمة ضروري للنظر في طلب تجنسها بجدية واهتمام. ويمكن للأجنبية المتزوجة من سعودي ان تحصل على الجنسية اذا تم الزواج بإذن من وزارة الداخلية، واستمر الزواج قائماً لمدة خمس سنوات قبل تقديم الطلب، وتنازلت عن جنسيتها الاصلية وقدمت شخصياً طلباً للحصول على الجنسية. ومع ذلك فإن وزارة الداخلية قد لا تقبل طلبها حتى وان استوفت هذه الشروط جميعها، كما ان وزارة الداخلية غير ملزمة بإبداء اسباب الرفض. ووفق قرار مجلس الوزراء الرقم 824 فإن الأجنبية لا تحصل على الجنسية اذا كانت متزوجة من الفئات الآتية: - موظف في وزارة الخارجية. - موظف يعمل خارج المملكة ممن لا ينتمون لوزارة الخارجية. - فرد من افراد القوات المسلحة مهما كانت درجته. - أحد افراد قوات الأمن الداخلي مهما كانت درجته. - موظف يشغل وظيفة ذات أهمية خاصة حسب اقتراح ديوان الخدمة المدنية وموافقة مجلس الوزراء. - طالب يدرس في الخارج سواء كان مبتعثاً من الدولة او يدرس على حسابه الخاص. وتتباين قوانين التجنس في الدول بشكل حاد إلا أن ذلك يرتبط بعوامل عدة، منها حاجة الدولة الى الخبرات او السيولة او الى تجاوز النقص السكاني او حتى الى إحداث توازن بين الجنسين. فمثلاً تعرض كندا جنسيتها على الافراد الراغبين في التجنس اذا كانت لديهم سيولة مادية كافية مع مهارات محددة، وتفعل استراليا الشيء ذاته لسد النقص السكاني إلا أنها تفضل الجنسيات ذات الأصل الأوروبي. ويعتبر القانون الدولي ان مسائل الجنسية هي من سيادة الدولة، لذلك تحرص جميع الدول على عدم إلزام نفسها منح الجنسية لأي فرد مهما توافرت فيه الشروط المطلوبة. ويمكن حصر نقاط الحصول على الجنسية مع اختلافات البلدان في ذلك، بالولادة في البلد او نسبته لأحد الأبوين او الزواج من مواطن او مواطنة او اقامته في البلد بشكل مستمر ولفترة محددة ومن دون انقطاع ما عدا السفر بقصد السياحة والاستشفاء وما شابه ذلك، وان يكون الفرد خلال الفترة المحددة حسن السيرة والسلوك، سليماً من العاهات، بالغاً سن الرشد وقت التقدم بالطلب، قادراً على كسب عيشه بطريقة مشروعة. والشروط الخمسة الأخيرة عامة ومشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، لكن الاختلاف يظهر في تحديد الفترة المطلوبة، فالإمارات هي الاكثر يسراً وتساهلاً في هذا الجانب فهي تكتفي بأن يقيم العربي في اراضيها لمدة سبع سنوات تنخفض الى ثلاث اذا كان من اصل عماني او بحريني او قطري او من افراد القبائل العربية الذين نزحوا من البلدان المجاورة. أما غير العربي فيشترط ان يكون مقيماً في الامارات منذ العام 1940. وفي دولتي الكويتوقطر يجوز للعربي ان يحصل على الجنسية بعد مرور خمس عشرة سنة، اما غير العربي او العربي الحامل جنسية غير عربية فيشترط عليه الاقامة لمدة عشرين سنة، وهي الفترة ذاتها التي تشترطها عمان عموماً اذ انها لا تمنح للعربي امتيازاً خاصاً ولكنها تختزل هذه الفترة الى عشر سنوات اذا كان طالب الجنسية متزوجاً من عمانية قبل 1986، اما البحرين فهي الاكثر تشدداً في هذه النقطة فهي تحدد فترة الاقامة بخمس وعشرين سنة، واذا كان عربياً فإنها تنقص الى خمس عشرة سنة. وتشترط السعودية ان تكون فترة الاقامة لمدة عشر سنوات من دون اعتبار للجنس مع اشتراط القدرة على التحدث والكتابة بالعربية. وفي حالة قبول طلب الاجنبي للتجنس فإن زوجته تحصل على الجنسية تلقائياً في كل من السعودية والكويتوالامارات شرط ان تتخلى عن جنسيتها الاصلية وان لا تعلن عدم رغبتها في التجنس خلال سنة من تاريخ حصول زوجها على الجنسية. وتشترط عمان مرور خمس سنوات على تجنس الزوج شرط ان لا يكون الزواج قد تم بعد1986/2/1. اما قطر فتشترط ان تقيم زوجة المتجنس لمدة سنة في البلاد اعتباراً من تاريخ حصول زوجها على الجنسية. ولا يتمتع المتجنس في دول المجلس بامتيازات المواطن الأصلي، كما انه عادة يخضع لفترة مراقبة مدتها خمس سنوات يحق للدولة خلالها سحب الجنسية اذا ارتكب عملاً يتنافى مع شروط الولاء والانتماء، وذلك حسب قوانين البلد السائدة في هذا المجال. وتختلف دول الخليج في هذه القيود فالسعودية تمنع المتجنس من العمل في صفوف القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي، والسلك الديبلوماسي، وبعض الوظائف المهمة. وفي دول الخليج الاخرى لا يحق للمتجنس حق الترشيح او الانتخاب او التعيين لأية هيئة نيابية او منصب وزاري قبل مضي عشرين سنة على تجنسه في الكويت، وعشر سنوات في كل من قطروالبحرين. وبينما تمنح عمان المتجنس هذه الحقوق كاملة فإن الإمارات تحرمه منها كلية باستثناء ذوي الأصول البحرينيةوالعمانيةوالقطرية الذين يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة بعد مرور سبع سنوات على تجنسهم. الزواج من أجنبية البحريني المتزوج من اجنبية تحصل زوجته على الجنسية مباشرة، وتشترط قطر مرور سنتين على الزواج، والامارات ثلاث سنوات، وفي السعودية وعمانوالكويت خمس سنوات. ولا يعني ذلك ضرورة الموافقة على الطلب في الدول الثلاث الاخيرة، اذ ان من الممكن رفض الطلب، ومن الواضع ان دول الخليج تتشدد في هذه النقطة ربما بسبب عدم الرغبة في تشجيع الزواج من الخارج، وايضاً لكي تكون الدولة هي المتحكمة في اتخاذ القرار ولضمان ألا يكون الزواج وسيلة للتجنس فقط، اذ ان الزوجة التي تحصل على الجنسية بعد الفترة المحددة لا تسقط عنها الجنسية في حال طلاقها. وفي المقابل فإن زواج المواطنة من أجنبي لا يمنحه أية امتيازات خاصة للتجنس. وللحاكم صلاحية مطلقة في منح الجنسية لأي شخص بدون الخضوع للشروط الاساسية، ويتم ذلك عادة اذا كان الفرد قد قدم للبلد خدمات جليلة او كان ذا كفاية تحتاجها البلاد، او لأي سبب آخر يراه الحاكم. ويخلق ازدواج الجنسية اشكالات عدة. وينتج احياناً بسبب تضارب القوانين المطبقة في كل بلد. بعض الدول يمنح المولود على ارضه الجنسية مباشرة بينما يتمتع بجنسية بلده الاصلية بحكم بنوته لأبوين مواطنين. وتظهر الازدواجية بسبب الزواج المختلط اذ قد يحق لكل من الطرفين الحصول على جنسية الآخر، اضافة الى ان بعض الدول عند منحها جنسيتها للمتقدم لا تشترط اسقاط الجنسية الاصلية. والازدواجية او تعدد الجنسيات يهدم فكرة الولاء للدولة وتنتج عنها صعوبة تحديد المرجعية القانونية في حالات النزاع على اشكالها، وفي حالات العسكرية أو العمل في الوظائف الحساسة. وتشترط جميع دول الخليج على طالب أو طالبة التجنس اسقاط الجنسية الاصلية رسمياً بعد الموافقة على طلبه ومنحه الجنسية. كما ان حصول احد مواطنيها على جنسية اخرى يسقط عنه الجنسية، ويتبعه في ذلك زوجته وأولاده ما لم يبدوا خلال سنة رغبتهم في الاحتفاظ بالجنسية، لكن السعودية لا تسقط جنسيتها عن مواطنها ما لم يحصل على إذن رسمي وان يظل خاضعاً للقوانين السعودية حتى في ظل الجنسية الجديدة. وفي جميع دول الخليج يمكن سحب الجنسية من المتجنس خلال خمس سنوات إذا ارتكب عملاً مخلاً بالأمن العام أو جريمة أخلاقية أو بموجب توصية من وزير الداخلية، وينسحب الأمر على الحاصلين عليها بالتبعية إلا أن دول الخليج تمنح، في الغالب، فرصة للتابعين اذا ارادوا البقاء ولم يكن في سلوكهم ما يخالف النظام. ولا تحدد دول الخليج سقفاً سنوياً لعدد الحاصلين على الجنسية، باستثناء الكويت التي كانت تحدد العدد بخمسين شخصاً سنوياً ثم تم تعديل القانون بحيث يكون لمجلس الوزراء تحديد العدد سنوياً. ولعل السعودية هي أكثر هذه الدول منحاً للجنسية ولمختلف الجنسيات، إذ تمنح سنوياً الجنسية لما لا يقل عن ثلاثة آلاف فرد. وهي عملياً البلد الذي يتسم بتعدد الأعراق، فهناك عائلات كثيرة معروفة بأصولها المصرية أو السورية او الفلسطينية او الهندية او اليمنية وغيرها. ولعل بعض عمليات التجنس يتم لضم افراد العائلة وجمع شملها. ومن الواضح ان التجنس في دول الخليج ليس ميسوراً والقيود كثيرة اضافة الى ان استيفاء الشروط لا يمنح الاجنبي الحق في الحصول على الجنسية، اذ ظلت الصلاحية الكاملة بيد وزارة الداخلية التي من حقها دائماً رفض الطلب من دون ابداء اي اسباب، ومع ذلك فإن للاجنبي الحق في تقديم الطلب مرة اخرى. ويبدو ايضاً ان غالبية دول الخليج تتعامل بمقدار من الحذر مع المتجنسين الذين لا يتمتعون بكافة حقوق المواطنة الكاملة، خصوصاً ان قوانين التجنس المعدلة ما زالت تحتفظ بالكثير من نقاط الحذر، ولعل هذا يعود الى ان دول الخليج تعتبر من خلال تجربتها العملية ان اهداف الراغبين في التجنس تتركز في الحصول على منافع مادية بسبب ثراء هذه الدول، وان الرغبة الحقيقية في الانتماء المطلق لا يمكن التأكد منها في ظل الاغراءات المادية التي تدفع كثيرين لطلب الحصول على الجنسية، لذلك تشترط الاقامة لفترات طويلة جداً بحيث تضمن اندماج الفرد كلياً مع السياق الاجتماعي اضافة الى فترة الاختبار.