الذهب يهبط بأكثر من 1%    الصين تطلق بنجاح قمرًا اصطناعيًا جديدًا لنقل البيانات    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    نائب أمير مكة يشهد حفل تخريج الدفعة العاشرة من طلاب وطالبات جامعة جدة    اكتشاف مستعمرة مرجانية عمرها 800 عام ب"أمالا"    وزير الاقتصاد: المملكة الأولى عربيا في الأداء الإحصائي    المملكة.. طموح لا يعرف المستحيل    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    اكسر حواجز الواقع و اصفع الفشل بالإصرار    محادثات القاهرة تتعثر.. ولا ضوء في نهاية النفق.. الاحتلال يصعد في غزة ويطارد حماس عبر «مناطق عازلة»    دمشق ل"قسد": وحدة سوريا خط أحمر    هنأت رؤساء توغو وسيراليون وجنوب أفريقيا.. القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا الانفجار    عبر السد بثلاثية مقابل هدفين.. كاواساكي يواجه النصر في نصف نهائي النخبة الآسيوية    "الانضباط" تجدد رفض احتجاج الوحدة ضد النصر    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    صقر في القفص الذهبي    أبناء زين العابدين يكرمون كشافة شباب مكة    تنفذها الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية.. أمير الرياض: الحملة الوطنية.. "الولاء والانتماء" تعزز الأمن وتحصن الشباب    وزير الإعلام يستهل مبادرة "نبض الإعلام" باللقاء الأول مع صنَّاع البودكاست    معرض"ذاكرة الطين" للتشكيلية فاطمة النمر    كيف تحل مشاكلك الزوجيه ؟    أكدت أنه يتفق والمصلحة المطلوبة شرعًا.." كبار العلماء": لا يجوز الذهاب للحج دون أخذ تصريح    كبار العلماء: لا يجوز الحج من دون تصريح    أخضر الشابات يترقب قرعة تصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    النصر والعلا إلى نهائي الدوري الممتاز لكرة قدم الصالات    الملك وولي العهد يُعزيان الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي    ورش ومحاضرات توعوية ضمن فعاليات أسبوع البيئة بالجوف    «إسرائيل» تمنع دخول شاحنات المساعدات لغزة    مؤشر نسبة العاملين من ذوي الإعاقة يقترب من تحقيق مستهدف رؤية 2030    «هيئة الشورى» تعقد اجتماعها الثامن    ولي عهد لوكسمبورج يشكر المملكة لدعمها مبادرة «رسل السلام»    حل 40 ألف قضية أسرية قبل وصولها للمحاكم    وفاة عميد أسرة آل أبوهليل    مقتل شخصين في ضربات أميركية على صنعاء    Adobe تطلق نموذج Al للصور    رؤية 2030 تقفز بحجم الاقتصاد الرقمي إلى 495 مليار دولار    جلوي بن مساعد يهنئ جامعة نجران    صناعة الحوار    تشكيليات يرسمن أصالة الأحساء    ليلة استثنائية    أمير الشرقية يبحث تطورات ومستجدات البيئة الاستثمارية    رؤية 2030.. النجاح لا يأتي صدفة    فيصل بن مشعل يكرم الفائزين في بطولة القصيم لجمال الخيل العربية الأصيلة    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    «جمعية تجهيز» تُخصص رقماً مجانياً للتواصل    محمد بن ناصر: رياضة المشي لها دورها في الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة    طلاء سحري يقتل البكتيريا والفيروسات    ارتفاع حرارة الأطفال بلا سبب    الميتفورمين يخفف آلام التهاب مفاصل الركبة    2 مليار إيرادات تطبيقات نقل الركاب    مواعيد مباريات نصف نهائي دوري أبطال أسيا    «مجمع الملك سلمان» يُشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    جمعية الكشافة تختتم مشاركتها في معرض "أسبوع البيئة 2025"    تهنئة 3 دول بمناسبتي ذكرى الاستقلال ويوم الحرية    ‏ #صامطة تتألق بحدث رياضي ملهم: " #امش_30" يجمع الأهالي لتعزيز الحياة الصحية    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع الرياض    أمير جازان يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنتقل من الماركسية إلى الايمان ويتوقع استيعاب إسرائيل عربياً . عبد الوهاب المسيري مؤلف "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية": العنصرية العربية تعزز المنطق الصهيوني
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 1999

في العام 1990 استقال عبد الوهاب المسيري من عمله في جامعة عين شمس، وتفرّغ للعمل على مشروع موسوعي هو الأوّل من نوعه في العالم العربي، صدر أخيراً عن "دار الشروق" في القاهرة بعنوان: "اليهود واليهودية والصهيونية نموذج تفسيري جديد". وهذا العمل الذي جاء ثمرة بحث دؤوب وجهد طويل النفس، وكلّف 460 الف دولار، موّلها الباحث والمفكّر المصري من موارده الخاصة ومن دعم بعض الأصدقاء، يطرح مجموعة من القضايا الفكريّة والسياسيّة الحارقة التي قبل المسيري أن يخوض فيها من دون تردد، معتبراً أن وجود إسرائيل وقتي وستخلفها دولة غير عنصرية، وأن الدفاع عن اليهود كأقلية دينية يصب في مصلحة العرب، وأن الانسان أكثر تعقيداً من الفكر المادي وأكثر رحابة وعمقاً.
يعد الاكاديمي المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري من أبرز المتخصصين في قضايا اليهودية والصهيونية في العالم العربي. وموسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية نموذج تفسيري جديد" 8 اجزاء من اهم ثمار جهده البحثي على مدى أكثر من ربع قرن. وقد نالت جائزة افضل اصدار مصري في مجال الموسوعات للعام 1998 من معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الاخيرة.
تتناول هذه الموسوعة كل جوانب تاريخ العبرانيين في العالم القديم، وتواريخ الجماعات اليهودية على امتداد بلدان العالم وتعداداتها وتوزعاتها وسماتها الاساسية وهياكلها التنظيمية، وعلاقات افرادها بالمجتمعات التي يوجدون فيها وبالدولة العبرية... كما تغطي اشهر الاعلام الذين ارتبطوا بالجماعات اليهودية. وتتناول ايضاً كل ما يتعلق بتاريخ اليهودية وفرقها وكتبها الدينية وطقوسها وشعائرها وأزمتها في العصر الحديث.
إلتقت "الوسط" الدكتور عبد الوهاب المسيري، ودار الحوار حول الهدف من صدور هذه الموسوعة ومصادر تمويلها، ورؤية المؤلف لمستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي وتحوله الفكري، وغير ذلك من القضايا التي تثيرها الموسوعة في ضوء الراهن الفكري والسياسي.
كيف تبلورت في ذهنك فكرة كتابة هذه الموسوعة؟
- اهتمامي بالصهيونية يعود الى اوائل الستينات، عندما اكتشفت حينذاك ان المكتبة العربيّة لا تشتمل على كتاب واحد يكشف من منظور انساني القضية الصهيونية. فقد كان كل الرصد ينطلق من معاداة السامية بل كان ينظر الى إسرائيل وقتذاك، مثلاً، باعتبارها مؤامرة شيوعية. وكانت إسرائيل تساعد على ذلك بترويجها لنفسها على انها رأسمالية تارة، وعلى انها شيوعية تارة أخرى، معتمدة على ما يسمى ديبلوماسية البوق، اي التحدث بجميع الأصوات. في ذلك الوقت كان يهمني الجمهور الافرو أسيوي من منطلق اشتراكي، فكتبت في العام 1965 كتيباً كان الاول من نوعه، لجهة تقديمه وجهة نظر ثورية معادية للامبريالية... ضد إسرائيل. وحقق هذا الكتيب نجاحاً غير عادي وشكل بداية اهتمامي فعلياً بالصهيونية. لكن العمل الموسوعي نفسه بدأ العام 1971، حينما كنت أعمل على كتاب "نهاية التاريخ"، اذ اكتشفت ان الكثير من المصطلحات الصهيونية او اليهودية غامضة بالنسبة الى بعضهم، فمثلا كلمة "الهستدروت" التي اصبحت الآن مألوفة لدينا، لم تكن كذلك في ذلك الوقت حتى عند مثقفين، واساتذة جامعات مرموقين، فأحد هؤلاء تحدث معي ذات مرة عن الهستدروت باعتباره حزباً. لذا قررت التوقف عن السرد لأعالج كل مصطلح في نهاية الصفحة والحقت بالكتاب مُسرداً.
عندما بدأت في هذا المُسرد كان في ذهني انه لن يتجاوز اكثر من عشر صفحات، ففوجئت بأن المفردات الصهيونية ذات طابع اصطلاحي. فمثلا كلمة "الديموقراطية الإسرائيلية" يجب ان ينظر اليها في سياق محدد، باعتبارها ديموقراطية الصهاينة في المجتمع الاستيطاني الإحلالي، مثل ديموقراطية جنوب افريقيا في السابق. وحتى "الهستدروت" او اتحاد العمال، نجد ان له طابعاً فريداً جداً، اذ انه يمتلك مصانع مثلاً، وكان يعتبر اكبر ممول في اسرائيل حتى عهد قريب. وهكذا وجدت ان المصطلحات الصهيونية تحتاج الى تعريف، فتحول المُسرد معجماً صغيراً، ثم تحوّل المعجم الصغير موسوعة من مجلد واحد صدرت العام 1975 بعنوان "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية - رؤية نقدية".
وعرفت بعض التحوّلات خلال عملك على المشروع...
- هذا صحيح. سافرت الى الولايات المتحدة لاستكمال مادة البحث، وأعددت بعض الملفات بهدف تحديث تلك الموسوعة ذات الجزء الواحد. وفور عودتي الى القاهرة بدأت عملية التحديث هذه بمساعدة شباب من الدارسين والأساتذة، شاركوا في صياغة بعض المداخل. لكنني في ذلك الوقت عشت منعطفاً غيّر طريقتي في التفكير، إذ انتقلت مما اسميه الرؤية التفكيكية، اي محاولة اظهار التحيزات، الى الرؤية التركيبية، اي محاولة طرح بديل تفسيري للصهيونية. وهذا جاء نتيجة اشياء عدة من ضمنها تراكم معرفي معين، وظهور النموذج كأداة تحليلية بدلاً من عملية الرصد. فالرصد المباشر الذي يسمي نفسه الرصد الموضوعي، هو في واقع الأمر رصد متلقٍ ولا يحيط به اطار.
أعتبر اليوم أن رصد الواقع يتمّ من خلال خريطة معرفية. قد تثار هنا قضية الذاتية والموضوعية، بمعنى انه اذا كان في ذهني خريطة معرفية. فكيف يمكن ان تقول ان هذا يتسق مع الواقع؟ وردي أن ما أقدمه من تفسيرات له، في اعتقادي، طابع تفسيري عالٍ، على رغم انه نتاج رؤيتي. هكذا أسقطت من مصطلحي كلمتي "ذاتي" و"موضوعي"، واحللت محلهما كلمتي "اكثر تفسيرية" و"اقل تفسيرية".
التمويل ليس أجنبيّاً
هل تلقيت دعماً مادياً او أدبياً ساعدك في إنجاز الموسوعة؟
- وصلني دعم من اصدقاء شخصيين، اشتروا نسخاً من الموسوعة قبل النشر. وهذه العملية بدأت العام 1990 تقريباً. قبل ذلك التاريخ، كنت انا وزوجتي نقوم بعملية التمويل من مواردنا الخاصة. في 1990 استقلت من عملي في جامعة عين شمس لأتفرغ للموسوعة تماماً، وهذا التفرغ لم يكن ممكناً من دون توافر مواردي الخاصة. وفي مقدم الاصدقاء الذين ساعدوني في هذا المجال سامي عبده، وهو مصرفي في لندن، وسعيد الحسن نجل القيادي الفلسطيني المرحوم خالد الحسن. هذان الصديقان ساعداني بصورة مباشرة، وكذلك من خلال اتصالهما ببعض اصدقائهما من المهتمين بالقضية الفلسطينية ليشتروا نسخاً من الطبعة الفاخرة التي ستصدر قريباً لتُطرح بسعر الف دولار للنسخة الواحدة 8 مجلدات. وكما هو واضح فإن ذلك يعد نوعاً من التمويل بأثر رجعي.
تردد أن منظمة التحرير الفلسطينية ساهمت في تمويل هذا العمل... ما مدى صحة ذلك؟
- ما يمكن أن أقوله في هذا الصدد، انه لا توجد جهات أجنبية ساهمت في التمويل. وانا اعتبر ان تمويل عملية بحثية بهذه الطريقة التي اتبعتها، انا شخصياً، كارثة كبرى. إذ انه يجب ان تقوم بتمويل عملية كهذه مؤسسات بحثية. فأنا مثلاً الآن في حاجة الى تمويل موسوعة عن اسرائيل، انطلاقاً من المجلد السابع لموسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" الذي لا يتعدى كونه رؤوس مواضيع. يجب أن نعرف انه لا توجد مراكز بحوث توفر مثل هذا الاعتماد الضخم الذي أنفق على موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية"، علماً انه بلغ 460 الف دولار. ولا يمكن لأي مؤسسة الاستمرار في الانفاق طوال 25 سنة، وهي المدّة التي استغرقها انجاز تلك الموسوعة. هذه مشكلة كبرى تواجهنا الآن.
دفاع عن اليهود؟
هل انت من انصار اليهود كأقلية؟
- لا أعرف ما الذي يعنيه أن تكون "من انصار اليهود كأقلية"، أو "من أعدائهم"! بالطبع انا لا اعادي احداً بناء على انتمائه الديني، والا كنت متعصباً وعنصرياً. كما انني اؤمن بالموقف الذي يرى ان الاقليات جزء من الامة، لها ما لنا وعليها ما علينا. وطالما انهم لا يعتدون على احد، فلا بد من الدفاع عنهم والحفاظ على هويتهم. بالنسبة الى اليهود تحديداً، أنا أؤيد هذا تأييداً مطلقاً، من المنظور الإنساني أولاً، وثانياً من الناحية العملية: إذ ان اليهودي الذي يترك وطنه يتحول مستوطناً يحمل السلاح ضدنا، وليس هذا في مصلحتنا على الاطلاق. والتآمريون والعنصريون لا يدركون هذا، ويسقطون في المنطق الصهيوني من دون ان يدروا. فجوهر الصهيونية هو ان يترك اليهودي وطنه لأنه لا ينتمي اليه، ويعود الى فلسطين او إسرائيل أو أرض الميعاد ليصبح مستوطناً صهيونياً.
لا بدّ أن يظل اليهودي مواطناً عربياً في بلده، له حقوقه كاملة، ولا بد من الدفاع عنها. ولا بدّ من الحرب ضد العنصرية واللاسامية. فكيف ننسى أن العنصرية الغربية هي التي وطنت اليهود في فلسطين للتخلص منهم؟ يجب ان تحل كل امة مشاكلها مع اقلياتها، في اطار الاعتراف بحقوق الانسان كاملة، فيكون ذلك دليلاً على كبر تلك الأمّة وعظمتها.
تهديدات بالقتل
يقال إنّك تلقيتَ اثناء إعدادك الموسوعة تهديدات بالقتل من يهود متطرفين. فماذا عن ردود الفعل لدى الجانب الإسرائيلي؟
- لم تصلني أيّة ردود فعل بعد. ونحن العرب، على اية حال، نعتقد خطأً بان إسرائيل تولي اهتماماً شديداً لكل ما يصدر عنا. فمثلاً، انا قابلت مرة الجنرال ميتياهو بليت، وهو متخصص في الرواية العربية، واخبرته عن أعمال جمال الغيطاني التي كنت أقرأها حينذاك، وهي من روائع الادب العربي في تصوري، ففوجئت بأنه لم يسمع بها من قبل. نحن نبالغ في مدى اهتمام الإسرائيليين بنا. بالطبع هم يهتمون بالعرب، لأنهم يحيطون بهم من كل اتجاه، وهذا مفهوم في اطار الهاجس الامني الإسرائيلي. فهؤلاء سرقوا الارض العربية واقاموا وطناً عليها، ومن الطبيعي ان يخشوا قيام العرب بثورة ضدهم، وليس مستغرباً بالتالي ان يحاولوا فهم العقلية العربية. على اية حال، كلفت احد الاصدقاء المتابعين للصحافة العبرية، أن يرصد ردود الفعل على الموسوعة، وحتى الآن لم يبلغني بشيء.
تجاوز البعد السياسي
ماذا تتوقّع أن يكون مدى الاستفادة من صدور موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" على الصعيد العربي؟
- مما لا شك فيه ان صانع القرار العربي سيستفيد من محتوى الموسوعة، مع العلم أن مشروعي الفكري يتجاوز البعد السياسي الحصري. لقد طرحت رؤية في علم الاجتماع سميتها "الجماعات الوظيفية"، وأوليت اهتماماً خاصاً بالمنهج التحليلي، انطلاقاً من النماذج. عالجت ايضاً فكرة الفرق بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. وتناولت الكثير من الافكار التي تصلح للتطبيق على الجماعات اليهودية وعلى غيرها... لذلك اسميت المجلد الاول من الموسوعة "الاطار النظري"، وعلاقته باليهود واهية للغاية لأنه يقدم اطاراً نظرياً اكثر عمومية وشمولاً.
اشتكى بعضهم من ارتفاع سعر النسخة الواحدة من الطبعة الاولى للموسوعة حوالي 220 دولاراً. ومع ذلك فأنت تعتزم اصدار طبعة فاخرة. أليس من المستحسن التفكير في اصدار طبعة شعبية؟
- الطبعة الموجودة في السوق حالياً شعبية في الواقع، فهي من 8 مجلدات من القطع الكبير ومجلدة تجليداً فاخراً وسعرها 800 جنيه مصري، ووافقت دار النشر الشروق على السماح لمن يريد ان يشتريها بالتقسيط المريح بحيث لا يزيد ما يدفعه على 60 جنيهاً شهرياً وهو يعادل ثمن تذكرتي سينما الآن.
نشأة برجوازية ريفية
هل كان لنشأتك في بيئة ريفية تأثير على حياتك الاكاديمية؟
- هذه النشأة جعلتني باحثاً مثابراً. لا تنسَ ان ابناء البرجوازية الريفية - وانا منهم - ينشأون في خشونة، خلافاً لأبناء البرجوازية الحضرية. كان والدي يردد أن لا علاقة لنا بثروته، زادت ام نقصت، وان علينا ان نعيش في مستوى اولاد الموظفين. وأذكر جيداً انه حينما امتلك سيارة خاصة، في منتصف الخمسينات، منعنا من ركوبها وكان يقول لنا: اركبوا الترام مثلكم مثل بقية الشباب. كنت اشكو من هذا آنذاك، لكنني تعلمت، في ما بعد عندما ازددت حكمة، انه نفعنا كثيراً بذلك. وعندما ذهبت الى الولايات المتحدة، ولم يكن عندي اي مصدر دخل، عملت خفيراً في مصنع.
هناك جانب آخر هو الايمان بفكرة المجتمع، فالانسان ليس فرداً مطلقاً، بل هو جزء من مجتمعه. السائد الآن ان كل مجتمع يتكون من افراد، وانا دائماً ارى أسبقية المجتمع على الفرد، وهذه مسألة مهمة للغاية. أنا ايضا اقدر كثيراً مبدأ التراجم بين الناس، وأرى أن التعاقد شيء مهم، لكنه ليس جوهريا بالنسبة الى الانسان، لذا أؤمن بضرورة الاحتفاظ بالعلاقات الانسانية التي تتجاوز العلاقات الاقتصادية.
كنت ماركسياً ثم انقلبت مؤيداً للاتجاه الاسلامي، فما سر هذا الانقلاب الفكري؟
- عندما كنت ماركسياً، كنت اؤمن بالقيم الماركسية المطلقة مثل العدالة والمساواة... وركزت على مفاهيم ليس لها علاقة شديدة بالنظرية المادية. يجب ان ندرك وجود انقسام داخل الفكر الماركسي: هناك ماركس الانساني، وماركس المادي. الاول يرى مثلاً ان الانسان لا يجب ان يغترب عن جوهره، ويؤكد مسألة الحرية والثورة. كل هذه الاشياء آمنت بها وظلت جزءاً من منظومتي الفكرية.
أما النظريات القائلة بأن الانسان ما هو إلا نتاج ظروفه الاقتصادية، وأن علاقات الانتاج هي التي تحدد وعي الانسان، وغيرها من الافكار التي تحولت الى ستالينية فيما بعد، لم اؤمن بها كثيراً. ولذلك كنت معجباً بروجيه غارودي حينما كان منظراً ماركسياً، لأنه كان يؤكد هذه الجوانب. وتدريجاً اكتشفت ان النظرية الفلسفية المادية غير قادرة على تفسير ظاهرة الانسان. فالانسان اكثر تركيباً من الفكر المادي واكثر رحابة وعمقاً.
كل هذا جعل من العسير ان اتقبل ضيق المادية، فانتقلت منها الى رحابة الانسانية. وحينما بدأت انظر الى الانسان باعتباره كائناً غير خاضع للقوانين المادية، أي ان فيه جانباً أساسياً يتجاوزها، فإن هذا الجانب قادني الى الله. اذا كان داخل الانسان ما يستعصي على التفسير المادي، فهو اذاً غير مادي. هناك ما هو غير مادي في الانسان يشير الى وجود الله سبحانه وتعالى. هكذا انتقلت من المادية الى الانسانوية، ومن الانسانوية الى الايمان.
رفيقة دربك الدكتورة هدى حجازي لم تتحول فكرياً مثلك...
- لا أعتقد بأن الزواج يتم على أساس ايديولوجي، لكن يجب ان يكون هناك حد ادنى من القيم المشتركة. وأنا كنت ولا أزال أؤمن بالعدالة والامانة والحب والتجاوز... وهذه قيم موجودة عند اي انسان له توجه انساني عام، سواء كان ايمانياً او إلحادياً، وبالتالي كانت توجد مجموعة من القيم المشتركة بيني وبين زوجتي لم نختلف عليها ابداً. نختلف دائماً لكن في التفاصيل. اما بخصوص القيم الاساسية، فلا يوجد بيننا اختلاف حقيقي. على سبيل المثال نؤمن، انا وزوجتي، بضرورة تعليم النشء بأمانة بصفتنا من اساتذة الجامعات، وهذا، فضلاً عن سواه، يشكل الارضية العريضة لاتفاقنا رغم اختلافاتنا الايديولوجية.
مستقبل اسرائيل عربي
كيف تنظر إلى مستقبل الصراع العربي - الاسرائيلي؟
- أعتقد بان اسرائيل ليس لها مستقبل في المنطقة. فهي دولة استعمارية، استيطانية، إحلالية، في وقت انتهت كل الجيوب الاستيطانية الإحلالية في العالم، فلماذا تُستثنى اسرائيل؟ وانتهاء وجود اسرائيل لن يأتي بالضرورة عبر مذابح وما شابه. ففي جنوب افريقيا، مثلاً، تم القضاء على الجيب الاستيطاني من دون اي مذابح، وتم استيعاب الاقلية البيضاء في داخل التشكيل الجديد. وانا أتصوّر انه سيتم مستقبلاً تشكيل مجتمع جديد يقوم على العدل ويتخلّص من العنصرية. أقصد ان تلغى كل القوانين العنصرية في اسرائيل، وتجري انتخابات عادلة وتوضع ضمانات لحقوق الجميع الدينية والسياسية والعرقية، وفي داخل هذا الاطار ستنشأ دولة جديدة. ويقول بعض الصهاينة ان هذا يعني انتهاء الصهيونية. وانا اقول نعم، انه يعني ذلك، كما يعني انتهاء الطابع المميز لدولة اسرائيل الذي يقوم على استعماريتها واستيطانيتها وعنصريتها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.