معرض جديد عن بابلو بيكاسو في لندن يكشف وجهاً جديداً للرسام الاسباني الغزير ويغيّر نظرتنا الى طريقة عمله. آن بلوساري، مديرة متحف بيكاسو في باريس عثرت على سبعة عشر الف صورة فوتوغرافية التقطها الفنان واصدقاؤه، واعتمد على بعضها في اجراء التجارب الدائمة سعياً الى التجديد. والمعرض في باربيكان غاليري يستمر حتى 28 آذار مارس ويحوي لوحات وأساسها الفوتوغرافي، ويسخر من التفسيرات العميقة التي اجتهد النقاد الاذكياء في البحث المعقد عنها. لم تتعرض لوحة للاجتهادات والشروح كما فعلت "آنسات افينيون" التكعيبية في 1907. أشار النقد الى التأثر بالفن الافريقي القبلي وأقنعته والفن الإيبيري، وغاص في المعاني التي قلّد فيها بيكاسو لوحات السابحات ل"والدنا جميعاً" بول سيزان. لكن نحو اربعين بطاقة بريدية لنساء افريقيات التقطها ادمون فورتييه في اوائل القرن كانت الاساس الذي اعتمد عليه في "آنسات افينيون" وغيرها. اهتم الفنان بالتعارض بين الضوء والظل على الجسم ودرجات كل منهما على الجلد الاسود، واستفاد من بطاقات فورتييه في المرحلة التي وصفت بالزنجية. الجسم الأبنوسي اللامع في صورة امرأة من قبيلة مالنيكه يتحول في "عارية ويداها مرفوعتان" الى جسم صلب حاد الخطوط كأن الريشة تنحته لا ترسمه. تماماً كما فعل سيزان عندما رسم اجساد السابحات الثقيلة بألوان كثيفة كأنه اراد تجسيم الشكل. وفي "آنسات افينيون" رسم وجوهاً سوداء تشبه الاقنعة فوق اجساد شاحبة او مائلة الى الاحمر، ونقل اوضاع الافريقيات الواقفات والجالسات بأشكال هندسية حادة آخر همّه فيها ان يحافظ على نعومة الجسد النسائي مهما بلغ عنفوانه. بيكاسو علّق اللوحة في محترفه في مونمارتر ووجهها الى الحائط لفرط الاستغراب الذي أثارته لدى كل من رآها، لكن البطاقات الافريقية توضح انفتاحه على الجديد وتوسيعه مصادر وحيه باستمرار. يمنع طلاب الرسم من استخدام الصور الفوتوغرافية ويطلب منهم النقل مباشرة عن الشكل الاصلي، لكن لا احد يحاسب من يعتبره كثيرون اعظم رسامي القرن العشرين اطلاقاً. اعجب ابو المجددين، من حين الى آخر، بانغريه الكلاسيكي الذي كان يعتبر نفسه اغريقياً والذي استخدم هو ايضاً الصور الفوتوغرافية بدلاً من الموديل الحي للوحاته. استعان بيكاسو بانغريه لرسم هيئة لغرترود شتاين، ومع انه نقل لوحة "اولغا على الكرسي" عن صورة لزوجته اولغا كوكلوفا فان عنايته بالفستان والرسوم على الكرسي تذكر بعناية الرسام الفرنسي الفائقة بأزياء من يرسمهن ولا سيما منهن مدام مواتسييه في فستانها الابيض القليل الذوق المزركش بالازهار. اول هجرته الى فرنسا رسم بيكاسو لوحات غلب عليها اللون الازرق، ورأى نقاد سبباً واحداً ل "المرحلة الزرقاء". فقر المهاجر الجديد منعه من شراء الوان اخرى وحدّد خياراته، لكن معرض "بيكاسو والتصوير: المرآة السوداء" يعرض نسخاً بالابيض والاسود للوحات من إل غريكو وغيرلاندايو منحتها بعداً جديداً وقلّدها بيكاسو في تلك الفترة للحصول على التأثر القوي الذي ينشده من الوان قليلة. ولئن ابرز الابيض والاسود العلاقة بين الضوء والظل فالفنان رأى ان اللونين يقللان من الفارق بين الشيء وصورته. صحيح انه نسخ احياناً لكن ما اراده اساساً معرفة الشكل الجديد للشيء نفسه عند تغيّر زاوية النظر. الصورة التي التقطت من الجو لبلده اسبانيا تصبح في "بيوت على التلّة" احجاماً متصلة تعطي انطباعاً بتفاوت الارتفاع. لكن صورة عشيقته الشابة ماري تيريز والتر وهي تحمل طابة على الشاطئ تتحول الى ما يشبه حرف نون في اللاتينية مزيناً بكرة في اعلاه. لا يكفي، قال بيكاسو، ان نعرف اعمال الفنان، بل يجب ان نعرف متى حققها، لماذا وكيف، وتحت اي ظرف. "يوماً ما سيولد علم يتعاطى الابداع البشري"، كان اكيداً، "وأريد ترك اكبر سجل ممكن لمن بعدي".