استبق الملك حسين عودته إلى الأردن برسالة متلفزة الى الأردنيين تحدث فيها عن عزمه اجراء تغييرات ولكن من دون ان يحدد طبيعة هذه التغييرات. وقبل يومين من عودته كذّب الملك حسين بلسان الناطق باسم الديوان الملكي الانباء التي تحدثت عن لقاءاته مع مسؤولين اميركيين بهدف ترتيب خلافة الملك حسين ومستقبل الأردن بعده ونقل ولاية العهد من شقيقه الأمير حسن الى احد ابنائه. وفي تكذيبه للأنباء نفى الناطق باسم الديوان الملكي الأردني حدوث اي لقاء من هذا النوع، مؤكداً ان قرارات الملك شأن داخلي لا علاقة لأي طرف خارجي بها، لكنه لم ينف سيل الاشاعات عن مسألة ولاية العهد. ولوحظ ايضاً في الآونة الاخيرة، وحتى فور عودة الملك الى عمان، انه تجنب ذكر "ولي العهد" عند حديثه عن الامير حسن واكتفى بوصفه "نائبي وقرة عيني". لكن ما لفت الانتباه هو انطلاق موكب الملك حسين من المطار الى شوارع عمان من دون ان يصطحب معه الامير حسن كما حدث العام 1992 عندما عاد من رحلة العلاج الأولى اثر اصابته بسرطان الحالب آنذاك، اذ قاد الامير سيارة الملك بنفسه طوال نحو ثلاث ساعات بين جموع المواطنين. اما هذه المرة فجلست زوجته الملكة نور الى جانبه. وكشف مسؤول أردني لپ"الوسط" ان الملك حسين ابلغ الامير حسن هذه المرة ان المقتضيات الامنية لا تسمح بوجود الرجلين في سيارة واحدة. وقطع موكب الملك حسين مسافة ثلاثين كيلومتراً بين المطار ومنزله وسط حشود الأردنيين الذين تجمعوا على جوانب الطرقات وفي الساحات العامة منذ الصباح وحتى الساعة الرابعة والنصف مساء ومن كافة محافظات المملكة على رغم برودة الطقس الشديدة والمطر وعلى رغم عطلة عيد الفطر. الحشود الأردنية التي خرجت لاستقبال الملك حسين وقدرت بين مئات الآلاف ومليون شخص لم يكن بينها اي حشد منظم، بمعنى ان خروج الناس كان عفوياً ولم يخرج طلبة المدارس او الجامعات او الموظفون بأمر مؤسسي. وعلى رغم الآثار الواضحة للعلاج الكيماوي التي انعكست نحولاً في جسده وتغير ملامح وجهه وسقوط شعره فقد خرج الملك حسين من سقف سيارته ملوحاً لمواطنيه واستوقفته الحشود في تجمعين ضخمين، ولم تفلح جهود رجال الأمن في ابعادهم عنه الا بعد حين. ويبدو ان الملك استجاب لنصائح الاطباء هذه المرة في تجنب الارهاق ولو لم يستجب لنزل من سيارته وشارك الجموع احتفالاتهم كما فعل في المرة السابقة. على ان استجابته لم تكن كاملة هذه المرة ايضاً، فخروجه من سقف سيارته طوال اكثر من ساعة وفي طقس عاصف كان مغامرة لرجل مثله يحتاج الى فترة نقاهة طويلة لكي يكتسب المزيد من المناعة. ولم تقتصر احتفالات الاردنيين على الحشود التي استقبلت الملك العائد من رحلة العلاج الطويلة بل سبقتها منذ ان اعلن موعد عودته قبل اربعة ايام ثم تلتها وستستمر حتى اشعار آخر، اذ أقيمت المضارب ونحرت الجمال وزينت شوارع العاصمة وساحاتها وكل المدن والقرى باليافطات والاعلام والاضواء. ولكن هذا الفرح الأردني الطويل ترافقه اسئلة ملحة عن مستقبل الأردن بعد عودة الملك. فالملك حسين الذي تعهد لمواطنيه بالانتصار على المرض يعود هذه المرة بحسابات مختلفة يفرضها الواقع الراهن وضرورات الاعداد للمستقبل. ففي الواقع الراهن ما زالت المشكلات الاقتصادية التي يعانيها الأردن منذ سنوات عدة ضاغطة عليه وتتمثل في مستوى معيشة المواطن المتدنية وجيوب الفقر المتسعة والبطالة التي تهدد اجيالاً من الشباب بالاخطار. حتى ان انحباس المطر حتى الاسبوع الماضي وضع الأردنيين امام مشكلة حقيقية مقبلة لا محالة سواء على الصعيد الزراعي او حتى مياه الشرب مثلما دفع الحكومة لاعلان حالة الجفاف والسعي لاستيراد الاعلاف للمواشي ودعم المزارعين. ويساهم ايضاً في الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية الاداء السياسي الداخلي لسلطات الدولة، خصوصاً الأداء الفاتر للسلطتين التشريعية والتنفيذية وضعف ثقة المواطنين بدور مجلس النواب. وعلى الصعيد الخارجي تزداد الهوة بين الموقفين الرسمي والشعبي من العراق الذي شكلت التطورات الاخيرة فيه هماً حقيقياً للاقتصاد الأردني على رغم تواصل تدفق النفط العراقي والتوجه نحو تجديد البروتوكول التجاري. وفي الاتجاه الآخر - غرباً - سلام لم ينجز بعد مع الدولة العبرية فلم يشعر بفوائده المواطنون الاردنيون كما وعدوا بها في السابق، واحباط في الشارع الفلسطيني لا بد أن ينعكس على الأردن لأسباب جغرافية وديموغرافية معاً. الملك حسين تعهد فور عودته باجراء مراجعة شاملة... وجعل المواطنين يشعرون بالثقة والامان والراحة نحو مستقبلهم، والأردنيون يتوقعون منه قرارات في هذا الشأن. ولكن ما هو مضمون هذه القرارات وعلى اي صعيد ومتى تتخذ؟ يجيب مسؤول أردني كان في استقبال الملك لدى عودته بأن هنالك قناعة بين معظم رجال الحكم والسياسيين المجربين في الأردن بأن تغييراً واسعاً و"على اعلى مستوى" اصبح على الأبواب وان الملك حسين اشار بالفعل الى هذا التغيير في اكثر من مناسبة. ويتابع: "اعلى مستوى" هنا قد تصل الى ولاية العهد ولكن لا احد يستطيع التأكد حتى الآن ان كان المقصود تغيير ولاية العهد ام تسمية احد ابناء الملك ليكون ولياً لعهد الأمير حسن في المستقبل. اما عن موعد القرار فيقول المسؤول الأردني ان من اهم اسباب نجاح الملك حسين توقيت قراراته وليس مضامينها فحسب، وليس من وقت انسب لاتخاذ هذه القرارات مثل الوقت الراهن حيث الفرح بقدوم الملك والعواطف الجياشة تجاهه وانتظار قرارات التغيير لعلها تحمل علاجاً لهموم مواطنيه... بمعنى أن موعد القرار أصبح مسألة أيام معدودة وليس أسابيع