جاء تشكيل الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة الدكتور فايز الطراونة مخالفاً لتوقعات غالبية السياسيين الأردنيين، خصوصاً الذين راهنوا على اعلان مرحلة أردنية جديدة شبيهة بانطلاقة الديموقراطية في 1989، وما تتطلبه من خطاب سياسي مختلف عما كان سائداً منذ 1993، اي منذ اعلان واشنطن وتوقيع معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية في 1994. وإذا كانت حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي قد ترنحت وفقدت شعبيتها بفعل ضغوط داخلية، فلا ينكر احد ارتباط هذه الضغوط بعوامل خارجية لا يمكن للأردن الانفكاك عنها. وعلى رغم تغيير البرامج المعلنة لأي حكومة جديدة فان البنود الأردنية لن تتغير، لأسباب تتعلق بالضغوط الداخلية والظروف المحيطة على حد سواء. كما ان الحكومة قد تجد نفسها في غالبية الاحيان غير قادرة على ترتيب اولوياتها في نطاق بنودها المعلنة او غير المعلنة. على ان هذه النظرة الى الحكومة الجديدة يجب الا تنكر على رئيس الوزراء الجديد الشاب نجاحاته المتصلة منذ منتصف الثمانينات، حين شغل منصب المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، وعمل مع ثلاث حكومات بهذه الصفة، قبل ان يصبح وزيراً للتموين في 1988، اضافة الى طموحاته في التقليل، ما أمكن، من الآثار القاسية للضغوط الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. لكن الوزارة الجديدة ومن خلال رئاستها وتركيبتها لا توحي بأن تغييراً جذرياً حدث، إذ اتّبع الاسلوب نفسه في اختيار الوزراء كما في كل الحكومات السابقة. واللافت ان الدكتور الطراونة هو رئيس الوفد الأردني المفاوض مع اسرائيل، وتسلم المهمة من الدكتور عبدالسلام المجالي الذي تولى رئاسة الوفد في المرحلة الأولى منذ مؤتمر مدريد 1991 الى ان شكل حكومته الأولى في 1993. وهكذا فقد خلف الطراونة المجالي في رئاسة الوفد المفاوض ثم في رئاسة الحكومة، والاثنان من مدينة الكرك جنوبالأردن كما تضم حكومة الطراونة عدداً من اعضاء الفريق المفاوض او مستشاريهم. وتولى الدكتور جواد العناني منصب رئيس الديوان الملكي خلفاً للطراونة. وكان الرجل الثاني في الوفد الأردني المفاوض، وهو مقرب من المجالي والطراونة. وتدل هذه المواصفات على طبيعة بنود الحكومة الجديدة، إذ سيظل السلام مع اسرائيل على رأس جدول اعمالها، على رغم مأزق السلام والتعنت الاسرائيلي. وفي سعيها الى هذا الهدف ستواجه الحكومة اخطر موروث تركته سابقاتها: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الثقيلة، والازمات التي تطرأ بين حين وآخر، كأزمة مياه الشرب الملوثة التي شكلت القشة التي قصمت ظهر حكومة المجالي. تشكيل الحكومة الأردنية الجديدة جاء بأمر اصدره الملك حسين في مشفاه في الولاياتالمتحدة، ونفذه ولي عهده الأمير حسن، وهي سابقة لم تحدث من قبل في الأردن. فللمرة الاولى منذ قيام الدولة الاردنية فوّض العاهل الاردني نائبه احدى المهمات الثلاث الكبيرة التي كانت تستثنى - حصراً - من مراسيم تعيين نائب الملك وصلاحياته طوال غياب الملك خارج البلاد، وهي: ابرام المعاهدات، واعلان الحرب، وتعيين الوزراء واقالتهم وقبول استقالاتهم. وتقول مراجع قانونية اردنية ان نص الارادة الملكية المرسوم الخاصة بتعيين نائب الملك لم يتغير منذ عهد الملك عبدالله مؤسس الدولة الاردنية. فقد توجه الملك حسين من مستشفى مايو كلينيك في ولاية مينيسوتا الى العاصمة الاميركية واشنطن حيث السفارة الاردنية، ليوقع المرسوم الذي منح بموجبه نائبه وولي عهده الامير حسن صلاحية تعيين الوزراء واقالتهم وقبول استقالاتهم، باعتبار ان السفارة ارض اردنية. وارسل المرسوم بالفاكسميلي الى عمان في 12 آب اغسطس الجاري ووقع عليه في الحال رئيس الوزراء ووزير الداخلية، لأن نفاذ الارادة الملكية لا يتم من دون توقيعهما. وجاء هذا التفويض مؤشراً على حقيقتين ادركهما الرأي العام الاردني منذ اللحظة الاولى: - ان الملك حسين عدل عن فكرة العودة الى عمان نهاية الشهر الجاري بعد تعافيه من آثار الجرعة الثانية للعلاج الكيماوي ضمن المرحلة الاولى التي تقتضي تناوله ست جرعات، مدة كل منها اربعة ايام، وتفصل بين الجرعة والاخرى فترة ثلاثة اسابيع. وقال مسؤول اردني كبير يستعد للسفر الى الولاياتالمتحدة للقاء الملك حسين هذا الاسبوع، ان قرار تأجيل عودة الملك سيمتد الى حين اكتمال مرحلة العلاج الاولى، اي حتى نهاية تشرين الاول اكتوبر المقبل. واوضح ان القرار اتخذه الاطباء هذه المرة. ووفقاً للمصدر ذاته، فان الاطباء يخشون من اصابة الملك بانتكاسة صحية بعيداً عن المستشفى الذي يتلقى العلاج فيه، خصوصاً ان العلاج الكيماوي يؤدي الى هبوط شديد في المناعة وصفائح الدم في الايام التالية لتناول الجرعة. ومن هنا حددت الفترة بين كل جرعتين بثلاثة اسابيع اي الى حين عودة المناعة الى مستوياتها الطبيعية. على ان نصيحة الاطباء - والكلام للمسؤول الاردني - ليست مؤشراً سلبياً على صحة الملك حسين، فهم متفائلون بتحسن صحته واستجابته للعلاج اضافة الى عزيمته على مقاومة المرض.