"لقد خسرت افريقيا صديقاً كبيراً"، بهذه الكلمات رثى سيريل تامافوزا الرئيس السابق لحزب "المؤتمر الوطني الافريقي" رجل الاعمال رولاند فوهرهوب والتر المعروف ب"تايني" رولاند الذي توفي عن عمر ناهز الثمانين عاماً اثر صراع دام سنوات مع سرطان الجلد. فعلى رغم أن الراحل ولد في الهند لأب ألماني وأم بريطانية وبدأ انطلاقة متواضعة في الاعمال التجارية في لندن، كانت افريقيا بطولها وعرضها شغله الشاغل على امتداد حوالي نصف قرن. في القارة السوداء أخذ نجمه يسطع اثر الحرب العالمية الثانية. وفي روديسيا استطاع السيطرة اوائل الستينات على شركة "لونرو" ووضع اللبنة الاولى لامبراطورية تجارية طاولت معظم الدول الافريقية ودولاً عربية، خصوصاً ليبيا والسودان. وأقام علاقات تجارية مع رجال اعمال كويتيين كما حاول تنفيذ مشاريع في الخليج تتصل بالنفط، لكن سرعان ماانتهت مساعيه الى الفشل. ويقول البريطاني توم بور في كتاب عن سيرة حياة رولاند نشره العام 1993، أن الاخير تعرف على الرئيس الراحل انور السادات وعائلته. وعدا أنه تاجر أوائل حياته لفترة قصيرة بالبرتقال الجزائري، تردد أنه كان مقرباً من العقيد معمر القذافي. وقيل أنه عقد صفقات تجارية مع الحكومة الليبية تمخضت احداها عن اتفاق بيع سلسلة فنادق لطرابلس الغرب. وذكرت اوساط المعارضة الليبية أن رولاند قبض "5،177 مليون جنيه استرليني، أي بما يفوق تقديرات السوق لثمن حصة شركة لونرو العالمية من مجموعة الفنادق بأكثر من 75 في المئة". وأشارت هذه المصادر أيضاً الى أن رولاند عينّ أحد أقرباء مسؤول ليبي، عضواً في مجلس ادارة شركة Trade Wings CO. التي يملكها. ويعتقد أن علاقته بالقذافي بدأت بعد وصول الاخير الى السلطة. ووجهت أصابع الاتهام الى رجل الاعمال الراحل في قضية اعتقال السلطات الليبية اثنين من الضباط السودانين من قادة الانقلاب على حكومة الرئيس جعفر النميري العام 1971. اذ لايستبعد أنه نبه السلطات الليبية الى وجود المقدم بابكر النور والرائد فاروق عثمان حمد الله على متن طائرة "بريتش اوفر سيز" البريطانية في طريق عودتهما من لندن الى الخرطوم لتسلم السلطة. وكان الاعتقال بمثابة ضربة قاصمة للانقلاب ساهم رولاند في توجيهها لاسباب عدة، منها طموحه الى تنفيذ أكبر مشروع لصناعة السكر في السودان، وسعيه الدائب لاستثمار المعادن التي يختزنها الجنوب السوداني، خصوصاً الذهب. والارجح أن رولاند تردد مراراً على الخرطوم حيث لقي ترحيب الحكومة السودانية المتعاقبة، وحافظ على علاقات مع معظم الزعماء بمن فيهم الفريق عمر البشير. وتردد أن الرئيس السوداني استجاب لوساطة قام بها رولاند أوائل التسعينات لاطلاق أسيرين اسرائيليين احتجزا بتهمة التورط في تهريب يهود الفلاشا. خادم للأميركيين؟ غير أن من الصعب الوقوف على تفاصيل علاقات رولاند وخفاياها، فعدا الغموض الذي يكتنف نشاطاته غلب التناقض على سلوكه المهني والسياسي وأثار تساؤلات تصعب الاجابة عنها بشكل مقنع. فمثلاً اتخذ مواقف متفاوتة حيال ليبيا ورئيسها، حسب الصحافي ريتشارد هول الذي أشار الى ان رولاند "بدا تارة خادماً مطيعاً لأميركا وتارة أخرى مادحاً لليبيين". وقد دفعه حماسه للحكومة الليبية مرة الى اطلاق تصريحات نارية ضد الاميركيين جاء في أحدها قوله اذا كان "الليبيون يبيعون الارهاب بالمفرق فالاميركيون يتاجرون به بالجملة". كما لاتزال علاقته ب"الجيش الشعبي لتحرير السودان" موضع تساؤل، فرجل الاعمال الذي قيل انه تبنى هؤلاء المتمردين بزعامة جون قرنق وقدم لهم مساعدات مالية كبيرة لم يتردد في شق التنظيم العام 1991 اذ يعتقد أنه كان وراء انفصال جناح رياك مشار عن قرنق. الا أن أشهر صلات رولاند العربية لم تكن مع الحكومات أو المنظمات بل مع رجل الاعمال المصري محمد الفايد وتحولت الى حرب ضروس خاضها بلا هوادة ضد صاحب متاجر هارودز حتى وهو على سرير المرض. صحيح أن البليونير المصري امتنع عن التعليق في شكل سلبي على وفاة خصمه اللدود، وقال "لاأشعر بالبهجة لوفاته. وسأرسل تعازي لزوجته وعائلته"، لكن لايخفى على أحد أن الفايد كان نداً عامل غريمه بالمثل. واللافت في هذه العلاقة أنها ليست فقط متناقضة على طريقة صداقات رولاند العربية والافريقية الاخرى، بل تصلح نموذجاً لنشاطاته المهنية. وقد شهدت انتصارات كادت تكون ساحقة وهزائم وخيبات كبيرة مما يجعل مسارها أشبه بالخط البياني لحياته المليئة بالتناقضات المثيرة. بدأت علاقتهما قبل نحو عشرين عاماً حين باع الفايد شركة "لونرو" 20 في المئة من أسهمه في شركة بناء لقاء مبلغ نقدي ومقعد في مجلس ادارة "لونرو". وفعلاً انضم محمد وشقيقه علي الى مجلس الادارة الذي هيمن عليه رولاند. لكن لم يطل الوقت حتى تنحى الاخوان اللذان رحب بهما رولاند أول الامر بهدف دخول سوق النفط الخليجي. وبعد غيبة استؤنفت الاتصالات بينهما في 1983، وصار رولاند يتردد على مكاتب "صديقه" المصري في شارع بارك لين اللندني الشهير حيث فكر الاثنان مجدداً بتنفيذ مشاريع مشتركة في افريقيا والخليج. واعتقد رولاند أن رجل الاعمال المصري قد يكون مطية لتحقيق حلمه الاكبر: شراء "هارودز" أهم متاجر بريطانيا وواحد من أكثر مخازن العالم عراقة. وهو اضطر الى اللجوء الى الفايد لأن اتهام رئيس الوزراء السابق تيد هيث له في 1973 بأنه "الوجه غير المقبول للرأسمالية" كان لطخة سوداء في سجله تمنعه من الفوز بحلمه الكبير. الا أن الفايد، صاحب السجل النظيف الذي كان قد بدأ يتسلق سلم الثراء، قبض على الفرصة التي سنحت واحتفظ بالمتجر الشهير لنفسه العام 1986. فجُن جنون "صديقه" واندفع في صراع مرير مع خصمه اللدود لم ينته على رغم "هدنة" عقدها الرجلان في 1993. فرولاند ظل يردد حتى قبل رحيله باسبوع: "جل مااريده هو اجباره على الوقوف في قفص الاتهام". ذاكرة لا تشيخ والرجل المعروف بذاكرة لاتشيخ حين يتصل الامر بعداوته الكثيرة، ظل يعمل دائباً لتحقيق ذلك الهدف الذي بقي يراوده على امتداد 13 عاماً. لاشك أنه أصاب الفايد اصابات خطيرة، خصوصاً حين حصل بطريقة مثيرة على تقرير لجنة تابعة لوزارة التجارة والاقتصاد عن الفايد تضمن اتهامه ب"الكذب"، ونشره العام 1990 في صحيفته "ذا اوبزفر". كما ألحق بصاحب هارودز قدراً من الاذى عن طريق سلسلة من المقالات التي كتبها بقصد الاساءة الى سمعة رجل الاعمال المصري، ووزعها على عدد من الصحافيين. وقد أصدرها أخيراً في طبعة أنيقة تحت عنوان "البطل من الصفر" قُدرت كلفتها بمايزيد عن 25 ألف جنيه. ورفع قضية ضد الفايد بتهمة سرقة محتويات صندوق أودعه في خزانة الامانات لدى هارودز. ومع أن ذلك أدى الى اعتقال خصمه وانشغاله بمحاكمات استمرت 15 شهراً، فقد أصدر القاضي حكمه بإسقاط الدعوى قبل وفاة رولاند بحوالي اسبوع. هكذا ربما تمكن من اصابة الفايد بجروح لكنه فشل في "قتله" على رغم الوقت والمال اللذين كرسهما للتخلص من الفايد. وفي "حربه" تلك استعمل الرجل المثير للجدل أسلحته كلها بما فيها الدهاء والسخاء اللذان ساعداه في الماضي على الانتقال من رجل اعمال متواضع الى "خل وفي" لعدد كبير من الزعماء الافارقة. وهذا جانب آخر محير من جوانب شخصية الراحل. فكيف نجح رولاند في استمالة قادة أفارقة، في مقدمهم الرئيس نيلسون مانديلا الذي قلده أرفع أوسمة بلاده، مع انه اتهم بمساعدة النظام العنصري في روديسيا وسعى دائماً الى السيطرة على ثروات افريقيا؟ وماسر الثناء الواسع الذي حظي به في القارة السوداء، وهو رجل أعمال كان يبحث عن الربح قبل كل شيء وقيل أنه قدم مساعدات لأجهزة الاستخبارات البريطانية في افريقيا؟ وهو سرعان ماتخلى عن"أصدقائه" الاقوياء عندما شعر أن نفوذهم اضمحل. وهكذا طرد أقرباء الرئيس الكيني جومو كينياتا من "لونرو" فور موته، وبعدما قدم تبرعات كثيرة لجوشوا نوكومو على أمل أن يحكم زيمبابوي ابتعد عنه عندما خسر الرهان. الا أنه كان "سخياً" مع كثير من أصحابه حين كانوا وسيلة للوصول الى المناجم والثروات. لقد ترك رجل الاعمال الغامض عدداً من الاسئلة "الصعبة" ونجاحات حقق ابرزهاعن غير عمد حين استعمل صحيفة "ذا اوزرفر" التي امتلكها بين 1981 و1993سلاحاً في حربه مع الفايد، وأوشك على طرد رئيس تحريرها لأنه انتقد صديقه روبرت موغابي رئيس زيمبابوي. ففي الحالين أثبت رولاند من حيث لايدري أن المصالح، لا المبادىء الديموقراطية وحرية الرأي، هي السيد الاول في الاعلام الاوروبي