فرض ملف إزالة الألغام الأرضية في مصر 23 مليون لغم من أصل 110 ملايين لغم توجد في 64 دولة، بنسبة تبلغ 20 في المئة نفسه على اهتمام السلطات المصرية، لأسباب سياسية وأمنية وأخرى تتعلق بجهود غير حكومية لإزالة الألغام اقترحها رجال أعمال. وانتقدت وزارة الخارجية دولاً كبرى لعدم مساعدتها مالياً أو فنياً في إزالة أخطار زرعها أجانب في أراضيها. خصوصاً الولاياتالمتحدة التي اعتبرت إزالة الألغام من أفغانستان واليمن وأنغولا أولى من ازالتها من الأراضي المصرية. ورفضت مصر محاولات كندية لضمها الى الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لحظر الألغام الموقعة في اوتاوا العام 1996. وأكدت أن أسباب رفضها لا زالت قائمة، وتتمثل في أن الاتفاقية لم تتناول قضية المساعدات الواجب تقديمها الى الدول المتضررة، ولم تتطرق الى مسؤولية الدول التي زرعت هذه الألغام تجاه إزالتها. وأخذ هذا الملف بُعداً جديداً بعدما تكشف قيام عناصر ذات خبرة بفك ألالغام لاستخلاص مادتي الجلسرترين والنيتروسلولوز اللتين تستخدمان في تركيب مواد متفجرة، ما فرض وضع حقول الألغام في الصحراء الغربية وسيناء تحت الرقابة المشددة. وفي أجواء الموقف السياسي، وبسبب عدم المسؤولية الدولية والتكلفة المالية الباهظة لإزالة الألغام، ظهرت في القاهرة أول جمعية خاصة من نوعها لإزالة الألغام مهج، شكلها مجموعة من رجال الأعمال لمساعدة الحكومة من جانب ولتحقيق مصلحة خاصة من ناحية أخرى. وعرضت "مهج" على الحكومة مشروعاً لتحمل تكلفة نزع الألغام في مقابل حق استغلال الأراضي المنزوعة الألغام أو تملكها بتسهيلات لإقامة مشاريع. ولم تبت الحكومة الأمر حتى الآن، على رغم بدء هذه الجمعية نشاطاتها. وكشف الدكتور محمود كارم مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة نزع التسلح في الوزارة أسباب استياء مصر من دول كبرى. وقال ل "الوسط": "تعهدت بريطانيا تقديم خمسة أجهزة لكشف الألغام تكلفتها 400 ألف استرليني، ووعدت بتخصيص ميزانية ثابتة تبلغ نصف مليون استرليني في عامي 96 و1997 لمساعدة مصر، لكنها لم شيئاً، فيما قامت إيطاليا بتدريب مجموعة من الجنود المصريين على إزالة الألغام، وسلمت الحكومة المصرية 22 خريطة، أما ألمانيا فبعد أن أبدت الاستعداد الكامل للتعاون مع مصر في مجال كاشفات الألغام، لم تقدم حتى الآن أي شيء". وشدد على رفض مصر التوقيع على اتفاقية أوتاوا: "ما دامت لم تتضمن الاتفاقية تقديم المساعدات لإزالة الألغام، علاوة على أن مصر من حقها أن تستخدم الألغام كسلاح دفاعي طبقاً للمادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة، لعدم وجود تكنولوجيا متقدمة لديها لتأمين الحدود". منتقداً المجتمع الدولي أيضاً لأن بلاده لم تحصل على شيء من الصندوق الائتماني للتبرعات المخصصة للمساعدة في إزالة الألغام، الذي عمل الأمين العام السابق الدكتور بطرس غالي على تأسيسه. لكن كارم لفت الى أن تطوير مصر قدراتها لم يتوقف، بل ساعدت غيرها من الدول في هذا المجال، مشيراً الى أن بلاده ساندت في كانون الأول ديسمبر 1994 اليمن بالمعدات والخبرات اللازمة لإزالة الألغام، وفي 1991 إبان حرب الخليج قامت مجموعة من المهندسين العسكريين بتطهير حقول الألغام في الكويت. وتتعاطى مصر حالياً مع ملف الألغام الأرضية من منظور جديد، فبعد ما كانت الألغام تمثل فقط خطراً على حياة البشر وتمنع التوسعات العمرانية في إطار خطط التنمية، لفت الدكتور أحمد جلال عز الدين، أحد خبراء مكافحة الإرهاب الدولي وعضو مجلس الشعب البرلمان، الى خطر جديد، إذ أن الألغام أضحت "مصدراً للإرهابيين الذين يسرقونها من أماكن وجودها". وكشف ل "الوسط" عن ضبط أشخاص في منطقتي مرسى مطروح والعلمين نجحوا في تفكيك الألغام وحصلوا على ما بها من مواد متفجرة استخدمها إرهابيون في عملياتهم، خصوصاً مادتي جلسرترين والنيتروسلولوز المستخدمتين في التفجيرات، مما جعل الحكومة المصرية تتنبه الى خطورة تركها من دون حراسة خوفاً من سرقتها واستخدامها في التفجير. وربما شكل ظهور هذا الخطر الطارئ أحد دوافع الحكومة لفتح الباب أمام منظمات غير حكومية ورجال أعمال للمشاركة وللمساهمة في توفير التمويل اللازم لعمليات الإزالة، وعرضت "مهج" مشروعها لإزالة الألغام في سيناء والصحراء الغربية، والحصول على الأرض بسعر 20 قرشاً للمتر، تضاف إليها 10 في المئة في مناطق الخدمات والمرافق والطرق. وتعهدت بتقديم بوليصة تأمين لكل مشارك في التطهير 250 ألف جنيه في حال الوفاة و150 ألفاً في حال الإصابة. واعتبرت نرمين نور عضو جمعية رجال الأعمال المصرية - الكندية المشاركة في تأسيس "مهج" - المشاركة غير الحكومية "مهمة" أول خريطة للألغام في مصر توضح الدراسات الاستراتيجية أن المساحة الممتدة من الاسكندرية الى السلوم غرباً بطول يبلغ 500 كيلومتر، وعمق 20 كيلومتراً تبلغ مساحتها 5،2 مليون فدان تنقسم الى عدد من المناطق المُلغمة، وهي: برج العرب العلمين، والعلمين الضبعة، عاصمة حقول زراعة الشعير التي تحولت حدائق مُلغمة، وباجوس جلال، ومرسى مطروح، وسيدي براني، ويتكدس في هذه المناطق أكثر من 10 ملايين لغم. الى جانب ذلك، هناك "الحميمات" منطقة لا خرائط لها ولا رسوم، وفيها نسبة كثيفة من الألغام. وبرج رقبة - عنق الزجاجة الموصل الى منخفض القطارة - وهي مليئة بالطوربيدات غير المفجرة وألغام فرنسية وبريطانية ومختلف أنواع المتفجرات الظاهرة والمدفونة. وكانت دول المحور والحلفاء زرعت هذه الألغام التي يصل عددها إلى 2،7 مليون على مساحة تبلغ 630 ألف فدان. ولم تسلم الأراضي المصرية في المنطقة الشمالية الشرقية من حدائق الألغام. بل كانت سيناء مسرحاً للحروب المصرية - الإسرائيلية في 1948 و1956 و1967 و1973، وتمكنت القوات الإسرائيلية من زراعة 6 ملايين لغم في صحراء سيناء وعبر خليج السويس. وفي سيناء وخليج السويس زرعت اسرائيل 6 ملايين لغم، منها ألغام مبتكرة على شكل لعب أطفال وراديو ترانزيستور وكمِّثرْىَ وحلوى. واستطاعت مصر خلال الفترة من 1981 إلى 1991 إزالة 11 مليون لغم 7 ملايين في الصحراء الغربية و3 ملايين في سيناء. وطهرت 403 آلاف فدان في ترعة السلام و225 هكتاراً على طريق وادي النطرون و1200 هكتار في منطقة سهل حشيش جنوبالغردقة، و2500 هكتار على خط أنابيب بترول الاسكندرية - طبرق حتى منفذ السلوم. وحوالى 35 ألف فدان بمنطقة الضبعة و3225 هكتاراً في مسار خط السكة الحديد في الفردان رفح. وما زالت مصر في حاجة الى 200 مليون دولار لإزالة ملايين الألغام الباقية حتى العام 2006، فهي تحصد كل يوم أرواح المصريين، وتعرقل التنمية.