فيما يخضع العاهل الأردني الملك حسين منذ تموز يوليو الماضي لعلاج كيماوي في الولاياتالمتحدة اثر إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية، يشرف نائبه وشقيقه ولي العهد الأمير الحسن على إدارة شؤون الدولة في غيابه، وسط تزايد الحديث والتكهنات في الصالونات السياسية عن مسألة الخلافة على العرش الأردني. اذ ان الملك حسين الذي اسند للأمير الحسن صلاحيات العرش في آب اغسطس الماضي، عاد واتخذ اجراءات وقرارات اساسية اظهرت انه لا يزال على رأس السلطة في بلاده على رغم غيابه القسري عنها، وعلى رغم تكليفه شقيقه الذي يحتل منصب ولي العهد منذ العام 1965. فبعد أقل من اسبوع من اعلان المرسوم الملكي بتكليف ولي العهد الأمير الحسن صلاحيات العرش، قبل الملك حسين استقالة حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي، وكلف الدكتور فايز الطراونة تشكيل حكومة جديدة، كما أقدم الملك حسين قبل ذلك على إصدار أمر بفتح تحقيق حكومي في أزمة تلوث مياه الشرب في عمان، ثم أقال وزير المياه والري في حكومة المجالي الدكتور منذر حدادين. ودفعت قرارات الملك حسين بعض المراقبين الى الاعتقاد بأن الباب لا يزال مفتوحاً على مصراعيه في ما يخص خلافته على العرش. وتمثل فترة غياب الملك للعلاج منذ 14 تموز يوليو الماضي، والتي يتوقع لها ان تستمر حتى نهاية تشرين الثاني نوفمبر المقبل، مرحلة امتحان للأمير الحسن الذي يضطلع بمسؤولياته مبتعداً عن الدخول في التكهنات المستمرة في الصالونات السياسية بأن الملك حسين يقوم بتحضير أحد أبنائه لخلافته. كما تمثل هذه المرحلة فرصة لبعض مراكز القوى لمحاولة اقناع الملك بتحضير وطرح بديل للأمير الحسن من بين أحد أبنائه ليكون وريثاً للعرش بهدف الإبقاء على تركيبة الحكم الحالية. وعلى رغم التأكيدات الرسمية ان الملك حسين سيتعافى بالكامل من إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية، فإن التكهنات إزاء هوية الملك القادم تواصل فرض نفسها بقوة على الأجندة الأردنية الى ان يقرر الملك حسين ان يحسم الأمر في شكل نهائي. طبعاً مع الالتفات الى ان الملك حسين كرر دائماً ثقته بولي عهده و"قرة عينه" الأمير حسن. وتعزو مراجع سياسية التساؤلات حول حتمية اعتلاء ولي العهد عرش المملكة بعد الملك الى اشارات صدرت عن الملك نفسه. إذ أنه أدلى بتصريحات واتخذ خطوات أثارت غموضاً حول المسألة، بما في ذلك اجراؤه مقابلة تلفزيونية في لندن العام 1997 تفادى فيها حسم مسألة الخلافة. كما بعث رسالة الى الأمير حمزة، ولده من الملكة نور، لمناسبة بلوغه الثامنة عشرة العام الماضي، قال له فيها ان والده اعتلى العرش الهاشمي عندما كان في سنه العام 1952. وفي مقابلته التلفزيونية التي بثتها وكالة الانباء الأردنية الرسمية حرفياً، ولم تنشرها سوى صحيفة أردنية واحدة، قال الملك ان مسألة الخلافة ليست حقاً مكتسباً، بل انها ستعتمد على الكفاءة والقدرة، وذلك رداً على سؤال واضح ومباشر حول ما إذا كان يقوم بتحضير أحد ابنائه لخلافاته. وأقدم الملك حسين أخيراً، وبعدما بدأ فترة العلاج الكيماوي في "مايو كلينيك" على ايفاد نجله الأمير حمزة لحضور احتفال تنصيب ولي عهد سلطنة بروناي، ما فسره المراقبون بأنه رسالة أخرى ذات دلالات واضحة. إلا ان التكهنات باحتمال اضطلاع ابناء الملك بمسؤوليات عليا في المرحلة المقبلة لا تقتصر على الأمير حمزة. فالأمير عبدالله، النجل الأكبر للملك، يشغل حالياً منصب قائد القوات الخاصة والعمليات الخاصة في القوات المسلحة الأردنية. وتم أخيراً ترفيع الأمير 36 عاماً الى رتبة لواء في القوات المسلحة، ما يجعله مؤهلاً في غضون بضع سنوات لقيادة الجيش. وإذا ما أخذ في الاعتبار ان الأمير عبدالله يتمتع بشعبية كبيرة في المملكة، وفي أوساط القوات المسلحة بشكل خاص، فإن التكهنات شملته الى جانب الأمير حمزة الذي ظهر قبل ثلاثة اشهر يلقي خطاباً تلفزيونياً في احتفال تخريج طلبة مدرسة خاصة للمتفوقين. ولاحظ المراقبون مدى الشبه الكبير بين الأمير ووالده في طريقة الإلقاء والى حد كبير، في صوته وشكله الخارجي وحركاته. وعلى رغم تراجع التكهنات في الفترة الأخيرة إزاء فرص الأمير علي، ابن الملك حسين من الملكة علياء، التي قضت في حادث تحطم طائرة مروحية العام 1977، فإن المراقبين يؤكدون ان الأمير علي 21 عاماً، لا يزال يملك فرصة للقيام بدور ما في المرحلة المقبلة. ويستشهد مراقبون بالشبه الكبير بين الأمير علي ووالده، وتمتعه بالجاذبية الشخصية. لكن كل ذلك يبقى في باب التكهنات المنطلقة من تفسير ما لإشارات لا تتخذ طابعاً حاسماً. تفسيرات ونقيضها ويرفض المقربون من الأمير الحسن هذه التفسيرات والتكهنات المرافقة ويعتبرونها بعيدة عن الواقع. ويقول هؤلاء ان الاشارات التي صدرت عن الملك حسين لا تخص مسألة خلافته المباشرة، بل تتعلق بخلافة أحد أبناء الملك حسين للأمير الحسن بعد تنصيب الأخير ملكاً. لكن المشككين يشيرون الى احتمال إقدام الملك حسين على خطوة كبيرة بهدف ضمان مستقبل أولاده من بعده في ظل مخاوف من استبعادهم لاحقاً. وللأمير الحسن ولد وحيد هو الأمير راشد 18 عاماً. وتأتي أزمة مرض الملك وأزمة الخلافة في ظل وضع اقتصادي معقد ووضع سياسي اشد تعقيداً في ظل تعثر عملية السلام. كما جاء مرض الملك المفاجئ في ظل مؤشرات على تراجع مسيرة التحول الديموقراطي بسبب الضغوط الاقتصادية والشلل الذي أصاب عملية السلام على المسار الفلسطيني. وجاء قانون المطبوعات والنشر الذي فرض قيوداً شديدة على حرية التعبير، والذي أصدرته الحكومة السابقة وأقرته الحكومة الجديدة، ليعكس توجهاً لإعادة النظر في ما حققته مسيرة التحول الديموقراطي ومدى فائدتها على أرض الواقع في ما يخص المصالح الحيوية للأردن. وتجمع المراجع السياسية المستقلة في عمان على ان التراجع في الممارسة الديموقراطية وصل الى اسوأ درجاته في عهد حكومة المجالي، معتبرة ان تعثر عملية السلام وتدهور الثقة بالحكومة من جهة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى كانت من بين الاسباب التي ساهمت في الردة التي شهدتها مسيرة التحول الديموقراطي في البلاد. ويرى مراقبون ان المحافظة على العلاقة الأردنية - الاسرائيلية الحالية، التي تأخذ بعداً استراتيجياً في ظل المخاوف الأردنية من تهديدات عراقية وسورية محتملة، يتطلب ضبط الأداء الاعلامي ومن ورائه الشارع الأردني الذي أظهر اكثر من مرة نزعة الى تغليب الاعتبارات القومية على المصالح الوطنية. اسباب الإحتقان ولقي تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور فايز الطراونة، رئيس الديوان الملكي، ترحيباً حذراً على رغم الشعور العام بالارتياح تجاه رحيل حكومة المجالي. ويرجع الحذر في رد فعل الرأي العام ومراكز القوى السياسية الى ان الطراونة أبقى على حوالي نصف عدد اعضاء الحكومة السابقة، فضلاً عن أنه أقر قانون المطبوعات والنشر على رغم تأكيدات الحكومة انها ستتساهل في تطبيقه. كما ان تعيين الطراونة، الذي كان ترأس الوفد الأردني المفاوض مع اسرائيل خلفاً للمجالي، عكس استمرارية للحكومة السابقة في ما يخص الموقف من اسرائيل، وهو أحد أهم أسباب الاحتقان السياسي في البلاد. اذ ان استمرار الحكومة في الابقاء على علاقات طبيعية مع اسرائيل على رغم تعطيل المسار الفلسطيني، خلق انطباعاً بأن الأردن "يتآمر" على الفلسطينيين، الى جانب الاستياء العام من التعاون الأردني الأمني مع الدولة العبرية واحتمال موافقة الأردن على المشاركة في مناورات عسكرية تركية - اسرائيلية. وتظهر المؤشرات الى ان الضغوط التي يتعرض لها الأردن على الصعيدين المحلي والاقليمي ستتواصل لتشكل تحديات للحكومة الجديدة يصعب التعامل معها من دون اتخاذ سياسات واحداث تغييرات جذرية واستراتيجية. لكن مرض الملك، وتكليفه نائبه ولي العهد ادارة شؤون الدولة في غيابه، يستبعد أي تغيير راديكالي في السياسة الأردنية على مختلف مستوياتها. ويرى المراقبون ان الحكومة الحالية جاءت في غياب الملك وتحت اشراف ولي العهد بهدف احتواء الأزمة وتفريغ الاحتقان اللذين تسببت بهما الحكومة السابقة إثر اخفاقها في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية. ولهذا، تميل التوقعات الى اعتبار الحكومة الحالية بمثابة حل موقت يستهدف إطفاء الحرائق وتهدئة الخواطر الى ان تتضح الصورة في ما يخص مستقبل عملية السلام المتعثرة، والخيارات المتاحة في المرحلة المقبلة على الصعيدين الداخلي والاقليمي