اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    أغرب القوانين اليابانية    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    أكثر من 92 ألف طالب وطالبة في مدارس تعليم محايل    سعرها 48 مليون دولار.. امرأة تزين صدرها ب500 ماسة    «مَلَكية العلا»: منع المناورات والقيادة غير المنتظمة في الغطاء النباتي    منتخبنا فوق الجميع    في دوري الأمم الأوروبية.. قمة تجمع إيطاليا وفرنسا.. وإنجلترا تسعى لنقاط إيرلندا    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    ابنتي التي غيّبها الموت..    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعاون مع روسيا وكوريا والصين أعطى ثماره وبرامج التطوير قاربت النجاح . الصواريخ الايرانية ... على الأبواب !
نشر في الحياة يوم 27 - 07 - 1998

لم تعد مسألة امتلاك إيران سلاحاً باليستياً مجرد احتمال أو افتراض. فالمعلومات الغربية تتقاطع لتؤكد أن التجارب الإيرانية تشارف على نهاياتها. فقبل أيام قليلة رُفع إلى الكونغرس الأميركي تقرير خاص أعده فريق أمني من وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي تضمن تحذيراً من "الخطر الذي سيشكله حصول بعض الدول غير المرغوب فيها على صواريخ بعيدة المدى".
وخص التقرير بالذكر إيران التي اعتبرها على وشك امتلاك صواريخ يتجاوز مداها منطقة الشرق الأوسط.
وبعد هذا التقرير أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مسؤولين أميركيين أن قمراً اصطناعياً أميركياً رصد تجربة إيرانية على اطلاق صاروخ متوسط المدى حصلت عليه طهران من كوريا الشمالية.
إلا أن ألمانيا كانت سباقة في كشف الجهود الإيرانية لامتلاك صواريخ بعيدة المدى، عندما سربت أجهزة أمنية تابعة لوزارة الدفاع الألمانية تقريراً سرياً عن هذا الموضوع.
ومنذ البداية، كان واضحاً ان تسريب التقرير الى وسائل الاعلام كان متعمداً، وان الهدف منه إثارة اكبر قدر ممكن من الضجة السياسية والدعائية حول محتوياته التي سرعان ما تحولت الى معلومات رسمية تبنّتها الدوائر الدفاعية الحكومية الالمانية والقيادة العسكرية لحلف شمال الاطلسي ناتو. أما الفحوى الرئيسية في ذلك التقرير فكان ما أورده عن سعي طهران الى تطوير صاروخ باليستي ارض - ارض يصل مداه الى 3 آلاف كلم، الامر الذي وصفه وزير الامن الالماني آنذاك بأنه سيوفّر لايران القدرة على "تهديد قلب القارة الاوروبية" بواسطة قواتها الصاروخية الهجومية.
وكان ممكناً، للوهلة الاولى على الاقل، استبعاد دقّة معلومات التقرير الالماني واعتبار ما جاء فيها من باب المبالغة والتهويل ب "الخطر الايراني الآتي" خصوصاً ان صدورها تزامن مع حملة ديبلوماسية واعلامية متناسقة وحادة شنتها كلّ من الولايات المتحدة واسرائيل على جهود ايران وبرامجها المفترضة لتطوير قدراتها الصاروخية، ومساعيها لامتلاك اسلحة دمار شامل كيماوية وبيولوجية ونووية.
لكن المسألة لم تكن بهذه البساطة، فالمعلومات التي بدأت في التجمّع لدى الدوائر الدفاعية الغربية اتسمت بقدر من الدقّة والتفصيل. كما ان حيّزاً منها جاء عن طريق مصادر رسمية وشبه رسمية وصناعية في دول كان يفترض ان لها علاقة مباشرة بمساعدة طهران على تنفيذ تلك البرامج. لذلك لم يكن مستغرباً ان تتركز الانتقادات والاتهامات الاميركية والاسرائيلية خلال السنوات الماضية على روسيا مثلاً، باعتبار انها عملت على تزويد ايران مواد واجزاء ومكوّنات اساسية لتطوير الصواريخ الباليستية وانتاجها. وانطبق الامر نفسه ايضاً على دول اخرى من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. الى جانب كلّ من الصين وكوريا الشمالية.
وكان هذا بدوره من العوامل التي زادت من صعوبة استبعاد صحّة المعلومات الاميركية والاطلسية والاسرائيلية، فالبرامج الايرانية كانت تتسم بجدية بالغة، وكان العمل جارياً عليها منذ سنوات عدة بهدف منح ايران على مراحل متتابعة، قدرات ردع استراتيجي تتمتع بمستوى عال من الصدقية بفضل امكاناتها الهجومية والتدميرية على مسافات بعيدة، الامر الذي يوفّر لطهران الموقع السياسي والاستراتيجي الذي تطمح الى احتلاله اقليمياً ودولياً.
ويمكن الرجوع في القرار الايراني الرامي الى امتلاك مثل هذه القدرة الصاروخية الهجومية الرادعة الى الحرب المدمّرة التي خاضتها طهران على مدى ثماني سنوات مع العراق في الثمانينات، وكانت من بين ابرز سماته آنذاك "حرب المدن" التي لم تكن اكثر من سلسلة عمليات قصف صاروخي عشوائي متبادلة لم يكن لها تأثير عسكري او استراتيجي مهم، باستثناء الاضرار المادية والخسائر البشرية.
وعندما بدأت عمليات "حرب المدن" لم يكن في حوزة ايران ترسانة هجومية صاروخية، بل ادى تطور هذه العمليات وتمكّن الجانب العراقي فيها من انزال خسائر مادية وبشرية غير قليلة في الجانب الايراني، الى دفع طهران الى التصرف بسرعة والسعي الى امتلاك قدرات مماثلة.
وبينما كانت بغداد تعتمد في هذه العمليات على صواريخ "سكاد -ب" التي يبلغ مداها 300 كلم، والتي كانت حصلت عليها من الاتحاد السوفياتي، وعلى الطرازات المشتقّة عنها التي كان العراقيون يعملون على تطويرها وانتاجها في اطار برنامجهم الصاروخي المتنامي بسرعة آنذاك، مثل صواريخ "الحسين" التي وصل مداها الى 650 كلم، وصواريخ "العباس" التي تمتعت بمدى 850 كلم، بدأت ايران خطواتها الاولى في هذا المجال بالحصول على كميات محدودة من صواريخ "سكاد -ب" عن طريق الصين وكوريا الشمالية. كما حصلت طهران من الدولتين المذكورتين على صواريخ من طراز "فروغ - 7" التي يصل مداها الى 70 كلم، وبدأت في الوقت نفسه بتنفيذ خطوات مستعجلة لانشاء برامج تطوير وانتاج صاروخي خاص بها بالتعاون اساساً مع هاتين الدولتين. وتمثّلت الثمرات الاولى لهذا البرنامج في بداياته بنماذج لصواريخ باليستية قصيرة المدى كانت في معظمها بمثابة طرازات مشتقّة عن صواريخ "فروغ - 7"، مثل "شاهين-1" و"شاهين -2" و"عقاب" و"نازعات" وتراوحت امديتها عموماً بين 60 كلم و150 كلم.
وخلال الفترة التي تلت انتهاء الحرب العراقية - الايرانية وتزامنت مع اندلاع ازمة الخليج في اعقاب الغزو العراقي للكويت ومن ثم تحريرها في عملية "عاصفة الصحراء" كان واضحاً ان القيادة الايرانية عقدت العزم على المضي في مساعيها لتطوير قدرة صاروخية هجومية متكاملة لا تقتصر على امتلاك طرازات قصيرة المدى من الصواريخ الباليستية البدائية نسبياً، او صواريخ متوسطة المدى مثل نماذج الصاروخ "سكاد -ب" التي كانت طهران بدأت في انتاجها محلياً في تلك الفترة ايضاً، بل طرازات أبعد مدى واكثر تقدماً وطاقة تدميرية.
واعتباراً من اواسط التسعينات، بدأت معالم الجهود الايرانية الجديدة بالاتضاح تدريجياً ليتبين من خلالها وجود ثلاثة برامج رئيسية يشكّل كل منها مرحلة محددة مكمّلة لما سبقها.
وتركزت المرحلة الاولى على الحصول على قدرة صاروخية هجومية تستطيع الوصول الى مسافات تتراوح بين 500 و600 كلم بالمقارنة مع مدى صواريخ "سكاد -ب" التي كانت الترسانة الايرانية تقتصر عليها حتى ذلك الوقت، والذي كان محدوداً بحوالي 300 كلم.
أما المرحلة الثانية من الجهود الايرانية فكانت تطمح للوصول الى مسافات أبعد وبدقة أكبر، الامر الذي كان يعني العمل على تطوير طراز جديد من الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى يتمتع بمستويات تكنولوجية أكثر تقدماً على صعيد القوة الدافعة والوقود الصاروخي والحمولة الحربية وأجهزة التهديف والتصويب الحسابية. وتركز الهدف في هذه المرحلة على مضاعفة مدى القدرة الهجومية الصاروخية إذا أمكن، وتحويلها إلى عامل ردع عسكري واستراتيجي مؤثر ويتسم بالصدقية على المستوى الاقليمي الأوسع، أي على مسافات تتجاوز ألف كلم.
وفي الوقت نفسه، شرع الإيرانيون في العمل على تحقيق مرحلة ثالثة وحاسمة من مراحل برنامجهم الصاروخي الشامل هذا. وكانت هذه المرحلة الأكثر طموحاً وتطلباً، إذ هدفت إلى تطوير قدرة هجومية استراتيجية على مسافات تتجاوز الإطار الاقليمي لتصل عملياً إلى مستويات دولية أوسع وأشمل. وكان ذلك يعني العمل مرة أخرى على مضاعفة المدى الذي ستكون إيران قادرة على بلوغه من خلال تطوير صاروخ يستطيع الوصول إلى أهداف على مسافات تزيد عن 2000 كلم.
برنامج متكامل
وعلى امتداد النصف الأول من التسعينات نجحت طهران في تنفيذ المرحلة الأولى من برنامجها الصاروخي من دون إثارة قدر كبير من الضجيج الديبلوماسي أو الاعلامي. وتم ذلك من خلال التعاون مع كوريا الشمالية في الدرجة الأولى، وإلى حد أقل مع الصين، وتمثّل في الحصول على صواريخ "سكاد - سي" التي تعتبر نسخة محسنّة من صواريخ "سكاد - ب" السوفياتية الواسعة الانتشار في العالم، طورتها كوريا الشمالية بمدى يصل إلى 500 كلم. وشكلت هذه الصواريخ الكورية، التي حصلت عليها سورية أيضاً خلال الفترة نفسها، أساساً لانتاج نسخة إيرانية محلية منها اطلقت عليها اسم "زلزال".
كما تحدثت المعلومات الدفاعية الغربية عن حصول إيران من الصين خلال السنوات الماضية على صواريخ "سي. س. س - 8" م - 9، وهي بدورها نسخة مطورة عن صواريخ "سكاد" السوفياتية يصل مداها إلى 600 كلم، وتتمتع أيضاً بتحسينات إضافية تتعلق بحمولة رأسها الحربي ودقتها التصويبية ونواحي تشغيلها وصيانتها واطلاقها. وعلى رغم ان هذه المعلومات لم تتأكد، فإن احتمال حصول طهران على هذه الصواريخ، وربما العمل على انتاج نسخة محلية منها يظل وارداً.
لكن التحول الحقيقي في جهود التطوير الإيرانية جاء من خلال العمل على انتاج صواريخ باليستية أبعد مدى وأكثر قدرة وفاعلية. وهذه الصواريخ، التي بات في حكم المؤكد تقريباً أن تطويرها شارف على الاكتمال تمهيداً للبدء في انتاجها وادخالها إلى الخدمة الفعلية، كانت السبب الذي أثار الاهتمام الواسع لدى الدوائر الدفاعية والسياسية الإسرائيلية والأميركية والأطلسية، ودفعها إلى الاعراب في صورة متكررة عن القلق الشديد حيال البرامج الصاروخية الإيرانية وأهدافها.
واستناداً إلى المعلومات شبه الأكيدة التي توافرت حتى الآن في هذا الشأن، فإن طهران شرعت في أعقاب حرب الخليج الثانية في تطوير صاروخين باليستيين جديدين، وتعمدت تنفيذ خططها على شكل برنامجين متوازيين، لكن منفصلين، بهدف تفادي احتمال أن تؤدي أي ضغوط أو عقبات سياسية أو تقنية أو مادية قد تبرز في مواجهة أحدهما في أي وقت من الأوقات إلى التأثير سلباً في الوقت نفسه على البرنامج الآخر.
وعلى هذا الأساس، جرى العمل على تنفيذ البرنامج الأول بالتعاون مع كوريا الشمالية، بينما استند البرنامج الثاني على المساعدة التقنية التي وفرتها روسيا. أما الهدف من هذين البرنامجين فكان التوصل إلى انتاج طرازين جديدين من الصواريخ الباليستية أرض - أرض، اطلقت على احدهما اسم "شهاب - 3" في حين حمل الطراز الثاني اسم "شهاب - 4".
وبالنسبة إلى الصاروخ "شهاب - 3" الذي تتفق المصادر الدفاعية الدولية على أن مرحلة تطويره شارفت على الانتهاء، فإن المعلومات المتوافرة عنه تفيد أن تصميمه يستند إلى تصميم الصاروخ الكوري الشمالي "نودونغ - 1"، الذي يعتبر بدوره من الوجهة التقنية تصميماً مشتقاً عن تصميم الصاروخ "سكاد"، إنما بتحسينات وتعديلات جذرية عدة كانت كفيلة بتحويله إلى صاروخ جديد من الوجهة العملية.
وكانت دوائر الاستخبارات الأميركية واليابانية كشفت قبل سنوات عن قيام كوريا الشمالية بتطوير الصاروخ "نودونغ - 1" في إطار برنامج تعاون تتولى إيران فيه تمويل تكاليف انتاجه لحساب كل من القوات الكورية والإيرانية.
وكما هي الحال مع الطرازات الأخرى التي تم اشتقاقها عن الصاروخ السوفياتي الأصلي "سكاد"، مثل الطراز الكوري الشمالي "سكاد - سي"، ونسخته الإيرانية "زلزال"، والصاروخين العراقيين "الحسين" و"العباس"، فإن عملية تصميم "نودونغ" تركزت على إطالة مداه، ومن ثم العمل على تحسين حمولته الحربية وزيادة دقته التصويبية. وعلى سبيل المثال، تمكن العراقيون من انتاج الصاروخ "الحسين" بمعدل 650 كلم، أي أكثر من ضعف المدى الأصلي للطراز "سكاد - ب"، عن طريق خفض وزن رأسه الحربي الذي يبلغ 1000 كلغ أصلاً، وتزويده رأساً حربياً بوزن 500 كلغ. ثم تابعوا هذه العملية مع الصاروخ "العباس" الذي يبلغ مداه 850 كلم برأس حربي وزنه 250 كلغ. أما "سكاد - سي" الكوري الشمالي فتمكن من بلوغ مدى 500 كلم مع الاحتفاظ بالرأس الحربي الأصلي البالغ وزنه 1000 كلغ من خلال التحسينات التي أدخلت على محركه الصاروخي ونوعية وقوده الدافع.
واتبع الكوريون الطريقة نفسها في تطوير "نودونغ"، مع إضافة مرحلة دفع صاروخية أخرى عليه، الأمر الذي كان له الفضل في مضاعفة مداه من دون أن يتم ذلك على حساب وزن حمولته الحربية.
وبعد استكمال مرحلة التطوير الأولية، انتقل العمل على تنفيذ هذا البرنامج إلى إيران التي اطلقت عليه اسم "شهاب - 3" ومضت فيه قدماً إلى ان أصبح هذا الصاروخ الآن على وشك الدخول في مرحلة اختبارات الاطلاق تمهيداً للبدء في انتاجه فعلياً.
وسيشكل دخول الصاروخ "شهاب - 3" إلى الخدمة العملية قفزة نوعية مهمة جداً في القدرات الصاروخية الهجومية الإيرانية، إذ يصل مداه الأقصى إلى 1300 كلم بحمولة رأس حربي يبلغ وزنه 1000 كلغ، ما يمنح إيران القدرة على شن هجمات صاروخية على مسافات تزيد عن 1000 كلم، وستشمل دائرة أهدافها على مناطق واسعة الى تركيا واسرائيل غرباً وباكستان شرقاً. وسيكون من شأن هذا التطور منح طهران قدرة هجومية استراتيجية على المستوى الاقليمي الشامل، لا سيما اذا زوّدت هذه الصواريخ رؤوساً حربية غير تقليدية مجهّزة بذخائر دمار شامل، سواء كانت كيماوية او بيولوجية او ربما نووية في مرحلة لاحقة.
روسيا و"شهاب -4"
وفيما يستعد الايرانيون لادخال صواريخ "شهاب -3" الى الخدمة الفعلية اعتباراً من العام المقبل، كما هو مرجّح، فان العمل يستمر حالياً على تنفيذ المرحلة الاخرى والاكير حيوية على الاطلاق من برنامج التطوير الصاروخي الايراني. وتتركّز هذه المرحلة على انتاج الصاروخ "شهاب -4" الذي يجري في الوقت الحاضر بالاستناد الى الخبرات الروسية.
وسيكون هذا الصاروخ مختلفاً في صورة جذرية عن غيره من طرازات الصواريخ الايرانية. فعلى عكس هذه الاخيرة ومثيلاتها التي تستند في تصميمها على تصاميم صواريخ باليستية تكتيكية قصيرة المدى، سيعتمد تصميم "شهاب -4" على الصاروخ الباليستي الاستراتيجي "س. س 4"، الذي يعرف ايضاً بالتسمية الاطلسية الرمزية "ساندال"، والذي كان اول طراز من الصواريخ الباليستية الاستراتيجية العابرة للقارات يدخل الخدمة في صفوف القوات السوفياتية خلال الخمسينات.
ويذكر ان صواريخ "س. س. 4" ساندال كانت محور ازمة في مطلع الستينات عرفت آنذاك ب "ازمة الصواريخ الكوبية" الشهيرة التي نتجت عن قيام موسكو بمحاولة نشر عدد منها في كوبا، الامر الذي اعتبرته ادارة الرئيس جون كيندي بمثابة تهديد استراتيجي للامن القومي الاميركي، ما كاد يؤدي الى اندلاع مواجهة نووية شاملة بين الدولتين العظميين.
ومع ان صواريخ "س. س 4" ساندال خرجت من الخدمة في الاتحاد السوفياتي السابق منذ فترة طويلة، فان مواصفاتها التقنية والعملياتية لا تزال تشكّل اساساً ملائماً لتطوير قدرة صاروخية هجومية بعيدة المدى لدولة مثل ايران لا تزال تخطو خطواتها الاولى في هذا المضمار. وكان ذلك تماماً ما فعلته الصين في الستينات، عندما اعتمدت على تصميم هذه الصواريخ لتطوير نواة قدراتها الهجومية الصاروخية الاستراتيجية، مثل صواريخ "دونغ فنغ -3" سي. س. س-2" التي تعرف ايضاً باسم "رياح الشرق" والتي لا تزال عاملة حتى الآن.
وعلى رغم النفي الروسي المتكرر في مواجهة الاتهامات الاميركية والاسرائيلية في شأن قيام موسكو بمدّ طهران بالتقنيات والخبرات الخاصة بهذه الصواريخ، يبدو من الثابت تقريباً ان ايران حصلت فعلاً على اجزاء وتصاميم حيوية من روسيا لاستخدامها في برنامجها الهادف الى تطوير صواريخ "شهاب -4" وانتاجها.
وكانت هذه الصواريخ بالذات ما قصده التقرير الالماني في اشارته الى "التهديد الايراني لقلب القارة الاوروبية". اذ سيكون من شأن نجاح طهران في انتاج هذا الطراز وادخاله الى الخدمة الفعلية منحها قدرات هجومية استراتيجية لا تتوافر في الوقت الحاضر لأي دولة اخرى في منطقة الشرق الاوسط، باستثناء اسرائيل التي تستخدم صواريخ "اريحا -2" التي يصل مداها الى 1500 كلم، وصواريخ "اريحا -3" التي تستطيع الوصول الى مدى 2500 كلم.
ولا بد ان يؤدي مثل هذا التطور الى تحول عميق وجذري في موازين القوى الاستراتيجية، لا على المستوى الاقليمي فحسب، بل وعلى الصعيد الدولي الاشمل والاوسع نطاقاً، فصواريخ "س.س -4" ساندال التي ستكون صواريخ "شهاب -4" الايرانية تتمتع بمواصفات ادائية مماثلة لها، تستطيع الوصول الى مدى اقصى مقداره 3600 كلم عند تزويدها رؤوساً حربية غير تقليدية مجهّزة لحمل ذخائر دمار شامل نووية او بيولوجية او كيماوية خفيفة الوزن نسبياً، اي بحمولات تتراوح بين 250 كلغ و500 كلغ. وعلى الجانب الآخر تستطيع هذه الصواريخ الوصول الى مسافة 2400 كلم عند تزويدها رأساً حربية تقليدية شديدة الانفجار بوزن 1000 كلغ، فان مدى هذه الصواريخ يمكن ان يصل بسهولة حتى مسافة 3 آلاف كلم.
ويعني ذلك ان ايران ستصبح مالكة لقدرة هجومية استراتيجية على مستوى عال من الصدقية يغطي مدى عملها دائرة جغرافية واسعة تمتد من اواسط القارة الاوروبية وحوض البحر الابيض المتوسط غرباً الى آسيا الوسطى والمحيط الهندي شرقاً وجنوباً. ومثل هذه القدرة لا بد ان تساهم في وضع ايران في موقع متميز على اكثر من صعيد، كما انها ستؤدي الى تحويلها الى قوة رئيسية مالكة لامكانات رادعة وهجومية بمقاييس استراتيجية اقليمية وعالمية شاملة.
والواضح ان هذا الهدف هو تحديداً ما سعت طهران الى تحقيقه من خلال تنفيذ برامجها الصاروخية على امتداد السنوات العشر الماضية كما ان الواضح ان هذه البرامج اصبحت على وشك الوصول الى غايتها، اذ تتفق معلومات المصادر الدفاعية الدولية على ان صواريخ "شهاب -3" ستكون جاهزة خلال العام 1999، بينما سيستمر العمل على تطوير صواريخ "شهاب -4" تمهيداً للبدء في انتاجها واستخدامها اعتباراً من مطلع القرن المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.