تلاحقت بشكل مثير خلال الاسابيع الاخيرة التصريحات الايرانية الرسمية التي تناولت جوانب القوة العسكرية والانجازات التي حققتها طهران لبناء هذه القوة وتحديث معدّاتها. وتزامنت هذه التصريحات، التي شارك في اطلاقها مسؤولون سياسيون وعسكريون على اعلى المستويات ولوحظ فيها خصوصاً التركيز على النواحي المتعلّقة بتطوير الصناعات الحربية المحلية وتوسيع قاعدة منتجاتها، مع مجموعة من التحركات والخطوات الواسعة التي نفّذتها القوات المسلحة الايرانية بفروعها المختلفة، والتي بدا بوضوح انها تهدف الى اظهار فاعلية هذه القوات. وعلى رغم ان تباهي القيادة الايرانية بقوة البلاد العسكرية وبجهود تطويرها وتعزيز قدراتها ليس جديداً، فان التصريحات الرسمية التي حاولت إبراز أهمية هذه الجهود والاشادة بالنجاحات التي احرزتها لا سابق لها. كما ان اشتمال مطلقي هذه التصريحات على كبار القادة السياسيين والعسكريين في البلاد، وتوقيت صدورها في هذا الظرف بالذات، ساهما في إضفاء طابع استثنائي من الاهمية عليها. وإذا ما اضيفت الى ذلك المناورات والعمليات العسكرية الواسعة التي ترافقت هذه التصريحات معها، والظروف السياسية الداخلية والاقليمية التي احاطت بها، فان معانيها تصبح اكثر شمولية وتأثيراً. ويتفق متابعو الشؤون الايرانية على وصف الخطوات الاخيرة بأنها "رسالة سياسية واستراتيجية" أرادت طهران توجيهها الى القوى الاقليمية والدولية التي يعتبر الايرانيون انها ذات قدرة على التأثير في منطقة الخليج والشرق الاوسط. وتصل اوساط ديبلوماسية ودفاعية غربية الى الاستنتاج بأن هذه الخطوات والتصريحات تشكّل عملياً "حملة مدروسة ومنهجية" قررت القيادة الايرانية اطلاقها قبل أشهر، وتحديداً في أعقاب تولّي رئيس الجمهورية الجديد سيّد محمد خاتمي منصبه. وتتابع هذه الاوساط تقويمها لهذه "السياسة الجديدة" فتقول: "لقد اتخذ الايرانيون، على ما يبدو، قراراً بانتهاج توجّه سياسي واستراتيجي يستند الى خطّين متوازيين ومتكاملين. فمن جهة تريد طهران الاعراب عن عزمها الانفتاح على جوارها وعلى العالم الخارجي، والتعامل بايجابية مع الدول الراغبة في التعاون معها سياسياً واقتصادياً، والانضمام بفاعلية من جديد الى المجتمع الدولي في إطاره الواسع. لكنّ القيادة الايرانية تريد ان تتجنّب، من جهة ثانية، المجازفة في ان يؤدي مثل هذا الانفتاح والرغبة في الحوار والتعاون، حتى مع خصومها، الى ظهورها بمظهر الضعف او الخوف من مواجهة الاعداء والتحديات. ولهذا ارتأت الجمع بين هذا التوجه السياسي والاقتصادي الانفتاحي، والتشديد في الوقت نفسه على إبراز قوتها العسكرية ومقدرتها الاستراتيجية واستعدادها الدائم للقتال والمواجهة دفاعاً عن مصالحها الحيوية". والامر الثابت ان ايران عقدت العزم على "رفع مستوى ظهورها العسكري والاستراتيجي" في المنطقة الى حدّ لم يسبق له مثيل منذ سقوط حكم الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية. وعلى رغم اتفاق المراقبين والخبراء العسكريين على ان "النهج الايراني الحالي ينطوي على الكثير من عناصر المبالغة والتضخيم" في تناوله لتطورات القوة العسكرية الايرانية وحديثه عن المنجزات التي تحققت على صعيد اعادة بنائها وتحديثها، لا سيما ما يتعلّق بقدرات الانتاج الحربي المحلّي، فانهم يعربون في المقابل عن الاقتناع بأن هذا النهج يعكس ايضاً "القدر المتنامي من الثقة بالنفس" الذي بات الايرانيون يشعرون به ازاء ما حققوه من خطوات على صعيد تعزيز قدراتهم الدفاعية خلال السنوات الماضية، ويعبّر في الوقت نفسه عن اقتناع طهران بأنها اصبحت "قريبة من تحقيق هدفها الاستراتيجي الرئيسي والتاريخي المتمثل في ان تكون قوة اقليمية رئيسية ومعترفاً بها". لكن المسألة تتعدى مجرّد الشعور بالثقة العسكرية الى عوامل اقليميةأهمها: الرغبة المتزايدة لدى القيادة الايرانية في "تحدّي سياسة الاحتواء المزدوج" التي لا تزال تشكّل اساس التوجه الاستراتيجي الذي تعتمده الولاياتالمتحدة حيال كلّ من إيرانوالعراق. وتنطلق هذه الرغبة الايرانية، حسب تحليل المصادر العربية والغربية، من "وصول طهران الى قناعة مفادها ان ادارة الرئيس بيل كلينتون لا يمكن ان تجازف، في الوقت الحاضر على الاقل، بالدخول في مواجهة عسكرية مع ايران، وان الوقت اصبح ملائماً لإثبات فشل هذه السياسة. اختبار مدى الاستعداد الاميركي للدخول في مواجهة عسكرية مع القوات الايرانية في الخليج من خلال اتباع سياسة "حافة الهاوية" التي تقوم على أساس "عرض عضلات القوة الايرانية في مواجهة عرض عضلات القوة الاميركية في المنطقة، بين الحين والآخر، والحرص في الوقت نفسه على تجنّب استفزاز هذه الاخيرة الى الحد الذي قد تشعر معه بضرورة الرد، ثم انتظار ما قد تقرّر واشنطن تنفيذه لاحقاً". ويعتقد الايرانيون بأن مثل هذه السياسة "تقوّض هامش الصدقية الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، وتضع طهران في موقع الدفاع المشروع عن نفسها وعن مصالحها الحيوية في نظر الجوار والعالم". الرد على التحالف الاسرائيلي - التركي الذي تدعمه الولاياتالمتحدة بقوة، بينما تعتبره ايران، ومعها سورية وأطراف عربية اخرى، مصدر تهديد استراتيجي اساسي لها. ويقول خبراء عرب ودوليون ان طهران تشعر الآن بضرورة "تكريس موقعها ودورها كحليف استراتيجي يتمتّع بالصدقية السياسية والعسكرية للدول المعارضة للحلف الاسرائيلي - التركي، خصوصاً سورية التي تشعر بدورها بأن التحالف مع ايران يشكّل ضمانة استراتيجية اساسية لها في وجه ذلك التحالف وما قد يفرضه من تطورات سلبية في المنطقة". الجمود المستمر المسيطر على عملية السلام، ومشاعر الاحباط والغضب المتزايدة التي تميّز المواقف العربية، وتعتبر طهران ان ذلك "يثبت صحة المواقف الايرانية المعارضة اصلاً للعملية السلمية ويؤدي الى "تقوية موقع ايران وجعلها موضع استقطاب اقليمي للاطراف المعارضة لعملية السلام". تكريس موقع ايران كلاعب اساسي على المسرح الافغاني في مواجهة باكستان وحركة "طالبان" التي تدعمها اسلام آباد، والاظهار لدول آسيا الوسطى المجاورة بأن لطهران مصالح وامتدادات امنية واستراتيجية حيوية في تلك المنطقة. وصول القيادة الايرانية الى اقتناع اخيراً بأن الضجة المثارة حول جهودها التسليحية، لا سيما في مجال الصواريخ وذخائر الدمار الشامل، التي تقف اسرائيل والولاياتالمتحدة وراءها في صورة رئيسية، "قد لا تظلّ مقتصرة على المجالات السياسية والاعلامية، بل انها مرشحة للتحوّل بسرعة الى رد فعل عملي قد ينطوي على استخدام وسائل القوة العسكرية". وتنقل اوساط ديبلوماسية عربية عن مسؤولين ايرانيين قولهم في هذا المجال "ان ايران لا يمكن ان تقف مكتوفة الايدي" اذا ما تعرّضت منشآتها العسكرية لأي عملية هجومية من جانب اسرائيل او الولاياتالمتحدة او الجانبين معاً. كما تنقل عنهم تأكيدهم بأن اي عمل عسكري يستهدف المنشآت الايرانية، لا سيما مفاعل "بو شهر" لتوليد الطاقة النووية، سيعني "بدء مواجهة شاملة سترد فيها ايران بكل الوسائل المتاحة لها"، وبأن طهران ستعتبر مشاركة الولاياتالمتحدة في عمل كهذا بمثابة "اعلان حرب"، الامر الذي سيؤدي بالتالي الى "اعلان حرب ايرانية على الوجود الاميركي في المنطقة بأشكاله كافة". إبراز القوة وكان من بين أبرز الامثلة على النهج الذي قررت طهران اعتماده لعرض عضلات قوتها العسكرية خلال الفترة الماضية: - الغارة التي شنتها وحدات سلاح الجو الايراني في اواخر ايلول سبتمبر الماضي ضد قاعدتين لمنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة للنظام في طهران داخل الاراضي العراقية. وكان لافتاً في صورة خاصة ان هذه الغارة كانت الاضخم من نوعها التي تنفذها ايران ضد أهداف داخل العراق منذ انتهاء الحرب بين البلدين عام 1988. كما كان لافتاً ان احدى القاعدتين اللتين هوجمتا تقع الى الجنوب من مدينة الكوت العراقية، اي داخل منطقة الحظر الجوي التي تفرضها الولاياتالمتحدة على تحليق الطائرات العسكرية في الاجواء العراقيةجنوب خطّ العرض 33، الامر الذي دفع واشنطن الى اعتبار الغارة الايرانية، وقيام بغداد في اعقابها باطلاق مقاتلات عراقية من طرازي "ميغ - 21" و"ميغ - 23" داخل تلك الاجواء، بمثابة انتهاك لقرار الحظر، واسراعها بالتالي الى ارسال حاملة الطائرات "نيميتز" الى منطقة الخليج للمساعدة على تأكيد فرضه من جديد. وفيما تزامن وصول الحاملة الاميركية مع موعد بدء ايران مناورات بحرية ضخمة نفذتها قواتها في مياه الخليج، كان الرد السياسي الايراني على الخطوة الاميركية مثيراً للاهتمام بدوره، اذ تهكّم الرئيس الايراني السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني على ابعاد القرار الاميركي، متسائلاً عن المغزى من اعتبار الغارة الايرانية انتهاكاً لمنطقة الحظر الجوي جنوبالعراق، في الوقت الذي لا تعتبر فيه واشنطن التحركات العسكرية التركية ضد الاكراد انتهاكاً لمنطقة الحظر المماثلة التي يفترض ان تكون قائمة في شمال العراق. وإذا كان تساؤل رفسنجاني يعكس رغبة طهران الأكيدة في امتلاك قدرة على التحرك في المنطقة شبيهة بقدرة تركيا، فإن استخدام سلاح الجو الايراني 8 مقاتلات قاذفة اميركية الصنع من طراز "ف - 4 فانتوم" في غارته هذه استهدف تأكيد أن طهران لا تزال قادرة على تشغيل هذه الطائرات التي حصلت عليها من الولاياتالمتحدة في عهد الشاه، على رغم الحظر الاميركي المفروض عليها منذ أواخر السبعينات. - المناورات العسكرية التي نفذتها القوات الايرانية قبل اشهر، وتركزت في المنطقة الشرقية من البلاد، وصولاً الى الحدود مع افغانستان، في الوقت الذي تحدثت فيه معلومات المعارضة الافغانية عن قيام طهران بتزويدها أسلحة جديدة شملت طائرات مقاتلة ومدرعات ومدفعية استخدمت بنجاح ضد قوات "طالبان". وأرادت طهران بذلك إظهار عزمها على عدم السماح لپ"طالبان" بإلحاق هزيمة بقوات التحالف المعارض لها، والوقوف بالتالي في وجه أي محاولة باكستانية ترمي الى السيطرة على الوضع الافغاني. - "مناورات ذو الفقار" التي نفذتها القوات الايرانية على امتداد اسبوعين في ايلول سبتمبر الماضي، وامتدت رقعتها من منطقة خوش نصرت الصحراوية الى الجنوب من طهران وحتى الساحل الجنوبي المطل على الخليج. وتفيد المعلومات التي توافرت عن هذه المناورات انها كانت الأضخم من نوعها التي تنفذها القوات الايرانية النظامية منذ سنوات عدة، وانها تركزت اساساً على أساليب القتال البري والجوي، وشاركت فيها وحدات من قوات الجيش النظامي والحرس الثوري الباسداران وسلاح الجو قدّر حجمها بحوالي 200 ألف جندي وألف دبابة وعربة مدرعة و150 طائرة مقاتلة وقاذفة و100 طائرة هليكوبتر، أي ما يعادل تقريباً نصف مجموع القوات الايرانية البرية والجوية العاملة. - مناورات "نصر - 8" التي بدأت مطلع تشرين الأول اكتوبر الحالي، هي الثامنة في سلسلة مناورات "نصر" التي تنفذها ايران دورياً في منطقة الخليج منذ سنوات. وهذه المناورات بحرية أساساً، وتشارك فيها وحدات الاسطول الايراني النظامي، وكذلك الوحدات البحرية التابعة لقوات الحرس الثوري. واستناداً الى المعلومات الايرانية الرسمية، فإن مناورات "نصر - 8" كانت الأضخم في هذه السلسلة من المناورات البحرية حتى الآن، اذ غطت رقعة عملياتها منطقة من مياه الخليج بلغت مساحتها حوالي 50 ألف كلم مربع، واشتملت الوحدات المشاركة فيها على 100 قطعة بحرية، بما في ذلك مدمرات وفرقاطات وزوارق صاروخية وسفن إنزال وقوارب دورية، الى جانب غواصتين من أصل الغواصات الروسية الثلاث من فئة "كيلو" التي حصلت طهران عليها من موسكو خلال النصف الأول من التسعينات. كما تضمنت هذه الوحدات 18 طائرة وقوات مشاة بحرية مارينز وكوماندوس وقوات دفاع ساحلي ووحدات صاروخية متنوعة. - مناورات "نصر - 9" التي من المقرر ان تبدأ خلال الاسابيع المقبلة. وهي استكمال لسلسلة مناورات "نصر" البحرية، وستتركز في صورة اساسية على مياه الخليج الجنوبية وبحر عمان. أما في مجال الاعلان عن تنامي القدرات العسكرية الايرانية وتطوير صناعاتها الحربية، فكانت أبرز التصريحات التي شهدتها الأسابيع الماضية على لسان كبار المسؤولين في طهران: - إعلان مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي ان بلاده حققت "تقدماً لافتاً في الصناعات الدفاعية العسكرية"، وانها "تتجه نحو الاكتفاء الذاتي في تأمين حاجاتها من المعدات والأسلحة". - التشديد على ما تحقق في مجال تطوير المعدات الصاروخية وانتاجها محلياً. وكان الأبرز في هذا السياق ما ذكره أحد قادة سلاح البحرية الايراني الأميرال محمد راضي اثناء مناورات "نصر - 8"، اذ أشار الى "تجربة ايران الناجحة لنظام صاروخي جديد متطور". وأضاف ان "ذلك يجعل ايران الآن أكبر قوة صاروخية اقليمية في المنطقة". وأطلق الأميرال راضي على النظام الصاروخي الجديد الذي تحدث عنه اسماً لم يكن معروفاً من قبل، وهو "المهاجم". كما تحدث الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن أنشطة بلاده في مجال الصواريخ عندما كشف عن نجاحها في انتاج ما وصفه بپ"صاروخ أرض - جو بعيد المدى يستطيع العمل حتى مسافة 250 كلم". وقارن رفسنجاني بين قدرات الدفاع الجوي التي يوفرها هذا الصاروخ للقوات الايرانية وبين ما كان متوافراً لها أثناء حربها مع العراق، حيث كان أقصى مدى تستطيع الصواريخ الايرانية المضادة للطائرات الوصول اليه آنذاك 30 كلم على حد قوله. - إعلان رفسنجاني عن نجاح ايران في اختبار طائرة مقاتلة بهدف انتاجها محلياً. ووصف الرئيس الايراني السابق هذه المقاتلة بأنها تشبه المقاتلة الاميركية "ف - 5 تايغر" التي لا يزال عدد منها يعمل لدى سلاح الجو الايراني منذ حصوله عليها أيام الشاه، وقال ان اسمها "آذرخش"، وان طهران "اتخذت قرار البدء بتصنيعها قبل حوالي 8 سنوات". وأكد ان اختبار الطائرة في المناورات الأخيرة كان "ناجحاً جداً" وانه تقرر المباشرة بانتاجها عملياً. - كشف الاميرال علي شمخاني وزير الدفاع الايراني عن نجاح بلاده في انتاج بطاريات خاصة بالغواصات الروسية من فئة "كيلو" التي حصلت عليها قبل سنوات. وكان شمخاني يعلق بذلك على مشاركة الغواصتين "طارق" و"يونس" من هذه الفئة التي تسلمت طهران ثلاثاً منها، في مناورات "نصر - 8". ويذكر ان المصادر الدفاعية الغربية كانت تحدثت في الماضي عن "مصاعب واجهتها البحرية الايرانية في تشغيل هذه الغواصات بسبب عدم ملاءمة بطارياتها الروسية الأصلية للعمل في ظروف الطقس والمياه الحارة في الخليج". ويبدو ان وزير الدفاع الايراني أراد من خلال تصريحه هذا تأكيد ان قواته نجحت في تذليل هذه المصاعب. - إعلان الأميرال عباس محتاج قائد سلاح البحرية والاميرال علي أكبر أحمديان قائد الوحدات البحرية التابعة للحرس الثوري عن نجاحات مماثلة على صعيد انتاج المعدات البحرية محلياً، لا سيما زوارق الدورية الهجومية المزودة صواريخ والغواصات التكتيكية الصغيرة المعدة لمهمات الاغارة وزرع الالغام ونصب الكمائن البحرية في مياه الخليج الضحلة نسبياً. وشدد الأميرال احمديان في هذا المجال على ان الصناعات المحلية باتت قادرة على تأمين حاجات قواتها من الزوارق القاذفة للصواريخ. أولوية البناء العسكري وتزامن ذلك مع كشف الاميرال اشكبوس دانه كار عن اختبار البحرية الايرانية في مناورات "نصر - 8" طائرة من دون طيار معدة لمهمات الرصد والانذار والاستطلاع. وقال ان اختبار هذه الطائرة كان ناجحاً، ووصفها بأنها تتمتع بالقدرة على "تلافي خطر الانكشاف على أنظمة الرادار المعادية" ستلث، وان اسمها هو "الشبح". وأشار الى ان الطائرة حلقت خلال المناورات في طلعات استطلاعية تجريبية فوق مياه الخليج وان أنظمة الرادار الموجودة على حاملة الطائرات الاميركية "نيميتز" وغيرها من قطع الاسطول الاميركي المنتشرة في المنطقة "لم تستطع كشفها". وعلى أي حال، فإن احتمال المبالغة في المعلومات الواردة في التصريحات الرسمية أمر وارد، كما ان مصلحة المسؤولين الايرانيين في تضخيم حجم انجازات بلادهم وقدراتها القتالية والانتاجية واضحة ومنطقية. لكن ذلك لا يعني ان طهران لم تنجح خلال السنوات الماضية في تحقيق خطوات أساسية على هذا الصعيد. وتتفق معلومات المصادر الدفاعية الدولية على ان تطوير القوات والصناعات العسكرية كان "أولوية قصوى" بالنسبة الى القيادة الايرانية على امتداد السنوات العشر الماضية. وان طهران عقدت العزم منذ انتهاء الحرب مع العراق، التي فقدت فيها ما يزيد على 40 في المئة من قواتها وعتادها، على تنفيذ عملية اعادة بناء وتحديث وتطوير عسكرية شاملة، وانها صرفت من اجل تحقيق هذا الهدف ما يتراوح بين 40 و50 مليار دولار، بينما يقدر مجموع مصاريفها العسكرية السنوية في الوقت الحاضر بحوالي 3.5 مليار دولار. وتؤكد التصريحات الرسمية الايرانية في الوقت نفسه المعلومات التي دأبت المصادر الغربية والاسرائيلية على نشرها خلال الأشهر الماضية، عن جهود طهران لتطوير صناعاتها وقدراتها العسكرية، خصوصاً في مجال القوات الصاروخية. وتفيد المعلومات الغربية ان "هيئة التصنيع الدفاعي" التابعة لوزارة الدفاع هي المؤسسة الحكومية المركزية التي تتولى الاشراف على برامج الانتاج الحربي الايرانية وتنفيذها. وتقدر عدد العاملين في هذه الهيئة بفروعها المختلفة بنحو "50 ألف موظف وعامل بينهم نحو 30 في المئة من حملة الشهادات الجامعية". واستناداً الى معلومات المصادر نفسها، فإن الصناعات العسكرية المحلية باتت قادرة على تأمين الحاجات الايرانية من الأسلحة والذخائر الخفيفة والمتوسطة بالكامل تقريباً. وينطبق هذا على البنادق والرشاشات ومدافع الهاون ومدافع الميدان والراجمات الصاروخية ومدافع الدبابات وأنواع الذخائر والقذائف الخاصة بها. وتقول ان ما تنتجه ايران من هذه الأسلحة وذخائرها يتألف في معظم الحالات من "نسخ عن أسلحة روسية وصينية واميركية تعمل حالياً لدى القوات الايرانية". أما بالنسبة الى برامج التصنيع المتعلقة بانتاج أنواع رئيسية من الأسلحة، فإن المصادر الغربية تعرب عن اقتناعها بأن تنفيذها يتم من خلال التعاون مع الخارج، لا سيما روسيا والصين وكوريا الشمالية. وتشير في هذا المجال خصوصاً الى دبابات "ت - 72" الروسية التي تقوم ايران حالياً بانتاج نسخة عنها محلياً. وتتحدث ايضاً عن نجاح الايرانيين في ادخال تعديلات على دبابات "م - 48 باتون" و"م - 60" الاميركية التي لا تزال موجودة في حوزتهم، وقيامهم بإعادة بنائها وتشغيلها تحت اسم "ذو الفقار". وفي ما يختص ببرامج تطوير الصواريخ وانتاجها، فإن المصادر الغربية والاسرائيلية تؤكد اهمية التعاون القائم حالياً بين طهران وكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية. وتقول ان صواريخ "المهاجم" التي تحدث عنها الأميرال راضي هي على الأرجح "نسخ منتجة محلياً أو مجمعة محلياً" من صواريخ "سي - 802" الصينية، وهي صواريخ سطح - سطح جوالة كروز مضادة للسفن يصل مداها الى حوالي 120 كلم تستخدمها القوات الايرانية حالياً انطلاقاً من سفنها وزوارقها ومن قواعد ساحلية. وينطبق الأمر نفسه على الصواريخ التي تحدث عنها رفسنجاني، اذ تقول المصادر انه يبدو شبه أكيد ان المقصود بها هو الصاروخ الروسي "سام - 5" س - 200 الذي بدأت طهران في الحصول عليه من موسكو بموجب صفقة عقدت في أواسط التسعينات. وفي هذه الاثناء، تتعاون ايران مع كوريا الشمالية لتطوير صاروخ باليستي أرض - أرض يصل مداه الى 1300 كلم بحمولة رأس حربي يبلغ وزنه 700 كلغ. ويطلق الكوريون على هذا الصاروخ اسم "نو دونغ - 1" فيما يطلق عليه الايرانيون اسم "شهاب - 3". اما المشروع الأكثر اهمية، والذي تركز عليه الأوساط الاسرائيلية والاميركية والاطلسية، فهو برنامج تطوير الصاروخ "شهاب - 4" الذي تؤكد الأوساط ان تنفيذه يتم حالياً بمساعدة روسية. وتقول ان طهران "دفعت لموسكو مئات عدة من ملايين الدولارات حتى الآن" لقاء تعاونها لتطوير هذا الصاروخ الذي يستند في تصميمه الى تصميم الصاروخ السوفياتي "س.س - 4" الذي تطلق عليه دوائر حلف شمال الاطلسي الاسم الرمزي "ساندال"، والذي كان أول صاروخ باليستي استراتيجي حامل لرأس نووي انتجته موسكو في الخمسينات. ويقول الخبراء العسكريون الدوليون ان من شأن امتلاك مثل هذا الصاروخ، الذي يصل مداه الى 2000 كلم بحمولة رأس حربي تقليدي أو كيماوي أو نووي يبلغ وزنه 1000 كلغ، أو الى مسافة 3000 كلم بحمولة رأس بوزن 500 كلغ، ان يمنح ايران قدرة هجومية صاروخية استراتيجية بعيدة المدى تغطي جميع أرجاء منطقة الشرق الأوسط وحتى أواسط أوروبا غرباً وآسيا شرقاً، وان نجاح الجهود الجارية لتطويره سيجعل طهران قادرة على البدء في انتاجه قبل نهاية القرن الحالي، تمهيداً لنشره في صفوف قواتها المسلحة اعتباراً من مطلع القرن المقبل. وعندها تكون ايران حققت فعلاً هدفها الاساسي الرامي الى امتلاكها قدرة ردع استراتيجية شاملة تضمن لها اعترافاً دولياً بموقعها كقوة اقليمية رئيسية ومؤثرة ايران والدفاع عن المرافق الحيوية لفتت مصادر ايرانية واسعة الاطلاع الى ان حرباً كانت ممكنة بين الولاياتالمتحدةوايران، لو ضربت واشنطن مفاعل بوشهر النووي الذي تؤكد ايرانوروسيا انه للأغراض السلمية. وتفسر هذه المصادر الايرانية غير الرسمية انما القريبة من دوائر صنع القرار في ايران، التأكيدات الايرانية على اعلان انتاجها من الصناعات العسكرية المتطورة بأن هدفه توجيه "رسالة واضحة الى واشنطن بأن طهران ستخوض حرباً لا هوادة فيها مع القطع البحرية والطائرات الاميركية اذا شنت هذه الاخيرة اعتداء على مفاعل بوشهر أو أي مرفق حيوي ايراني". وفي تصريحات "مرتبة" غداة انتهاء "مناورات نصر - 8" قال وزير الدفاع الايراني اللواء علي شمخاني ان هذه المناورات وهي للردع كما قال تمت في منطقة شمال الخليج التي ذكر انها تضم أهم المرافق الحيوية والاقتصادية الايرانية، ومنها حقول النفط والغاز ومنصة تصدير النفط في جزيرة خرج التي كانت هدفاً للغارات العراقية أثناء الحرب، اضافة الى موانئ ايران المهمة. وأضاف شمخاني ان المناورات التي شدد على انها إجراء روتيني، حققت منجزات عسكرية تخصصية كبيرة وعززت القدرات على مواجهة احتلال عدو وهمي لأراض ايرانية، وعلى الدفاع عن مرافق ايران الحيوية. وقد جرت على مساحة 50 ألف كلم مربع تمتد من جزيرة لافان الى حدود ايران البحرية مع الكويت. وقال المتحدث باسم المناورات الاميرال اشكبوس دانه كار ان القوات الايرانية كانت تراقب وبدقة تحركات القطعات الاجنبية وتحديداً حاملة الطائرات الاميركية "نيميتز" التي أثار قرار ارسالها الى الخليج غضب طهران. وذكر أشكبوس "ان الوضع بالنسبة الى ايران تحت السيطرة تماماً" محذراً "ان القوات الايرانية لن تقف مكتوفة الأيدي اذا ارتكبت القوات الاميركية حماقة أو تحرشت بالقطعات الايرانية". وكما قال شمخاني فإن عدداً مهماً جداً من المرافق الحيوية الايرانية كان في دائرة المناورات الأخيرة، ومنها منشآت شركة نفط الجرف القاري التي تأسست العام 1980 لانتاج النفط الايراني في مياه الخليج ولإدارة حقول ايران النفطية في المنطقة. لكن الحرب والأضرار الواسعة التي رافقتها حالت دون الاسراع في الاستفادة منها، وقد أولتها ايران اهتماماً كبيراً بعد قبولها القرار الدولي 598 الذي أوقف الحرب في آب اغسطس، وتقع هذه المنشآت في مناطق جزر سيري وخرج ولافان. وتقع جزيرة سيري في أقصى الجنوب من الجزر الايرانية في الخليج على مسافة 62 كلم من ميناء بندر لنكه قرب الخط الحدودي للمياه الاقليمية الايرانية وهي مركز لادارة عمليات ثلاثة حقول نفط هي: سيري C وسيري D 35 كلم غرب الجزيرة ونصرت شمال حقل فاتح التابع لإمارة دبي وهو حقل مشترك بين ايران والامارة. وقد جهزت ايران الجزيرة لتكون جاهزة للانتاج والتصدير وأبرمت ايران عام 1995 عقداً مع شركة توتال الفرنسية لتطوير حقلين فيها بقيمة 600 مليون دولار اثر انسحاب كونوكو الاميركية بأمر من الرئيس الاميركي. كما أبرمت ايران اخيراً مع الشركة نفسها وشركتي بروناس الماليزية وغازبروم الروسية عقداً بقيمة ملياري دولار لتطوير حقل بارس الجنوبي. أما جزيرة "خرج" فتكتسب اهميتها الاستراتيجية كونها من المصادر الرئيسية لتحسين أداء الاقتصاد الايراني. وتقع على مسافة 40 كلم غرب ميناء بوشهر حيث المفاعل. وفي الجزيرة مركز عمليات لإدارة أربعة حقول نفط بحرية مهمة جداً لايران تشمل منشآت البنى التحتية والانتاج والمرافق الجانبية ومنشآت الدعم التقني والتخزين ومنصات التصدير اضافة الى المنشآت السكنية. وفي جزيرة لافان انطلقت مناورات "نصر - 8". وتقع الجزىرة على مسافة 18 كلم جنوب ميناء مقام على حافة الخليج. وتشرف هذه الجزيرة على مركز عمليات ثلاثة حقول نفط بحرية هي سلمان ورسالت ورشادت، وكلها تعرضت لهجوم من القوات العراقية في الفصل الأخير من الحرب العراقية - الايرانية ما يجعل تأمين حمايتها هدفاً ثابتاً للقوات الايرانية المتمركزة في القواعد البحرية قرب الجزيرة. واكملت ايران اعادة تأهيل حقل سلمان الذي دخل خط الانتاج في الخطة الخمسية الأولى التي بدأت مع رئاسة رفسنجاني عام 1989. وتبرز الاهمية الاقتصادية للمنشآت النفطية الايرانية في هذه المنطقة لأنها تضم مرافق تكرير الغاز الغاز الحلو والسائل والسولفور من حقول دورود وفروزان وأبو ذر ونقله الى مجمع خرج للبتروكيماويات. ويقول نائب وزير النفط الايراني نجاد حسينيان ان المشاريع التي تخطط ايران لعرضها على المناقصة الدولية خلال الخطة الخمسية الثانية تشمل 12 مشروعاً تمثل البنية التحتية للاستثمارات النفطية.