للمرة الأولى منذ 50 عاماً تقفز الأزمة الكشميرية إلى مقدمة الأزمات في العالم مهددة بنشوب حرب رابعة بين باكستانوالهند قد تكون هذه المرة حرباً نووية وليست تقليدية على غرار الحروب الثلاث الماضية 1948 و1965 و1971. وقد تدافع المجتمع الدولي للتوسط بين البلدين، خصوصاً إثر تفاقم التوتر في أعقاب التفجيرات الذرية التي أجراها البلدان. وجاءت اللهجة المتشددة من جانب البلدين، مطالبة بالحسم العسكري والتهديد والوعيد، سبباً اضافياً لدفع المجتمع الدولي للبحث عن تسوية لهذه الأزمة المستعصية التي يطالب أهلها بالحرية آزادي منذ نصف قرن فقدوا خلال سنواته الثماني الماضية - حسب تقارير المنظمات الإنسانية الدولية - 25 ألف مدني. وقال قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال المتقاعد أسلم بيغ ل "الوسط": "إن لم يكن هناك حل سياسي لكشمير فلا بد من حسم عسكري يحمي الكشميريين من المخالب الهندية". ودعت نيودلهي إلى حوار ثنائي، وهو ما شدد عليه رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي مرات عدة، آخرها في رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف دعاه فيها إلى مفاوضات ثنائية في العاصمة السريلانكية كولومبو على هامش لقاء رابطة دول جنوب آسيا. غير أن المراقبين لا يعولون كثيراً على مثل هذه اللقاءات التي عجزت طوال العقود الماضية عن ايجاد حل لهذه الأزمة. وعكست هذه المخاوف رسالة وجهها نواز شريف إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، جاء فيها ان المحادثات الثنائية لم تحقق حتى الآن أي نتيجة. وترى إسلام آباد - بحكم خبرتها في التفاوض مع القادة الهنود - أن الهند طالما ماطلت وتراجعت عن تعهداتها، لذا لا بد من حضور طرف ثالث يلزم الطرفين - وإن اخلاقياً - ما يتفقان عليه. إلا أن نيودلهي تدرك مغزى تدويل الأزمة الكشميرية ومخاطر ذلك على وضعها الداخلي، إذ أن قوميات عدة تطالب بالانفصال. لكن كشمير قضية أخرى، فالمسلمون يشكلون 85 في المئة من السكان، ولم تكن جزءاً من الهند طوال تاريخها، إلا بعد الانضمام القسري للهند بعدما باعها الحاكم السيخي لنيودلهي. وأمرت الأممالمتحدة باجراء استفتاء شعبي يقرر الكشميريون من خلاله مصيرهم. وذكرت مجلة "آوت لوك" الهندية في استطلاع أجرته على شريحة من سكان كشمير ان 19 في المئة منهم يؤيدون الانضمام إلى باكستان، وقال 4 في المئة فقط انهم يرغبون في البقاء مع الهند، في حين قال 72 في المئة إنهم يريدون الاستقلال. ويذكر ان قرارات الأممالمتحدة لا تنص على استقلال كشمير، لكنها تخيّر السكان بين الانضمام إلى إحدى الدولتين. لكن المشكلة الملحة ان الهند لم تقبل منذ البداية نظرية القوميتين التي انشئت على أساسها دولتا الهندوباكستان، ولعل هذا ما حثها على فصل بنغلاديش عن باكستان في حرب 1971، للبرهنة على فشل نظرية القومية التي تبنتها باكستان. وتحلم الهند بلعب دور متعاظم في المنطقة، ويبدو ان باكستان هي العقبة الأخيرة في وجه المطامح الهندية بعد أن أخضعت نيودلهي دولاً منها سري لانكا والمالديف وبنغلاديش ونيبال وبوتان حتى غدت تدور في فلك الهند. وبرز هذا الطموح الهندي في كتابات مؤسسي الهند الحديثة. فقد كتب رئيس أول حكومة هندية بعد الاستقلال جواهر لال نهرو في 1944 في كتابه المعروف "اكتشاف الهند": "إن الهند إحدى الدول الرئيسية الأربع في العالم بعد أميركا وروسيا والصين". وأضاف: "إنها ستكون الدولة المسيطرة في جنوب آسيا". وجاءت التفجيرات الهندية النووية لتؤكد هذا التوجه. وتدرك نيودلهي ان إسلام اباد تقف عقبة جدية أمامها، ولعل هذا ما قصده رئيس الوزراء الهندي فاجبايي في قوله أخيراً أن على باكستان أن تدرك الحقائق الجغرافية الاستراتيجية الجديدة بعد التفجيرات النووية الأخيرة. ودعا وزير داخليته المتطرف لال كريشان ادفاني إلى غزو كشمير الباكستانية، لكن هذه اللهجة سريعاً ما تراجعت بعد أن عرضت باكستان عضلاتها النووية. ويرصد المعنيون بالصراع الهندي - الباكستاني 3 عوامل قد يفضي أحدها إلى مواجهة نووية تعزى إلى الصراع على كشمير أساساً، وتلك العوامل هي: - الاتهام الباكستاني للهند بالرد على ما تدعوه نيودلهي تورطاً باكستانياً في دعم الانفصاليين الكشميريين. وتمثل أخيراً - حسب التصريحات الباكستانية - في سلسلة تفجيرات دموية داخل المدن الباكستانية الرئيسية. - عدم وجود خط ساخن بين البلدين وعدم تبادل معلومات عن التحركات العسكرية على غرار ما كان يحصل بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي في الماضي، وهو عامل يشكل خطراً جدياً قد يفضي إلى مواجهة ذرية لا تعرف عقباها. ويحتم ذلك حل المسألة الكشميرية باعتبارها السبب الرئيسي للنزاع، ثم الانتقال إلى ترتيبات أمنية. وترى إسلام اباد أن كشمير "عنق باكستان"، حسب تعبير مؤسس الدولة الباكستانية الحديثة محمد علي جناح، إذ أن الأنهر الخمسة التي تجري في باكستان تنبع من كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية، وتمارس الهند لعبة خطرة من قطع المياه وبناء السدود مخالفة الاتفاقات التي وقعتها مع إسلام اباد العام 1960 برعاية البنك الدولي. - استمرار النزاع بين الهندوباكستان سيدفع المنطقة إلى مزيد من الاستقطاب والتجاذب والتحالفات والمعسكرات، إذ أن موسكو زودت نيودلهي أخيراً مفاعلين نوويين، وثمة اتهامات للصين بتزويد إسلام اباد التقنية العلمية للصواريخ والمفاعلات النووية. وهناك اتهامات باكستانية لإسرائيل بالدخول إلى جانب الهند ووجود طائراتها عشية التفجير النووي الباكستاني لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الباكستانية. كل هذا يعيد المنطقة إلى عصر الحرب الباردة، وربما يؤدي إلى حرب كونية في حال اندلاع أي نزاع هندي - باكستاني على كشمير