أقيمت في السعودية أخيراً ندوتان تتعلقان بالمياه، الأولى نظمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حول زراعة النباتات الملحية، والثانية نظمها القسم النسائي في مكتبة الملك عبدالعزيز حول ترشيد استهلاك المياه. وليست مصادفة ان تناقش جهتان سعوديتان في فترة متقاربة قضايا تتعلق بالمياه، اذ ان معظم أراضي السعودية تقع ضمن المناطق الجافة التي تتصف ببيئاتها الهشة ومحدودية مواردها. وتعتبر المياه احدى أهم الموارد الطبيعية التي تعمل السعودية على المحافظة عليها، وقد لجأت في ذلك الى العديد من الأساليب، أهمها تقليل زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه، كالقمح والشعير والأعلاف الخضراء حتى تم تخفيض انتاج القمح من 4.7 مليون طن العام 1992 إلى 1.3 مليون طن، واقتصر الانتاج على الاستهلاك المحلي والاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الاستراتيجية، وساهم هذا الاجراء في انخفاض استهلاك المياه لكميات القمح المنتجة من 6990 مليون متر مكعب الى 1850 مليون متر مكعب. كما أوقفت السعودية العديد من مشاريع الأعلاف ذات الاستهلاك العالي للمياه وتم تحويل 500 مشروع اعلاف الى مشاريع أخرى لانتاج محاصيل زراعية متنوعة لا تستهلك كثيراً من الماء. فضلاً عن العديد من الاجراءات الزراعية وغيرها للحفاظ على هذه الثروة. ولجأت السعودية الى البحث في كل السبل الحديثة التي تمكنها من تنفيذ خططها المائية ومنها امكانية الزراعة بالمياه المالحة وهو عنوان الندوة التي نظمتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وافتتحها الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المعمر وزير الزراعة والمياه. وهدفت الندوة الى تقويم زراعة النباتات الملحية والبحث في اقتصاديات هذا النوع من الانتاج الزراعي واتاحة الفرصة للمختصين والباحثين لتبادل المعلومات والخبرات في هذا المجال والاطلاع على مستجدات البحث العلمي في مجال زراعة النباتات الملحية. وناقشت الندوة ما يزيد عن 50 بحثاً علمياً تقدمت بها مؤسسات بحثية من السعودية والدول العربية والأوروبية واميركا. وأوضح وزير الزراعة خلال الندوة ان بعض الموارد الطبيعية في السعودية تعرضت خلال الثلاثين عاماً الماضية للتدهور بدرجات متفاوتة نتيجة التنمية الحفرية والزراعية والصناعية وزيادة عدد السكان وما صاحب ذلك من استغلال مكثف للموارد الطبيعية بما يفوق قدرتها التعويضية. وأكد الاهتمام الخاص الذي توليه السعودية لأوضاع المياه والتوجه نحو الاستفادة من جميع المصادر المائية الممكنة لتخفيف الضغط على المصادر المائية التقليدية في الزراعة. شح مياه وزيادة سكان وقدم الدكتور صالح العذل رئيس المدينة شرحاً وافياً لمشكلة المياه موضحاً ان المياه القابلة للاستخدام البشري والنشاط الزراعي تعادل واحد في المئة من المياه التي تغمر سطح الكرة الأرضية. واشار الى ان هناك اجماعاً على ان النقص المتفاقم للمياه القابلة للاستخدام يشكل تهديداً للتنمية الزراعية على مستوى العالم حيث يعتبر النشاط الزراعي أكبر مستهلك للمياه العذبة اذ يصل الى حوالي 80 في المئة من حجم الاستهلاك الكلي، ويحتاج الفرد الواحد الى 1200 متر مكعب من الماء سنوياً لانتاج غذائه وشرابه واحتياجاته الأخرى. وحذر من أن الزيادة المضطردة لسكان العالم ومحدودية مصادر المياه وسوء إدارة تلك المصادر ساهمت في شح متنام في المياه مع ما يحمله ذلك من آثار سلبية على النشاط التنموي للمجتمعات الانسانية. وتحدث عن دعم مدينة الملك عبدالعزيز للعديد من الدراسات على النباتات المقاومة للملوحة، منها دراسة حول ري أصناف مختلفة من البرسيم والشعير بمياه يصل تركيز الملوحة فيها الى 10500 جزء في المليون اضافة الى اجراء دراسة على 12 نوعاً من النباتات البرية التي تنمو في بيئات ملحية وذات قيمة علفية واقتصادية جيدة. وقد بدأت تجارب استخدام ماء البحر في الري في السعودية منذ العام 1990 بتعاون مشترك بين الهيئة الملكية للجبيل وينبع ومعهد أبحاث البيئة في جامعة اريزونا بزراعة فصائل من نبات السلوكورنيا. وتكمن أهمية هذه النباتات في امكانية استخراج زيوت للطعام منها واستخدام مخلفاتها في الاسمدة وأعلاف الحيوانات والدواجن. فإذا كانت الذرة تعطي 4 في المئة من الزيوت فإن السلوكورنيا تحتوي على نسبة زيت تتراوح بين 26 و32 في المئة ونسبة بروتين 31 في المئة. كما قامت مدينة الملك عبدالعزيز بتجارب ناجحة لتطوير نباتات عدة مقاومة للملوحة مثل نباتات الرغل والخربزة والكوشا وبعض أنواع القمح والشعير. وأثبتت التجارب امكانية تحقيق محاصيل جيدة باستخدام المياه المالحة في غسل التربة وصرف المياه واختيار محاصيل مناسبة مقاومة للملوحة واتباع طرق مناسبة في زراعتها وريها قبل الزراعة واختيار طرق خاصة لتسميدها. ويتوقع ان تكون النباتات المقاومة للملوحة بديلاً مناسباً لانتاج الغذاء ويمكن استخدام الأراضي الزراعية المالحة من دون الحاجة الى عمليات الاستصلاح المكلفة. وتحقيق موارد جيدة منها بدلاً من زراعة أرض جديدة كما يمكن استخدام المياه الجوفية شديدة الملوحة في ري المحاصيل التقليدية لزراعة نباتات مقاومة للملوحة وانتاج الأعلاف والغذاء والأخشاب والمواد اللازمة لصناعة الأدوية. دور المرأة وفي الوقت الذي كان السعوديون يبحثون في الاستفادة من ماء البحر كانت السعوديات تبحثن في ترشيد الاستهلاك من خلال الندوة التي نظمها القسم النسائي في مكتبة الملك عبدالعزيز برعاية الأميرة حصة الشعلان حرم الأمير عبدالله ولي العهد السعودي. وأوضحت الدكتورة نورة عبدالعزيز المبارك الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء في كلية التربية للبنات في بحث لها عن المياه ان 70 في المئة من مساحة الكرة الأرضية مغطى بالمياه وان 97.3 في المئة من هذه المياه مالحة وغير صالحة للشرب وأن الصالح للشرب منها 2.7 في المئة منها 77 في المئة مياه متجمدة و22.4 في المئة منها مياه جوفية عميقة تحتاج الى تكاليف باهظة لاستخراجها وتنقيتها، أما المياه المتبقية المتاحة للاستعمال المباشر فتقدر بحوالي 0.007 في المئة من جميع المياه الموجودة على سطح الكرة الأرضية وهي مياه البحيرات والانهار والجوفية القريبة من سطح الأرض. وقالت ان المياه في الخليج أكثر تركيزاً بالأملاح إذ أن الأملاح الذائبة في الخليج العربي تبلغ 56 جزء ملح في كل مليون جزء ماء والبحر الأحمر 43 جزء ملح في كل مليون جزء ماء. وأشارت الى الزيادة الكبيرة في استهلاك مدينة الرياض للمياه خلال العقدين الماضيين بمعدل 8 في المئة سنوياً. وأضافت الدكتورة نورة ان 60 في المئة من مصادر مياه الشرب في الرياض وتبلغ 830.000 متر مكعب يومياً تأتي من المياه المحلاة من محطات التحلية في الجبيل وأن 40 في المئة تأتي من الآبار بعد تنقيتها وتقدر بحوالي 500.000 متر مكعب يومياً. كما شاركت في الندوة الدكتورة نورة عبدالعزيز آل الشيخ من قسم الجغرافيا في كلية الآداب - جامعة الملك سعود ببحث تناولت فيه جهود السعودية في استكشاف وتنمية الموارد المائية منها تنفيذ 1280 مشروعاً بكلفة 17 مليار ريال. وأوضحت ان كمية المياه المستخدمة للشرب في السعودية بلغت 1650 مليون متر مكعب العام 1997 في حين بلغت كمية المياه المستخدمة في الزراعة 8360 مليون متر مكعب، أما المياه المستخدمة في الصناعة فبلغت 550 مليون متر مكعب .