لا تزال الصويرة أو موكادور كما كانت تعرف في الماضي محطة استجمام رائعة كلما أوغلنا جنوباً، حيث تتراءى من بعيد مثل صخرة بيضاء تطفو على وجه الماء. من أكثر مدن المغرب جاذبية بحصونها وقلاعها التاريخية، بل هي التاريخ المغربي نفسه، إذ يرجع تأسيسها الى تسعة قرون تقريباً، وان عرفت زهوها أيام جوبا الثاني الذي اختارها قبل الميلاد بعام واحد ليقيم عليها معملاً لصناعة الارجوان، ذلك اللون المحبب لدى الرومان. وكلمة موكادور مشتقة من لفظ بربري قديم هو مكدول، أي الحصين الذي حوله البرتغاليون في القرن السادس عشر الى موكادورا، وحوله الاسبانيون في ما بعد الى موكادور. اما الصويرة، المدينة الحديثة الذي يعني اسمها اللوحة أو الصورة الجميلة، فقد ارتبطت بالسلطان العلوي المولى محمد بن عبدالله الذي اتصف عهده بالانفتاح على العالم الخارجي والاهتمام المتزايد بالسواحل المغربية على المحيط الأطلسي لحماية أسطوله التجاري من هجمات القراصنة. بنيت الصويرة الحالية العام 1765 وبالفعل سرعان ما أصبحت تؤمن 40 في المئة من مبادلات المغرب التجارية مع الخارج. وضع تصميم المدينة مهندس فرنسي يدعى تيودور كورنو، لكن يبدو أنه لم يصمم إلا النصف الجنوبي منها الذي جاء متماشياً مع الأسلوب النيوكلاسيكي الذي كان يسيطر آنذاك على الهندسة المعمارية الأوروبية، بينما كانت البنايات الأخرى من تصميم المغربي أحمد العلج الذي نقش اسمه على باب الميناء. وكان أول ما شرع في بنائه التحصينات العسكرية، ونقلت اليها المدافع التي كان أغلبها قد صنع في اشبيلية وبرشلونة. وعندما حصنت المدينة بدأ العمران المدني يتسع فيها، إذ أقام فيها العلماء من أهل فاس وغيرها، كما انتقل اليها عدد من سكان المدن الأخرى ومجموعات من القبائل المختلفة فأصبحت مناطق المدينة تحمل اسماءها مثل حومة البواخر وحومة بني عنتر وحومة أكادير. ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت الصويرة من أهم الموانئ المغربية على المحيط الأطلسي. ذاكرة حضارية اقليم الصويرة عبارة عن لسان بحري تحيط به مياه البحر من ثلاث جهات، يمتد على ساحل يبلغ طوله ثلاثة كيلومترات. وتبلغ مساحة الاقليم 6330 كلم، أي 0.9 في المئة من مساحة البلاد، أما مدينة الصويرة ففي اتساع مستمر نظراً الى التطور العمراني الكبير الذي تشهده المدينة منذ السنوات العشر الأخيرة. والاقليم عموماً منطقة شبه جبلية، وعرة في الجنوب، أما في الشمال فتتكون من مجموعة هضاب صغيرة تتخللها بعض التلال يصل ارتفاع اعلاها الى 1400 درجة عن سطح البحر. وكان الصويرة شبه جزيرة، فإن أحد أسوارها يرتفع على حافة البحر، وهو ما يجعله مع معالم أثرية أخرى عرضة للانهيار، خصوصاً ان عدداً من الدور القديمة قد انهار. وقد دقت جماعات ثقافية وبيئية ناقوس الخطر لانقاذ مآثرها التي تتعرض اليوم للتلاشي وتتهاوى بسرعة مقلقة. في تشرين الأول اكتوبر 1991، انطلقت أول ورشة لترميم الجزء القديم من المدينة بمشاركة اليونيسكو، وتسعى وزارة الثقافة حالياً الى ادراج الصويرة ضمن لائحة التراث العالمي. وملف المدينة الآن بين يدي مكتب التراث العالمي لدراسته في ضوء تقرير للدكتور صالح لمعي خبير المنظمة العالمية للمعالم والمواقع اكوموس الذي قام بزيارة للصويرة في نيسان ابريل الماضي. والاهتمام بالصويرة لم يأت من فراغ، فللمدينة دورها في حركة تاريخ المغرب عبر عصوره المختلفة، اذ شكلت تاموزيكا ومن ثم موكادور منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد حلقة وصل من الأقوام التي تاجرت مع حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال المحيط الأطلسي كالفينيقيين والقرطاجيين، أول تلك التي بسطت نفوذها، كالرومان والوندال والبيزنطيين. والوجود الفينيقي الذي أكدته الحفريات ساهم في ادخال المغرب الى العالم المتوسطي. هياكل ادارية جديدة تقلبت أوضاع المنطقة وازدادت أهميتها الاستراتيجية بظهور وحدات سياسية قبل الاسلام، كإمارة حاحا التي أسس أمراؤها مدينة الصويرة القديمة. وعرفت منطقة حاحا والشياظما نهضة مهمة في عهد الدولة السعدية، وخصوصاً في عهد المولى أحمد المنصور الذي شجع زراعة قصب السكر وبنى معصراته فيها. وكشفت الحفريات التي قام بها بول بيرتير عام 1948 النقاب عن تطور عمراني مهم بالمنطقة، سواء على مستوى شبكة مياه الري أو الات معالجة السكر. غير أن نقطة التحول التاريخي - السياسي للمدينة، بدأت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر مع التوسع البرتغالي الى هذه الجزيرة الصغيرة. فقد أراد البرتغاليون أن تكون الصويرة ميناء تجارياً وحيداً، ولتهيئة ظروف هذا التحول نقلت قنصليات الدول الكبرى في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية من فاس الى الصويرة، وألغيت الرسوم على المؤسسات التي تنقل اليها. وهكذا استقطبت المدينة التجار من مختلف المناطق المغربية، كما استقطبت اليهود والتجار الأوروبيين. وكان من نتائج ذلك ان عرفت انشاء أول محطة للأرصاد الجوية. وبحسب التقارير التي كتبها المبعوث الأميركي فيليكس ماتيوس عن الفترة بين 1879 و1881، فإن ميناء الصويرة كان المنفذ الرئيسي لكل الصادرات والواردات المتعلقة بالمنطقة الجنوبية من المغرب. وكانت السفن الأميركية التي تقلع من ميناء بوسطن أو غيره حاملة المنتوجات الأميركية تتوقف في الصويرة، حيث تتسلم في المقابل منتوجات مغربية وافريقية. ويرى بعض المراجع التاريخية أن اليهود كانوا يمثلون 50 في المئة من سكان الصويرة وكانوا في كتاباتهم يعتبرونها مدينتهم. وفي الفترة الممتدة بين 1875 و1884 تبلورت العلاقات اليهودية مع الرابطة الاسرائيلية العالمية، في وقت كانت الصويرة تتجه الى التدهور، وهو تدهور يعكس ما كان يحدث في المغرب آنذاك. ونظراً لوضع الفلاح الصويري البائس بعد الجفاف الذي عرفته المنطقة بين 1913 و1914 اتجهت أعداد كبيرة منهم للتجند في الجيش الفرنسي. كانت الحرب العالمية الأولى اندلعت وأخذت فرنسا تبحث في مستعمراتها عن المساهمة البشرية والاقتصادية، واعتبرت الصويرة حينها مركز تجمع المتطوعين حيث اجريت عليهم الفحوص قبل نقلهم الى الدار البيضاء فأوروبا. سمك وقطط وحشية الصويرة اليوم هي مدينة الشجرة العفصية الشهيرة، العرعار، ويتفنن الصناع التقليديون في اخراج تشكيلات متنوعة منها كالطاولات والعلب المزخرفة المرصعة بعود شجر الليمون. وهي أيضاً مدينة العطور والمشغولات الذهبية والفضية الغنية بالزخارف التي سميت لتميزها ب "الدق الصويري". لكن ما يشد أنظار الوافد اليها الجامع الأعظم وصقالة القصبة، أي بطارية المدافع البرتغالية القديمة، وكذلك باب البحرية والميناء وحدائق الجمرك والمشور، والمتحف الذي يحتوي على أنواع مختلفة من الأسلحة والخشب الملون والأزياء والزرابي السجاد. كان لخشب العرعار المتميز بمتانته وتحمله الرطوبة دور اقتصادي مهم منذ الشروع في بناء الصويرة. استعمله القدماء في تسقيف منازل المدينة وأزقتها وفي صنع صناديق الأمتعة وموائد الطعام والخزانات. وأصبح اليوم المادة الخام لصناعة مزدهرة تنفرد بها الصويرة دون مدن المغرب الأخرى، وتعرف عالمياً بصناعة النقش على خشب العرعار. عمر هذه الصناعة لا يتجاوز تسعين عاماً، إذ ظهرت في أواخر عهد السلطان الحسن الأول الذي اهتم بالصناعة التقليدية، فاجتمعت في الصويرة باقة من العناصر الفنية القادمة من شتى جهات المغرب. وكان الصناع الصويريون بارعين في النجارة ويستعملون كل أصناف الخشب لكنهم توصلوا الى تطويع خشب العرعار وسخروه لكل احتياجاتهم، كما ادخلوه في فن العمارة لنقش المحاريب والأبواب الفخمة والسقوف الرائعة. كمدينة بحرية، أخذت الصويرة تعتمد شيئاً فشيئاً على الصيد لغناها بالثروات السمكية كالسرطان والجراد البحري والقاروس وثعبان البحر واللياء الراية. ولا يفوت الزائر أن يرى الصيادين يقومون طوال اليوم باصلاح شباكهم وصيانة زوارقهم استعداداً للخروج ليلاً الى البحر والعودة محملين بأنواع الأسماك الى الميناء الذي يتحول مطلع كل نهار الى سوق ضخمة للسمك. كما ان شواطئها الممتدة على نحو 6 كيلومترات من الرمال الذهبية الناعمة أخذت تغري الصيادين الهواة والمتنزهين. فالمدينة تضم طرائد نموذجية ينتمي البعض منها الى فصائل نادرة، وبين صخورها أسراب هائلة من طير الزرزور، وقطط وحشية يقال انها تعتاش على السمك الذي يقذفه الموج اليها. وللراغبين في الصيد أو التنزه، لا مكان يضاهي امستين وجبال ايت زلتن وايدا بوزيا الصويرية. ففيما تكسو القمم العالية المتنوعة المناظر غابات غنية من أشجار الأركان والعرعار والقطلب والمستكا والبلوط الأخضر، تحف بالوديان اشجار التين والزيتون واللوز. مدينة سياحية متميزة هذه المؤهلات الطبيعية النادرة جعلت من مدينة الصويرة، مدينة سياحية متميزة. وسرعان ما يدرك الزائر انها تختلف عما تعود رؤيته، وأن كل شيء فيها يخرج عن المعتاد. فهي من أكثر المدن المغربية برودة في الصيف وأشدها دفئاً في الشتاء، والرياح الشمالية الشرقية التي تهب خلال معظم أيام السنة تبقي معدل الحرارة بين 17 و22 درجة، نظراً لتأثير التيار البحري البارد الذي يمر على مقربة من المدينة والمعروف بتيار الكناري. كما ان الطابع المعماري للمدينة عنصر لافت، فالأزقة مرسومة وفق مقاييس هندسية دقيقة، أما بناياتها ذات الأقواس، وأبوابها المبنية بالصخر المنحوت، وسقالاتها المحصنة بمدافع البرونز التي استعملها المخرج اورسين ويلز في فيلمه الشهير "عطيل" فتشهد على أنها بنيت وفق تصميم متكامل. ولذلك اعتبرت الصويرة فضاء للالهام والابداع الفني، وهي تؤوي عدداً كبيراً من الفنانين الفطريين والأكاديميين اشتهر منهم الحسين الميلودي والراحل بوجمعة لخضر والركراكية بنحيلة. كل شيء في الصويرة يوحي الهدوء، ويبعث على الطمأنينة: معالمها الحضارية، أجواؤها المسكونة برياح الشركي، تجاعيد بناياتها. انها باختصار المدينة التي تختزل أجمل ما في الطبيعة في صورة تنطق بروح الابداع والابتكار الصويرة: معطيات سياحية - 7 وحدات فندقية مصنفة من أربع نجوم الى نجمة واحدة، بطاقة ايوائية تصل الى 250 غرفة أي 500 سرير تقريباً. - اقامتان غير مصنفتين تضمان 25 غرفة، بطاقة ايوائية تقدر ب 64 سريراً. - 14 وحدة فندقية غير مصنفة، تضم 268 غرفة بطاقة ايوائية تقدر ب 430 سريراً. - مخيم بلدي بطاقة ايوائية تقدر ب 60 شخصاً. - أكثر من 10 مطاعم عصرية تقدم وجبات متنوعة من الطبخ المغربي والعالمي.